الدرس 129

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا فيما سبق: أنّ الاستصحاب التعليقي: هو عبارة عن استصحاب الحرمة المشروطة، كاستصحاب الحرمة المشروطة بالغليان بعد تحول العنب زبيباً، وذكرنا أنّ هذا الاستصحاب اعترض عليه بعدة اعتراضات:

الاعتراض الأول: ما ذكره المحقق النائيني «قده»: من أنه لم يثبت فعلية الحرمة كي تكون مجرى للاستصحاب، وقلنا بأن هذا الاعتراض من قبل المحقق النائيني أجيب عنه بعدة أجوبة من قبل سيد المستمسك والمحقق العراقي، ووصل الكلام إلى: الجواب الأخير _عن اعتراض المحقق النائيني_:

ما أفاده السيد الشهيد «قده» من انه يتصور الطولية في التقييد بأن يقوم المولى في مقام الاعتبار بتقييد الحرمة بالغليان وفي طول ذلك يقيدها بالعنبية، فمتى ما صار العنب فعلياً صارت له حرمة فعلية وإن كانت هذه الحرمة الفعلية تعليقية، فبناء على ذلك: ما ذكره المحقق النائيني من أنه لا توجد حرمة فعلية قبل الغليان كي يجري استصحابها غير تام.

ولكن يلاحظ عليه «قده» على وفق مبانيه: حيث إنه من مبانيه «قده» أن المدار في حكم العقل بلزوم الامتثال ليس على الحكم، بل على روح الحكم، فإن الحكم في نفسه مجرد صياغة اعتبارية ليست هي موضوعا لحكم العقل بلزوم الامتثال، وإنما الموضوع لحكم العقل بلزوم الامتثال روح الحكم، وروح الحكم هو الإرادة المبرزة، ومن الواضح حينئذٍ اننا اذا نظرنا إلى روح الحكم الا وهي الإرادة المبرزة، فالإرادة متعلقة بالقيدين معاً، بمعنى أن لا إرادة لترك العصير الا اذا اجتمع فيه قيدان: العنبية والغليان، فسواء جمع بين هذين القيدين في مقام الاعتبار على نحو العرضية بأن قال: العنب المغلي حرام أو العنب اذا غلى حرام، أو جمع بينهما على نحو الطولية بأن قال: يحرم من العصير ما غلى اذا كان عنبا، فإن الفرق إنما هو فرق في مقام الصياغة، وإلا بحسب روح الحكم، يعني المفسدة والإرادة المترتبة على المفسدة مصب روح الحكم هو مجموع القيدين، فلا مصب لروح الحكم إلا بعد تحقق القيدين، وبالتالي مجرد انه حصلت حرمة مشروطة لا تكون مجرى للاستصحاب، لأن ما هو موضوع حكم العقل بحيث يجري فيه الاستصحاب ويكون لاستصحابه اثر ما هو روح الحكم لا ما هو صياغة الحكم، الصياغة الاعتبارية. هذا هو الاشكال الاخير على كلام المحقق النائيني.

وقد تبين بعد عرض الاشكالات والجوب عنها ان كلام المحقق النائيني تام. وبناء على ذلك فينهدم بكلام المحقق النائيني وتلامذته جريان الاستصحاب التعليقي.

الاعتراض الثاني: أن يقال: سلّمنا بأن هناك حرمة مشروطة، أي ان العنب اذا صار فعلياً صارت حرمة فعلية لكن تلك الحرمة حرمة مشروطة، إلا ان استصحابها لا اثر له، لأن استصحاب الحرمة المشروطة غاية ما يثبت انه اذا صار العنب زبيباً هناك حرمة مشروطة، فاستصحاب الحرمة المشروطة لا يعني فعلية الجزاء وهو فعلية حرمة الشرب، ففرق بين استصحاب الحرمة المنجزة وبين استصحاب الحرمة المشروطة، فاستصحاب الحرمة المنجزة اثرها هي فعلية الجزاء، اما استصحاب الحرمة المشروطة غايته انه بعد ان صار العنب زبيباً عندنا قضية مشروطة، فليكن، قلنا هذا لا يعني فعلية الجزاء وهو تنجز الحرمة فعلاً.

