أصالة الصحة | الدرس 29

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

الفرع الثاني: الوكالة

الفرع الثاني من العمل المشتمل على جهتين عمل الوكيل حيث ان العمل منتسب للوكيل وللموكل في الجملة، فاذا احرز الموكل ان الوكيل اتى بالعمل ولكن لا يدري هل اتى به صحيحا ام لا، فهل يمكن اجراء اصالة الصحّة في عمله ام لا.

والوكيل على ثلاثة اقسام: قد يكون وكيلا في اجراء الصيغة وقد يكون وكيلا في عقد في معاملة في عقد او إيقاع وقد يكون مفوضا في جميع المعاملات، وبهذه المناسبة دخل السيد الأستاذ دام ظله في عدة مطالب:

المطلب الأول: في الفرق بين الوكالة والنيابة

فافاد بان الفرق بين الوكالة والنيابة من جهتين:

الجهة الأولى ان النيابة موردها الاعمال الجوارحية كالحج والصوم والحضور في محفل، واما الوكالة فموردها الأمور الانشائية القانونية كالبيع والطلاق واشباه ذلك.

ولكن يلاحظ على هذا الفرق انه ما هو الموجب لاختصاص النيابة بالاعمال الجوارحية واختصاص الوكالة بالامور الاعتبارية؟ فقد يقال بما ان النيابة عبارة عن تنزيل العمل الصادر من النائب منزلة صدوره من المنوب عنه او تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه فما هو المانع من شمول هذا التنزيل للامور الاعتبارية أيضاً؟ اذ يمكن القول بشمول هذا التنزيل للامور الاعتبارية كأن يقول نزلت ما يصدر من فلان منزلة ما يصدر منّي او يقول النائب نزلت ما يصدر مني من الأمور الاعتبارية منزلة ما يصدر من فلان، فمثلاً، اذا استنابه في امضاء العقود كما اذا كان رئيسا لشركة ووظيفة هذا الرئيس الاشراف على العقود وامضائها فاقام من يقوم مقامه في هذه المهمة فالنائب الذي يقوم مقامه يأتي بهذا العمل وهو الاشراف على العقود نيابة عن الرئيس فينزل عمله منزلة عمل الرئيس وبالتالي فاذا كانت النيابة مجرد تنزيل فلا مانع من شمولها للامور الاعتبارية كالامور التكوينية ولا موجب لاختصاصها بالامور التكوينية.

كما ان الوكالة لا موجب لاختصاصها بالامور الانشائية فيصح توكيل شخص في الذبح والحلق، ولذلك ينتسب الذبح والحلق للموكل فيقال ذبح هديه مع ان الذابح هو الوكيل، فكما يتصور ورود الوكالة في الأمور الاعتبارية تاتي في الأمور الخارجية بحسب المرتكز العرفي أيضاً، فلا مانع من شمول الوكالة للامور الخارجية كشمولها للامور الاعتبارية وصحة النسبة ترد في كلا الامرين.

اذن فهذا الفرق وهو دعوى اختصاص النيابة بالامور الخارجية واختصاص الوكالة بالامور الانشائية غير تام، ولذلك اتفقوا على شمول الوكالة للقبض والاقباض مع انهما من الأمور الخارجية.

الجهة الثانية: للفرق هو مقام صحّة النسبة، وكأن ظاهر كلام السيد الأستاذ تفريع الجهة الثانية على الأولى أي انه بما ان النيابة تختص بالامور الخارجية لذلك لا يصح نسبة فعل النائب للمنوب عنه اذ الامر الخارجي لا يصح نسبتها لغير من صدر منه، بينما لان الوكالة موردها الأمور الاعتبارية لذلك تصح نسبة فعل الوكيل للموكل ولذلك ذهب جمع من الفقهاء الى ثبوت خيار المجلس للموكل مع ان البيع صادر من الوكيل.

