الدرس 124

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا فيما سبق في الجهة الرابعة: أنّ النعتية والمحمولية تتصوران في طرف الوجود وفي طرف العدم، غاية ما في الباب عند تحليل أي من الأمرين يتوقف على الاستظهار من لسان الدليل بضميمة المرتكزات العرفية. ويقع الكلام فعلاً في:

الجهة الخامسة: فيما ذكر من الوجوه لمنع جريان الاستصحاب في العدم الازلي، حيث منع منه المحقق النائيني وفصّل فيه المحقق العراقي فيه المحقق العراقي ومنع منه جمع كالسيّد الإمام «قدست اسرارهم». ونتعرض للوجوه:

الوجه الأول: ما ذكره المحقق النائيني «قده» في بحثه اللباس المشكوك. وكلامه مؤلف من مقدمتين:

المقدمة الأولى: ان النعتية طور من أطوار وجود العرض وليس طوراً من أطوار ماهيته، فإننا إذا نظرنا للوجود قلنا: الماهية إن وجدت لا في موضوع فهي جوهر وان وجدت في موضوع فهي عرض، فاتصاف الجوهر بالاستقلالية عن الموضوع، واتصاف العرض بالغيرية كلها من اطوار وجوده، الماهية التي إن وجدت لم تحتج إلى موضوع فهي جوهر، والماهية التي إن وجدت احتاجت إلى موضوع فهي عرض، إذن النعتية والاستقلالية طوران من أطوار وجود الماهية لا من أطوار نفس الماهية، وإلا الماهية من حيث هي لا جوهر ولا عرض، الماهية من حيث هي لا نعتيه ولا نفسية، فالنعتية والنفسية ليسا شأنين من شؤون الماهية بما هي، الماهية من حيث لا نعت ولا لا نعت، لا استقلال ولا لا استقلال وإنما الاستقلالية والنعتية طوران من اطوار وجودها.

المقدمة الثانية: إنّ الوجود والعدم نقيضان، والنقيضان لا يعرض أحدهما على الآخر، فالعدم لا يعرض على الوجود ليرفعه والوجود لا يعرض على العدم ليعرضه، إذ لو عرض احدهما على الآخر فهذا خلف تقابلهما، فإن مقتضى تقابلهما أن لا يعرض أحدهما على الآخر، بل المعروض لكل منهما ذات الماهية، فهذه الماهية كماهية الإنسان نقول: توجد وتعدم لا ان العدم يعرض على وجودها، ولا أن الوجود يعرض على عدمها، بل الماهية المخلاة عن الوجود والعدم هي معرض للوجود والعدم لا أن الوجود يعرض على العدم ولا أن العدم يرفع الوجود، هذا مقتضى التقابل بين الوجود والعدم. وبعد الفراغ عن هاتين المقدمتين يحرر المحقق النائيني استدلاله على عدم جريان استصحاب العدم الأزلي. بيان ذلك:

يقول المحقق النائيني: إذا افترضنا أن المرأة القرشية تحيض إلى الستين والمرأة التي ليس قرشية تحيض إلى الخمسين وشككنا في هذه المرأة التي استمر الدم معها إلى بعد الخمسين هل هي قرشية أم لا؟

يقول المحقق النائيني: أن القائلين باستصحاب العدم الأزلي يتسصحبون عدم القرشية، يقولون: هذه المرأة عندما لم تكن لم تكن قرشية.

ما هو المستصحب؟ هل المستصحب عدم وجود القرشية؟ أو المستصحب عدم القرشية؟ يعني العدم المضاف إلى الوجود أو العدم المضاف للذات. فإن كان المستصحب العدم المضاف إلى الوجود، عدم وجود القرشية فهذا باطل لما قررناه في المقدمة الثانية، من أن العدم لا يعرض على الوجود كي يقال ان المستصحب عدم وجود الماهية، فهذا الفرض باطل.

وإن كان المستصحب عدم نفس الماهية، نقول: هذه الماهية من قبل لم تكن فهي الآن كذلك. فيقال: هل المستصحب حينئذ العدم النعتي لهذه الماهية أو المستصحب العدم المحمولي، بمعنى هل المستصحب عدم القرشية عن هذه المرأة، أو المستصحب عدم القرشية في نفسه؟

فإن كان منظوركم أن المستصحب العدم النعتي؟ اي عدم القرشية عن هذه المرأة هذا العدم بهذا القيد نستصحبه فليست له حالة سابقة، لأن الحالة السابقة عدم القرشية في نفسه عدم المرأة في نفسها لا عدم القرشية عن هذه المرأة فهذا العدم النعتي ليس له حالة سابقة كي يستصحب.