لكن السيد الشهيد اجاب عن ذلك فقال: هذا مبني على مسلك المحقق النائيني من ان هناك جعلا ومجعولا أي ان هناك حرمة جعلية وحرمة فعلية، فما لم تثبت الحرمة الفعلية لا يترتب الآثار، ولكن بناء على مسلكنا: من انه يكفي في حكم العقل إحراز القضية الشرطية وإحراز الشرط الخارجي، لا نحتاج إلى ان نحرز حرمة فعلية، هذا كافي في حكم العقل، مثلاً: نحن نعلم بقضية شرطية وهي وجوب الحج على المستطيع، اذا استطاع المكلف وجب عليه الحج، وشككنا في ارتفاعها، استصحبنا بقائها، بمجرد أن نعلم بوجود مستطيع في الخارج يترتب الأثر العقلي وهو وجوب الحج، يكفي في حكم العقل «وهو مقتضى حق الطاعة» يكفي في حكم العقل بلزوم الامتثال المستند إلى حق الطاعة أن تعلم بالكبرى وإن تعلم بموضوعها، ولا حاجة إلى ان تعلم بشيء آخر المسمى بالمجعول أو بالوجوب الفعلي.

فلو قلنا بمسلك النائيني ان هناك جعلا وهو قوله «يجب الحج على المستطيع» وان هناك مجعولاً وهو فعلية هذا الوجوب في حق المستطيع خارجاً، وأن لا يترتب الأثر وهو حكم العقل الا اذا احرزنا المجعول يعني احرزنا فعلية الوجوب. على كلام النائيني نعم القضية طويلة. أما على مبنانا: من انه حكم العقل المستند لحق الطاعة لا يحتاج إلى هذا التطويل، يكفي ان تعلم بأن المولى قال: يجب الحج إلى المستطيع وأن تعلم بوجوب مستطيع في الخارج، فمتى ما علمت بالكبرى وعلمت بالصغرى، يعني بالموضوع، حكم العقل بلزوم الجري وراء الحج.

ففي المقام اذا ثبت ان هناك حرمة صارت فعلية بفعلية وجود العنب واستصحبناها إلى حين صار العنب زبيباً وقد حصل الغليان خارجا بالوجدان، فإحراز الحرمة المشروطة مع احراز الشرط خارجاً يكفي في حكم العقل بلزوم الاجتناب، ولا حاجة أن نثبت أن وراء الحرمة المشروطة حرمة فعلية.

هذا بالنسبة إلى الاعتراض الثاني وجوابه وهو متين على مبنى السيد الشهيد «قده».

الاعتراض الثالث _على جريان الاستصحاب التعليقي_: ما ذكر في الكفاية فما بعدها: من انه لو تم جريان الاستصحاب التعليقي لكان معارض بالاستصحاب التنجيزي، وبيان ذلك:

انه اذا وجد العنب فيوجد له حكما بالفعل:

الأول: ان عليه حرمة مشروطة بالغليان. الثاني: انه حلال بالفعل. لأنه لا اشكال في حلية شرب العصير العنبي قبل الغليان، فهو حرام وحلال، حرام: حرمة معلقة على الغليان. حلال بالفعل، لأنه لم يغلي بعد. فاذا تحول العنب إلى زبيب ثم غلى فانتم تستصحبون تلك الحرمة المشروطة بالغليان، تقولون متقضى استصحاب الحرمة المشروطة بالغليان ان يحرم يشربه. نقول استصحاب الحرمة المشروطة بالغليان معارضة باستصحاب حلية الشرب التي ثبتت للعصير العنبي قبل الغليان. فحتى لو قلنا بتمامية الاستصحاب التعليقي في نفسه الا انه معارض باستصحاب تنجيزي الا وهو استصحاب الحلية.

ولكن اجيب عن هذا الاعتراض بوجهين:

الوجه الاول: ما ذكره السيّد الخوئي «قده» تبعاً لصاحب الكفاية «قده» من أنه لا تعارض بين الاستصحابين أصلاً، والسر في ذلك: ان كل منهما مقيد، اما الحرمة فواضح انها مقيدة بالغليان، وأما الحلية فواضح انها مقيدة بعدم الغليان، لأنه اذا حصل الغليان ترتفع الحلية، فأي فرق بينهما؟!

فكما ان حرمة شربه منوطة بالغليان، حليّة شربه مقيّدة بعدم الغليان، فالعصير العنبي قبل غليانه في حقه حكمان مقيدان: حرمته ان غلى، حليته ان لم يغلي.

فكيف بعد غليانه تستصحبون الحلية؟!

اذن لا تعارض بين استصحاب حرمته المعلقة على الغليان استصحاب حليته المغيّاة بالغليان، إذ بعد حصول الغليان ارتفعت الحلية، فلا تعارض بين الاستصحابين ابداً.

