الدرس 125

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ما زال الكلام في وجوه المنع الثبوتية عن جريان الاستصحاب في العدم الأزلي، ووصلنا إلى:

الوجه الرابع: وهو ما أفاده المحقق العراقي «قده» من التفصيل. وحيث ان لكلامه «قده» تقريرين: احدهما ذكره في رسالته اللباس المشكوك، والآخر ذكره في رسالته استصحاب العدم الأزلي، لذلك لابد من عرض كلامه بتقريريه، إنما الكلام فيما أفاده هو في رسالته في اللباس المشكوك، ورسالته في استصحاب العدم الأزلي.

أما التقرير الأول: الذي أفاده في اللباس المشكوك، فهو يبتني على مقدمتين:

المقدمة الأولى: افاد «قده» إن الوصف متأخر رتبة عن الموصوف، إذ لا يعقل الوصف حتى يكون له معروض وموصوف، مثلا: القرشية متأخرة رتبة عن المرأة إذ لا يعقل ثبوت للقرشية من دون ثبوت للمرأة ولو في عالم الذهن. وإذا كان هذا الأمر في طرف الوجود بمعنى أن ثبوت الوصف متأخر رتبة عن ثبوت الموصوف فكذلك في طرف العدم بمعنى أن عدم الوصف متأخر رتبة عن الموصوف أيضاً، والسر في ذلك: أن الوجود والعدم ما داما نقيضين فالنقيضان متواردان على موضوع واحد، إذ لا معنى لأن يقال وجود بكر يناقضه عدم زيد فإن هذا ليس تناقضا، بل لابد من التناقض من ورودهما على موضوع واحد، فمقتضى تقابل النقيضين ووردهما على موضوع واحد أن يكونا في رتبة واحدة لا في رتبتين، إذ لو كانا في رتبتين لم يردا على موضوع واحد، لأجل لما كانت رتبة الوصف متأخرة عن رتبة الموصوف كان عدمه أيضاً متأخرة رتبة عن الموصوف، لاشتراط التناقض بوحدة الرتبة، فإذا افترضتم ان القرشية متأخرة رتبة عن المرأة فعدم القرشية أيضاًً متأخر رتبة عن المرأة. وهذا ما نسميه نحن بالعدم النعتي وقد يسميه غيرنا بالعدم المحمولي.

المهم بنظر العراقي أن العدم نقيض الوجود، والوجود متأخر رتبة عن الموصوف فعدمه كذلك.

المقدمة الثانية: بأن المدار في جريان الاستصحاب على ما هو الموضوع في عالم الجعل لا على ما هو الموصوف خارجاً، بل على ما هو الموضوع في عالم الجعل، فبما ان المدار في عالم الاستصحاب على تحديد ما هو الموضوع في عالم الجعل، فلابد أن نرجع إلى استنطاق الدليل الموجود في عالم الجعل، فإذا رجعنا لاستنطاق الدليل وجدنا ان الوصف الا وهو القرشية تارة تؤخذ بنحو طولي وتارة تؤخذ بنحو عرضي كما عبّر.

أما النحو الأول: الا وهو الطولي، فهو عبار ة عن اخذ القرشية وصفا للمرأة الموجودة لا لذات المرأة، بأن نستفيد من ظاهر الدليل أنه قال: إذا وجدت امرأة وكانت قرشية فإنها تتحيض إلى الستين، فأخذ القرشية وصفاً للمرأة الموجودة المرأة التي فرض وجودها، هذا معنى ان القرشية لوحظ على نحو طولي أي لوحظت في طول الوجود يعني في طول وجود الموضوع الا وهو المرأة، فبناء على ذلك من الواضح لا يجري استصحاب العدم الأزلي، لأنه إذا كان المأخوذ في لسان الدليل النحو الطولي أي القرشية العارضة على المرأة الموجودة، فعدم هذه القرشية هو عدم القرشية عن المرأة الموجودة لأنه يشترط في النقيضين وحدة الرتبة، بمقتضى تواردهما على موضوع واحد، فإذا كان الوجود هو عبارة عن القرشية للمرأة الموجودة فنقيضه عدم القرشية للمرأة الموجودة، وهذا العدم مما لا يمكن إثباته باستصحاب العدم الأزلي فإن المتيقن أزلاً عدم القرشية لعدم المرأة لا عدم القرشية عن المرأة الموجودة.

