أصالة الصحة | الدرس 26

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

الجهة السابعة: في اشتراط احراز العنوان الموضوع للاثر في رتبة سابقة على جريان اصالة الصحة

حيث ان الحكم بصحة العمل متفرع على أصل وجود العمل، اذ ما لم يحرز الموصوف فلا معنى للتعبد بالوصف، لذلك اذا شك في أصل وجود الصلاة او أصل وجود الصوم او وجود العقد فعدم جريان اصالة الصحّة من باب السالبة بانتفاء الموضوع وهذا امر واضح.

وانما الكلام وقع في جريان اصالة الصحّة مع الشك في العنوان الموصوف بالصحة كما لو احرزنا وجود عمل ما وشككنا في تعنونه بالعنوان الموضوع للأثر فهل تجري اصالة الصحّة في مثل هذا الفرض ام لا، وهنا أمور لابد من التعرض لها:

الامر الأول: في الدليل على عدم جريان اصالة الصحّة عند الشك في التعنون فاذا شك في ان العمل الذي امانا صلاة ام لا عقد ام لا غسل ام لا، فان أصل وجود العمل وان كان محرزا ولكن ما هو موضوع لترتب الأثر هو العنوان فما هو موضوع لسقوط الامر هو عنوان الصلاة فمع الشك في ان ما يحصل من فلان هل هو صلاة ام تعليم فلعله جاء بهذا العمل بقصد تعليم صلاة الميت مثلاً، وحينئذٍ هل يكون هذا موضوعا لجريان اصالة الصحّة ام لا، وقد استدل بوجهين على عدم جريان اصالة الصحّة في المقام:

الوجه الأول: عقلي، وهو بما ان الصحّة عبارة عن ترتب الأثر وترتب الأثر موضوعه العنوان كعنوان الصلاة على الميت فلا يعقل التعبد بالوصف مع الشك في الموصوف او التعبد بالاثر مع الشك بموضوعه فانه هذا مرجعه الى التعبد بالمتاخر رتبة مع عدم التعبد بالتقدم رتبة، وهو غير معقول.

الوجه الثاني: عقلائي، وهو ان يقال ان دليل اصالة الصحّة السيرة العقلائية ولا يحرز بناء العقلاء على ترتيب الأثر مع الشك في موضوعه، وهو العنوان الذي اخذ في ترتبه بل يحرز عدم جريان سيرتهم على ترتب الأثر في مثل هذا الفرض.

الامر الثاني: انه لا فرق فيما ذكرناه بين الشك في العنوان الشرعي او الشك في العنوان العرفي، أي تارة يقع الشك في العنوان المأخوذ في لسان الدليل الشرعي لترتب الأثر، كعنوان الغسل، فان غسل المتنجس موضوع للطهارة الخبثية شرعاً فاذا شككنا في ان هذا العمل الخارجي غسل ام لا لم يكن مجرى لاصالة الصحّة لعدم احراز العنوان الموضوع لترتب الأثر وتارة يكون الشك في العنوان العرفي كما لو شككنا في العقد أي ان ما حصل بين فلان او فلانة هل هو عقد نكاح ام مجرد مواعدة، فاذا شككنا في ان الفعل الخارجي عقد ام لا فحينئذٍ لا تجري اصالة الصحّة لأجل ترتيب الأثر او فرضنا ان فلان قام لفلان ولا ندري انه قيام تعظيم ام سخرية ام صدر غفلة، فاذا شككنا بان هذا القيام صحيح ام لا لم يكن مجرى لاصالة الصحّة لعدم احراز العنوان الموضوع للأثر.

فان قلت: بان العرف يجري اصالة الصحّة عند الشك في الشروط العرفية لترتب الأثر كما لو شك العرففي غررية العقد او في الموالاة بين الايجاب والقبول مثلاً فانهم يجرون اصالة الصحّة في مثل هذه الموارد فما المانع من جريانها عند الشك في موضوع الأثر.

قلت هناك فرق بين ما هو دخيل في المقتضي وبين ما هو دخيل في فعلية ترتب الأثر فما كان بنظر العرف مقوما للمقتضي كالعنوان الموضوع للأثر كعنوان العقد والتعظيم فانّ الشك في المقتضي مانع من التعبد العرفي او العقلائي بصحة العمل، بخلاف ما اذا كان المشكوك مجرد شرط قانوني في ترتب الأثر كشرط الموالاة وعدم الغررية وليس مقوما للمقتضي فحينئذٍ تجري اصالة الصحّة لتنقيح وجود هذا الشرط المشكوك، وحينئذٍ يمكن الفرق بين مورد الشك في الشرط وبين مورد الشك في المقتضي.

