أصالة الصحة | الدرس 23

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

وصل الكلام في هذا البحث إلى:

الفرع الثاني: وهو ما إذا تحقق العقد بين الفضولي والأصيل وشككنا في إجازة المالك لعقد الفضولي وعدمها، فهل هذا المورد من موارد أصالة الصحة أم لا؟

ولا إشكال في المقام في أن المقتضي للنقل والانتقال وترتب الآثار موجود بالفعل وهو العقد، فإن العقد المركب من الإيجاب والقبول تام بين البائع والمشتري، غاية ما في الأمر ان الشك في المقام شك في تحقق الشرط الا وهو إمضاء المالك وإجازته لهذا العقد، فهل يمكن تصحيح هذا العقد بأصالة الصحة أم لا؟

وقد ذكر في الكلمات وجوه لمنع جريان أصالة الصحة في هذا الفرع.

الوجه الأول: أن المقصود بأصالة الصحة في المقام إما إثبات الصحة التأهلية أو إثبات الصحة الفعلية؟

فإن كان الأثر الملحوظ هو إحراز الصحة التأهلية فهي مقطوع بها لأن المفروض ان البيع الصادر من الفضولي بيع عرفاً وتمليك للعين بعوض فالمقتضي تام لحصول الأثر وبالتالي فالصحة التأهلية الإقتضائية مقطوع بها، ولا حاجة لإثباتها بأصالة الصحة وإن كان الأثر الملحوظ هو إثبات الصحة الفعلية، فإن العقد الصادر من الفضولي لا يتصف بالصحة الفعلية كي تثبت وتحرز له هذه الصحة بأصالة الصحة.

ولكن يلاحظ على هذا الوجه ما سبق ذكره في الفرع السابق: وهو ان العقد الصادر من المتعاملين وهما البائع والمشتري مما يتصف بالصحة التأهلية إذا لم تنضم بقية الشروط وكانت في معرض الانضمام. ويتصف بالصحة الفعلية إذا انضمت إليه بالفعل فنفس هذا القعد لا يلاحظ بما هو إنشاء صادر من فضولي كي يقال بأنه ما دام هذا العقد معنونا بكونه عقد فضولي فهو إنما يتصف بالصحة التأهلية فقط دون الصحة الفعلية، لأنه متى ما أجاز المالك العقد خرج عن كونه عقد فضولي وانتسب إلى المالك بإجازته فأصبح العقد عقد المالك وبالتالي فلا يمكن تصحيح هذه العقد بأصالة الصحة لا بالنظر للصحة التأهلية للقطع بها ولا بالنظر للصحة الفعلية بلحاظ عدم لياقة العقد الفضولي ما هو عقد فضولي للاتصاف بها. فإن هذا غير تام لأن ما هو موضوع الأثر هو ذات العقد وليس ما هو موضوع الأثر هو العقد المنتسب لكذا، فما ان موضوع الأثر ذات العقد فلابد ان يكون مجرى أصالة الصحة ذات العقد، فنقول: بأن ذات العقد بغمض النظر عن الشروط الدخيلة في ترتب الأثر مما يتصف بالصحة التأهلية لذلك لا مجال لإجراء أصالة الصحة لإثبات الصحة التأهلية للقطع بها، ولكن ذات القطع بما هو هو مما يتصف بالصحة الفعلية أيضاً عند انضمام الشرائط إليه، فإذا كان ذات العقد مما يتصف بالصحة الفعلية عند انضمام الشرائط إليه فحينئذٍ يصح ان نجري فيه أصالة الصحة لإثبات الصحة الفعلية ولا معنى للقول بأن المتصف بالصحة الفعلية العقد المشروط بما هو مشروط بحيث ما لم نحرز الشرائط فليس موضوعاً للصحة الفعلية، بل ما هو المطابق للمرتكز العقلائي ان المتصف بالصحة والفساد هو ذات العقد وانضمام الشرائط إليه واسطة في الثبوت بمعنى انها واسطة في اتصاف ذات العقد بالصحة الفعلية، لا ان الموصوف بالصحة الفعلية العقد المشروط بما هو مشروط بل الشرائط واسطة في ترتب الأثر فهي واسطة في اتصاف ذات العقد بالصحة الفعلية.

