الخلل الواقع في الصلاة

الدرس 120

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ما زال الكلام في الجهات الدخيلة في جريان استصحاب العدم الأزلي، كما إذا شككنا في الثوب «ثوب المصلي» هل هو مما يؤكل أو مما لا يؤكل؟ فهل يجري استصحاب عدم كونه مما لا يؤكل. بأن يقال: عندما لم يكن هذا الثوب مما لا يؤكل فهو الآن كذلك. ووصل الكلام إلى:

الجهة الثالثة _من الجهات الدخيلة لهذا البحث_:

ومحصّل هذه الجهة: ان التخصيص تارة يكون بالمتصل. وأخرى يكون بالمنفصل. فإن كان التخصيص بالمتصل: كما إذا قال اكرم كل عالم الا الفاسق. فلا إشكال بأن التخصيص بالمتصل مصادم للظهور، بمعنى انه يمنع من الأصل ظهور العام في العموم ويوجب ظهوره على طبق الخاص.

وإنما الكلام في التخصيص في المنفصل: كما إذا قال في دليل: كل امرأة ترى الحمرة إلى الخمسين، وقال في دليل آخر: القرشية ترى الحمرة إلى الستين. فهنا الدليل المنفصل وهو القرشية تتحيض إلى الستين ليس مصادما للظهور فإن ظهور العام قد حصل والشيء لا ينقلب عما وقع عليه، وانما الخاص مصادم للحجية، بمعنى انه لا يمكن العمل بأصالة العموم بعد ورود المخصص المنفصل، فالعموم وان كان ظاهرا أي مرادا استعماليا ولكنه ليس مرادا جديا بعد مجيء الخاص فلا يمكن العمل بالعام في مورد الخاص. إنّما الكلام هل ان العام يتعنون بعدم الخاص أم لا؟ هذا هو محل البحث عندهم.

فاذا قال: اكرم كل عالم، وقال في دليل آخر: لا تكرم فسّاق العلماء، فهل يتعنون العام بعد مجيء الخاص بعدم الخاص؟! فكأنه قال من الاول اكرم كل عالم ليس بفاسق أم لا يوجب التعنون؟! وإذا قال: كل امرأة ترى الحمرة إلى الخمسين، وقال في دليل آخر: القرشية تتحيض إلى الستين، فهل يوجب لذلك تعنونا للعام بعدم الخاص؟ فكأنه قال من الأول: كل امرأة ليست بقرشية تتحيض إلى الخمسين؟!

والمعروف بينهم: أنّ العام يتعنون بعدم الخاص، ولذلك قالوا: إذا شك في الخاص على نحو الشبهة المصداقية كأن لا ندري ان هذه المرأة قرشية أم لا؟ ولا ندري انها مندرجة تحت الخاص وهو قوله: القرشية تتحيض إلى الستين، أو مندرجة تحت العام.؟ وهو قوله: المرأة التي ليست بقرشية تتحيض إلى الخمسين، فيمكن إثبات الموضوع باستصحاب العدم الازلي، بأن نقول: هذه المرأة عندما لم تكن لم تكن قرشية، فإذا جرى الاستصحاب فيها جرى دخلت تحت موضوع العام.

فجريان استصحاب العدم الأزلي في الشبهة المصداقية بعد المفروغية عن تعنون العام بعدم الخاص، حتى يتنقح هذا التعنون بالاستصحاب. لذلك وقع الكلام في ان العام يتعنون بعدم الخاص أم لا؟

وقد ذهب ثلاثة من الاعلام بحسب ما في الباب إلى عدم تعنون العام بعدم الخاص: المحقق العراقي، والمحقق الاصفهاني، وسيد المنتقى «قدس سرهم» فنحن نتعرض إلى ثلاثة تقريبات لكل واحد منهم تقريب لبيان عدم تعنون العام بعدم الخاص:

فهنا وجوه ثلاثة:

الوجه الاول: ما ذكره المحقق العراقي «قده» ويمكن الرجوع إلى «نهاية الأفكار، ص519»: أفاد هناك مطلبين:

المطلب الاول: هناك فرق بين التخصيص والتقييد، أي تخصيص العام وتقييد المطلق. وهو ان موضوع العام نفس الافراد وليس الطبيعة، فالمولى إذا قال: كلُّ امرأة ترى الحمرة إلى الخمسين فإن موضوع التحيض إلى الخمسين كل فرد فرد من أفراد المرأة، لا أن موضوع التحيض هو طبيعي المرأة. فالموضوع للأثر هو كل فرد فرد بلحاظ أن العموم استغراقي انحلالي.

