الدرس 123

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا فيما سبق: أنّ المحقق النائيني «قده» ذهب إلى أن عدم العرض عدم نعتي لا يمكن إثباته باستصحاب العدم المحمولي، وذكرنا أن السيد الشهيد «قده» في مقابل ذلك افاد: بأن النعتية اما نسبة افتراضية أو هي عبارة عن الوجوب الرابط أو الرابطي أو هي عبارة عن النسبة التحصيصية الانتزاعية، والصحيح في نظره هو الأخير إذ لا يمكن ان يراد بالنعتية النسبة الافتراضية ولو لم يكن لها حكاية عن الواقع. مثلا لو افترضنا أن نسبة بين حجر في افريقيا وطير في جزيرة الواقواق، فقلنا ذلك الحجر في أفريقيا مشابه لذلك الطير في الذي هو في جزيرة الواقواق وهي جزيرة موهومة، فإن هذه النسبة ليست من النعتية في شيء، فهي نسبة افتراضية ليس لها حكاية عن الواقع.

كما انه ليس المراد بالنعتية الوجود، سواء فسرّناه الوجود الرابط كما ورد في بعض كلمات سيدنا الخوئي، أو فسرناه بالوجود الرابطي كما في كلمات المحقق النائيني، لأن الوجود سواء كان رابطاً أو رابطياً يختص بالأعراض المقولية الخارجية. بينما محل كلامنا في النعتية أعم، لأن النعت قد يكون أمراً اعتباريا كاتصاف الماء بالنجاسة وقد يكون أمراً انتزاعيا كاتصاف السقف بالفوقية، وقد يكون أصلاً من العناوين الذاتية، كاتصاف الإنسان بالحيوانية أو الناطقية. فإذن ليس المناط في العنتية هو الوجود الرابط أو الرابطي، وإنما النعتية في نظره هو المحتمل الثالث أي ان النعتية نسبة تحصيصية انتزاعية، فهي من جهة تحصيصية بمعنى أنها تحصص المحمول بالموضوع، فإذا قيل زيد قائم فليس المراد مطلق القيام بل القيام المتحصص بزيد. ومن جهة أخرى فهي نسبة انتزاعية، أي ذات منشأ واقعي، لا أنّها نسبة افتراضية، نسبة انتزاعية بمعنى أن لها منشئا واقعياً، مثلا إذا ادرك الذهن زيد وادرك ان لزيد صفتين: صفة العلم وصفة العدالة، انتزع الذهن من هذا «عدالة العالم» فهذا العنوان المنتزع وهو عدالة العالم نسبة بين العالم والعدالة تحصيصية لأنها حصصت العدالة بالعالم، انتزاعية: لأن لها منشأ واقعياً، فالنعتية نسبة تحصيصية انتزاعية، أي ذات منشأ واقعي، وهذه النسبة الانتزاعية لها تقرر قبل عالم الوجود لأنهّا قد توجد وقد لا توجد، مثلا لنفترض: أموي العادل، عدالة الاموي نسبة تحصيصية انتزاعية، لكنها قد توجد وقد لا توجد، فالنسب التحصيصية الانتزاعية لها منشأ واقعي ولو كان هذا المنشأ الواقعي هو ما يتصوره الذهن، اما الوجود قد يعرض عليها وقد لا يعرض عليها. بناء على هذا التحليل منه «قده» رتب عليه مطلبين:

المطلب الأول: قال بما ان النعتية نسبة تحصيصية انتزاعية فلا تتعقل الا بين العرض ومحله، ولا تتعقل في طرف العدم مثلاً، لأن المفروض أن النعت تحصيص والعدم لا يتحصص بل المتحصص هو المعدوم لا العدم كما مضى أمس.

