الدرس 126

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ما زال الكلام في الموانع الثبوتي في جريان استصحاب العدم الأزلي، ووصل الكلام الى المانع الخامس وهو ما افاده في المستمسك مع عدم جريان استصحاب العدم الأزلي عند الشك في الذاتي او الذاتيات. وبيان مطلبه «قده» يتضح بذكر مقدمتين:

المقدمة الأولى: لا اشكال ولا ريب عند الجميع بانه لا يجري استصحاب العدم الأزلي عند الشك في عوارض الماهية كزوجية الاربعة، وإمكانية الإنسان، إذ لا يصح ان يقال: بان الأربعة قبل وجودها لم تكن زوجا فهي بعد وجودها فهي ليس بزوج، او أن الإنسان قبل وجوده لم يكن ممكنا فهو بعد وجوده ليس ممكناً، لان الامكان والزوجية من عوارض المهيّة لا من عوارض الوجود، فماهية الأربعة أزلا اما زوج او ليست بزوج، وماهية الإنسان ازلاً إما ممكن أو غير ممكن، لا أن الزوجية والإمكان عارضان على الماهية بعد الوجود كي يجري فيها هذا الاستصحاب. فالجميع يرى ان الشك في عوارض الماهية ليس مجرى لاستصحاب العدم الأزلي لانتفاء الموضوع، حيث إن موضوع الاستصحاب ما يتصور له عدم، وأما عوارض الماهية فلا يتصور فيها عدم كي تكون مجرى للاستصحاب.

ولذلك وقع البحث في المكاسب في باب الشروط في الشرط المخالف للكتاب، لو شك في ان الشرط مخالف للكتاب هل يجري فيه استصحاب العدم الأزلي ام لا؟ مثلا: اذا اشترطت الزوجة على زوجها في ضمن عقد النكاح ان تكون ولاية الطلاق بيدها وشككنا في ان هذا الشرط مخالف للكتاب او لا؟ فهنا بعضهم تسمك كما في بحث الشروط باستصحاب العدم الأزلي فقال: بأن هذا الشرط عندما لم يكن لم يكن مخالفاً للكتاب فهو الآن ليس مخالفا للكتاب، فمقتضى هذا الاستصحاب هو نفوذ الشرط.

ولكن كون الشرط مخالفا للكتاب ام لا؟ هذا ليس من عوارض الوجود، بالنتيجة: هذا الحكم وهو ولاية المرأة على الطلاق، هذا الحكم في نفسه وجد ام لم يوجد، وجدت امرأة أم لم توجد، وجد زوج ام لم يوجد، هذا الحكم أزلا اما صحيح او فاسد، هذا الحكم ازلا اما موافق للكتاب وأما مخالف للكتاب، لا أن هذا الحكم قبل وجوده يتصف بكذا او لا يتصف بكذا. هذ الحكم بما هو هو في نفسه مع غمض النظر عن وجود موضوعه او عدم وجوده اما موافق للكتاب او مخالف للكتاب، فالاتصاف بموافقة الكتاب او عدمه من عوارض المهية، يعني من عوارض ذات الحكم لا من عوارض الوجود كي يكون مجرى للاستصحاب.

بل يمكن ان يقال كما ذكرنا سابقا: اذا نظرنا لأول الشريعة نقول: متعلق الشرط اول الشريعة اما حكم تكليفي او حكم وضعي، أي تارة تشترط الزوجة على الزوج ان لا يتسرى عليها بان لا ينكح ملك اليمين مثلا، فهذا اشتراط لأمر تكليفي. وتارة: تشترط الزوجة على الزوج ان تكون ولاية الطلاق بيدها، هذا امر وضعي.

بالنسبة للأمر التكليفي: بما انه في اول الشريعة امر حلال حيث إن الاحكام الشرعية بنيت على التدريج في البيان، اذن التسريب بمملوكة اليمين مباح في أول الشريعة فنستصحب حليته، مقتضى استصحاب حليته من اول الشريعة الى الآن: ان الشرط المتعلق به محرم للحلال، فإذا كان الشرط المتعلق به محرما للحلال إذ ثبت ان متعلقه حلال لا يقبل التحريم، إذن فبالنتيجة يكون الشرط غير نافذ.