وأمّا إذا لوحظ الوصف على نحو العرضي، أي لم يلحظ وصفاً للموجود وإنما لحظ وصفاً للذات، فكأنه قال: إذا وجدت امرأة قرشية تتحيض إلى الستين لا إذا وجدت امرأة كانت قرشية على فرض وجودها، أخذ المقيِّد بما هو مقيد موضوعا، قال المرأة القرشية يعني التي فرغنا عن اتصافها بالقرشية أزلاً وفي رتبة سابقة المرأة القرشية إن وجدت تتحيض إلى الستين لا المرأة ان وجدت وكان على فرض وجودها قرشية، المرأة القرشية التي فرغ عن اتصافها بالقرشية في رتبة سابقة ان وجدت تتحيض إلى الستين، فبناء على ذلك: موضوع الجعل على نحو العرضية يعني المرأة والقرشية في عرض واحد لا أن القرشية متأخر عن وجود المرأة، صحيح ان القرشية وصف والوصف لا ثبوت له الا بالموصوف لكن ليس المدار قلنا على النسب الواقعية بل المدار على ما أخذ في لسان الدليل وفي موضوع الجعل، فإذا أخذ في لسان الدليل الحصة بما هي يعني المرأة القرشية بما هي حصة وفرض وجودها فقال على فرض وجودها تتحيض إلى الستين، فحينئذٍ عدم هذا الوصف يتحقق بعدم المرأة، لأن المفروض ان الموضوع في عالم الجعل المرأة القرشية فيصدق عدم هذا الوصف بعدم المرأة أيضاً، فبما أن الوصف في لسان الدليل لم يؤخذ متأخرا عن الوجود وانما اخذ في عرض المرأة فعدمه صادق بعدم المرأة، لأجل ذلك يجري استصحاب العدم الأزلي لإثبات عدم القرشية ولو لعدم المرأة. هذا بالنسبة إلى تقريره الأول المذكور في رسالته في اللباس المشكوك.

وأُشكِل على هذا التقرير كما يظهر من كلمات سيدنا الخوئي في رسالته في اللباس المشكوك وأيضاً في بحثه في «ج12»:

ومخلّص الإشكال عليه:

أنّ دعواه انه يشترط في التناقض وحدة الرتبة هو مفصل هذا الكلام، وإلا إن لم نشترط في التناقض وحدة الرتبة فلا فرق بين اللسانين، بأن يقول ان وجدت المرأة وكانت قرشية، أو ان يقول المرأة القرشية ان وجدت، لا فرق بينهما. والسر في ذلك: عندما يقال يعتبر في التناقض وحدة الرتبة، فما هو المقصود من الرتبة؟ هل المقصود بالوحدة المعنى السلبي؟ أو المقصود بالوحدة المعنى الإيجابي؟

فإن كان المقصود بوحدة الرتبة: المعنى السلبي، يعني ليس بينهما ملاك يقتضي تأخر أحدهما عن الآخر، هذا المعنى السلبي عند تأخر الرتبة. مثلا: عندما ننظر إلى وجود النار وعدم النار، نقول: ليس بين النار وعدمها ملاك يقتضي أن يتأخر أحدهما عن الآخر، هذا معنى وحدة الرتبة بالمعنى السلبي، لا يوجد ملاك يقتضي أن يتأخر عدم النار عن وجودها أو وجود النار عن عدمها، هذا معنى الوحدة بالمعنى السلبي.

اذا كان هذا هو الشرط في التناقض لا يقع التناقض بين وجود وعدم حتى لا يكون ملاك يقتضي تأخر احدهما عن الآخر، اما هذا لا يقتضي تأخر أحدهما عن الآخر، هذا كلام صحيح، أما هذا لا يقتضي في أنه إذا تأخر الوصف عن الموصوف رتبة فلابد أن يتأخر عدم الوصف عن الموصوف. لأن المفروض المراد بالوحدة المعنى السلبي، يعني ليس بينهما ملاك يقتضي تأخر أحدهما عن الآخر لا أن بينهما ملاك يقتضي تساويهما في الرتب. صحيح ان الوصف متأخر رتبة عن الموصوف لكن لا يشترط أن يكون عدمه أيضاً متأخر رتبة عن الموصوف، إذ المراد بوحدة الرتبة إن لا ملاك وهو حاصل حتى وإن لم يتساويا في الرتبة بالتأخر عن الموصوف ثبوتاً.