الامر الثالث: ان العنوان الماخوذ في ترتب الأثر على قسمين اذ تارة يكون هذا العنوان دخيلاً في صحّة العمل في نفسه، وتارة لا يكون دخيلا في صحّة العمل في نفسه وانما هو دخيل في ترتب اثار أخرى، فالقسم الأول: ما اذا كان العنوان دخيلا في صحّة العمل في نفسه، كما اذا شككنا في العمل الصادر من الغير هل هو صلاة على الميت ام تعليم، فلا شك ان العنوان المشكوك دخيل في ترتب الأثر في نفسه وهذا هو محل البحث وقلنا بعدم جريان اصالة الصحّة فيه.

وهنا تعرض الشيخ «قده» لفرع انه لو شك في وضع الماء على الثوب من قبل فلان هل هو بقصد التطهير ام لا، فان كان بقصده صدق انه تطهير وشككنا في انه تطهير صحيح لكونه مع العصر ام لا كانت اصالةا لصحة جارية فيه، واما مع الشك في انه هل تصدى للتطهير ام مجرد اللعب بالماء فحينئذٍ لا يكون مجرى لاصالة الصحّة لإثبات ان ما صدر منه تطهير صحيح مشتمل على الشرائط الشرعية كالتكرار والعصر.

وقد علق الاعلام على كلام الشيخ «قده» بان ما هو موضوع الأثر ليس هو عنوان التطهير بل هو الغسل، فالمانع من جريان اصالة الصحّة الشك في العنوان الموضوع للأثر، لا العنوان التوليدي، فان هناك فرقاً بين الغسل والتطهير فان الغسل بقصد إزالة النجاسة الخبثية يتولد منه عنوان التطهير وليس هو موضوع الأثر، فلا حاجة لاحراز ان الفاعل بقصد التطهير كي نجري اصالة الصحّة بل يكفي احراز انه غسل، فمتى ما شككنا في انه غسل للثوب كما لو احتملنا انه تقاطر ماء، فهنا لا تجري اصالة الصحّة للشك في الموضوع لترتب الأثر واما اذا احرزنا انه غسل الثوب وان لم نحرز انه بداعي التطهير فعله غسله غفلة فان العنوان لترتب الأثر وهو الغسل محرز فتجري اصالة الصحّة.

وقد وجه سيد المنتقى «قده» كلام الشيخ الأعظم «قده» بقوله وغاية ما يمكن ان يقال في هذا المجال ان اتصاف الشيء بالصحة والفساد لا يدور مدار ترتب الأثر وعدم ترتبه فقط فلا يقال للغسل الحاصل بواسطة الريح والقائها الثوب بالماء انه صحيح لو طهر الثوب، او فاسد لو لم يطهر وانما يدور مدار ترتبه وعدم ترتبه مع كون الفعل صادرا بداعي ترتب الأثر فالغسل ان كان صادرا بعنوان التطهير يتصف بالصحة والفساد واما ان لم يكن متحققا بهذا الداعي فلا يتصف بهما، فمع عدم احراز العنوان لا تحرز قابلية الفعل للاتصاف بالصحة والفساد.

ومحصل كلامه «قده» انه لا يكفي احراز ما هو موضوع الأثر في اجراء اصالة الصحّة بل لا بد من ان يحرز مع ذلك العنوان القابل للاتصاف بالصحة والفساد عرفا فجريان اصالة الصحّة لا يتوقف على احراز ما هو موضوع للأثر بل كما يتوقف على ذلك يتوقف على عنصر اخر الا وهو احراز العنوان القابل للاتصاف بالصحة والفساد ومن الواضح ان موضوع الأثر هنا وهو الطهارة الخبثية وان كان هو الغسل الا ان الغسل ليس عنوانا قابلا للاتصاف بالصحة والفساد عرفا فانه لا يقال للغسل الحاصل بواسطة الريح انه صحيح او فاسد وانما المتصف بالصحة والفساد هو عنوان التطهير، وبالتالي فمجرد احراز عنوان الغسل ليس كافيا في اجراء اصالة الصحّة في المقام.

ولكن يلاحظ على ذلك انه ليس المراد بالصحة والفساد في المقام ما هو صحّة وفساد بالحمل الأولي أي ما يعبر عنه صحّة وفساد عرفا كي يقال بانه يشترط في جريان اصالة الصحّة احراز العنوان القابل للاتصاف بكلمة الصحّة او الفساد عرفا بل ما هو موضوع البحث هو الصحّة والفساد بالحمل الشائع، أي ما هو صحيح شرعا، أي ما هو أثر فعلي فان الصحّة والفساد بالحمل الشائع ليس شيئا وراء ترتب الأثر وعدم ترتبه، سواء صح اطلاق عنوان الصحّة والفساد عليه ام لا فان هذا ليس مرتبطاً بالبحث وبالتالي صدق على الغسل عرفا انه عنوان متصف بوصف الصحّة والفساد ام لا فان الصحّة والفساد ليس الا ترتب الأثر وعدمه وبما ان موضوع ترتب الأثر وعدمه هو الغسل اذن بالنتيجة متى ما احرز عنوان الغسل كان المورد من موارد جريان اصالة الصحّة.