وأمّا اذا كان متعلقه امرا وضعيا، والمفروض في الامر أصالة الفساد، فإذن هذا الأمر الوضعي في صدر الشريعة كان غير نافذاً، ولاية المراة على الطلاق في اول الشريعة، لأنه حكم وضعي الأصل فيه الفساد، نستصحب عدم نفوذه. فإذا استصحبنا عدم نفوذه فالشرط المتعلق به شرط محلل للحرام، او مخالف للكتاب، وبالتالي لا يكون هذا الشرط شرطا نافذاً. لا من باب استصحاب عدم مخالفته للكتاب على نحو استصحاب العدم الأزلي.

المقدمة الثانية: أن الفقيه سيد المستمسك «قده» عمم الإشكال الى الذات والذاتيات: قال: كما لا يجري استصحاب العدم الأزلي في عوارض الماهية لانتفاء موضوعه فيها وهو أن ليس لها عدم سابق، كذلك لا يجر الاستصحاب في الذاتي والذاتيات، بنفس النتكة، مثلا: قال: اذا شككنا شككنا في كرية ماء ابتدائي، الآن ماء منذ خلقته لا ندري خلق كرا ام لا؟

يقال: هنا لا يمكن ان يجري استصحاب عدم الكرية على نحو استصحاب العدم الازلي، بان نقول: هذا الماء عندما لم يكن لم يكن كرّاً، لأن الكرّية مرتبة من المهية، كأنما ماهية الماء ماهية تشكيكية بعض مراتبها قلة وبعض مراتبها كرّ، فالكرية مرتبة من مراتب المهية. مع أن من الواضح ان الكرية من عوارض الوجود وليس من عوارض الماهية ولا من الذات ولا من الذاتيات في شيء، فالكرية مجرى لاستصحاب العدم الأزلي. فالمثال فيه غرابة.

المثال الثاني: اذا شككنا في ان هذا الاحمر دم ام ليس بدم، فهل يجري فيه استصحاب عدم كونه دماً؟ بأن نقول: هذا الاحمر عندما لم يكن لم يكن دماً؟ فينتفي به أثر النجاسة وحرمة التناول وإلى غير ذلك؟

أو اذا شككنا في المرئي انه امرأة ام لا؟ لا ادري ان هذا الشبح من بعيد امرأة فلا يجوز النظر اليها؟ او ليست بامرأة فيجوز النظر اليها، هل يجري استصحاب عدم كونه امرأة؟ هذا الشبح عندما لم يكن لم يكن امرأة، فمقتضى استصحاب عدم كونه امرأة جواز النظر اليها.

وكذلك اذا شككنا في الفلس وعدم الفلس، إذا شككنا في ان هذا السمك مما له فلس ام مما ليس له فلس؟ هل يجري استصحاب عدم كونه ذا فلس، فنقول: هذا السمك عندما لم يكن لم يكن ذا فلس وهو الآن ليس كذلك، ومقتضى الاستصحاب حرمة أكله؟!

اذا شككنا في الدم ما له نفس سائلة او مما ليس له نفس سائلة، هل هذا الدم من ذوات النفس السائلة ام من ذوات النفس غير السائلة؟ هل يجري استصحاب عدم كونه من ذوات النفس السائلة فيترتب عليه الطهارة، لأن دم ما ليست له نفس سائلة طاهر وهكذا. فهو امر كثير الدوران في الفقه.

فسيد المستمسك «قده»، قال: بأن هذه الذوات: دم، او ذاتيات: امرأة، ذو فلس، هذه كعوارض الماهية ليس له عدم سابق كي تكون مجرى للاستصحاب.

ولكن سيدنا «قده» أجاب عن ذلك: بالفرق بين الحمل الأولي والحمل الشايع الصناعي، فقال: بأنه بلحاظ الحمل الأولي الأمر كما أفاد بعض الأعاظم «سيد المستمسك» بلحاظ انه يقال: السمك أزلا اما ذو فلس او ليس له فلس، هذا الأحمر أزلا اما دم او ليس بدم، فليس لها حالة سابقة كي تكون مجرى للاستصحاب.