ولكن هذا محل ملاحظة أيضاً فان مجرد اختصاص الوكالة بالامور الاعتبارية لا يوجب صحّة نسبة فعل الوكيل للموكل، ولذلك لو كان الوكيل مفوضا كما لو وكله منذ بلوغه في اجراء جميع المعاملات المتعلقة به مما تخطر بباله او لا تخطر فان العمل الصادر من الوكيل المفوض لا يصح نسبته عرفا للموكل بعد عدم التفاته له لا تفصيلا ولا اجمالاً، وهذا يعني انه ليس المدار في صحّة انتساب فعل الوكيل للموكل سواء كان وكيلا في اجراء الصيغة او في معاملة او مفوضا ليس المدار ان الوكالة واردة في الأمور الاعتبارية دون الأمور الخارجية.

اذن فالصحيح ان الفارق الأساس بين مورد النيابة ومورد الوكالة هو الفرق الثاني ولكن لا في طول الفرق الأول، أي ان الوكالة والنيابة تشملان الأمور الخارجية والأمور الاعتبارية غاية ما في الباب انه تتميز الوكالة عن النيابة انه في الوكالة يصح انتساب فعل الوكيل للموكل في الجملة لا بالجملة اما ما هو المصحح لهذا الانتساب فهذا ما بحثه السيد الأستاذ كمطلب ثان.

المطلب الثاني في ذكر الوجوه التي بني عليها في صحّة انتساب فعل الوكيل للموكل

الوجه الأول ما ذكره المحقق النائيني «قده» في المسالة الأولى من مسائل خيار المجلس حيث افاد بان المصحح لانتساب فعل الوكيل للموكل عرفا بلا تجوز في الاسناد هو التسبيب فكما يصح انتساب الفعل الى المباشر يصح انتسابه الى السبب فلذلك قال «اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا»، وقال «قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ» وقال «وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ».

فما دام هناك تسبيب من الموكل لفعل الوكيل اقتضى هذا التسبيب صحّة نسبة فعل الوكيل للموكل.

وهذا الوجه محل تأمل وذلك لأنّه ان كان المقصود ان التسبيب موجب لانتساب فعل الوكيل للموكل انتسابا مجازيا فان الانتساب المجازي ليس موردا للأثر، فمثلاً ثبوت الخيار للبائع مورده صدور البيع منه حقيقة لا مجازاً، او مثلاً اجراء قاعدة الفراغ في فعل النفس موردها صدور الفعل من النفس حقيقة لا مجازا، فالانتساب المجازي وان كان صحيحا الا انه ليس موضوعا للأثر، وان كان المقصود الانتساب الحقيقي فمن الواضح انه مجرد التسبيب لا يوجب الانتساب الحقيقي ما لم تندك إرادة المباشر في المسبب بحيث يعد المباشر كالآلة بالنسبة للمسبب كما لو وكل الصبي غير المميز او المجنون بان قام بالتسبيب لصدور العمل منه، فهنا ينتسب الفعل اليه بلحاظ اندكاك إرادة المباشر في إرادة المسبب لا مطلقا، والا لو كان مجرد التسبيب كافيا في صحّة انتساب فعل المباشر للمسبب لتم في الاستئجار والنيابة مع انه لا يصح نسبة فعل النائب للمنوب عنه.

الوجه الثاني ما ذكره السيد الشهيد «قده» في كتاب اقتصادنا، من ان حقيقة التوكيل هي التي تقتضي صحّة النسبة باعتبار ان حقيقة التوكيل هي عبارة عن انشاء المعاملة معلقا على صدوره من الوكيل، فمثلاً لو قال شخص لاخر وكلتك في بيع داري فهو قد قال بعت داري معلقا على صدور انشاء البيع منك فانشاء البيع أي التمليك بالحمل الشائع صادر من الموكل ولكن صدر منه معلقا على صدور الصيغة من الوكيل بما ان البيع أي التمليك بالحمل الشائع مما صدر عن الموكل فحينئذٍ يصح انتساب البيع اليه لأنّه في الواقع قد صدر عنه.

ان قلت ان التعليق مبطل للعقود.

قلنا لا دليل على مبطلية التعليق للعقد الا الاجماع والقدر المتيقن منه غير هذا المورد لان التعليق في المورد مقوم لحقيقة الوكالة وليس شرطا في نفوذ المعاملة كي يكون مبطلا.