وأما إذا كان المقصود بوحدة الرتبة المعنى الإيجابي: يعني هناك ملاك يقتضي تساويهما، لا أن لا ملاك يقتضي تأخر احدهما، كما ذكر في المعلولين لعلة واحدة. فإذا قيل مثلا: حركة الأرض علّة لطلوع الشمس ووجود النهار فهما معلولان لعلة واحدة، مقتضى كونهما معلولين لعلة واحدة تساويهما في الرتبة، هذا يسمى ب «الوحدة في الرتبة بالمعنى الإيجاب». فإذا كان المحقق العراقي «قده» يقصد انه لا يقع تناقض بين وجود وعدم حتى يكون هناك ملاك يقتضي تساويهما في الرتب فهذا مما لم يقل به أحد أصلاً.

لذلك وجود العرض عدمه عدم العرض لا العدم المقيَّد برتبة العرض كما ذكرنا في الدرس السابق: نقيض كل شيء رفعه لا المرفوع به، نقيض العرض عدم العرض لا العدم المقيد برتبة العرض، مثلاً: ثبوت القرشية فرع ثبوت المرأة، فما هو نقيض القرشية؟ نقيض القرشية عدم ذلك، لا العدم المقيد بثبوت المرأة.

إذن متى ما أخذت القرشية وصفاً للوجود وهو ما عبّر عنه بالنحو الطولي، أو وصفا للماهية وهو ما عبّر عنه بالنحو العرضي، على أية حال في عالم الثبوت يفترقان اما في عالم العدم لا يفترقان، عدمهما شيء واحد عدم القرشية، لا العدم المقيد بالوجود ولا العدم المقيد بثبوت الماهية، وبالتالي بما أن عدمهما كذلك يصح إثباته باستصحاب العدم الأزلي.

أما التقرير الذي أفاده في «استصحاب العدم الأزلي» مقدمتين:

المقدمة الأولى: إنّ القرشية متأخرة عن الرتبة برتبتين، لأن القرشية متأخرة رتبة عن التقيد، والتقيد متأخر رتبة عن المقيَّد وهو المرأة، فالقرشية متأخرة عن المرأة برتبتين، فهناك امرأة وتقيدها والقرشية. فلولا المرأة لما تصورنا التقيد، ولولا التقيد لما تصورنا أن القرشية قيد، فقيدية القرشية فرع التقيد والتقيد فرع المرأة، فرع المقيد، ومقتضى هذا البيان: ان يكون عدم القرشية ايضاً متأخر عن المرأة برتبتين، للنكتة التي ذكرها في التقرير السابق، وهو ان النقيضين يعتبر فيهما وحدة الرتبة.

إذن فعدم القرشية متأخر عن عدم التقيد، وعدم التقيد متأخر رتبة عن عدم المرأة، فلولا عدم المرأة لما عدم التقيد ولولا عدم التقيد لما عدم القيد.

المقدمة الثانية: لابّد من ملاحظة عالم الجعل، فإذا لاحظنا عالم الجعل، فنقول: هل أن ذات المرأة متقيدة بالقرشية؟ أم أن المتقيد بالقرشية وجود المرأة؟

فإن استفدنا من لسان الدليل في عالم الجعل ان القرشية وصف لنفس المرأة، المرأة القرشية إن وجدت تتحيض إلى الستين، فالقرشية وصف لذات المرأة، قبل ان توجد قبل ان يوجد شيء، الملائكة تقول: المرأة القرشية إن وجدت تتحيض إلى الستين، فأُخِذت القرشية وصفا للمرأة في رتبة سابقة على الوجود. يقول: في مثل ذلك يجري الاستصحاب، لأن ظرف عدم الذات ظرف عدم القيد وان كان التقيد ثابتاً، يقول: في ظرف عدم الذات المرأة غير موجودة، ظرف عدم الذات ظرف لعدم الوصف، لأن المفروض ان الموضوع الاتصاف في رتبة سابقة، فإذا كان الموضوع هو اتصاف المرأة القرشية في رتبة سابقة على الوجود، إذن ظرف عدم الذات هو ظرف عدم الوصف. هذا واضح، أمّا هذا لا يعني ان التقيد غير موجود، إذ المفروض ان التقيد ليس وجودي بل ماهوي، يعني ماهية المرأة متقيدة بالقرشية لا وجودها، فإذا كان التقيد من شؤون الماهية لا من شؤون الوجود، فعدم الوجود لا يعني عدم التقيد، هذا نظير اتصاف الاربعة بالزوجية، فإن اتصاف الاربعة بالزوجية ثابت وجدت الأربعة أم لم توجد.

