أصالة الصحة | الدرس 30

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

الفرع الثالث: توضئة العاجز عن الوضوء

او تغسيل العاجز عن الغسل او تيميم العاجز عن التيمم، فكل من عجز عن تحصيل الطهارة من وضوء او غسل او تيمم لمانع بدني فوظيفته ان يستعين بمن يقوم باجراء الماء او التراب على بدنه، فهل يكون عمل المتولي للوضوء او الغسل او التيمم مجرى لاصالة الصحّة ام لا، وقد تعرض السيد الأستاذ دام ظله الى وجوه ثلاثة في تحليل مسألة التولي للغسل او الوضوء او التيمم:

الوجه الأول ان يكون هذا العمل من باب النيابة بمعنى ان العاجز عن الوضوء يقوم باستنابة شخص ليقوم باجراء الغسل على وجهه ويديه، وبما ان المتولي لذلك نائب فوظيفته قصد القربة لما يجريه من الاعمال، وبالتالي لو شك المنوب عنه العاجز في ان النائب اتى بالوضوء صحيحا جامعا للشرائط او لا فيمكنه اجراء اصالة الصحّة في فعله، لأنّه بلحاظ كونه فعلا للمتولي فهو فعل الغير ومجرى لاصالة الصحّة.

ولكن السيد الأستاذ علق على ذلك بان هذا الاحتمال لا دليل عليه من النصوص وصاحب العروة وان عبر عنه بالنيابة الا انه لم يلتزم بلوازم النيابة حيث ذكر انه على العاجز نفسه ان يقصد القربة.

ولو كانت التوضئة من النائب من باب النيابة لم يكن على العاجز قصد القربة فهذا كاشف عن ان سيد العروة لم يرتب اثار النيابة على هذا العمل.

ولكن ما افاد أولاً انه لا دليل على كون المورد من باب النيابة من النصوص الواردة في المقام تام، واما ما ذكره أخيرا من الاستشهاد على عدم كون المورد من النيابة بان قصد القربة معتبر في حق العاجز فهو ممنوع، لأنّه قد يقال بان هذا العمل ذو جهتين، فهو عمل للنائب من جهة، وللمنوب عنه من جهة أخرى فهو وضوء من المتولي للعمل، ووضوء من المنوب عنه، وبالتالي فبما انه شامل للجهتين فيشترط قصد القربة في النائب وفي المنوب عنه، فمجرد اعتبار قصد النيابة في العاجز لا يكشف عن عدم كون المورد من موارد النيابة.

الوجه الثاني ان يقال بان المقام تكليف استقلالي في حق المتولي للعمل بمعنى انه يجب على المكلفين على نحو الوجوب الكفائي تطهير العاجز عن الوضوء او الغسل او التيمم فهو واجب كفائي في حق المتولي ولا ربط له بمقام النيابة ومقتضى ذلك هو اعتبار قصد القربة في حق المتولي دون اعتباره في حق العاجز لأنّه تكليف المتولي وبناء على هذا الاحتمال فاذا شكَّ العاجز في صحّة عمل المتولي فيمكن ان يجري اصالة الصحّة في فعله.

وهذا الوجه أيضاً لا دليل عليه كما انه استبعده السيد الأستاذ من جهة انه من البعيد حصول الطهارة للعاجز وان لم يحصل القربة وان لم يلتفت أصلا الى قيام المتولي بتطهيره.

الا ان هذا مجرد استبعاد فلو فرضنا الدليل على انه وجاب كفائي استقلالي في حق المتولي لم يكن مجال لهذا الاستبعاد.

الا ان مجرد استفادة ان هذا العمل واجب كفائي استقلالي في حق المتولي لا يكشف عن كون العمل منعزلا عن العاجز بحيث لا يعد وضوءً له ولا يعد عملاً له، فمجرد ان تكليف استقلالي في حق المتولي لا ينفي ان هذا بنظر الشارع أيضاً وضوء للعاجز او غسل له ومقتضى ذلك اعتبار شرائطه في حق العاجز.