وهذا الوجه يرد عليه انه مخالف للمرتكز العقلائي فاذا صدرت الوكالة كما اذا قال وكلتك في بيع داري فان المرتكز العقلائي يرى انه اذا صدر انشاء البيع من الوكيل ترتبت اثار البيع لا ان صدور الصيغة من الوكيل كاشف عن ترتب اثار البيع من حين الوكالة فلو كان التمليك بالحمل الشائع صادرا من حين الوكالة وكان صدور الصيغة من الوكيل مجرد شرط متأخر فصح ان يقال ان البيع قد صدر من قبل سنة وتترتب عليه اثاره من ذلك الحين، مع ان ذلك ليس صحيحا عرفا.

مضافا الى انه لو كان مرجع الوكالة الى المعاملة لم يشمل هذا التعريف التفويض فماذا يقال لو وكله في جميع المعاملات المرتبطة بامواله وحقوقه من دون التفات لا تفصيلا ولا اجمالا لتلك المعاملات والحقوق فهل هذا يعني انه قد صدر منه جميع هذه المعاملات معلقة على صدور الصيغة من الوكيل، لا اشكال ان هذا ليس عرفياً.

الوجه الثالث ما اختاره السيد الأستاذ دام ظله وهو يبتني على مقدمتين الأولى ان الانتساب على قسمين تارة يكون تكوينيا وأخرى اعتباريا والانتساب التكويني دائر مدار العلة الخارجية فما كان معلولا للعلة الخارجية وما كان مسببا عن السبب الخارجي صح انتسابه لمصدر العلة او لواجد العلة، فالمشي ينتسب للماشي بمقتضى انه معلول له تكوينا فالانتساب التكويني يدور مدار التعليل والتسبيب الخارجي.

واما الانتساب الاعتباري فهو على قسمين اذ قد يكون الاعتبار ادبيا وقد يكون قانونياً والفرق بين الاعتبار الادبي والقانوني ان المراد الاستعمالي غير مطابق للمراد الجدي في الاعتبار الادبي بينما هو مطابق له في الاعتبار القانوني، فاذا قال اعتبر الرجل الشجاع اسداً لم يكن المراد الجدي مطابقا للمراد الاستعمالي، فان اعتباره اسداً لا يعني انه اسد حقيقة بينما إذا قال اعتبر الخمر حراما او نجساً فان المراد الجدي هو تحقق الحرمة والنجاسة حقيقة في وعاء الاعتبار لا ان المراد الجدي مغاير للمراد الاستعمالي.

والكلام فعلا في صحّة انتساب فعل الوكيل للموكل انما هو على نحو الانتساب القانوني لا الانتساب التكويني اذ المفروض ان العمل صادر حقيقة وبحسب العلل التكوينية من الوكيل لا من الموكل وليس المراد الانتساب الاعتباري الادبي، لان المفروض ان الاعتبار الادبي انتساب مجازي والانتساب المجازي ليس موضوعا للأثر.

وانما الكلام في الانتساب الاعتباري القانوني بان ينتسب فعل الوكيل للموكل حقيقة والمقصود بذلك حقيقة يعني بحسب الاعتبار القانوني العرفي وهو ما يكون المراد الجدي مطابقا للمراد الاستعمالي.

المقدمة الثانية: افاد بان الوكالة حقيقتها اعتبار فعل الغير صادرا من النفس على نحو الاعتبار القانوني، فاذا قال وكلتك في بيع داري فمراده ان بيعك بيعي قانونا فبما ان اعتبر بيع الوكيل بيعه قانونا انتسب البيع الصادر من الوكيل للموكل، فهذا هو المصحح لانتساب العمل الصادر من الوكيل للموكل فلذلك يقال عن الموكل انه باع داره او طلق زوجته او ما اشبه ذلك بحيث يترتب عليه سائر الاثار.

فان قلت لم لا تجري هذه المقالة في النيابة؟

قلنا بان النيابة تختص بالاعمال الخارجية فاذا كانت كذلك فكون المورد عملا خارجيا هو المانع أي انه صحيح ان اعتبار فعل النائب فعلا للمنوب عنه مقتضي للانتساب القانوني لكن لوجود المانع عن تأثير هذا المقتضي وهو كون العمل عملا خارجيا لم يصح انتساب فعل النائب للمنوب عنه.