فإذا جاء الخاص وقال: القرشية تتحيض إلى الستين. هل ان مجيء الخاص يوجب الانقلاب؟ إذ انه كل امرأة كانت موضوعاً تامّاً للتحيض إلى الخمسين، الآن بعد مجيء المخصص هل انقلب الأمر فأصبح المرأة ليست موضوعاً للتحيض إلى الخمسين بل لابد من ضميمة أخرى؟ أم لا؟ يقول: لا، التخصيص لا يوجب انقلاب الموضوع عمّا هو عليه، لأن المفروض ان موضوع العام هو نفس الأفراد، فكل فرد من المرأة هو موضوع لهذا العام وهو التحيض إلى الخمسين. ومجيء الخاص غاية ما يصنع عدم شمول العام للخاص، لا انقلاب الموضوع حيث ان المرأة تمام الموضوع اصبحت الآن جزء الموضوع، فلابد من جزء آخر. فغاية ما يترتب على الخاص هو عدم شمول العام للخاص لا تعنون العام بعدم الخاص. والسر في ذلك:

أنّ الخروج التشريعي كالخروج التكويني، فكما ان الخروج التكويني لا يوجب الانقلاب ولا التعنون، كذلك الخروج التشريعي، مثلاً: إذا قال المولى: اكرم كل عالم، فمات كل العلماء الهاشميين فإن هذا لا يوجب تغيراً في موضوع العام، يبقى موضوع العام كما هو: اكرم كل عالم. فموت الافراد، يعني الخروج التكويني لا يوجب انقلاباً للموضوع ولا تعنونا للعام بعدمه، فكذلك الخروج التشريعي بمعنى ان المولى اخرج فسّاق العلماء أو اخرج الأموين من العلماء، فإن الخروج التكويني كالخروج التكويني لا يحدث انقلاباً في الموضوع ولا يوجد تعنون العام بعدم خاص.

إذن غاية ما يفيده التخصيص: أنّ العموم لا يشمل الخاص للمضادة، إذ كيف يشمل الضد ضده؟ هنا يقول اكرم وهناك يقول لا تكرم، لا يعقل ان يشمل حكم العام للخاص بلحاظ المضادة بينهما.

فالخاص يكشف عن ان الحكم وهو وجوب اكرام كل عالم أو تحيض كل امرأة إلى الخمسين يكشف عن أن هذا الحكم قاصر وضيّق من الأول، لأن الحكم تابع لملاك، فإذا كان الملاك قاصرا عن الشمول للخاص فالحكم المستند إلى هذا الملاك لا يشمل الخاص، غاية ما يفيده الخاص هذا. اما الحكم المذكور في العام قاصر عن الشمول في الخاص، أما انقلاب موضوع العام وتعنون العام بعدم الخاص، فهذا مما لا يفيده.

المطلب الثاني: أمّا التقييد فيختلف، لأن المطلق موضوع الطبيعي وليس الافراد، فإذا قال المولى: اعتق رقبة، فموضوع الحكم بالأمر بالعتق هو طبيعي الرقبة لا الأفراد، فبما ان الموضوع هو الطبيعي بما هو طبيعي فإذا قال للمقيد لا تعتق رقبة كافرة كان ناظرا لموضوع المطلق مضيقا له، باعتبار ان الموضوع هو الطبيعي وحيث ان المولى عقبه بقوله: لا تعتق رقبة كافرة دلَّ ذلك على ان موضوع المطلق ليس طبيعي الرقبة بل الرقبة التي ليس بكافرة. إذن هناك فرق بين التقييد المطلق وبين التخصيص العام، فالتخصيص لا يوجب الانقلاب ولا التعنون بخلاف التقييد المطلق.

ثم قال: والشاهد على ذلك: ان الاصوليون اطبقوا على عدم جواز التمسك بالمطلق في الشبهة المصداقية للمقيِّد. فإذا قال اعتق رقبة وقال لا تعتق كافرة وشككنا ان هذه الرقبة مؤمنة أو كافرة، فاطبقوا على عدم جواز التمسك بقوله: اعتق رقبة، لإثبات عتق هذه الرقبة المشكوكة. أطبقوا على ذلك.

بينما في تخصيص العام اختلفوا: فقال كثير منهم بجواز التمسك بالعام بجواز الشبهة المصداقية للمخصص.