فالمقصود انه لا يستفاد من مجرد قيام دليل على ان هذا تكليف استقلالي في حق المتولي انه ليس عملا في حق العاجز بالمرة كي يقال لا يشترط في حقه قصد القربة، فباب هذا الاحتمال مفتوح ولا يمكن نفيه بقيام دليل على ذلك الا ان نستفيد من الأدلة ان العاجز لا ربط له بعملية التطهير من وضوء او غسل او تيمم.

الوجه الثالث ان يكون المورد من باب الاستعانة، وهذا هو ظاهر الأدلة أي ان على العاجز ان يستعين في غسل وجه ويديه بمن هو قادر على ذلك، ولا تصل النوبة في العاجز عن الوضوء او الغسل الى التيمم مادام قادرا على الاستعانة بغيره فيكون غيره بمثابة الآلة باجراء الماء على وجهه ويديه.

وبناءً على هذا الاحتمال فقد بحث الاعلام هنا بحثين:

البحث الأول هل يعتبر قصد القربة في المتسعان به ام انه ليس عليه ذلك لأنّه بمثابة الالة بالنسبة الى العاجز فقالوا بما انه بمثابة الالة، اذن لا وجه لاعتبار قصد القربة الا ان يقال بان الوضوء عمل عبادي بحيث تكون العبادية مقومة له لا شرطا في صحته، فاذا قلنا ان العبادية مقومة للوضوء بحيث لا يصدق عليه انه وضوء او غسل او تيمم من دون قصد القربة ومن دون عنصر العبادية فبناء على ذلك قد يقال ان هذا مدرك لاعتبار قصد القربة في المستعان به لأنّه استعين به في الوضوء والوضوء متقوم بقصد القربة فمقتضى ذلك اشتراط قصد القربة فيه والا لم يكن ما يقوم به وضوءً او غسلا او تيميما فتأمل.

البحث الثاني: في اجراء اصالة الصحّة في عمله وظاهر ما نقل عن السيد الأستاذ هو عدم جريان اصالة الصحّة في عمل المستعان به لأنّه بمثابة الالة كاي الة مكاينكية يعتمد عليها في اجراء الماء على وجهه ويديه بحيث لو لم يحصل على انسان يقوم بهذا العمل لاكتفى بما تقوم به الالة في اجراء الالة على وجهه ويديه.

ولكن هذا محل تأمل باعتبار ان تكليف العاجز بالاستعانة لا ينفي ان ما صدر من المستعان به عمل للغير واجد لاقتضاء الصحّة فمن حيث انه عملٌ ضمن تكليف شرعي معين واجد لاقتضاء الصحّة بمعنى ان المقتضي لاتصافه بالصحة والفساد موجود وهذا المقتضي هو عبارة عن كونه عملا ضمن مركب مأمور به، ومتى ما كان العمل ضمن مركب مأمور به كان ذا اقتضاء وقابلية لاتصافه بالصحة والفساد، والمانع مفقود، وعليه لو شك في اجرائه كان من الأعلى للاسفل، كان مترتبا على إزالة عين النجاسة ام لا، فيقال ان كان فاقدا لذلك كان فاسدا وان كان واجدا لذلك كان صحيحا فيكون مجرى لاصالة الصحّة نظير عملية التطهير فلو فرضنا ان صبيا اجرى عملية التطهير للثوب وشككنا في انه صحيح واجد لشرائط التطهير ام لا فيمكن اجراء اصالة الصحّة فيه، فدعوى انه ما دام المستعان به من قبيل الالة لم يكن عمله مجرى لاصالة الصحّة محل تأمل.

نعم على فرض عدم جريان اصالة الصحّة في فعله فهل يتكفى باخباره ام لا، قد سبق الكلام في الفرع الأول وهو انه هل يعتبر الوثاقة في قبول خبره ام العدالة ام انه من باب اخبار ذي اليد بما تحت يده، فهو حجة ما لم يقم منشأ عقلائي على الخلاف لنكتة الخبروية او الائتمان وانه مؤتمن على عمله، كما هو غير بعيد وبحثناه في الفرع الأول.

والحمدلله رب العالمين