مضافا الى ان عنوان الغسل مما يتصف بالصحة والفساد عرفاً.

اذن فما افاده الشيخ «قده» في هذا الفرع غير تام.

القسم الثاني: وهو العنوان الذي لا يكون دخيلا في صحّة العمل في نفسه، وان كان دخيلا في ترتب عنوان اخر كعنوان النيابة، كما لو صدر عمل من ابن الميت وشككنا في انه هل قصد النيابة عن ابيه، كي يسقط الامر بالقضاء عن الميت عن ذمة الوصي ام لا، فهل يكون المورد موردا لجريان اصالة الصحّة لاحراز ذلك.

الصحيح عدمه لان جريان اصالة الصحّة غاية ما يثبته هو صحّة العمل في نفسه، أي انه لو شك في وجدان هذه الصلاة او هذا الحج لشرط من شرائط صحته في نفسه فان مقتضى اصالة الصحّة ذلك، واما لو شككنا في ان العمل صادر بقصد النيابة ام لا، فان هذا مما لا تتكفل اصالة الصحّة اثباته، فان النيابة عن الغير موضوع لأثر اخر وهو سقوط الامر بالقضاء عن الميت عن ذمة الوصي، لا سقوط أصل الامر بالصلاة الاعم من ان يكون متوجها للنائب او المنوب عنه، فالنتيجة ان اصالة الصحّة انما تتكفل اثبات الأثر المترتب على العمل في نفسه واما العناوين الدخيلة في اثار أخرى فمما لا يحرز بناء العقلاء على اثباته باصالة الصحّة.

الامر الرابع: تارة يكون الشك في العنوان راجعا للشك في القول وتارة يكون راجعا للشك في الفعل.

والشك في عنوان الفعل تارة يكون شكاً في عنوان الفعل الأصيل وأخرى في عنوان الفعل النيابي فهنا ثلاثة موارد.

والغرض من البحث في هذا الامر انه بناء على ان اصالة الصحّة لا تتكفل احراز أصل العنوان فما هو الطريق لاحراز العنوان في هذه الموارد الثلاثة:

المورد الأول: لو شك في القول كما لو شككنا في ان هذه المعاملة القولية بين فلان وفلان هل هي عقد ام لا، أي هل صدرت بقصد الإرادة التفهيمة للبيع ام بقصد التعلم، أي تعلم العقد، وعلى فرض انه صادر بقصد الإرادة التفهيمية فهل هو صادر بقصد الإرادة الجدية ام لا، فهنا يمكن اثبات العنوان باصلين عقلائيين:

الأول: هو جريان المتعهد على وفق ما تعهد وهو ما يعبر عنه في كلمات سيدنا الخوئي وكلمات السيد الأستاذ بالميثاق العقلائي فان هناك ميثاق عقلائي ان من صدر منه كلام ذو معنى لغوي فانه قاصد لتفهيم ذلك المعنى اللغوي، فان هناك تعهد نوعي عقلائي ان من تكلم بلغة معينة ملتفتا الى معانيها فانه قاصد لتفهيم ذلك المعنى، فمقتضى هذا الأصل العقلائي وهو اصالة الجري وفق التعهد النوعي تحقق الإرادة التفهيمية.

الثاني: وبعد احرازها بهذا الأصل العقلائي اذا شككنا في التطابق بين المراد التفهيمي والمراد الجدي فان هناك أصلا عقلائياً اخر وهو اصالة التطابق يثبت به ذلك.

وقد ذكرنا في محله في الأصول انه كليهما راجع لظاهر الحال أي ظاهر حال المتكلم لكلام انه قاصد لتفهيمه جدا فمرجع اصالة الجري وفق التعهد واصالة التطابق بين المراد الاستعمالي والجدي الى ظهور حال المتكلم الملتفت في ذلك.

المورد الثاني: ما إذا وقع الشك في عنوان الفعل الأصيل، كما إذا رأينا شخصا يصدر منه صورة الصلاة او الوضوء فهل يمكن احراز العنوان بنفس تلبسه بالصورة ام لا، اذ لا ندري انه قاصد للصلاة ام لا قاصد للوضوء ام لا، حيث ذهب المحقق الهمداني وأشار اليه المحق العراقي قدس سرهما الى ان البناء العرفي قائم على ان الصورة حاكية عن عنوانها فمتى ما رأينا صورة صلاة او وضوء من شخص كان تلبسه بالصورة حاكيا عن العنوان الواقعي وهو ان العمل صادر على سبيل الصلاة او الوضوء.

ولكن ما افيد محل تأمل فانه ما لم تقم قرينة عقلائية على صدور العنوان بقصد الصلاة او الوضوء او التعظيم مثلاً فان العقلاء لا يرون ان التلبس بالصورة امارة على العنوان فان هذا اول الكلام فاذن هنا لا مجال لاحراز العنوان بنفس التلبس بالصورة، ما لم يخبرنا الثقة بانه يصلي او يتوضأ.

والحمدلله رب العالمين