ولكن الاستاذة «قده» قالوا بأن ليس المستصحب الحلية المغيّاة، وإنما المستصحب الحلية بالفعل، بمعنى: تارة نقول: يحل العصير العنبي ما لم يغلي، وتارة نقول يحل شرب هذا المانع لا بما هو عصير عنبي، هذا المائع يحل شربه، الحلية الثانية هي الحلية الشرعية الفعلية، هذا العصير بما هو عصير عنبي يحرم ان غلى، وهذا العصير بما هو مائع من المائعات يجوز شربه فعلا بلا تقييد بالغليان، وأما الحلية المنوطة بالغليان فهذه حلية انتزاعية لا ان الشارع جعل حكمين للعصير العنبي، حكم حرته ان غلى، وحكم حليّته ان لم يغلي، بل هذه الحلية حلية منتزعة من الحرمة، لأن الشارع اذا قال العصير العنبي يحرم اذا غلى، عقلا إذن يحل ما لم يغلي، فالحلية المغيّاة بالغليان هذه حلية انتزاعية وليست مجعولة، أما ما جعله الشارع له لا بما هو عصير عنبي بل بما هو مائع من المائعات هو حليّة شربه فعلاً، فإذن استصحاب الحرمة المعلقة على الغليان معارضة باستصحاب الحلية التنجيزية التي ثبتت له لا بما هو عصير عنبي بل بما هو مائع من المائعات. فلا معنى لدفع التعارض بما ذكر، فلا يجري استصحاب الحرمة لوجود معارض له.

وأجاب المحقق النائيني «قده»: بأن الاستصحاب التعليقي حاكم على الاستصحاب التنجيزي رافع لموضوعه، لا معنى لأن يقال: لو تم الاستصحاب التعليقي فلا معنى لهذه المعارضة، لأن الاستصحاب التعليقي حاكم على الاستصحاب التنجيزي رافع لموضوعه، وهذا الكلام من النائيني صار محلا للصراع.

وقد ذكر السيد الشهيد «قده» بعنوان قوله «والتحقيق في الاجابة عن هذا الاعتراض» يعني بيان كلام صناعي لكلام المحقق النائيني. لكن هذا الوجه ايضا ذكره شيخنا الاستاذ «قده» وبنى عليه ثمرات.

قال وتوضيح ذلك: أي توضيح الحكومةا لتي يدعيها النائيني، حكومة الاستصحاب التعليقي على الاستصحاب التنجيزي ذكرها «ص292، ج6 من البحوث»:

متى ما كانت عندنا حالتان سابقتان بشيء واحد، فإن كانت احداهما فقط تجمع اركان الاستصحاب دون الاخرى جرى الاستصحاب فيها دون، مثلاً: اذا شك اثناء الصلاة انه على طهارة أم لا؟ وقد كان طاهراً سابقا، فقالوا يجري في حقه استصحاب الطهارة إلى حين الصلاة.

فعورض: بأنه كيف الامام في صحيحة زرارة يقول استصحاب الطهارة إلى حين الصلاة وهذا استصحاب معارض؟! استصحاب الطهارة إلى حين الصلاة معارض باستصحاب عدم الصلاة في ظرف الطهارة، فكيف يجري استصحاب الطهارة إلى حين الصلاة مع انه معارض باستصحاب عدم الصلاة إلى حين الطهارة؟!

إذن الصلاة من حيث الطهارة لها حالتان: سبق الطهارة، وسبق عدم الصلاة، كل شيء له حالتان فيما سبق يتصور فيه استصحابان متنافيان، الصلاة حينئذٍ محط لاستصحابين، تقولون نستصحب الطهارة السابقة إلى حين الصلاة، فيثبت صحة الصلاة، نقول نستصحب عدم الصلاة على حين الطهارة إلى أن انقضت الطهارة وما صارت صلاة.

فيقال: اذا كانت الصلاة معلومة التاريخ، نعلم ان الصلاة وقعت اول الساعة الخامسة ونعلم ان الطهارة سابقة على هذه الساعة، ولا نعلم بانقضاء الطهارة في تاريخ معين، لعلها مازالت باقية، فهنا الحالة الثانية لا تجري، يجري استصحاب الطهارة إلى حين الصلاة ولا يعارض باستصحاب عدم الصلاة على حين الطهارة، إذ الصلاة معلومة الوقت، والطهارة ليست معلومة الانقضاء، اذن الحالة السابقة الثانية لم تجمع اركان الاستصحاب، الحالة الاولى جمعت اركان الاستصحاب، استصحاب الطهارة إلى حين الصلاة، الحالة الثانية وإن كان متصورة، عدم الصلاة حين الطهارة لكنها لم تجمع اركان الاستصحاب، للعلم بتاريخ الصلاة وعدم العلم بانقضاء الطهارة، فيجري الاستصحاب في هذه الحالة دون تلك الحالة.

