الدرس 119

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

وقع الكلام في أنّ موضوع الحكم الشرعي إذا كان مركباً من الجوهر وعرضه كالماء الكر أو الإمام العادل وما أشبه ذلك. فهل الأصل فيه أن يكون الموضوع هو الوجود النعتي بحيث تتوقف الوجود المحمولي على القرينة أم أنّ الأصل فيه هو الوجود المحمولي بحيث تتوقف استفادة الوجود النعتي على القرينة؟ أم لا اصل في البين؟

وقد ذهب المحقق النائيني وسيدنا الخوئي «قدس سرهما»: إلى أن الأصل في الموضوع المركب من جوهر وعرضه أن يكون المأخوذ فيه الوجود النعتي واستفادة الوجود المحمولي يحتاج إلى القرينة الخاصة وإن اختلف المحقق والسيد في وجه ذلك، فقد افاد المحقق «قده»:

أنّ الوجه في ذلك أنّ تقيد الجوهر بشيء سابق رتبة على تقيد عرضه فمتى ما تقيد الجوهر بعرضه لم يصح ان يلاحظ تقيد العرض بالجوهر، وبما ان تقيد العرض بجوهره ظاهر في النعتية اذن فهو كافي في إثبات ان الأصل هو الوجود النعتي.

وسيدنا الخوئي «قده»: افاد في رد هذا الوجه: أن العرض وجوده في نفسه عين وجوده لموضوعه إذ لا يعقل وجود عرض بلا موضوع، وبالتالي فوجود العرض لموضوعه وهو الجوهر عين واجدية موضوعه له، وليسا شيئين. فوجود العلم لزيد عين واجدية زيد للعلم، فبما ان وجود العرض لموضوعه هو نفس واجدية موضوعه له والفرق انما هو في اللحاظ أي تارة نلاحظ التقيد من جهة العرض وأخرى ان نلاحظه من جهة الجوهر وإلا فهو واحد. فاذا كان واحداً فلا معنى لأن يقال: إذا صار التقيد في جانب الجوهر الغى التقيد في العرض وليس العكس، إذ ليس هناك تقيدان حتى يكون تقيد الجوهر بالعرض ملغياً لتقيد العرض بالجوهر وليس العكس، بل ليس هناك الا تقيد واحد، فإن نفس وجود لعرض لموضوعه هو عين واجدية الموضوع لعرضه، وبالتالي لا يوجد في البين ان تقيدا سابق رتبة لتقيد آخر كي يكون ملغيا له.

ثم ذكر سيدنا «قده» الوجه الذي هو يتبناه في استفادة الأصل المذكور: وهو ان الأصل في الموضوع المركب من جوهر وعرضه الأصل فيه النعتية. فافاد في «ج12، ص257» قال: وجود العرض في نفسه عين وجوده لموضوعه، هذا مسلم. فإن هناك فرقا بين وجود الجوهر. وجود الجوهر لا يحتاج إلى موضوع، وجود العرض يحتاج إلى موضوع.

فوجود العرض في نفسه عين وجوده في موضوعه، بناء على ذلك متى ما وجد العرض وجدت نسبة بين العرض والمعروض، إذ ما دام وجود العرض في نفسه ليس كوجود الجوهر بل وجوده في نفسه عين وجوده لموضوعه، اذن متى ما وجد العرض وجدت نسبة بينه وبين موضوعه، وليست تلك النسبة إلا النعتية. فقل من الاول: إنّ وجود العرض يختلف عن وجود الجوهر، فوجود الجوهر لا يعني وجود نسبة، لأن وجود الجوهر لا يحتاج إلى موضوع، بينما وجود العرض يعني وجود نسبة لأن وجود العرض في نفسه عين وجوده لموضوع فوجود العرض مساوق لوجود نسبة، وحيث إن النسبة تلك ليست الا النعتية فلا محالة كل مركب من جوهر وعرضه فالأصل فيه النعتية، وأما استفادة ان المدار على كل من الجزأين في حد ذاته هذه تحتاج إلى قرينة خاصة.

