أصالة الصحة | الدرس 27

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

المورد الثالث: وهو الفعل الاستنادي، كما اذا وكلّ انسان شخصا في عقد او استنابه في صلاة ولا يدري ان الوكيل او النائب هل يقصد الفعل عنه ام لا، فبناءً على ان اصالة الصحّة لا تتكفل اثبات ذلك فهل يمكن اثباته باخبار الوكيل او النائب بانه قام بهذا العمل.

ومحل الكلام لو لم يحصل اطمئنان بفعل الوكيل ولا بعدمه، كما ان محل الكلام فيما لو لم يكن الوكيل متهما في اخباره لانّ دليل الحجية لا يشمل فرض وجود منشأ عقلائي على الخلاف كما لو كان الوكيل متهماً، كما ان محل كلامنا في فرض عدم وجود نزاع بين الموكل والوكيل او المستنيب والنائب فانه في هذا الفرض توجد روايات تدل على تقديم قول الوكيل على الموكل، بحيث ان الوكيل امين، وحيث انه يحتمل اختصاص هذه الروايات بمورد النزاع فمحل كلامنا فيما لو لم يكن هناك تخاصم ونزاع وانما وكل شخص شخصا في عمل، وشك في اتيانه بالعمل بقصد النيابة فهل يمكن تنقيح ذلك باخبار النائب او الوكيل بانه اتى بالعمل نيابة عنه ام لا؟

وهنا اقوال ثلاثة:

القول الأول انه يعتمد على قوله مطلقا وهو ما ذكره السيد الحكيم في المستمسك ج 11، ونقله عن السيد المرتضى.

القول الثاني ما ذكره السيد اليزدي في العروة حيث قال يشترط في النائب ان يكون عادلا، وهذا هو المنسوب لصاحب المدارك فما لم يكن عادلا لا يقبل خبره.

القول الثالث وهو ما ذهب اليه السيد الخوئي انه لا حاجة الى اشتراط العدالة بل تكفي الوثاقة.

وهنا ثلاثة وجوه للاستدلال على حجية خبر الوكيل والنائب انه اتى بالعمل بقصد الوكالة او النيابة عن الموكل والمستنيب:

الوجه الأول: وهو غير بعيد، ان يقال ان النكتة التي على أساسها تمت حجية خبر ذي اليد لما تحت يده وحجية من ملك شيئا ملك الإقرار به كالزوج فانه يملك الطلاق فانه لو اخبر بالطلاق صحيحا لاخذ بخبره هي النكتة التي تفضي الى ان نقول بحجية قول الوكيل او النائب انه اتى بالعمل بقصد النيابة وان لم يكن ثقة ولا عادلا ما لم يقم منشأ عقلائي على خلاف قوله، وهي نكتة الاخبرية، فان ذا اليد هو الاخبر بما تحت يده وكذلك من ملك شيئا هو الاخبر بما تحت يده، فكذلك النائب هو الاخبر بفعله وهذه النكتة التي يؤيدها ما ورد في حق النساء عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: الْعِدَّةُ وَ الْحَيْضُ لِلنِّسَاءِ إِذَا ادَّعَتْ صُدِّقَتْ.

فلا نحتمل التعبد في مضمون هذا الخبر، وانما هو بنكتة الاخبرية، فهذه النكتة هي التي تقتضي ان نقول بحجية خبر الوكيل، والنائب فيما وكل واستيب فيه.

الوجه الثاني: ان يستدل على ذلك بالسيرة فيقال قامت سيرة المتشرعة على الاخذ بخبر الوكيل والنائب وكما نقل الشيخ في الرسائل كلام السيد المرتضى حيث قال في رسائل الشريف المرتضى؛ ج‌1، ص: 37 "لا خلاف بين الأمة في أن من وكل وكيلا، أو استناب صديقا في ابتياع أمة، أو عقد على حرة من بلده أو من بلد ناء عنه، فحمل اليه الوكيل أو الصديق جارية أخبره أنه اشتراها، أو رق «1» إليه امرأة أخبره أنه عقد له عليها، وأنه إذا «2».. لعلته في ثمن الجارية ومهر الزوجة، أن له غشيانها والاستباحة لفرجها.