وإن كان المنظور العدم المحمولي، يعني عدم القرشية في نفسه: يجري الاستصحاب اما لا يثبت عدم القرشية عن هذه المرأة، فاستصحاب عدم القرشية في نفسه لا يثبت لنا عدم القرشية عن هذه المرأة الموجودة بين أيدينا لأن استصحاب العدم المحمولي لا يثبت العدم النعتي واستصحاب مفاد ليس التامة لا يثبت مفاد ليس الناقصة.

ولكن أجيب عن كلمات المحقق النائيني «قده» لدى جملة من الأعلام:

بأن ما هو موضوع الحكم الشرعي هو المستصحب.

فما هو موضوع الجعل الشرعي؟

إن موضوع الجعل الشرعي دائما المفهوم، لا بما هو بل بما هو حاكٍ عن الخارج، ولا الخارج في نفسه، مثلاً: القرشية موضوع للحكم الشرعي، حيث إن المولى على نحو القضية الحقيقية يقول: المرأة القرشية تحيض إلى الستين. فما هو موضوع الجعل في قوله: المرأة القرشية تحيض إلى الستين؟ هل الوجود الرابط الخارجي؟ يعني موضوع جعله القرشية الخارجية؟ ليس كذلك. أو موضوع جعله مفهوم القرشية بما هو مفهوم.

إذن فما موضوع جعله؟ موضوع جعله مفهوم القرشية لكن بما هو مشير للخارج، وبعبارة أخرى: موضوع الجعل القرشية مفروضة الوجود، حتى تصير قضية حقيقية، وإلا إذا تقول القرشية الخارجية صارت قضية خارجية، القرشية المفروضة الوجود تتحيض إلى الستين، يعني كلما فرض وجود قرشية فإنها تتحيض إلى الستين.

إذن موضوع الجعل المفهوم بفرض الوجود لا المفهوم بما هو هو، ولا الوجود الخارجي. فبما ان موضوع الجعل القرشية المفروضة الوجود، فالمستصحب عدم هذا الموضوع عدم المفهوم بما هو مشير إلى الخارج وحاك عنه، ومن الواضح ان العدم يصح اضافته إلى المفهوم، لأن ما سمعت وما قرره النائيني من أن العدم لا يعرض على الوجود والوجود لا يعرض على العدم، هذا في العدم والوجود الواقعيين؛ لأن التقابل ليس بين مفهوم العدم ومفهوم الوجود، بل التقابل بين واقع العدم وواقع الوجود لا بين المفهومين، ولذلك يصح ان تقول: بأن تنسب احدهما إلى الآخر بأن تحمل مفهوم العدم على الوجود ومفهوم الوجود على العدم، مفهوم الوجود معدوم في ذهني، مفهوم العدم موجود في ذهني، هذا لا مانع منه، لأن التقابل ليس بين اللحاظين بل الملحوظين يعني واقع العدم وواقع الوجود، فبما أن التقابل بين الواقعيين والملحوظين لذلك لا يعرض واقع العدم على واقع الوجود ولا واقع الوجود على وقع العدم، ولكن الذي نقصده في المقام: هو استصحاب عدم هذا المفهوم بما هو مشير إلى الخارج، عدم القرشية المفروضة الوجود، فهذا مما لا مانع منه، فنقول: بأن المرأة لما لم تكن لم تكن قرشية، يعني كل امرأة افترضتها معدومة فقد افترضت عدم قرشيتها، فهذا العدم عدم القرشية الذي كان ثابتا سابقا هو المراد استصحابه إلى يومنا هذا.