الوجه الثاني: أن يقال بأن المقام من موارد الشك في القابلية فعلى مبنى العلمين المحققين النائيني والخوئي «قده» من انه لم يحرز بناء العقلاء على إجراء أصالة الصحة عند الشك في القابلية فليس لها مجرى في المقام وذلك لأن الشك في كون العقد منتسبا لمالك المبيع أم لا؟ أو الشك في كون العقد ممضى من قبل المالك أم لا؟ شك في القابلية ومع الشك في القابلية فليس موضوع أصالة الصحة محرزاً.

وهذا الوجه انما يتم بناء على نكتة وهي: هل ان انتساب العقد للمالك بإجازته _اذ لا نتكلم عن الانتساب الإنشائي إذ قد يقوم الفضولي بالبيع عن المالك_ أو قد يعتقد الفضولي ان المال آذن له فينشأ البيع عن المالك، فإن الانتساب الإنشائي أو العنواني قد يكون حاصلا انما الكلام في الانتساب الفعلي، هل ان انتساب العقد إلى المالك بالفعل مما يراه العقلاء دخيلا في القابلية؟ أي قابلية المتعاقدين للمعاملة أو قابلية العقد للنفوذ، إذ تارة يرجع الوصف المتخلف إلى ما يكون دخيلا في قابلية المتعاملين وتارة يكون راجعاً إلى ما يكون دخيلاً في قابلية العقد للنفوذ، فنحن نقول كما سبق: على مبنانا: من أن أصالة الصحة لا تجري عند الشك في القابلية العرفية، أي في القابلية العقلائية سواء كانت القابلية وصفاً للمتعاقدين أو كانت القابلية وصفاً لذات العقد نفسه، فإن الشك في القابلية العرفية ليس مجرى ومورداً لأصالة الصحة، وعلى مبنى العلمين «قده» فإن الشك في القابلية الشرعية أيضاً ليس مجرى لأصالة الصحة، فحينئذٍ نقول: من اجل ان يكون هذا الوجه تاماً لابد من إرجاعه إلى الشك في القابلية العرفية لأن مجرد كونه شكا في القابلية العرفية للمتعاقدين أو للعقد مما لا يمنع من أصالة الصحة إذا كان تام الاقتضاء وواجداً للقابلية من حيث المتعاقدين ومن حيث العقد بنظر المرتكز العقلائي خلافاً للعلمين.

فهل أن المرتكز العقلائي يرى ان الانتساب الفعلي للمالك أو الولي سواء كان العقد منتسبا إلى مالك المبيع أو من كانت له ولاية على المبيع أو من كانت له ولاية على الشراء، لا يبعد القول بأن المرتكز العقلائي يرى بأن انتساب البيع بالفعل إلى من له الولاية للبيع بنظر العقلاء يرى شكاً في قابلية المتعاقدين أو قابلية العقد للنفوذ وبالتالي لا يحرز جريان أصالة الصحة في المورد.

الوجه الثالث: ما أشار إليه السيد الأستاذ «دام ظله» بحس بما نقل عنه: من ان الفضولي والأصيل عندما يتعاملان فإن الأصيل كالمشتري مثلاً لا يتعامل مطلقا أي سواء أجاز المالك أم لا، بل عندما يقول المشتري قبلت البيع فإن مقصوده ان قبوله معلق على إجازة المالك أي أنني اقبل بهذا البيع وأرتب الأثر عليه على فرض انتسابه إلى المالك أو على فرض إجازته وبالتالي فبما ان القبول ليس منجزاً وإنما هو معلق إذن فالإيجاب ليس مورداً لجريان أصالة الصحة لما مرّ في الفرع السابق، فيرجع الفرع الثاني إلى الفرع الأول لأن الشك سوف يكون شكاً في القبول المنجز، إذ ما دام القبول معلقاً على إجازة المالك فالشك في إجازة المالك مرجعه للشك في القبول المنجز والشك في القبول ليس مجرى لأصالة الصحة للوجوه التي ذكرناها في الفرع السابق.