كذلك إذا كانت القرشية وصفاً لماهية المرأة لا لوجودها فهذا التقيد لا يزول، التقيد ثابتن غاية ما في الباب نقول: ان وجدت الذات وجد الوصف، ان لم توجد الذات لم يوجد الوصف، فظرف عدم الذات ظرف عدم القيد، لكن التقيد ثابت، فلأجل ذلك يصح استصحاب عدم القرشية إلى حين وجود المرأة، وجدت المرأة فهل هي قرشية أم لا؟ نقول: نستصحب عدم القرشية إلى الآن. إن قلتم: لا يثبت التقيد؟ نقول: التقيد ثابت لأنه وصف للماهية، فلم يزل حتى نحتاج إلى إثباته. إذن متى ما وجدت المرأة وشككنا في أنها قرشية أم لا؟ نبطية أم لا؟

حينئذٍ يقال: بما أن ظرف عدم الذات عدم للوصف فيجري استصحاب عدم الوصف إلى حين وجود الذات وتتم بذلك قضية الجعل يتنقح موضوع الجعل.

أما إذا كانت القرشية وصفا للوجود وليس وصفا للماهية، إذن ظرف عدم الذات ظرف عدم التقيد، لا فقط عدم القيد، إذ المفروض ان التقيد من شؤون الوجود، فظرف عدم الذات عدم التقيد لا عدم القيد كما قلنا في النحو الأول، وبما أن ظرف عدم الذات عدم التقيد، فبالنتيجة نقول: ان تستصحبوا عدم الذات، فهذا رتبة أولى، أو عدم التقيد، فهذا رتبة ثانية، أو عدم القيد، فهذا رتبة ثالثة. عدم القيد لعدم التقيد، عدم التقيد لعدم الذات، فاستصحاب عدم الذات أو عدم التقيد لا يثبت عدم القيّد، لأن عدم القيد متأخرة رتبة عن عدم التقيد المتأخر رتبة عن عدم الذات، ويكون من الأصل المثبت.

والجواب عن ذلك هو الجواب عن التقرير السابق: إذا كان الوجود متقيد برتبة كالقرشية المتقيدة برتبة وجود المرأة إذ أخذناها وصفاً للوجود، فالقرشية متأخرة رتبة عن وجود المرأة. في عالم الوجود وعالم الثبوت هذا الكلام صحيح.

نأتي إلى عالم العدم: نقيض القرشية في رتبة وجود المرأة عدم القرشية في الرتبة. كلمة «في الرتبة» قيد للمعدوم لا للعدم، بحيث تكون كلمة «في رتبة الوجود» قيد للقرشية نفسها لا قيد للعدم، قيد للمنفي وليس قيداً للنفي.

فإذا كانت «في الرتبة» قيداً للمنفي لا قيداً للنفي هذا معنى اشتراط المتناقضين باتحاد الرتبة. فنحن نسلم معك بالمقولة وهي انه يعتبر في التناقض وحدة النقيضين في الرتبة، لكن ما معنى وحدهما في الرتبة؟ يعني أن يكون عدم الوجود عدمه في رتبته لا أن يكون عدمه متقيدا في رتبه، فكلمة «في الرتبة» قيد للمنفي وللمعدوم وليست قيداً للعدم والنفي، وبالتالي إذا لم يكن كلمة «في الرتبة» قيدا للنفي والعدم، فيصح إثبات هذا العدم باستصحاب العدم المحمولي، يعني بمفاد ليس التامة.

فتلخّص من ذلك: أن ما أفاده المحقق العراقي في التفصيل، محل تأمل.

يأتي الكلام السبت في كلام ما أفاده سيد المستمسك «قده» وظن السيد الخوئي أنه تفصيل جديد فأشكل عليه.

والحمد لله رب العالمين.