المطلب الثاني: لو سلّمنا مع المحقق النائيني أن النعتية تأتي في العدم كما تأتي في الوجود، نحن نقول يستحيل النعتية في العدم، لذلك على مبنانا نحن نقول:

لا معنى للبحث ان العدم النعتي هل يثبت باستصحاب العدم المحمولي أم لا؟ على مبنانا لا معنى للبحث لأنه أصلاً لا يتصور النعتية في الأعدام، ولكن لو سلمنا على مبنى النائيني أن العدم يكون عدماً نعتياً، بناء على ذلك: نقول: إذا كان العدم نعتيا يمكن اثباته بالاستصحاب خلافا لما يقوله المحقق النائيني من أن العدم النعتي لا يمكن إثباته باستصحاب العدم المحمولي. وبيان ذلك كما فصّله في تقرير بحوثه: «ج12، ص336» قال «قده»: إن المحقق النائيني فسّر النعتية بالوجود الرابطي، ومعنى الوجود الرابطي ان وجود العرض لموضوعه هو النعتية فوجود القيام لزيد نعت، ووجود العلم لزيد نعت ففسّر النعتية بالوجود للموضوع، فبناء على تفسيره للنعتية بالوجود بالموضوع يعني وجود العرض لمحله، نقول أيضاً في العدم: عدم الشيء عن موضوع نعت، بما ان ملاك النعتية لدى المحقق النائيني في وجود العرض لمحله، اذن ملاك النعتية في طرف العدم هو عبارة عن عدم العرض في محله، وجود العرض في محله نعت، عدم العرض عن محله نعت، فنتصور النعتية في طرف الوجود وفي طرف العدم. هذه المقدمة الاولى.

المقدمة الثانية: تارة نأخذ في موضوع العدم _ يعني عدم العرض_ وجود الموضوع، وتارة: لا نأخذ وجود الموضوع، أي تارة نقول: مرادنا بعدم العرض الذي هو نعت عدم العرض عن هذا الموجود. مثلا: المرأة التي ليست قرشية تتحيض إلى الخمسين، مقصودنا بليست قرشية: تارة نقول مقصودنا بليست قرشية عدم القرشية عن المرأة الموجودة، فأخذنا عنصر الوجود في الموضوع، إذا أخذنا عنصر الوجود في الموضوع صح كلامه، لا يمكن إثبات هذا العدم باستصحاب العدم قبل وجود الموضوع، فإن النعت هو عدم القرشية عن المرأة الموجودة، فاذا كان النعت عبارة عن عدم القرشية عن المرأة الموجودة كيف نثبته باستصحاب عدم القرشية لعدم وجود امرأة؟!

هنا إشكاله تام.

أما إذا كان عدم العرض مضافاً لذات الماهية لا للماهية الموجودة، فنقول: القرشية من صفات المرأة الموجودة اما عدم القرشية لا يختص بالمرأة الموجودة حتى المعدومة تتصف بعدم القرشية، فأضفنا العدم لذات المرأة لا للمرأة الموجودة، وهذا أمر يصح وجداناً ان نقول: هذه المرأة التي لم تولد والتي سوف تولد بعد خمسين سنة يصح أن اصفها بأنها ليست قرشية، فإذن إذا أضفنا عدم القرشية لذات المرأة لا للمرأة بما هي موجودة صح لنا إثبات العدم النعتي باستصحاب العدم المحمولي، لأننا كما قلنا في المقدمة الاولى، المحقق النائيني ما اخذ في النعتية حيثية الاتصاف، بل قال النعتية الوجود للموضوع، فالنعتية في العدم، العدم في الموضوع، لا اتصاف الموضوع بالعدم فهو لم يأخذ حيثيةا لاتصاف حتى تقولون لا يمكن إثباتها باستصحاب العدم المحمولي، حيثية الاتصاف لم يأخذها، قال: النعتية في وجود العرض عبارة عن وجود العرض عن محله، إذن بناء على كلامه النعتية في عدم العرض عدم العرض عن محله من دون أخذ حيثية الاتصاف. والمفروض في المقدمة الثانية: أنّ العدم أخذ لذات الماهية لا للماهية الموجودة فاذا اخذ العدم لذات الماهيّة لا للماهية الموجودة، نقول: هذه المرأة التي نسميها مثلا «عفراء» هذه المرأة عندما لم تكن موجودة لم تكن قرشية، أيضاً هذه المرأة عندما لم تكن موجودة فعدم القرشية مضاف لها، فإذا اضفنا عدم القرشية لها هذا العدم يمكن اثباته باستصحاب العدم الأزلي. هذه المرأة عندما لم تكن موجودة لم تكن قرشية، هذه المرأة لم تكن قرشية منذ الازل منذ ان تصورناها فتبقى منعوتة بعدم القرشية إلى يومنا هذا.