ثم ذكر ثلاثة مطالب رتبتها على الذي أفاده:

المطلب الاول: قال: فاذا كان الموضوع مركبا من عرض ومحله كما لو قال: «صل خلف الإمامي العادل» فلا يخلوا اما ان يؤخذ العرض بما هو نفسه أي على نحو الوجود المحمولي، أي العدالة بما هي هي، من غير التقيد بموضوع خاص، واما ان يؤخذ العرض «العدالة» منتسبا إلى محله وهو الإمامي. لا سبيل إلى الأول بمعنى ان تؤخذ العدالة في نفسه. إذ لازمه ترتيب الأثر على مطلق وجوده، أي متى ما وجدت العدالة يصلى خلفه ولو لم يكن إمامياً، وهذا خارج عن محل الكلام إذ هو خلف التركب من العرض ومحله، فلا مناص من اخذه على النحو الثاني، أي العدالة المنتسبة إلى الإمامي كي لا يترتب الحكم الا على خصوص وجوده في ذلك الموضوع الخاص. وهذا عبارة عن الوجود النعتي.

المطلب الثاني: إذا كان الوجود النعتي معلوما سابقا وشككنا في بقائه جرى فيه الاستصحاب، كما إذا كان هذا الامامي عادلا سباقا، وشككنا في بقاء عدالته نستصحب البقاء. هذا من الاستصحاب الجاري في نفس النعت، هذا لا اشكال فيه.

اما إذا لم يكن الوجود النعتي معلوم الحالة السابقة فاستصحاب الوجود المحمولي لا يثبت الوجود النعتي، وقد مثلنا له سابقا بالكر. فقلنا ابن هذا الحوض كان فيه ماء سابقا وكان فيه كر الآن لا ندري فاستصحاب وجود الكر في هذا الحوض لا يثبت اتصاف الماء بالكرية. وان كان مثل سيد المنتقى «قده» يناقش حتى في استصحاب الوجود النعتي.

يقول: في الامور التدريجية كالكرية وأمثالها العرف لا يرى وحدة المتيقن والمشكوك، بمعنى لا يصح العرف ان يقول هذا الماء كان كرا فهو كر، الماء الذي كان كرا بدرجة كان متراً، الآن الماء الذي تشك في كريته نصف متر. ف «هذا» بين القضية المتيقنة والقضية المشكوكة غير محرزة. ففي هذه الأمور التدريجية الوجود التي لها درجات لا يرى العرف اتحاد المتيقن والمشكوك بان يقول: هذا الماء، الماء حصص ودرجات، كيف تقول هذا الماء كان كرا فهو الآن كر؟!.

فهو لا يناقش فقط في استصحاب الوجود المحمولي لإثبات الوجود النعتي بل حتى في استصحاب الوجود النعتي لو تيقنا به سابقاً. فإنه لا يصح الاشارة بان نقول هذا الماء كان كرا فهو الآن كرٌّ.

المطلب الثالث: قال ومن هنا كان استصحاب العدم المحمولي غير مجدي في إثبات العدم النعتي، يعني كما ان استصحاب الوجود المحمولي لا يجدي في إثبات الوجود النعتي كذلك استصحاب العدم المحمولي لا يجدي في إثبات العدم النعتي، يمثل له في «ص258»: لو كان هناك أثر مترتب على الكافر، «الكافر نجس، أو الكافر لا يجوز لك الزواج منه» عنوان الكافر، وشك في اسلام زيد وكفره، لا ندري ان زيد من حين ولادته مسلم أم كافر؟ لعل ابواه كافرين، فاستصحاب عدم اسلام زيد قبل ولادته نقول: زيد قبل ان يولد لم يكن مسلما فهو الآن ليس بمسلم، أو زيد قبل بلوغه _اذا لا ندري حالة ابويه_ لم يكن مسلما فهو الآن ليس بمسلم، يقول: استصحاب عدم الاسلام على نحو العدم المحمولي لا يثبت العدمن النعتي، يعني لا يثبت اتصاف زيد بعدم الإسلام، استصحاب عدم الاتصاف لا يثبت الاتصاف بالعدم، فاستصحاب عدم اتصاف زيد بالاسلام لا يثبت اتصاف زيد بعدم الاسلام. هذا كلامه «قده».

إذن تبين من ذلك: ان المحققين النائيني وتلميذه: متفقان على ان الموضوع المركب من جوهر وعرضه الأصل فيه النعتية. انما اختلفا في الوجه:

فالوجه الذي افاده سيدنا «قده»: أنه ما دام وجود العرض في نفسه عين وجوده لموضوعه فوجود العرض يحدث نسبه، وتلك النسبة ليست الا النعتية.

ولكن يلاحظ على هذا الوجه:

بأنه ما هو المقصود بالنعتية، هل المقصود بها الوجود الرابطي أو الوجود الرابط أو التقييد؟

فإن قلنا: بان المقصود بالنعتية الوجود الرابطي، الذي ورد في عبارات المحقق النائيني عبّر بالوجود الرابطي. حيث إن وجود العرض في نفسه عين وجوده في موضوعه:

إن الوجود رابط ورابطي ثمة نفسي فهاك واضطبي

فهناك وجود نفسي وهو وجود الجوهر لا في موضوع. وهناك وجود غيري رابطي، وهو وجود العرض حيث إن وجود العرض في نفسه عين وجوده في موضوعه.