_سيد العروة ذكر مثالين، حملها جملة من الأعلام على أنه من باب التمسك بالعام في الشبهة المصداقية_ فإذا قال المولى: كل دم مانع من صحة الصلاة، ثم قال: الدم الأقل من درهم ليس بمانع. وشككنا على نحو الشبهة المصداقية، هل ان هذا الدم الذي في الثوب أو البدن اقل من الدرهم أم لا؟

سيد العروة قال: لا يجوز الصلاة به، بنى على المانعية تمسكا بعموم: كل دم مانع، مع ان الشبهة مصداقية، لا ندري ان هذا الدم أقل فيدخل في المخصص، أو ليس بأقل فيبقى تحت العام، فتمسك بالعام في الشبهة المصداقية. المثال الآخر: إذا احرزنا ان هذا الدم اقل من درهم، ولكن شككنا هل ان هذا دم حيض أم دم جرح؟ لأن دم الحيض ليس معفواً عنه وإن كان اقل من درهم.

فعندنا عام: كل دم أقل من درهم فهو معفو عنه.

وعندنا خاص: دم الحيض وإن كان نقطة ليس معفوا عنه.

نرى صاحب العروة بنى على انه معفو، بنى على عدم المانعية تمسكا بالعام «كل دم أقل من درهم فهو معفو عنه إلا الحيض» بنى على التمسك بالعام عند الشك في الحيضية.

فبما ان جملة من الاعلام تسمكوا بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص بينما لم يتمسكوا بالمطلق في الشبهة المصداقية للمقيد، فهذا شاهد على ان العام لا يتعنون بعدم خاص، بينما المطلق يتعنون بعدم المقيد، إذ لو كان العام متعنونا بعدم الخاص لكان الشك في الشبهة المصداقية شكاً في موضوع العام، فكيف يتمسك به؟ بينما هم تمسكوا، هذا شاهد على العام عندهم ليس متعنوناً وأن المشكوك مصداق قطعي للعام، بخلاف المطلق لأنهم يرون التعنون، ان المطلق يتعنون بعدم المقيد، فلا محالة في الشبهة المصداقية للمقيد يكون شبهة مصداقية لنفس المطلق، فلا يصح التمسك به. هذا تمام كلامه «قده».

وقد اشكل عليه سيدنا الخوئي «قده» بما هو موجود في كلمات شيخه النائيني «قده»، وتبعه تلامذته في نفس الإشكال على المحقق العراقي «12، ص260». وبيان ذلك بذكر أمور:

الأمر الأول: قال: ومن الغريب غفلة بعض الاساطين «قده» وزعم أن التخصيص بالمنفصل كموت بعض الأفراد، فكما ان موت الفرد خروج تكويني من دون تعنون للعام بعدمه، فكذلك التخصيص خروج تشريعي للخاص عن تحت العام من دون ان يتعنون العام بعدمه. «هذا كلام العراقي» وأنت خبير: بما في كلامه من الخلط الواضح بين كلام الجعل ومقام الفعلية.

ومحصّل كلامه:

أنّ للحكم مقامين: مقام جعل، ومقام فعلية:

فمقام الجعل: هو الخطاب الصادر على نحو القضية الحقيقية، التي لا يلحظ فيها أن الموضوع موجود خارجاً أو غير موجود، بل مرجع القضية الحقيقة إلى قضية شرطية وهي إن فرض وجود الموضوع ترتب عليه الحكم، فإذا قال: كل امرأة تحيض إلى الخمسين فهذه قضية حقيقة مرجعها لو وجد انسان وكان امرأة لكان حكمه إذا رأى الدم ان يتحيض إلى الخمسين، قضية حقيقية مرجعها إلى قضية شرطية ان وجد الموضوع ترتب عليه الحكم، وليس حاكية ما في الخارج لا وجودا ولا عدما.

وعندنا مقام الفعلية: وهو ما إذا وجد الموضوع في الخارج، فإن ثلثين من هذا العالم نساء، ونصف هذا الثلث أو اكثر يحيض، فبعد ان وجد الموضوع خارجا اصبح الحكم فعلياً، فلكل امرأة حكم فعلي بالتحيض إلى الخمسين، تحول من مقام الجعل إلى مقام الفعلية، والخروج التكويني انما يؤثر على مرحلة الفعلية دون مرحلة الجعل، فلو فرض موت مليون امرأة نتيجة وباء، فإن هذا لا يوجب تضييقاً في مرحلة الجعل، فإن الجعل ليس حاكياً عن الخارج حتى يتأثر بما يحصل في الخارج، وإنما يتأثر مقام الفعلية، فبدل ان يكون عندنا مئة مليون حكم فعلي، صار عندنا تسعين مليون حكم فعلي، لأن عشرة ملايين قد ماتوا. فإذن الخروج التكويني إنما يؤثر في مرحلة الفعلية لا في مرحلة الجعل. هذا بلحاظ الخروج التكويني.