الصنف الثاني: وان كانت كل منهما في حد ذاتها مستجمعة لأركانه، يعني الشيء له حالتان سابقتان ولك منهما جامعة لأركان الاستصحاب، فتارة: تكون الحالتان في عرض واحد كما في موارد تعارض الحالتين، فالاستصحابان يتعارضان، هذا المكلف كان محدثاً وكان متطهراً، ولا يدري السابق من اللاحق، فله حالتان سابقتان ولكل منهما مجرى للاستصحاب في نفسه كان محدثا وكان متوضئا جزما، وك ان ثوبه نجس في فترة وكان ثوبه طاهر في فترة، ولم يعلم السابق من اللاحق إذن يجري الاستصحابان معاً ويتعارضان، استصحاب طهارة الثوب مع استصحاب نجاسته، استصحاب الحدث مع استصحاب الطهارة.

الصنف الثالث: ان تكون لديه حالتان جامعتان لأركان الاستصحاب، لكن بينهما طولية.

فماذا تقصدون بالطولية؟ قال: نقصد الطولية: ان إحداهما ناسخة للأخرى عرفاً، لا شرعاً، حتى تقولوا لا توجد سببية شرعية ولا حكومة شرعية، نحن ندّعي النسخ العرفي، أن تكون للشيء حالتان سابقتان جامعتان لأركان الاستصحاب لكن إحداهما ناسخة للأخرى عرفاً. مثلاً: نحن ان المدرس يدرس كل يوم في الساعة العاشرة، شككنا اليوم المدرس يأتي اليوم أم لا؟

الذي يستصحبه العرفي هو الديدن، يقول: بما ان ديدنه على الدرس في الساعة العاشرة فإذا شككنا في أنه رفع يده عن هذا الديدن أم لا؟ نستصحب بقاءه. لكن هذا الاستصحاب معارض، لأنه قبل الساعة العاشرة نائم، فنستصحب عدم تدريسه الذي كان قبل الساعة العاشرة إلى ما بعدها، فيتعارض الاستصحابان، فاستصحاب بقاء المدرس على دينه ودأبه من انه يأتي الساعة العاشرة وهذا الاستصحاب يقتضي حضور الدرس وعدم التأخر، معارض باستصحاب ان المدرس قبل الساعة العاشرة لم يكن يدرس، فنستصحب عدم تدريسه إلى ما بعد العاشرة فيتعارض الاستصحابان. فما هو الحل؟

الجواب: ان استصحاب الديدن ناسخ عرفا لاستصحاب عدم التدريس قبل العاشرة. فمن كان ديدنه على الإتيان في الساعة العاشرة فعدم الدرس قبل العاشرة قد ارتفع بالدرس في العاشرة، إذن استصحاب الديدن ناسخ عرفا لاستصحاب عدم التدريس، لا شرعا، ليس بينهما ترتب شرعي، لم يقل الشارع اثر الديدن أنه يدرس، لم يقل الشارع ذلك، وانما بينهما نسخ عرفي، نقول بما ان الشك في بقاء العدم «عدم الدرس» الذي كان ثابتاً قبل العاشرة مسبب عرفاً عن الشك في أن المدرس على ديدنه أم رفع اليوم يده عن الديدن؟ فلا محالة استصحاب بقائه على الديدن ناسخ عرفا لاستصحاب عدم الدرس.

فإذا قلت: اذا لم يكن بين الاستصحابين سببية شرعية فيتعارض الاستصحابان، فلا يكون استصحاب الديدن رافعا لاستصحاب عدم الدرس ما لم يكن بينما سببية شرعية؟!

الجواب: لا إشكال في شمول دليل الاستصحاب لاستصحاب الديدن، لأنه استصحاب جامع للأركان، فإذن مقتضى إطلاق دليل الاستصحاب شموله لاستصحاب الديدن. وبمجرد ان يشمل اطلاق دليل الاستصحاب استصحاب الديدن ينعقد مدلول التزامي لهذا الاطلاق وهو عدم الشك في بقاء عدم الدرس.