هل هذا الوجود الرابطي الغيري هو المقصود بالنعتية لدى السيد الخوئي وشيخه المحقق النائيني أم لا؟

نقول: إذا كان المقصود بالنعتية هو هذا نقول: هذا ليس وجوداً نعتياً، هذا وجود محمولي.

عندما يقول الفلاسفة: وجود العرض في نفسه عين وجوده لموضوع. يعني يريد ان يقولوا: فرق بين الجوهر والعرض، يعني وجود الجوهر لا يحتاج إلى موضوع ووجود العرض يحتاج إلى موضوع. هذا معنى وجوده لنفسه عين وجوده لموضوعه. لا ان المقصود بذلك ان وجود العرض يحدث نعتية. فكيف يقال بان الوجود الرابطي وهو وجود العرض محقق للنعتية، ليس وجود العرض الا وجود في نفسه. إنما يقال هذا الوجود الذي هو في نفسه يحتاج إلى موضوع، فإذن لو فسر الوجود النعتي بالوجود الرابطي فإن هذا الوجود الرابطي ليس محقق للنعتية.

أمّا إذا كان المقصود بالنعتي الوجود الرابط: هذا مبني على المسلك المعروف عند الفلاسفة، وهو: ان هناك وجودين: وجود نفسي للجوهر ووجود غيري للعرض ووجود رابط بينهما.

فصار عندنا ثلاثة وجودات: وجود نفسي ووجود غيري، يقولون: الوجود الغيري ما دام هو وجود في نفسه، يعني وجود الجوهر وجود لماهية، ماهية زيد، وجود العرض ايضاً وجود لماهية أخرى وهي ماهية القيام. فما دام كل منهما وجودا لماهية فكيف يتحدان؟ نحتاج إلى وجود ثالث يسمى بالوجود الرابط، الوجود النفسي لا نفسية له، لأنه لو قلنا له نفسه للزم التسلسل، فنقول: الوجود الرابط ما كان وجوده في طرفيه، لا ما كان وجوده في نفسه والا احتاج إلى رابط، لذلك عندنا وجوده في نفسه لا في موضوع، وعندنا وجود في نفسه في موضوع، ونحتاج إلى وجود يربطهما وذلك الوجود الثالث هو المسمى ب «الوجود الرابط» الذي لا نفسه له بل هو عين الربط، ولذلك قالوا: وجود المخلوق بالنسبة إلى الخالق ليس وجوداً نفسياً بل هو عين الربط بالنسبة اليه تبارك وتعالى، لا انه شيء له الربط.

إذن بالنتيجة: بما ان هناك وجودا رابطا بين الوجود الجوهر والوجود العرضي ذلك الوجود الرابط المحقق لنسبة النعتية.

فلعل مقصود سيدنا الخوئي هو هذا، أي انه يقصد بالنعتية الوجود الرابطي لا الوجود الرابط، أي الوجود الذي يربط الجوهر بالعرض.

إذا كان هذا مقصوده فهذا يلاحظ عليه:

أولاً: بأنه انكر الوجود الرابط في بحث المعنى العرفي في مناقشته للمحقق الاصفهاني «قده» حيث ان المحقق الاصفهاني بنى على مسلك الفلاسفة من ان الوجودات ثلاثة. وهناك السيد الخوئي ناقشه وقال ليس هناك وجود في الخارج يسمى وجود رابط، ليس الا وجود الجوهر ووجود العرض. والوجود الرابط ليس هو الا نسبة المحمول للموضوع، والنسبة امر ذهني تحليلي وليس امرا خارجياً.

ثانياً: لو قلنا بان النعتية تدور مدار الوجود الرابط، فالوجود الرابط إنما يتصور في الأمور الخارجية، بينما نحن نتحدث عمّا هو أعم، إذ قد يكون العرض من الاعراض الخارجية، وقد يكون عرض الجوهر من الامور الاعتبارية كقولنا هذا الماء طاهر، فالطهارة ليست عرضا خارجياً وإنما هي امر اعتباري، أو قولنا هذا الرجل زوج. والزوجية ليست عرضا خارجياً فالوجود الرابط على فرض التسليم به فإنما هو رابط بين الوجود الخارجي للعرض الوجود الخارجي للجوهر وليس رابطا بين العرض الاعتباري وبين معروضه ومحله، فهذا القانون الذي أفاده ليس قانونا مطرداً وضابطة مطردة في جميع العوارض.