ولكن يلاحظ على هذا الوجه:

أولاً: بأن هذا الوجه مبني على أن البيع بالحمل الشائع متقوم بالإيجاب والقبول المنجز، فإذا قلنا بأن البيع مؤلف من الإيجاب والقبول المنجز عرفاً فلم يحرز عنوان المعاملة كي يكون مجرى لأصالة الصحة.

وبعبارة أخرى: ان موضوع الآثار ما كان تمليكاً بالحمل الشائع وما لم يحرز القبول المنجز فلم يحرز انه تمليك بالحمل الشائع كي يكون مجرى لأصالة الصحة.

ولكن، عند الرجوع للمرتكز العقلائي لا نرى ان هذا مقوم لعنوان البيع أو مقوم لما هو تمليك بالحمل الشائع أو بحسب تعبرينا: مقوم للمتقضي. فإن البيع هو تبديل عين بعوض، أو تبديل مال بمال متعقباً بالقبول، مع غمض النظر عن كون هذا القبول قبولاً منجزاً أو قبولاً معلقاً، فإن القبول الإنشائي كافٍ في صدق عنوان البيع أو تحقق ما هو بيع بالحمل الشائع أو تمامية المقتضي لترتب الأثر، غاية ما في الباب انه إن أجاز المالك اصبح القبول منجزاً فترتب الأثر بالفعل.

فالقبول المنجز بنظر المرتكز العقلائي هو القبول المساوق لإجازة المالك، والقبول المساوق لإجازة المالك دخيل في ترتب الأثر وفعلية الأثر وليس دخيلاً في اتصاف المعاملة بكونها بيعا أو كونها تمليكا بالحمل الشائع، أو اتصاف المعاملة بالاقتضاء لترتب الأثر.

ثانياً: على فرض دخالة القبول المنجز في تنقيح موضوع أصالة الصحة فإن محل البحث اعم، أي عندما نبحث في الفرع الثاني في جريان أصالة الصحة في عقد الفضولي فإن مورد البحث في العقد الفضولي الأعم من ان يكون القبول فيه منجزاً أو معلقاً، فإن فرضنا أن المشتري لثقته به ان المالك سيجيز لكونه أباه أو أخاه اصدر القبول منجزاً فقال: من حيث القبول للمعاملة ليس قبولي منجزاً معلقا على إجازة المالك وإنما قبولي للمعاملة منجز وأنا واثق بأن المالك يرضى بذلك، مع ذلك إذا شككنا بأن المالك أجاز أم لا؟ فيأتي البحث في انه مجرى لأصالة الصحة أم لا؟ إذن المسألة لا ترتبط بالصورة الأولى لهذا الفرع بل تشمل الصورة الثانية أيضاً.

إذن فالصحيح عدم جريان أصالة الصحة في هذا الفرع للوجه الثاني الذي ذكرناه.

الفرع الثالث: لو شك في التقابل والإقباض في بيع الصرف والسلم، حيث يعتبر شرعاً في صحة بيع الصرف التقابض، ويعتبر شرعاً في صحة بيع السلم الاقباض، أي إقباض الثمن مقدماً. فهل تجري أصالة الصحة لإثبات الصحة الفعلية أم لا؟

ذهب البعض ومنهم سيدنا الخوئي «قده» إلى عدم جريان أصالة الصحة في المقام، وذكر في مباني الاستنباط قوله: >وهكذا الكلام في بقية الموارد فإن جريان أصالة الصحة في عقد الصرف والسلم لا يصحح الحكم بحصول النقل والانتقال فيما إذا شك في تحقق القبض والإقباض، لأن النقل والانتقال في بيع الصرف والسلم ليسا من آثار مجرد العقد وإنما هو من آثار مجموع المركب من العقد والقبض والاقباض، ولا يترتب على أصالة الصحة الجارية في العقد تحقق القبل والإقباض لأنهما غير معتبرين في صحة العقد في الصرف والسلم وإنما هما معتبران في حصول النقل والانتقال، فإن معنى صحة العقد عبارة عن كونه بحيث لو انضم إليه القبض والإقباض لكان مؤثرا في حصول النقل والانتقال. وبالتالي فالسيد «قده» لا يجري أصالة الصحة في هذا الفرع لعدم تنقح موضوعها وهو حصول القبض والاقباض.