فإن قلت: بأن استصحاب العدم المحمولي لا يثبت العدم النعتي لأن العدم المحمولي ليس نقيضاً للوجود النعتي، نقيض الوجود النعتي العدم النعتي، ونقيض الوجود المحمولي العدم المحمولي لأن نقيض كل شيء بديله، فنقيض الوجود المحمولي العدم المحمولي، ونقيض الوجود النعتي العدم النعتي، فبما أنكم افترضتم في جانب الوجود ان القرشية مأخوذة على نحو القرشية، المرأة المنعوتة بالقرشية، إذن لا محالة لابد أن تستصحبوا العدم النعتي العدم البديل لهذ الوجود، لا أن تستصحبوا العدم المحمولي. إذن بما أن المأخوذ في موضوع الجعل الوجود النعتي فلابد في مقام نفيه من استصحاب النعتي اي العدم البديل له، لا العدم المحمولي، والمفروض ان العدم النعتي لا يمكن استصحابه لأن ليس له حالة سابقة؟!

الجواب: صحيح بحسب الاصطلاح يقولون: بديل الوجود النعتي العدم النعتي أو بديل الوجود المحمولي العدم المحمولي، ولكن هذا ليس نقيضه، ولعل هذا من التعبيرات التسامحية، نقيض كل شيء رفعه لا المرفوع به، وإلا لزم ارتفاع النقيضين، لأننا إذا قلنا نقيض الوجود النعتي العدم النعتي فإذا كان العدم الحاصل هو العدم المحمولي فقد ارتفع نقيضه، الوجود النعتي والعدم النعتي كلاهما ارتفع، لأن الحاصل خارجاً هو العدم المحمولي ولا يعقل ارتفاع النقيضين، إذن لا محالة نقيض الوجود النعتي رفعه، لا ان نقيض الوجود النعتي بديله يعني المرفوع به وهو العدم النعتي.

وبعبارة عرفية نقيض الوجود النعتي عدمه لا العدم المتصف بكونه نعتاً. نقيض القرشية: عدم القرشية لا الاتصاف بعدم القرشية، هذا ليس نقيضه، فبما ان نقيض النعت عدمه لا نعت العدم إذن فبالنتيجة نقول: يصح رفع موضوع التحيّض إلى الستين باستصحاب عدم القرشية على نحو العدم المحمولي، لأن العدم المحمولي رافع للوجود النعتي وإن لم يكن بديلا عنه، يعني مرفوعاً به.

فتلّخص من ذلك: أنّ ما افاده المحقق «قده»: بأن المستصحب ان كان عدم وجود القرشية فالعدم لا يعرض على الوجود، وان كان عدم القرشية على نحو العدم النعتي فليست له حالة سابقة.

وإن كان على نحو العدم المحمولي فلا يثبت العدم النعتي. نقول: المستصحب عدم القرشية، لا عدم الوجود الخارجي للقرشية، لأن هذا ليس موضوعا للجعل الشرعي، بل المستصحب عدم ماهية القرشية بما هي مشيرة للخارج ويصح اضافة العدم إلى الماهية بما هي مشيرة للخارج والمستصحب حينئذ ليس العدم النعتي اي عدم الماهية بنحو العدم النعتي كي يقال ليس له حالة سابقة، بل العدم المحمولي.

فان قلت: بأن بديل الوجود النعتي العدم النعتي، قلنا: ليس هذا مهما في المقام، لأن المقصود رفع موضوع الحكم الشرعي، ويصح رفع موضوع الحكم الشرعي باستصحاب عدم العرض من دون حاجة إلى إثبات نعتية هذا العدم.

الوجه الثاني: ما تعرّض له السيد الإمام «قده» في تهذيب الأصول _وكلامنا الآن في الموانع الثبوتية_: لا يعقل اخذ السلب المحصل قيدا لموضوع حكم وجودي. بيان ذلك:

التحيّض إلى الخمسين حكم وجودي، موضوع هذا الحكم الوجودي: أنتم تقولون بأن موضوع هذا الحكم الوجودي مركب من امرأة وعدم القرشية على نحو السلب المحصّل _يعني السلب الذي يصدق مع عدم الموضوع_ وعدم قرشية يصدق حتى مع عدم هذه المرأة.