إذن كما يمكن إثبات العدم المحمولي باستصحاب العدم الازلي، كذلك يمكن اثبات العدم النعتي باستصحاب العدم المحمولي. هذا تمام ما قرره في مناقشة استاذه المحقق النائيني «قده».

في مقام الإشكال على كلامه «قده» نذكر مقدمات:

المقدمة الاولى: تعرّض لها الاعلام في بحث حجية الظهور وفي أوائل بحث الاستصحاب. وملّخص هذه المقدمة:

هل المدار في النعتية على ما هو الظاهر اللغوي لخطاب الشارع؟ أو المناط في النعتية على ما هو ظاهر الخطاب بمضميمة المرتكزات العرفية، لا اشكال بأن الخطابات الشرعية محفوفة بالمرتكزات العرفية، ولأجل احتفافها بالمرتكزات العرفية فليس المدار في تحديد ما هو نعت وما ليس بنعت على الظاهر اللغوي للخطاب، بل على ما يستفاد من الخطاب بضميمة احتفافه بهذه المرتكزات. نذكر مثالين لتوضيح المطلب، والسيد الخوئي أيضاً طبقاً لهذين المثالين بأنه لا نعتية في البين:

المثال الاول: إذا قال الشارع: الغسل بالماء الطاهر مطّهر.

إذا اخذنا بالظاهر اللغوي يثبت لنا انه اخذ في موضوع المطهرية اتصاف الغسل بكونه بماء طاهر، يعني لابد ان نثبت ان الغسل اتصف بكون الماء طاهراً، اما إذا حكّمنا المرتكزات العرفية، المرتكزات العرفية، المرتكزات العرفية تقول ان هذا التقيد ليس له دخل وهو ان يتقيد الغسل بكون الماء طاهراً، بل المدار في حصول المطهرية على غسل وماء طاهر، لا على تقيد الغسل بالماء الطاهر. فمثلاً: لو أننا غسلنا الثوب المتنجس ولا ندري هذا الماء الذي غسلنا به الثوب المتنجس طاهر أو لا؟ وكان سابقاً طاهراً، استصحاب طهارة الماء إلى حين الغسل، هل يتردد احد من الفقهاء في طهارة الثوب المتنجس؟! باستصحاب طهارة الماء إلى حين الغسل لم يتردد احد في أن يرتب أحد آثار الطهارة على الثوب المغسول، مع ان استصحاب الطهارة إلى حين الغسل لا يثبت تقيد الغسل بكون الماء طاهراً، مما يعني دخل المرتكزات العرفية في تحديد الظهور، حيث إن المرتكز العرفي يقول: لا مناسبة للتقيد، يكفي في تحصيل الطهارة ان يحصل غسل وأن يكون الماء طاهر، اما التقيد لا دخل له في حصو الطهارة.

المثال الثاني: إذا قال: «اذا بلغ الماء كرا لم ينجسه شيء» هل الكرية وصف للماء بما هو ماء أو وصف للمائع؟ لو جمدنا على الظاهر اللغوي للخطاب، الظاهر اللغوي هو: انه يعتبر في الماء ان يكون كراً، يعني المائية بالكرّية.

أمّا إذا رجعنا إلى المرتكزات العرفية، فالمرتكزات العرفية تقول: تريد اعتصام، والاعتصام ان يكون لديك مانع وهذا المانع له وصفان، هو من جهة ماء وهو من جهة كرّ، أما أن يتصف المائية بالكرية هذا امر لا دخل له في الاعتصام، ما هو دخيل في الاعتصام ان يكون هذا المائع الذي بين يديك من جهة ماء ومن جهة كرٌّ، اما ان تتصف مائيته بكريته امر لا دخل له، لأجل ذلك لو كان لدينا مضاف «مائع» فانقلب ماء، صار ماء، ولكن لا ندري عندما صار ماء هل صار كرا أو لا؟ وكان سابقاً كراً، فهل ان استصحاب الكرّية إلى أن صار ماءً يثبت موضوع العصمة أم لا؟ فلو اعتبرنا في الموضوع اتصاف المائية بالكرية لا يثبت، لأن استصحاب الكرية إلى حين صيرورته ماء لا يثبت اتصاف مائيته بكريته، بخلاف ما لو قلنا بأن الكرية وصف للمانع، فاستصحاب الكرية يقول: هذا مائع ماء، كر، ترتبت عليه حيثية الاعتصام.