وأما بلحاظ الخروج التشريعي «التخيصص»:

فاذا قال المولى في دليل كل امرأة تتحيض إلى الخمسين وقال في دليل آخر: القرشية تتحيض إلى الستين. فلا محالة قوله ناظر إلى الخطاب الأول، فهو ناظر لمقام الجعل إلى مقام الفعلية، فكيف يخلط بينه وبين الخروج التكويني؟ الخروج التكويني لا علاقة له في مقام الجعل، بينما الخروج التشريعي ناظر إلى مقام الجعل، فإذا كان الخروج التشريعي ناظراً لمقام الجعل فلا محالة يكشف عن ان المراد الاستعمالي من العام ليس مرداً جدياً، إذ لا يعقل ان يكون مرادا جديا بعد ان اخرج منه المولى هذه الحصة.

الامر الثاني: بعد ان خرجت الحصة، خرجت القرشية من تحت العام، فلا يخلو أن موضوع العام بعد خرجت القرشية ان موضوع العام اما مهمل من جهة القرشية وعدمها، أو مطلق؟ أو مقيّد بالقرشية أو مقيّد بعدمها؟ فإذا بطلت الحالات الثلاث تعينت الرابعة.

وحيث لا يعقل الاهمال في مقام فهذه الحالة منتهية. كما انه لا يعقل الإطلاق لأنه موجب للتناقض إذ كيف تكون كل امرأة على نحو الاطلاق موضوعا للتحيض إلى الخمسين والحال بأن القرشية والنبطية تتحيض إلى الستين؟ اذن لو بقي العام على اطلاقه لكان مناقاً للخاص. وحيث إنّ التقييد للقرشية ايضا نقض، لأن المفروض ان القرشية تخيصيص فلو كانت القرشية هي المحكومة بالتحيض إلى الخمسين لكان ذلك تنقاضا بين العام الخاص. فتعينت الحالة الرابعة وهي ان يكون موضوع العام مقيّداً بعدم الخاص، أي المرأة التي ليست بقرشية، وهو المطلوب.

ثم قال: ولعمر إن هذا واضح جدا لا يكاد يخفى، فالخلط بين المقامين وقياس التخصيص بالموت كما صدر منه «قده» غريب جدا، فلا فرق حينئذ بين التخصيص والتقييد.

الامر الثالث: واغرب منه استشهاده إلى ذهاب جمع من الاعلام إلى التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، إذ فيه عدم تعرض الاعلام للتمسك بالإطلاق في الشبهة المصداقية للتقيد لا يكشف عن عدم تمسكهم فيها كي يكون مغايراً للعام ضرورة ان كثيرا من المباحث المذكورة في باب العام والخاص لا يبحثوها في باب المطلق والمقيد استغناءً بما ذكروه في بحث العام والخاص.

فهو يريد ان يقول له: من اين تقول انهم اطبقوا على عدم التمسك بالمطلق في الشبهة المصداقية بينما اختلفوا في التمسك بالعام في الشبهة المصداقية؟ لا دليل لديك إلا انهم لمّا وصلوا إلى بحث المطلق والمقيد لم يبحثوا هذه النقطة، وهي انه: هل يصح التمسك بالمطلق في الشبهة المصداقية أم لا؟

فعدم بحثهم اعم، لا يعني اطباقهم على عدم التمسك بالمطلق في الشبهة المصداقية، لأن عدة من مباحث العام والخاص اهملوها في بحث المطلق والمقيد استغناءً لبحثهم فيها في بحث العام والخاص.

منها: هل العام حجة في الباقي بعد التخصيص في المنفصل أم لا؟ هذا لم يبحثوه في المطلق والمقيد.

منها: هل يجوز التمسك بالعام في الزائد في القدر المتيقن عند دوران المقيد المنفصل بين الأقل والأكثر أم لا؟

منها: ان المرجع بعد التخصيص في زمان والشك في بقاء حكم المخصص هل هو عموم العام أو استصحاب حكم الخاص؟

كل ذلك لم يبحثوه في بحث المطلق والمطلق، بناء على بحثهم في العام والخاص. هذا بالنسبة لرأي المحقق العراقي.