يقول هذا محال عقلا، لأنه لا يعقل تركب موضوع من جزء وجزء آخر صادق مع عدم الجزء الأول، إلا في الأحكام العدمية. انتم لا تقولون مثلا: موضوع ال «لا» اللا حيض، موضوع اللا حيض المراة مع عدم القرشية، إذا كان الحكم عدمي لا مانع ان يكون أحد أجزاء موضوعه أمراً عدمياً، أما إذا الحكم وجودي وهو التحيض إلى الخمسين فالحكم الوجودي فعليته فرع فعلية موضوع، فكيف تتحقق فعلية الموضوع بجزأين أحد الجزأين لا يجتمع الا مع عدم الجزء الآخر، لأن الجزء الثاني عدم القرشية مع عدم المرأة، فهذا غير ممكن، فلا يعقل تركب موضوع من جزأين بأن يكون الجزء الثاني عدماً مجامعاً لعدم الجزء الأول، فهذا غير معقول أصلاً. لأجل ذلك متى ما قال الشارع: المرأة ليست قرشية، فالمنصرف منه الموجبة المعدولة، يعني المرأة اللا قرشية، أو المرأة غير القرشية، أو المرأة التي هي ليست قرشية، بحيث يكون الجزء الثاني أمراً إيجابياً وليس أمراً عدمياً، وإذا كان امراً ايجابيا توقف ثبوته على ثبوت الجزء الأول، فإن ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له. فلا يتم إثباته باستصحاب العدم الأزلي.

يوجد نوع من الاشتباه في كلمات تهذيب الأصول: وهو أنه ما هو المراد من السلب المحصّل؟ هل المراد به سلب المحمول بشرط عدم الموضوع؟ أو سلب المحمول الذي يصدق مع عدم الموضوع أحياناً، لا بشرط عدم الموضوع، فإذا كان السلب المحصّل هو السلب بشرط عدم الموضوع، صحيح الإشكال يرد، إذ لا يعقل تركب الموضوع من جزء وجزء لا يكون فعليا الا بشرط عدم الشرط الأول، هذا واضح، لكن هذا لا يقول به أحد في معنى السلب المحصّل، بل المقصود من السلب المحصل: سلب المحمول الذي يصدق على مع عدم الموضوع، لا ان صدقه مشروط بعدم الموضوع. وبالتالي اي مانع من ان يكون موضوع الحكم الوجودي مركب من جزأين احد الجزأين وجودي وهو المرأة والجزء الآخر عدمي وهو عدم القرشية الذي يصدق حتى مع عدم الموضوع لا ان صدقه مشروط بعدم الموضوع، وإلا فمن الواضح ان موضوعات الأحكام الوجودية تتركب حتى من جوهر وعدم جوهر آخر أصلاً، مثلاً: إذا اصبح الصباح ولم يحدث بلاء فتصدق، مع أن الجزء الاول وجودي والجزء الآخر عدم شيء آخر لا ربط له بالجزء الأول ومع ذلك يتنقح بهما موضوع حكم وجودي، فتركب موضوع الحكم الوجودي من جزء وجودي وجزء عدمي ولو عدم محمولي أمرٌ وجداني لا إشكال فيه، إن أصبح صباح ولم يحدث بلاء فتصدق.

هذا ما ا فاده «قده» في الوجه الثاني من وجوه منع استصحاب العدم الأزلي.

الوجه الثالث: ما ذكره السيد نفسه في «تهذيب الأصول» من ان الاستصحاب لا يجري لعدم اتحاد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة، والسر في عدم اتحاد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة:

يقول: بأن صياغة الاستصحاب على نحو العدم الأزلي المذكورة في كلام الأعلام هي: هذه المرأة عندما لم تكن لم تكن قرشية وهي الآن كذلك. وهذا خطأ واضح، لأن الماهية قبل الوجود معدومة والمعدوم المطلق لا يصح الاشارة اليه لا حسّاً ولا عقلاً، لا حساً فواضح لأنه معدوم، ولا عقلاً، لأن الماهية قبل الوجود لا شيء، إذ المفروض أن الماهية منتزعة من الوجود، لأن الماهية منتزعة من حد الوجود، فإن لم يكن وجود فلا ماهية، فالماهية قبل الوجود لا شيء، لا معنى ان نقول: هذه المرأة عندما لم تكن لم تكن ولا لم تكن ولا.... الخ، فالماهية قبل الوجود عدم مطلق والعدم المطلق لا تصح الإشارة اليه لا حسّاً وهو واضح، ولا عقلاً لأنه لا شيئية لها قبل الوجود.

