أصالة الصحة | الدرس 25

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

تعليقاً على الموارد السابقة أي الفروع السابقة جميعاً. ذكر سيد المنتقى «قده» في المنتقى: بأن هناك موارد استشكل الشيخ الأعظم في جريان أصالة الصحة فيها، وهي:

ما إذا شك في تحقق القبض في الهبة أو في الصرف أو السلم، أو شك في إجازة المالك ببيع الفضولي، أو شك في المصحح لبيع الوقف، أو شك في وقت بيع الراهن الرهن مع إذن المرتهن ورجوعه وأنه كان قبل الرجوع أو بعده. وأفاد الشيخ الأعظم ان جريان أصالة الصحة في الهبة أو الصرف أو السلم لا تثبت تحقق القبض، كما ان جريانها في بيع الفضولي لا يثبت إجازة المالك، وجريانها في بيع الوقف لا يثبت وجود المسوغ، والسر في ذلك: أنه في جميع هذه الموارد تكون الصحة التأهلية محرزة والشك في الصحة الفعلية وجريان أصالة الصحة لا يثبت تحقق موضوع شرط الصحة المشكوك في هذه الموارد.

وأفاد سيد المنتقى بأن ما ذكره الشيخ ينافي ما ذكره في الفصل السابق من الالتزام بجريان أصالة الصحة عند الشك في شرط من شروط المتعاقدين أو العوضين، إذ الموارد المذكورة كلها من هذا القبيل، فالمهم بيان مراد الشيخ والتوفيق بين ما ذكره سابقا وما ذكره أخيراً بنحو يرتفع توهم التنافي بينهما.

قال: والذي ينبغي ان يقال: اما في مسألة الهبة والصرف والسلم، وتوقفهما على القبض فالوجه في عدم جريان أصالة الصحة يمكن ان يكون هو: ان الشك في الصحة الفعلية للعقد في مرحلة البقاء لا في مرحلة الحدوث، بمعنى العقد حين تحققه وهو عقد الهبة والصرف والسلم كان متصفاً بالصحة التأهلية ولا شك فيه، وإنما يشك فيه بقاءً هل لحقه القبض أم لا؟ فالمشكوك هو الصحة الفعلية حال البقاء لا الصحة الفعلية حال الحدوث، وحيث إن دليل أصالة الصحة هو السيرة العقلائية وهي دليل لبّيٌ فالقدر المتيقن منه ما إذا شك في الصحة الفعلية وعدمها عند حدوث العقد، لا ما إذا شك في الصحة الفعلية بقاء مع احراز الصحة التأهلية حين الحدوث.

نقول: ولكن يلاحظ على ذلك:

أولاً: بأن النكتة في جريان سيرة العقلاء على أصالة الصحة سواء كانت هي الامارية أو كانت هي نكتة نظامية لا فرق فيها بين ان يكون المشكوك الصحة الفعلية حال الحدوث أو الصحة الفعلية حال البقاء.

ثانياً: بأن ما ذكره مبني على أن القبض في الهبة والصرف والسلم شرط مقارن لا شرط متأخر. إذ على القول بأنه شرط مقارن فلا تتصف الهبة ولا الصرف ولا السلم بالصحة الفعلية الا عند حدوث القبض، بينما إذا قلنا بأنه شرط متأخر فحدوثه في ظرفه يكشف عن اتصاف الهبة والصرف والسلم بالصحة الفعلية منذ حين الحدوث، وبالتالي فالشك في الصحة الفعلية وعدمها نتيجة حصول الشك وعدمه شك في الصحة الفعلية حين الحدوث وليس شكاً في الصحة الفعلية حين البقاء.

ثم أفاد: وأما مسألة بيع الفضولي أو الراهن بلا إجازة المرتهن فالسبب في عدم جريان أصالة الصحة فيه يمكن ان يكون احد وجوه، _ونذكر منها وجهين_:

الأول: ما ذكرناه في مسألة الهبة، حيث إن الشك في الصحة والبطلان هو شك في الصحة الفعلية بقاءً على حدوثا لان صحة العقد التأهلية محرزة حين الحدوث والمشكوك هو الصحة الفعلية بقاء.

والجواب عن هذا الوجه هو الجواب عما مضى.

الثاني: ما أشرنا اليه سابقا من ان موضوع الصحة هو العقد المضاف إلى المالك، وأصالة الصحة إنما تجري بعد احراز موضوع الصحة، والمفروض أنه غير محرز بالفرض للشك في إجازة المالك فلا مجال لجريانها بل تكون صحة العقد حينئذٍ تأهلية.

ويلاحظ على هذا الوجه في كلامه «قده»:

أولاً: بأن موضوع الصحة ليس هو العقد المضاف إلى المالك، نعم تارة نقول: بأن انتساب العقد لمن له ولاية على العقد موضوع للصحة لا لموضوعية فيه بل لأن هذا من موارد الشك في القابلية عرفاً، حيث ذكرنا فيما سبق: ان موضوع أصالة الصحة ما إذا احرزت القابلية عرفاً والشك في انتساب العقد لمن هو ولي على العقد شك في القابلية عرفاً، فليس انتساب العقد إلى المالك شرطاً بعنوانه في موضوع أصالة الصحة بل بما هو صغر من صغريات الشك في القابلية العرفية.

وثانياً: لو سلمنا بكلامه فإن هذا إنما ينطبق على بيع الفضولي لا بيع الراهن مع الشك في إجازة المرتهن، إذ المفروض ان الراهن مالك.