ولكن يلاحظ على ما أفاده «قده»:

أن التقابل في بيع الصرف والاقباض في بيع السلم انما هو شرط شرعي في ترتب الأثر، بل حتى لو كان شرطاً عرفياً فهو ليس مقوماً للمعاملة وليس دخيلاً في المتقضي وليس جزءاً مما هو تمليك بالحمل الشائع، وبالتالي فالمتقضي وما هو تملك بالحمل الشائع وما هو بيع واجد للأهلية والقابلية من حيث المتعاقدين والعقد عرفاً تام، فموضوع أصالة الصحة محرز فما هو المانع من جريان أصالة الصحة؟!.

وأما الوجه الذي ذكره «قده» فيمكن إرجاعه إلى نكتتين، وكلاهما محل تأمل:

النكتة الأولى: ان يكون منظوره إلى الفرق بين الصحة التأهلية والصحة الفعلية، بحيث يكون المدعى أن بيع الصرف والسلم متصف بالصحة التأهلية عند عدم تحقق شرط القبل والإقباض، ومتصف بالصحة الفعلية عند تحققهما، فإن كان المنظور في أصالة الصحة إثبات الصحة التأهلية فهي مقطوع بها، وان كان المنظور إثبات الصحة الفعلية فهما مما لا يتصفان بالصحة الفعلية، إذ المتصف بالصحة الفعلية العقد الواجد أو البيع الواجد للقبض والاقباض لا مطلقاً. هذه النكتة الأولى وهي محل منع، والسر في ذلك:

إن التقابض في الصرف والسلم ليس دخيلاً في تنقيح موضوع أصالة الصحة فإن المتصف بالصحة التأهلية والفعلية هو بيع ذات السلم، أي ذات بيع السلم وبيع الصرف بيع كسائر البيوع متصف بالصحة التأهلية ان لم تنضم إليه الشروط وقابل للاتصاف بالصحة الفعلية عند انضمام الشروط إليه، فإذا شككنا في وجدانه لشرط التقابل أو الاقباض فقد شككنا في اتصافه بالصحة الفعلية، ومقتضى ذلك إمكان إحراز اتصافه بالصحة الفعلية بأصالة الصحة.

النكتة الثانية: أن هذه العبارة الواردة في تقرير مباني الاستنباط «لأن النقل والانتقال في بيع الصرف والسلم ليس من آثار مجرد العقد وإنما هما من آثار مجموع المركب من العقد والقبض والاقباض».

فإن ظاهر كلامه هو الفرق بين مورد القابلية ومورد الفعلية، حيث إنّ النقل والانتقال ليس أثراً لبيع الصرف والسلم وإنما هو أثر للقبض والإقباض، وبالتالي فإن المقصود بأصالة الصحة تنقيح موضوع الأثر إذ الصحة الثابتة بأصالة الصحة ليست شيئاً وراء ترتب الأثر بالفعل، فإذا كانت الصحة ليست شيئاً وراء ترتب الأثر بالفعل إذن ما هو مجرى أصالة الصحة ما هو موضوع الأثر، وموضوع الأثر ليس هو بيع الصرف والسلم، بل موضوع الأثر البيع المقترن بالقبض والاقباض بالفعل وهذا مما لا يمكن إثباته بأصالة الصحة مع الشك في تحققه.

والجواب هو الجواب، فإن المفروض ان المتصف بأصالة الصحة ذات بيع الصرف والسلم، لا البيع المقترن بالقبض والإقباض، فإن البيع المقترن بالقبض والاقباض صحيح بالفعل نافذ، إلا ان المتصف يعني ما هو موضوع للاتصاف وما هو قابل للاتصاف بالنقل والانتقال هو ذات بيع الصرف والسلم إن حصل قبض وإقباض، فالقبض والاقباض واسطة في ثبوت الاتصاف بالصحة لبيع الصرف والسلم وحينئذٍ إذا شككنا في هذا الاتصاف نتيجة الشك في الشرط فهو مجرى لأصالة الصحة كسائر موارد الشك في الشروط الشرعية والعرفية.

والحمد لله رب العالمين.