فتقديم استصحاب الديدن على استصحاب عدم الدرس لا من باب حكومة الأصل السببي على الأصل المسببي كي يقال بأن ليس بينهما سببية شرعية، بل من باب التشبث بالمدلول الالتزامي لإطلاق دليل الاستصحاب، وهذا ما يعبر عنه في كلمات: لوازم الاستصحاب لا لوازم المستصحب، لوازم المستصحب أصل مثبت، أما لوازم دليل الاستصحاب فهي لوازم الإمارة وليس لوازم الأصل العلمي.

فنقول: الاستصحاب «أي دليل الاستصحاب» اما ان يشمل استصحاب الديدن أو يشمل استصحاب عدم الدرس، لانهما لا يشملهما معا لتعارضهما في النتيجة، لكن حيث لا إشكال في شموله لاستصحاب الديدن فمجرد شموله له ينعقد للإطلاق وهو عدم الشك في ارتفاع عدم الدرس.

هذا نطبقه على محل كلامنا: فنقول: لدينا عصير عنبي بعد لم يغلي، هذا العصير العنبي المولى يقول: بما هو مائع من المائعات يجوز شربه، لكن بما هو عصير عنبي يحرم اذا غلى، وحرمته اذا غلى ترفع حليته الثابتة له بما هو مائع من المائعات، لأنه يحل بما هو مائع من المائعات، لكن بما هو عصير عنبي يحرم اذا غلى، وإذا غلى وهو عصير عنبي فسوف ترتفع تلك الحلية.

اذن بالنتيجة: بما أن الحرمة المشروطة ناسخة عرفا للحلية المنجزة باعتبار ان الشك في بقاء الحلية المنجزة مسبب عن الشك عن ان الحرمة تشمله أم لا تشمله. أن كان الحرمة تشمله بعد ان صار زبيباً فالحلية قد ارتفعت وإلا فهي باقية، فبما ان الشك في الحلية مسبب عن الشك في شمول الحرمة المشروطة له وعدم الشمول، فاستصحاب الحرمة المشروطة ناسخ عرفا لاستصحاب الحلية المنجزة. أو فقل: إن شمول دليل الاستصحاب للحرمة المشروطة لكونه استصحابا جامعا للأركان ينعقد له مدلول التزامي وهو ارتفاع الشك في بقاء الحلية.

فهذا ما قصده النائيني بقوله: حكومة الاستصحاب التعليقي على الاستصحاب التنجيزي. وهو كلام متين.

وقد رتّب عليه شيخنا الأستاذ «قده» مبناه في جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية. حيث ان سيدنا الخوئي «قده» ذهب إلى المعارضة، فقال ان استصحاب المجعول معارض باستصحاب عدم سعة الجعل، يعني اذا وجد لدينا كر تغير بالنجاسة ثم زال تغير من قبل نفسه، وشككنا في بقاء نجاسة الكر، فالمعروض بين الأصوليين استصحاب النجاسة، كان هذا الكر متنجساً عندما كان متغيرا الآن لا ندري زالت نجاسته بزوال تغير من قبل نفسه فنستصحب بقاء النجاسته.

السيد الخوئي قال: استصحاب النجاسة معارض باستصحاب عدم سعة النجاسة لما بعد زوال التغير، الحصة هذه نشك في ثبوتها فنستصحب عدمها.

الشيخ الأستاذ يقول: هذا حاكم وليس معارضاً، استصحاب عدم سعة الجعل حاكم على استصحاب المجعول وليس معارضاً، لا من باب الحكومة الشرعية بمعنى حكومة الأصل السببي على المسببي كل تقولوا لا توجد سببية شرعية، بل من باب ما ذكره النائيني في حكومة الاستصحاب التعليقي على الاستصحاب التنجيزي من انه ناسخ عرفاً.

لأن شككم في بقاء النجاسة مسبب وجدانا عن الشك في الجعل الزائد، لا أدري ان النجاسة باقية أم لا؟ لأنني لا أدري هل الشارع جعل نجاسة طويلة أم نجاسة قصيرة، فالشك في بقاء النجاسة مسبب عن الشك في جعل زائد للنجاسة بعد زوال التغير.

فبما انه مسبب عنه فهو منسوخ به، إذن لا إشكال في شمول دليل الاستصحاب لاستصحاب عدم الجل الزائد في توفر أركانه فيه، فإذا شمله شمله انعقد له مدلول التزامي وهو ارتفاع الشك في بقاء المجعول.

فالشيخ الأستاذ «قده» ذهب إلى أن استصحاب عدم الجعل حاكم على استصحاب المجعول، فالسر في عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية هو الحكومة وليس المعارضة كما ذهب اليه سيد الطائفة «قده».

والحمد لله رب العالمين.