وأما اذا نظرنا الى الحمل الشايع الصناعي، فيقال: بلحاظ الحمل الشايع الصناعي يصدق جريان الاستصحاب فيقال: هذا المصداق، هذه الحمرة الموجودة، هذه الحمرة عندما لم تكن موجودة لم تكن مصداقا للدم، فهذا واضح، فهي الآن ليست مصداقاً، فالمنفي المصداقية، وليس المنفي عروضه للمهية وعدم عروضه، هذه الحمرة المشار اليها عندما لم تكن موجودة لم تكن مصداقاً للدم، بلا إشكال، فهي الآن ليست مصداق للدم، هذا السمك الذي بين أيدينا عندما لم يكن موجوداً لم يكمن مصداقاً لذي الفلس فهو الآن ليس مصداقاً لذي الفلس. هذا الشبح المرئي عندما لم يكن موجودا لم يكن مصداقا للمرأة فهو الآن ليس مصداقا للمرأة.

فإذن تقولون بانه لا يتصور له عدم سابق، بل يتصور له عدم سابق.

فإذا نظرتم للمقارنة بين الصفة والمهية وهو ما نعبّر عنه بالحمل الاولي: لم يكن لعدمه حالة سابقة، فلا يجري فيه الاستصحاب، واما اذا نظرتم لعالم الصدق لا لنسبة الصفة للماهية فيقال: بان هذا الذي اشرنا إليه عندما لم يكن لم يكن مصداقا للدم مصداقا للمرأة مصداقا، مصداقاً للفلس، مصداقاً لما له نفس سائلة وأشباه ذلك، فهو الآن كذلك، وهو ما نعبرّ عنه بالحمل الشايع، فيجري فيه الاستصحاب.

إذن فرق بين النظرين، نحن أيضاً نقول عوارض الماهية لا يجري في الاستصحاب وحتى السيد الخوئي يقول، فإذا نظرتم للصفة مقارنة بالمهية يعني بما هي عرض من عوارض الماهية نعم، ليست مجرى للاستصحاب لأنها ليس لها عدم سابق، واما اذا نظرتم للموجود الخارجي فبلحاظ عالم الصدق يصح جريان استصحاب العدم الأزلي بالنسبة اليه.

«طبعا هذا الكلام لصاحب المستمسك وليس للمحقق العراقي ألسيد الخوئي تصور انه للمحقق العراقي ونسبه للمحقق العراقي وناقشه، فكلام المحقق العراقي ذكرناه في الجرس السابق، فهذا تفصيل ذكره في المستمسك بناء على ما هو المتسالم من عدم جريان الاستصحاب في عوارض المهية فعممه للذاتي والذاتيات».

فتلّخص: أن لا يوجد مانع ثبوتي من جريان استصحاب العدم الأزلي مطلقا، وإنما الكلام في الموانع الإثباتية.

فهنا عدة وجوه لبيان المانع الإثباتي:

الوجه الأول: ما ذكره بعض أساتذتنا «دام ظله» وهو أن يقال: أن نفس قوله في صحيحة زرارة: «وليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك أبداً» منصرف الى استصحاب العدم الأزلي. والسر في ذلك: أن هذا التعبير وهو قوله «ليس ينبغي لك» إشارة الى نكتة ارتكازية، بمعنى ان الاستصحاب ناشئ عن نكتة ارتكازية لا ان الاستصحاب أمر تعبدي محض.

فبما أنه ناشئ عن نكتة ارتكازية فتلك النكتة الارتكازية هي ما لو كان رفع اليد السابق نقضا لليقن بالشك لكان مجرى للاستصحاب، ففي كل مورد يرى المرتكز أن رفع اليد عن المتيقن السابق نقض لليقين بالشك فهو مجرى للاستصحاب، ولو عرض على المرتكز انه: ماذا تقول في هذه المرأة عندما لم تكن؟ كانت قرشية او غير قرشية؟

فلا يرى ان عدم ترتيب آثار عدم القرشية على المرأة المشكوكة نقضاً لليقين بالشك. فعندما يعرض على المرتكز العرفي ويقال له هذه المرأة التي نشك انها قرشية ام لا؟ ترتبت عليه آثار عدم القرشية، لا يرى أن عدم ترتيب آثار عدم القرشية نقضا لليقين بالشك، فبما أنه لا يرى ذلك إذن فقوله «فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك» منصرف عنه.