وهذه أيضا سبيله مع زوجته إذا أخبرته بطهرها، كان له وطئها. وإذا أخبرته بحيضها حرم عليه جماعها. ويأتي الكتاب إلى المرأة بطلاقها، أو كتاب من ولدها الى بعض أهلها بوفاة بعلها، فينقضي عدتها وتجدد عقدا لغيره عليها، ولا تترقب في ذلك تواتر خبر عليها، أو مشاهدتها لوفاة بعلها وسماعها لطلاقها بل تفعل عند ورود الخبر والكتاب ما تفعله عند المشاهدة والسماع".

والخلاصة ان السيرة قائمة على العمل بعمل الوكيل والنائب بلا شرط ان يكون ثقة فضلا عن ان يكون عادلاً.

ولكن قد يقال ان السيرة دليل لبي والقدر المتيقن منه فرض ما اذا كان ثقة.

الا انه من الواضح انه عند مراجهة السيرة انهم لا يتوقفون في خبر الوكيل والنائب الفاسق او الذمي مما يعني عدم اشتراط العدالة والوثافة.

نعم القدر المتيقن من هذه السيرة فرض الوثوق النوعي، بان تكون القرائن موجبة للوثوق لولا المانع مع اخبار الوكيل او النائب.

واما دعوى ان هذه السيرة مردوعة باية النبأ فهي مدفوعة:

أولاً بما نوقشت به الآية من ان موردها مورد الاخبار عن الاخرين بما يوجب ضررا فيهم حيث اخبر الوليد عن بني المصطلق بانهم ارتدوا وهذا الخبر حيث يترتب عليه اثار خطيرة وهي الحياة والموت لا تؤخذ من الفاسق، قال تعالى «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين» فيقال بان احتفاف المنطوق بهذا التعليل وان لم نستظهر انه علة منحصرة وانه علة تامة، وان لم يستظهر ذلك الا ان احتفاف المنطوق بهذا التعليل مانع من احراز الاطلاق أي اطلاق عدم حجية خبر الفاسق.

وانما نقول القدر المتيقن من عدم حجية خبره فرض اخباره عن قوم بما يترتب عليه أثر خطير.

وثانياً ان كلامنا في السيرة المتشرعية لا في السيرة العقلائية كي يقال بانها مردوع عنها بالآية، والسيرة المتشرعية كاشف مباشر عن الحكم الشرعي كاخبار الثقة فهي لو تمت تكون مخصصة للآية لا انها تكون مروعة بالآية.

الوجه الثالث ان يقال بانّ ما دل على تقديم قول الوكيل عند التنازع بينه وبين الموكل لا لخصوصية في باب القضاء ولا لخصوصية في النزاع في المال مثلاً كما اذا اتهم الموكل ان الوكيل اتلف المال بتعديه او تفريطه وانكر الوكيل ذلك، فهل يقال بان هذه الروايات الدالة على ان الوكيل لا يطالب بالبينة عند النزاع بينه وبين الموكل بتعليل انه مؤتمن حيث عللت هذه النصوص ان تقديم قول الوكيل واعتباره منكراً لا مدعياً بأنه مؤتمن مقتضى هذه العلة عدم الخصوصية لباب التخاصم والتنازع واما مقتضى ائتمان الوكيل على عمل او مال او عقد قبول اخباره، وكذلك بالنسبة الى النائب.

فتلخص من ذلك ان القول الصحيح ما ذهب اليه في المستمسك بشرط ان لا يقوم منشأ عقلائي على الخلاف.

الجهة الثامنة

من البحث ما اذا كان للعمل حيثيتان، فهو من جهة عمل للغير ومن جهة عمل للنفس فهل تجري فيه اصالة الصحّة بلحاظ الاثار المترتبة على تكليف النفس لا على تكليف الغير، ومحل الكلام يقتضي التعرض لعدة فروع.