ولكن يلاحظ على ما افيد بانه: أولاً تعريف الوكالة بانها عبارة عن اعتبار فعل الغير فعل النفس غير مطابق للمرتكز العقلائي والسر في ذلك ان المرتكز العقلائي لا يرى الا ان الوكالة تسليط على العمل، أي ان الموكل عندما يقول وكلتك في بيع داري او اجراء الصيغة او في جميع المعاملات فهو يعطي للوكيل سلطة على ذلك فلا حقيقة للوكالة الا إعطاء السلطنة لا انها تتضمن زيادة على ذلك اعتبار فعل الوكيل فعلا للموكل، والشاهد على ذلك ان الوكالة تجري حتّى في الأمور التي يستكره الموكل انتسابها اليه كما اذا افترضنا ان عالماً من العلماء المعروفين أراد بيع كتبه اضطراراً لحاجته للمال فوكل من يثق به مستكرها لانتساب البيع اليه، فهو لا يعتبر بيع الوكيل بيعه وانما يعطيه سلطة على تنفيذ هذه المعاملات واجرائها لا اكثر، فالوكالة كما هو افاد ذلك في تعليقته على العروة تسليط قانوني بمعنى إعطاء الموكل للوكيل سلطنة على العمل، لا ان الوكالة تتضمن اعتبار فعل الوكيل فعلا للموكل.

وثانياً لو سلمنا بان مرجع الوكالة لذلك لصح ان يقال في النيابة أيضاً بان النيابة اعتبار فعل النائب فعلا للمنوب عنه، وبالتالي يصح انتساب فعل النائب فعلا للمنوب عنه حيث ان النيابة قد تتصور في مجموع الاعمال الخارجية والاعتبارية كما ذكرنا ان نظام الشركات ان يكون للرئيس نائب لا وكيل فمن يقوم مقام الرئيس يأتي بالاعمال عنه ولا يعتبر في الوكالة ان يأتي بالعمل عن الموكل، خصوصا في الوكيل في مجرد اجراء الصيغة.

وما يأتي به نائب الرئيس لا يختص بالاشراف على معاملات الشركة بل يشمل امضائها او رفضها فهل يصح مع ذلك ان نقول ان اعتبار الرئيس فعل النائب فعلا له مصحح لانتساب ما يقوم به النائب للرئيس مع انه ليس كذلك عرفاً مما يعني ما ذكرناه في محله انه وان كان هناك فرق بين الوكالة والنيابة من حيث الحقيقة والأثر، فالوكالة تسليط قانوني والنيابة عبارة عن قيام شخص بعمل بقصد ترتيب اثره للمنوب عنه بالمباشرة فهما مختلفان بالحقيقة ومختلفان بالاثر، حيث انه بالوكالة يصح انتساب فعل الوكيل للموكل في الجملة ولا يصح انتسابه في النيابة عرفاً، الا ان المصحح لانتساب فعل الوكيل للموكل دون فعل النائب للمنوب عنه هو التعارف الخارجي فكل عمل خارجي او اعتباري، كالذبح والنباء والحلق والعقود والايقاعات، فكل فعل تعارف الاتكاء فيه على الغير مما يصح نسبته الى الموكل عرفا لتعارف الاتكال فيه على الغير ولولا ذلك لما كان هناك مصحح للانتساب.

المطلب الثالث: لو صدر الفعل من الوكيل وشك فيه

فلا مجال لاجراء قاعدة الفراغ لما تقدم من ان مجراها ما صدر من فعل بالمباشرة كما انه لا مانع من اجراء اصالة الصحّة فيه بدعوى انه فعل للنفس ولا تجري فيها اصالة الصحّة فان بناء العقلاء قائم على اجراء اصالة الصحّة في الفعل الصادر من الغير تكوينا وان انتسب الفعل الى الموكل انتساباً عرفيا او انتسابا قانونيا كما يعبر عنه السيد الأستاذ فان بناء العقلاء على اجراء اصالة الصحّة شامل لمثل ذلك.

والحمدلله رب العالمين