وأمّا ما ذكره سيد المنتقى «قده» من أن هذا رجوع للعرف في المصداق، هل ان هذا نقض لليقين بالشك او ليس نقضاً لليقين بالشك، هذا رجوع للعرف، إنما يرجع للعرف في تحديد المفهوم، وهو مفهوم النقض، أما هل هذا نقض ام ليس بنقض بعد المفروغية عن تحديد المفهوم فنظر العرف ليس حجة في ذلك، فأنتم تقولون فنرجع الى العرف هل يرى ان عدم ترتيب آثار عدم القرشية نقض لليقين بالشك ام لا؟ هذا رجوع للعرف في المصداق. ونظره ليس بحجة.

ولكن ما افاده محل منع، باعتبار اننا لا ندعي الرجوع الى نظر العرف في تحديد المصداق، وإنما ندعي أن خفاء الصدق أوجب الانصراف كسائر الموارد التي ينصرف العنوان لخفاء الصدق، فنحن نقول: عنوان لا تنقض اليقين بالشك منصرف عن فرض استصحاب العدم الأزلي لخفاء لا لأن نظر العرف حجة في تحديد المصداق. نظير ما يقال بان عنون ما لا يؤكل لحمه منصرف عن الإنسان. «لا تصلي في شعر ما لا يؤكل لحمه» يقولون عنوان ما لا يؤكل لحمه منصرف عن الإنسان لخفاء صدقه عليه، لا أن ما رجعنا الى العرف وسألناه هل ان الإنسان مما لا يؤكل لحمه ام لا؟ فقال لنا لا!. فحكمنا نظر العرف؟!، بل نقول من الاساس عنوان ما لا يؤكل لحمه منصرف عن الانسان لخفاء صدقه عليه عرفاً.

الوجه الثاني _من الموانع الإثباتية_: ما اشار اليه السيد الإمام «قده» في تهذيب الأصول: وتقريبه:

ان يقال: بان العدم المحمولي بعد الوجود وان كان عين العدم المحمولي قبل الوجود دقة وعقلا الا انه غيره عرفاً.

فعدم القرشية بعد وجود المرأة هو نفس عدم القرشية قبل وجودها دقة، ولكنه غيره عرفاً، فالعرف يرى ان السالبة بانتفاء المحمول غير السالبة المحصّلة، حيث إن السالبة المحصلة تصدق مع عدم الموضوع، العرف يقول السالبة المحمولة يعني السالبة عن الموضوع الموجود غير السالبة المحصلة، فالسالبة بانتفاء المحمول ليست امرا مركبا بنظر العرف، أي عندما يقال: المرأة ليس قرشية، هذه ليست قضية مركبة بنظر العرف مكن جزأين: المرأة وعدم القرشية، بحيث يمكن إثبات الجزء الثاني باستصحاب العدم المحمولي الثابت قبل الوجود، هذا كله بناء على التركيب. أما العرف يستفيد من قولنا: «المرأة ليست قرشية» سلب القرشية عن المراة الموجودة، لذلك لم العرف يستفيد أنّ السالبة بانتفاء المحمول قضية بسيطة ليست مركبة، وهي عبارة عن سلب القرشية عن المرأة الموجودة فهذا غير عدم القرشية لعدم وجود المرأة. وبالتالي استصحاب عدم القرشية لعدم وجود المرأة لإثبات عدم القرشية عن المرأة الموجودة مما لم تتحد فيه القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة. وهو كلام متين.