الفرع الأول: ما نسبه الأستاذ دام ظله الى كلام الشيخ الأعظم في الرسائل، وهو ما إذا احرز المستنيب ان النائب اتى بالعمل بقصد النيابة كما اذا استناب الحي العاجز عن الاتيان بالحج شخصاً للحج عنه واحرز ان النائب اتى بالحج بقصد النيابة عنه، غاية ما في الباب انّ هناك احكاما تخص النائب من حيث كون الحج فعلاً لنفسه واحكاماً تخص المنوب عنه من حيث تكليفه بالحج، فاذا افترضنا ان المستنيب استناب امرأة فانه يشترط في صحّة طوافها ستر تمام بدنها ما عدا الوجه والكفين، ويشترط في صحّة طوافها خلوها من الحيض والنفاس واشباه ذلك من الشرائط التي هي شرائط في صحّة الحج الصادر من المراة بما هي امراة أي من حيث كون الحج فعلا للنائب لا من جهة النيابة.

وهناك شرائط تعتبر في صحّة الحج بالنسبة الى الأثر المترتب على المنوب عنه، فمثلاً لو فرضنا ان المستنيب ممن يكون حجه حج تمتع لا قران وافراد، فالنائب هنا وان كان من اهل مكة ممن يكون حجه حج افراد الا انه حيث يكون المنوب عنه ممن وظيفته التمتع، فالتمتع شرط في صحّة الحج لا بالنسبة الى النائب بل بالنسبة للمنوب عنه، او افترضنا ان المنوب عنه ممن يرى اشتراط كون الطواف بين الركن والمقام اجتهادا او تقليداً فهنا لا يقع الطواف صحيحاً عن المنوب عنه حتّى يتمّ تحقق هذا الشرط.

اذن فالحج الصادر من النائب ذو حيثيتين، حيثية كونه فعلا له وبهذه الحيثية يتصف بالصحة والفساد بلحاظ واجديته للشرائط المعتبرة في الحج من حيث كونه فعلا للنائب وهو من جهة أخرى فعل للمستنيب بلحاظ تسبيبه للفعل للحج الصادر من النائب ومقتضى واسطة التسبيب انتساب الفعل أيضاً للمنوب عنه فهو حج لهما وبالتالي انما يصح هذا الحج بلحاظ كونه حجا للمستنيب اذا كان تمتعا واذا كان طوافه بين الركن والمقام، فبناءً على ذلك اذا شك المستنيب في شرط من شروط الحج الماتي به عنه فان كان هذا الشرط شرطا في صحّة الحج من حيث كونه فعلا للنائب لا مانع من ان نجري اصالة الصحّة ولو فرضنا ان المستنيب استأجر النائب «لا بنحو التبرع» بل بنحو الاستئجار، فلو استأجره على الحج الصحيح على نحو الطبيعي أي لا بشرط فمقتضى اصالة الصحّة ان الحج الصادر عن النائب صحيح من حيث كونه حجا للنائب ويترتب عليه استحقاقه للاجرة ما دام متعلق الاجارة الحج الصححي لا بشرط.

ولكن هل يمكن ان يجري اصالة الصحّة في فعل النائب لإثبات واجدية الحج للشرائط المعتبرة في صحّة الحج من حيث كونه حجا للمنوب عنه، فلو شك في انه اتى به تمتعا او لا او شك في انه اتى بالطواف بين الركن والمقام ام لا، فهل يمكن باصالة الصحّة احراز صحّة الطواف والحج من حيث كونه فعلا للمنوب عنه وحجا للمنوب عنه ام لا.

فهنا منع الشيخ بحسب ما نسب اليه من اثبات اصالة الصحّة صحّة الحج من حيث كونه فعلا للمنوب عنه وللمستنيب، وقال بان الصحّة من الحيثية الأولى لا تثبت الصحّة من الحيثية الثانية.

والحمدلله رب العالمين