ثالثاً: سلّمنا أن الوجود الرابط حقيقي وان الوجود الرابط مطرد، وان الوجود الرابط محقق للنعتية، فرق بين ما هو نعت خارجاً وتكوينا وما هو نعت لحاظا وفي عالم الجعل، صحيح ان الوجود الرابط محقق للنعتية واقعاً وتكويناً أما القضية الواردة عن المولى المنشأة في عالم الجعل هل لوحظت فيها النعتية أم لا تلاحظ؟

لا ملازمة بين ما هو نعت تكويناً وما هو نعت لحاظاً وإنشاءً وجعلاً، حتى نقول الأصل في كل مركب من جوهر وعرضه أن يكون نعتياً.

اذن بالنتيجة: الصحيح ان المراد بالنعتية هو التقييد، تقييد الجوهر بالعرض، سواء كان عرضه عرض غيره عرض محل آخر، تقييد الجوهر بالعرض أو تقييد الجوهر بجوهر مثله هو المحقق للنعتية، فالنعتية هو التقييد بين طرفين جوهرين عرضين لمحلين، لمحل واحد، أو جوهر وعرض. والوجه في ذلك: ودخولنا في البحث هو لنكتة: هل ان استصحاب بقاء الجزء يثبت الموضوع المركب من جزئين أم لا يثبت؟ وحل هذه النكتة الصغيرة بكلمة واحدة:

انه عن كان موضوع الاثر ذات الجزأين فإن استصحاب بقاء الجزء يثبت الموضوع. وإن كان موضوع الاثر امرا زائدا على ذات الجزأين وهو التقييد فاستصحاب وجود الجزء لا يثبت الموضوع، لأنه لا يثبت التقييد. فاذا كان محور المسألة في أن استصحاب الجزء هل يثبت الموضوع لأن الموضوع ذات الجزأين أو لا يثبت لأن الموضوع اخذ فيه التقييد؟ إذن إذا عبّر بالنعتية فالمراد بها: التقييد، لأن هذا هو موطن الاثر. واما الذهاب إلى ان المحقق للنعتية الوجود الرابطي أو الوجود الرابط أو غير ذلك، فهو أخص من محل البحث.

لذلك الصحيح انه لابد من ملاحظة لسان الدليل، فاذا كان ظاهرا في الدليل، فإن كان ظاهرا في الدليل قلنا بان استصحاب الجزء لا يثبته، وإن لم يكن ظاهراً فالتركيب هو مقتضى الأصل لأن التقييد مؤونة زائدة تحتاج إلى اللحاظ لذلك فاستصحاب الجزء يثبت الموضوع.

أمّا دعوى أن الأصل النعتية، لأن النعتية موجودة تكوينا فهذا مما لا ملازمة فيه عرفاً. هذا تمام الكلام في هذه الجهة.

الجهة الثانية: ذكر سيدنا الخوئي «قده» في الجهة الثانية «ص259»: أنّ العنوان المأخوذ في لسان الدليل موضوعا أو متعلقا لم يلحظ بما هو عنوان، وعلى نحو الموضوعية، وإنما لوحظ على نحو المعرفية للوجود الخارجي، سواء ورد هذا العنوان في جملة انشائية كما إذا قال المستطيع يجب عليه الحج، فإن عنوان المستطيع ليس بما هو عنوان أخذ في لسان الدليل بل بما هو مشير للاستطاعة الخارجية.

أو كانت الجملة خبرية كما لو قال: لا ضرر ولا ضرار في الاسلام. فإن عنوان الضرر لم يؤخذ بما هو عنوان بل بما هو مشير للوجود الخارجي.

وبناء على ذلك: فإما أن يلحظ هذا العنوان مشيراً للطبيعة السارية في كل فرد، وهذا ما يعبر عنه بالإطلاق، مثل: «صل على من مات من اهل القبلة وحسابه على الله». فهنا من مات من اهل القبلة، عنوان مشير إلى الطبيعة السارية، لذلك هذه يسمى مطلق.

وتارة يكون العنوان مشير إلى الحصة وليس إلى الطبيعة السارية، مثل: «صل خلف من تثق بدينه» فهو مشير إلى حصة من المسلمين وهو من يوثق بدينه، ولا يوجد ثالث، بمعنى لا مطلق ولا مقيد، فإن الثالث هو الإهمال، والإهمال محال في مقام الجعل.

والحمد لله رب العالمين.