الوجه الثالث _من موانع الإثبات_: أن السيد الخوئي «قده» وتبعه السيد الشهيد في بحوثه، قالوا: إذا دار الأمر في ان العام هل تعنون بعدم الخاص على نحو العدم المحمولي او على نحو العدم النعتي، فمقتضى اصالة الإطلاق أنه لم يتعنون بالعدم النعتي. بيان ذلك: اذا قال في الدليل: كل امراة ترى الحمرة الى الخمسين، وقال في دليل آخر: القرشية ترى الحمرة الى الستين. قطعا العام تعنون بعدم خاص، ولكن لا ندري تعنون بعدم القرشية على نحو العدم المحمولي الذي يمكن اثباته بالاستصحاب؟ او تعنون باتصافه بعدم القرشية على نحو العدم النعتي فلا يمكن اثباته بالاستصحاب.

السيد الخوئي يقول، هذا تقييد، بالنتيجة الاتصاف قيد، يعني انتم من يقول بالعدم النعتي: ان موضوع العام تقيد بالاتصاف بعدم القرشية، هذا التقييد يحتاج الى مؤونة، مقتضى اصالة الاطلاق عدمه، او فقل: مقتضى أصالة التطابق بين الإثبات والثبوت ان الموضوع ثبوتاً هو المرأة وعدم القرشية.

ولكن هل أن العرف يجري أصالة الإطلاق فيما اذا علم المراد وشك في العنوان؟!

بيان ذلك: قال الشارع: جهزوا مواتاكم، وقال في دليل آخر: لا يجب تجهيز الكافر. فنحن نعلم أن الكافر خارج عن موضوع العام حتماً، أما هل خرج عن موضوع العام لأن موضوع العام أساساً هو المسلم؟ يعني موضوع العام عنوان وجودي، او خرج عن موضوع العام أساساً لان موضوع العام من ليس بكافر، فيتنقح بالاستصحاب، هو قطعاً خارج أما خروجه لأجل هذا العنوان او لأجل هذا العنوان؟

فالشك حينئذ ليس شكا في تخصيص زائد كي يكون مجرى لأصالة العموم.

وإنما الشك في عنوان العام أساساً لأن الخاص كشف عن أن موضوع العام لا يشمله قطعاً، فلا يشمله لماذا؟ لأجل ان موضوع العام هو عنوان المسلم لأجل ان موضوع العام هو ليس بكافر؟ لا نحرز أن بناء العرف اذا شك في ذلك فإن العرف يجري أصالة الإطلاق لنفي أن موضوع العام المسلم، فيثبت ان موضوع العام بأصالة الإطلاق من ليس بكافر، فيمكن اثباته بالاستصحاب.

بل نقول ما هو ازيد من ذلك، ذكرنا في بحث تعارض الأدلة في منشأ اختلاف الروايات تبعا للسيد الاستاذ «دام ظله» حيث إنه اختص بهذا البحث وهي «مناشء اختلاف الروايات» وذكر من مناشء اختلافات الروايات النقل بالمعنى، حيث تعارف لدى الرواة في زمن الائمة وبمرأى ومسمع منهم النقل بالمعنى، بل ورد «إن كنت تريد المعنى فلا بأس».

فبما ان النقل بالمعنى هو الفرد الشائع في الروايات. فعند الشك في ان هذا اللفظ الذي نقله الراوي مشتمل على العدم النعتي او العدم المحمولي؟

هل تجري هنا أصالة عدم الخطأ او أصالة الضبط في الراوي لتعيين ما هو القيد؟!

مثلا سيدنا الخوئي «قده» ذكر في الفقه: اذا قال المولى: الفقاع خمر فلا تشربه، غير اذا قال: الفقاع خمر لا تشربه.

فإنه اذا قال: الفقاع خمر فلا تشربه: ظاهر في تنزيل الفقاع منزلة الخمر في تمام الآثار، ومنها: حرمة الشرب.

وأما اذا قال الفقاع خمر لا تشربه. فلا يستفاد من التنزيل اكثر من التنزيل لحرمة الشرب، بل عندنا رواية وهي الراوية الواردة في ولد الزنا فيمن فجر بامرأة: «الولد لغية أو لغّية لا يرث، او لا ترث» هل يستفيد من ذلك تنزل ولد الزنا منزلة عدم الولد من تمام الآثار ومنها عدم الأرث؟ او التنزيل بلحاظ عدم الارث؟ فهل الالتفات الى هذه الخصوصيات أنه ان عبر بالفاء استفاد عموم التنزيل، وإن عبّر بدون «الفاء» قال لا تشربه لا يرث، فلا يستفاد عموم التنزيل، هل هذا الفرق بين القيود مما يتنبه له الذهن العام للرواة؟ بحيث اذا شككنا فمقتضى أصالة الضبط في الراوي ان نتقيد باللفظ الذي نقله، فيستفاد منه عموم التنزيل او عدم عمومه؟!