فإن قلت: القضية السالبة إشارة عندما نقول: المرأة التي لم توجد ليست قرشية، هذه القضية السالبة اشارة، مثل قولنا والد عيسى لم يأكل ولم يشرب؟

قال: هذا من باب التفنن في التعبير وإلا القضية السالبة لا حكاية لها لأن القضية ذات الحكاية ما كان للنسبة المحكية واقع، والمفروض ان القضية السلبية ليس لمحكيها واقع، فالقضية السلبية مجرد ربط كلامي لا اكثر، وإلا فليس لهذه القضية محكي لأن السلب عدم لا واقع له فكيف يكون محكيا بهذه القضية السالبة؟!

وبعبارة أخرى هو يذكرها: معنى قولنا المرأة التي لم توجد ليست قرشية ليس معناها سلب القرشية عن المرأة، بل معناها سلب القرشية في نفسها وسلب المرأة في نفسها، لا سلب القرشية عن المرأة. فمعنى المرأة التي لم توجد ليست بقرشية أو والد عيسى لم يأكل ولم يشرب، معناه: لا والد لعيسى ولا أكل ولا شرب، فمرجعها إلى سلب الموضوع في نفسه وسلب المحمول في نفسه، لا سلب المحمول عن الموضوع.

إذن لم تتحد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة، فإن القضية المشكوكة هي عدم القرشية عن هذه المرأة الموجودة، بينما القضية المتيقنة عدم القرشية لعدم المرأة، فلم تتحد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة كي يجري الاستصحاب.

وهذا الإشكال محل تأمل نقضاً وحلاً:

أما نقضاً: فلأنه يصح سلب الوجود عن الماهية بلا كلام، فيقال: المرأة ليست موجودة، كيف يصح الإخبار له مع ان الموضوع مما لا يشار اليه لا حسّاً ولا عقلاً، كيف سلبنا عنه الوجود والحال أن سلب الوجود حكم واقعي صحيح، فإذا قيل العنقاء ليست موجودة، أليس هذا الحكم حكم صحيحاً واقعيا مع ان المحكوم عليه مما لا يشار اليه لا حسّاً كما قال، ولا عقلاً لأنه لم ينتزع. ألا يصح ان يقال وجدانا اجتماع النقيضين محال؟! شريك الباري ممتنع؟! كيف صحَّ الاشارة عليه وهو ما يقبل الإشارة إليه لا حسّاً ولا عقلاً كيف نحمله عليه؟! مع انه لا اشكال ولا ريب اننا إذا قلنا اجتماع النقيضين محال وشريك الباري ممتنع نرى ان هذه القضية قضية صادقة وحقيقية، وليست قضية تفنن في الكلام أو أنها مجرد ربط كلامي، بل قضية واقعية وحقيقية اجتماع النقيضين محال، مع ان موضوع هذه مما لا يقبل الإشارة لا حسّاً ولا عقلاً.

أمّا الحل: فيكفي في الاشارة عقلا المعبَّر عنه بالانتزاع، معنى أن الشيء يقبل الإشارة عقلاً يعني يقبل الانتزاع، ان العقل ينتزعه فيشار اليه، يكفي في صحة الاشارة اليه عقلاً ويكفي في انتزاعيته قابليته للوجود الذهني، فكل ما فرض وجوده ذهنا صح الاشارة اليه بالحمل عليه، وإن كان مما يستحيل وجوده خارجاً، بل يصح حتى في الامتناع، يصح لك ان تقول: امتناع الوجود حكم، امتناع الوجود حقيقة، اي ان الاحكام اما ممكن الوجود أو ممتنع الوجود، إمكان الوجود امر واقعي، امتناع الوجود امر واقعي، يصح ان تحمل الواقعية على امتناع الوجود مع ان امتناع الوجود لا يقبل الإشارة اليه حسّاً ولا عقلاً بمعنى أنه لا ينتزع من الوجود، أصلاً لا قابلية له بأن ينتزع من الوجود.

فالنتيجة: المرأة التي لم تكن لم تكن قرشية استصحاب صحيح، لأن المرأة قبل وجودها مما يصح الاشارة اليها عقلاً، ويكفي في صحة الاشارة اليها عقلاً انتزاعيتها ويكفي في انتزاعيتها فرض وجودها الذهني مشيراً إلى الخارج.

فتحصّل من ذلك: أنّ الوجوه الثلاثة غير كافية لمنع جريان العدم الأزلي. يأتي الكلام غداً في تفصيل المحقق العراقي «قده».

والحمد لله رب العالمين.