الوجه الثاني «التقريب الثاني»: ما ذكره المحقق الاصفهاني «قده» بوجه يمنع من العنونة في المطلق فضلاً عن العام.

فهو ليس كالعراقي الذي منع العنونة بخصوص العام، بل كلام المحقق الاصفهاني شامل للعام والمطلق. وبيان وجهه بمقدمتين:

المقدمة الاولى: ان موضوع البعث الانشائي هو موضوع البعث الفعلي، فإذا قال المولى: اكرم كل عالم، على نحو العموم. أو اكر العالم، على نحو الإطلاق. فهذا بعث انشائي، فهل موضوعه وهو العالم هو موضوع البعث الانشائي هو موضوع البعث الفعلي الواقعي أم لا؟

يقول: نعم، موضوع البعث الإنشائي هو موضوع البعث الفعلي.

والسر في ذلك:

أن الإنشاء أو الحكم الإنشائي هو الإنشاء بداعي جعل الداعي، أي الانشاء بداعي المحركية، فبما ان الحكم الانشائي هو عبارة عن الانشاء بداعي المحركية فلا يعقل ان يدعوا لغير ما تعلق به لا يعقل ان يدعوا لغير متعلقه. مثلا: إذا دعانا المولى إلى الصلاة هل يعقل ان الدعوة إلى الصلاة دعوة إلى الصيام؟!

او إذا دعانا إلى شرب العصر فهل هذه دعوى إلى التدخين؟

ليس كذلك، فإن الانشاء بداعي جعل الداعي لا يعقل سرايته لغير ما تعلق به، فبما ان الدعوى في البعث الانشائي تعلقت بالعالم، اذن العالم هو موضوع البعث الفعلي، لأنه لو كان موضوع البعث الفعلي غير ذلك لكانت الدعوة إلى الشيء سارية لغير متعلقه. فلا محالة متى ما وجه المولى المحركية نحو عنوان فهذا العنوان هو متعلق حكمه واقعاً، إذ لو لم يكن متعلق حكمه واقعاً لكان التحريك نحوه غير ساري لما هو متعلق حكمه الواقعي وهذا غير معقول.

المقدمة الثانية: لو قلنا بكلامكم من أنّ المخصص يعنون العام بعدمه، أو المقيد يعنون المطلق بعدمه، فإذا قال المولى: اكرم العالم، ثم قال: لا تكرم الأمويين من العلماء، أو قال: اكرم كل عالم، وقال: لا تكرم الأمويين من العلماء، لو قلنا بالانقلاب وان موضوع العام غير الموضوع الذي موجود في العام، بل موضوع العالم الذي ليس بأموياً، للزم من ذلك أن الحكم يدعوا لغير ما تعلق به. وحيث إن الحكم لا يدعوا لغير ما تعلق به فلا محالة موضوع العام والمطلق يبقى هو الموضوع دون تغير أو عنونة بعدم الخاص، نعم، خرج الخاص والمقيد والا يلزم الجمع بين النقيضين لكن يبقى موضوع البعث الانشائي وهو المستفاد من خطاب العام هو موضوع البعث الفعلي الواقعي.

ويلاحظ على ما أفيد:

أولاً: بأننا لا ندعي الانقلاب والتغيّر، وإنما ندّعي الكشف، بمعنى أن الخاص والمقيّد لما كان قرينة عرفية على المراد الجدي من العام والمطلق فالمخصص والمقيد لا يوجب انقلاباً ولا تغيراً وإنما يكشف عن أن موضوع البعث الفعلي والحكم الواقعي من اول الامر هو العالم الذي ليس بفاسق، أو العالم الذي ليس بأموي. فهذا كاشف عن الضيق لا أنه موجب للضيق حتى يقال يلزم من ذلك ان الحكم يدعو لغير ما تعلق به.

ثانياً: ان كلامه انما يتم في الاحكام التكليفية التي فيها بعث وتحريك ولا يشمل الاحكام الوضعية. فمثلا: إذا قال المولى: الغسلة من الماء تطهر المتنجس، وقال في دليل آخر: المتنجس بالبول لا يطهر الا بغسلتين.

فإن هذا ليس مشتملا لا على بعث ولا على محركية، وانما هو مجرد بيان لحكم وضعي صرف، وبالتالي ليس هناك بعث انشائي وبعث فعلي كي يقال بأن العنونة موجبة لتغاير موضوع البعث الفعلي عن موضوع البعث الإنشائي. يأتي الكلام السبت ان شاء الله فيما افاده سيد المنتقى «قده».

والحمد لله رب العالمين.