أم يقال: بما ان هذه القيود مما لا يتنبه لها الذهن العام لأجل ذلك لا يمكن أثابتها بأصالة الضبط في الراوي. لعل الإمام قال: فلا تشربه، لكن الراوي قال لا تشربه. لانه غير ملتفت الى الفرق الدقيق بين اللفظي، او لعل الإمام قال: لا تشربه. فهو قال فلا تشربه، لعدم التفاته الى الفرق، فكذلك الامر في المقام: لو افترضنا أن الامام واقعاً قال: على نحو الموجبة المعدولة «كل امرأة غير القرشية تحيض الى الخمسين» لكن الرواية لا يرى الفرق بين الموجبة المعدولة او السالبة فقال المرأة التي ليس _لم يقل غير_ قرشية تحيض الى الخمسين، لا ندري هل انها سالبة محصلة ام موجبة معدولة؟ هل يمكن بأصالة الضبط في الراوي أن نثبت أنها سالبة محصلة أو انها موجبة معدولة؟

أو ورد عندنا عام وخاص:

العام: «كل امراة تحيض ترى الحمرة الى الخمسين» وخاص: «القرشية تتحيض الى الستين». نقول: مقتضى الجمع بينهما ان موضوع العام من ليست قرشية على نحو العدم المحمولي، لعل العام صُرّح فيه، لعل أصلا ليس عاما وخاصا بل هما دليلان: دليل يقول: كل امراة غير القرشية تتحيض الى الخمسين، ودليل يقول: القرشية تتحيض الى الستين. فهذا دليل وذاك دليل، لكن الراوي اكتفى بنقل الخاص عن ذكر القيد للعام، اكتفى بنقل الخاص، في الدليل الاول، فأصالة الضبط لا تثبت لنا ان ما هو المأخوذ في اللفظ هو العدم المحمولي ام العدم النعتي.

وقد أشار لذلك سيد المنتقى لكن لا بهذا النحو الذي ذكرناه. فاذا كان مراده هذا حيث قال: لا ندري بعد خروج الخاص هل الثابت هو العدم المحمولي او العدم النعتي ولا يوجد اصل يثبت لنا احدهما، إذا كان مراده ما ذكرناه فهو كلام متين.

وبناء على ذلك، فتحصل من الكلام كله:

ان استصحاب العدم الأزلي لا إشكال فيه ثبوتاً، وإنما المشكلة إثباتية، فإن بينا على المانع الاول وهو انصراف دليل الاستصحاب عن استصحاب العدم الأزلي لم يجري استصحاب العدم الأزلي في تمام الموارد.

وإما اذا لم نبني على المانع الاول وقلنا بأن دليل الاستصحاب دليل تعبدي ونتسمك بإطلاقه وعملنا بالموانع الإثباتية الأخرى، فنفصل بين جريان الاستصحاب في الموضوعات الوجودية وبين جريان استصحاب العدم الأزلي لتنقيح موضوع العام أو تنقيح موضوع الخاص.

فإن كان الموضوع وجوديا «حرّمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به» هذا موضوع، حكم رتب على عنوان وجودي، نشك هل هذا دم ام لا؟ نجري فيه استصحاب العدم الأزلي، لانه بالنتيجة ليست هنا قضية سالبة حتى يقال بان السالبة بانتفاء المحمول غير السالبة المحصلة او أن الراوي اشتبه هنا مثلا ما نقل اللفظ الدقيق.

فإذا كان الموضوع وجودياً يمكن نفي الموضوع باستصحاب العدم الأزلي.

وأما اذا كان عندنا عام وخاص، فأردنا باستصحاب العدم الأزلي تنقيح الخاص او تنقيح موضوع العام فإنه لا يجري لما ذكرناه في المانع الأخير.

والحمد لله رب العالمين.