ثم قال: وأما مسألة بيع الوقف فلا يعرف لها وجه، «يعني لا يعرف لكلام الشيخ وجه في توقفه في جريان أصالة الصحة إذا شك في ان بيع الوقف مع المسوغ أم لا» الا ان يكون نظر الشيخ إلى انه بعد ان كان العقد الواقع على الوقف بنفسه فاسداً أي انه يقع فاسداً ما لم يطرأ المسوغ كان الشك في طرو المسوغ مصححا له، إذن فطرو المسوغ جزء الموضوع للأثر، بمعنى أن موضوع الاثر مركب من جزأين: العقد والمسوغ، فالعقد جزء موثر فصحته تأهلية، فإذا شككنا في أن الجزء الآخر موجود أم لا؟ فالصحة التأهلية محرزة والصحة الفعلية إنما تثبت بعد احراز الجزء الثاني فلا يكون المقام مجرى لأصالة الصحة، لكنه اردف كلامه بقوله: فتأمل، لان وجه التأمل واضح، إذ ليس طرو المسوغ جزءاً من موضوع الصحة، وإنما لعقد في نفسه مقتضٍ للصحة، غاية ما في الباب ان ترتب الأثر عليه بالفعل منوط بوجود المسوغ، أي بعبارة اخرى: بوجود ولاية لمن أجرى العقد على إجراء العقد بالفعل، فهو كسائر الشروط شرط في ترتب الأثر وليس جزءاً من الموضوع.

ثم قال: وأما مسألة بيع الراهن الرهن، والاختلاف بين الراهن والمرتهن في ان البيع هل حصل قبل الرجوع فيكون صحيحاً؟ أم بعد الرجوع فيكون فاسداً؟

فقد أفاد: لعل الوجه في عدم جريان أصالة الصحة فيه من قبل الشيخ الأعظم هو دوران صحة العقد حين صدوره بين التأهلية والفعلية، لأنه ان كان حين صدوره قبل الرجوع كانت صحته فعلية، وإن كان حين حدوثه بعد الرجوع فصحته تأهلية إذ انه يكون كبيع الفضولي، وقد عرفت انه ليس مورداً لأصالة الصحة، أي إذا دار الامر بين الصحة الفعلية والتأهلية فهذا ليس مورداً لأصالة الصحة، ولكننا عند كلامنا في الفروع السابقة، ذكرنا أنه لا فرق بين دوران الامر بين الصحة الفعلية وعدمها أو بين الصحة التأهلية وعدمها في كون المورد مورداً لأصالة الصحة.

ثم قال: ولكن ظاهر الرسائل كون الوجه فيه ان العقد بدون إجازة من له الحق وهو المرتهن جزء الموضوع، فصحة العقد صحة تأهلية لا فعلية، نظير العقد بالنسبة إلى إجازة المالك في بيع الفضولي. فالأمر ليس دائراً بين الصحة الفعلية والتأهلية، بل بيع الراهن قبل إجازة المرتهن بيع متصف بالصحة التأهلية جزماً، فإن لحقه إذن المرتهن كان متصفاً بالصحة الفعلية، لا ان الأمر يدور حين الحدوث بين الصحة التأهلية والفعلية كما شرح سيد المنتقى كلامه. بل ظاهر كلامه في الرسائل: انه حين الحدوث متصف بالصحة التاهلية جزماً ويشك في اتصافه بالصحة الفعلية بقاءً.

فلعل هذا هو وجه تأمله في جريان أصالة الصحة فيه وقد سبق منع ذلك.

نعم، قد يستشكل في هذا الفرع: بأنه لِمَ لا يجري الأصل في المسبب وهو البيع الفعلي بمعنى التمليك، فإذا لم يجري في العقد لانه حين حدوثه كان متصفاً بالصحة التأهلية جزماً ويشك في اتصافه بالصحة الفعلية بقاءً وهذا ليس مورداً لجريان أصالة الصحة فلنجريه في البيع الفعلي، أي التمليك، فنغمض النظر عن العقد ونقول: هنا تمليك بعوض لا ندري ان هذا التمليك صحيح بالفعل أم لا؟ فهو تمليك دائر بين الصحة والفساد؟

فأجاب عن ذلك: بأن الامر في المسبب ايضاً دائر بين الصحة الفعلية والصحة التأهلية كما في نفس العقد حرفاً بحرف، فلا تجري أصالة الصحة فيه. فتدبر جيداً.

أي أن التمليك نوعان: تمليك إنشائي، وتمليك فعلي. فالتمليك الإنشائي متصف بالصحة التأهلية، والتمليك الفعلي مشكوك الحدوث، فأين تجري أصالة الصحة؟ فإن أجريناها في التمليك الإنشائي فهو متصف بالصحة التأهلية جزماً، وجريان أصالة فيه لا يثبت اتصاف بالصحة الفعلية لأنه بما هو تملك إنشائي لا يتصف بالصحة الفعلية، وأما التمليك الفعلي أي النفوذ الفعلي فهو مشكوك الحدوث، فأصالة الصحة كيف تثبت حدوثه؟

لكننا تعرضنا لشبيه هذا الوجه فيما سبق وقلنا: بأن التمليك الإنشائي لا يلاحظ بما هو تملك إنشائي بل يقال: هذا التمليك الحاصل في وعاء الاعتبار إن كان مقترناً بالإذن كان تمليكاً فعلياً وإلا ليس تمليكاً فعلياً، فالشك في كونه تمليكاً فعليا للشك في اقترانه بالإذن أو كونه بعد الرجوع شك في صحته، إذ لا معنى لصحة التمليك الاعتباري الا كونه تمليكا فعلياً، فبما انه شك في صحت وفساده فهو مجرى لأصالة الصحة.

وتم الكلام في هذه الجهة.

والحمد لله رب العالمين.