إذن المقدمة الاولى: عبارة عن أن المدار في استفادة النعتية وعدمها لا على ما هو الظاهر اللغوي للخطاب بل هو على ظاهر الخطاب المحتف بالمرتكزات العرفية.

المقدمة الثانية: بعد المفروغية عن تحكيم المرتكزات العرفية في استفادة ما هو دخيل وما ليس بدخيل، نقول: إذا جائنا دليل مشتمل على وصف وجودي كما إذا قال: صل خلف امام عادل. فإنه باشتماله على وصف وجودي، فإن المرتكز العرفي يفهم ان العدالة نعت له، وغاية ما يستفيد العرف من النعتية هي الإضافة إلى موضوعه، الإضافة إلى محله، فمعنى «صل خلف امام عادل» ان العدالة المأخوذة في الموضوع العدالة للإمام لا العدالة في نفسه، ليس معنى النعتية الا إضافة العرض لمحله، بحيث لو علمنا ان في الدار عالم، والدار فيها خمسة، ونعلم قبل يومين ان في الدار عالم، ونحن نعلم أنه إن كانت العدالة باقيةً في الدار فهي لزيد، لا لعمر ولا لبكر ولا لخالد، إن كانت العدالة موجودة في الدار فهي لزيد، ونشك الآن في بقاء عدالة في الدار، هل استصحاب العدالة في الدار يثبت ان العدالة لزيد؟ لا يثبتها، هذا معنى ان العرف استفاد من ظاهر الدليل النعتية، يعني استفاد ان الدخيل في الحكم العدالة لمحلها لا العدالة في نفسها، وهذه الإضافة لا تستفاد باستصحاب مفاد كان التامة. هذا بلحاظ الوجود.

وأما بلحاظ العدم: لو افترضنا إنّ الشارع قال في دليل: من صلى تماماً وليس بعالم بوجوب القصر أجزأته التمام، التمام يجزي فيمن صلى وليس بعالم. أُخذ ليس بعالم.

العرف إذا تلقى هذا الدليل يقول: انه يكفي في الحكم وهو اجزاء التمام عدم العلم لا عدم العلم لمن صلى، «ل» هذه لا يرى العرف دخلها، العرف يقول: غاية ما افهم من الدليل ان الدخيل في موضوع الاجزاء عدم العلم بوجوب التمام. إما الإضافة عدم العلم «ل» هذا لا أرى دخلها في الحكم، هذا نسميه عدم محمولي.

لكن لو ان الشارع عبر في لسان الدليل بالمعدولة، فقال: المرأة اللا قرشية تحيض إلى الخمسين، بمجرد أن يعبر بهذا التعبير يستفيد العرف: أن الشارع حوّل العدم إلى وصف، ومعنى انه حول العدم إلى وصف انه اخذ فيه الاضافة، عدم القرشية للمرأة. فبناء على ذلك: كما تتصور النعتية في طرف الوجود تتصور النعتية في طرف العدم.

المقدمة الثالثة: تبيّن مما ذكرناه امران:

الامر الأول: النعتية ليست الا كون الجزء الثاني من الموضوع وصفاً، يعني مضاف إلى محله، لا أنّ النعتية هي عبارة عن الوجود الرابط حتى نقول يختص بالاعراض المقولية، ولا أن النعتية عبارة عن نسبة تحصيصية انتزاعية يعرض عليها الوجود، ثم نظر ونقول ولكن يكفي في استصحاب العدم الأزلي مجرد الربط!!

لماذا تفسر النعتية بنحو، ثم تقول لا نحتاج اليه في جريان استصحاب العدم الأزلي. فخذ النعتية بالعنوان الأولي لا النعتية بالعنوان الثانوي. النعتية بالمعقول الأولي هي النعتية العرفية بمعنى اضافة العرض لمحله، وأمّا النعتية بالمعقول الثانوي فهي عنوان انتزاعي تحصيصي.

كما تبين من خلال ما ذكرناه إمكان النعتية في طرف الوجود وطرف العدم، إذ ليست النعتية إلاّ ما أخذه الشارع وصفاً في خطابه. بأن يقول: «إلاّ» مثلاً، أو «الغير» أو ما أشبه ذلك.

والحمد لله رب العالمين.