أصالة الصحة | الدرس 31

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

الجهة التاسعة: الأثر المترتب على اصالة الصحة

ما هو الأثر المترتب على اصالة الصحة هل يمكن باجراء اصالة الصحّة ان نرتب اللوازم العادية والعقلية على صحّة العمل ام لا يثبت باصالة الصحّة الا الصحّة الشرعية؟

والصحيح عدم جريان أصالة الصحة لإثبات اللوازم العقلية والعادية، بل يختص جريانها بترتب الاثار الشرعية، والبحث في مقامين:

المقام الأول في الوجه في عدم اثبات اللوازم العقلية والعادية بنفس اصالة الصحّة.

ومخلص هذا الوجه ان عدم اثبات اصالة الصحّة لهذه اللوازم غير الشرعية هو قصور المقتضي لا وجود المانع، أي ان نفس مدرك اصالة الصحّة لا يقتضي امتدادها لإثبات اللزوام غير الشرعية، سواء بنينا على ان أصالة الصحة أصل ام بنينا على ان اصالة الصحّة امارة، اما اذا قلنا بان أصالة الصحة أصل عملي فعدم اثباتها اللوازم واضح، فان بناء العقلاء عليها انما هو لأجل عدم اختلال النظام المترتب على عدم جريانها لا لانها كاشفة عن الواقع فاذا لم تكن لها حيثية الكشف عن الواقع فلا وجه لترتب اللوازم غير الشرعية على جريانها فان ترتبها فرع انكشاف الواقع ولم ينكشف.

واما اذا قلنا ان اصالة الصحّة من الامارت فقد ذكرنا أواخر بحث الاستصحاب ان مجرد كون الشيء امارة لا يستلزم ترتب اللوازم غير الشرعية على قيامه، والوجه في ذلك ان امارية أي امارة بمقدار مدركها فاذا فرضنا ان امارية الامارة مستفادة من الدليل الشرعي كما لو فرضنا قيام الدليل الشرعي على امارية اليد على الملكية فاذا لم تكن هذه الامارة عقلائية بل كانت تعبدية نظرا لقيام الدليل الشرعي على اماريتها فلابد من النظر في مقدار الدليل الذي دل على اماريتها فهو قد يقتضي انكشاف تمام الواقع بها وقد يقتضي انكشاف بعض الواقع بها.

والتجزئة في المنكشف ليست امرا مستحيلا ما دام الكشف كشفا تعبدياً لا وجدانيا.

وتارة يكون مدرك الامارة هو البناء العقلائي فلابد من الرجوع الى هذا البناء بنفسه، فيقال بانه هنا صورتان:

الأولى ان يقوم بناء العقلاء على امارية امارة من دون ان نحرز ملاك اماريتها.

والثانية ان نحرز ملاك الامارية من خلال الاستقراء العقلائي.

اما في الصورة الأولى فلو فرضنا ان بناء العقلاء قام على امارية خبر ذي اليد عما تحت يده او قام على امارية اليد على الملكية مثلاً فحيث لم نحرز ملاك الامارية من خلال استقراء بناء العقلاء أي لم نستكشف النكتة الارتكازية التي ارتكز عليها بناء العقلاء في امارية الامارة، فلابد من الجمود على مقدار اماريتها لدى البناء العملي أي لابد من الاقتصار على مقدار ما رتبه البناء العقلائي من الاثار بلحاظ ان الاوسع من ذلك لم يحرز بناؤه شرعا فاننا انما نستكشف امضاء الامارية من خلال عدم الردع لا من خلال دليل لفظي فاذا كان الكاشف عن اعتبار الامارية هو عدم الردع وحيث انه دليل سكوتي لا لفظي اذن بالنتيجة القدر المتيقن من امضائه ما بنى العقلاء على ترتيب الاثار العملية عليه.

اما الصورة الثاني وهي ان نستكشف النكتة الارتكازية التي اعتمد عليها العقلاء في امارية الامارة كما لو فرضنا ان قيام بنائهم على امارية خبر ذي اليد عما تحت يده بنكتة الخبروية أي ان ذا اليد اخبر بما تحت يده من أي شخص اخر فمقتضى نكتة الخبروية هو التوسع لأنّه بعد ان استكشفنا الملاك فمقتضى انبساط الملاك على المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي هو التوسع في البناء على الكشف من حيث المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي.

واما اذا افترضنا ان الملاك نفسه لا يقتضي التوسع فيأتي فيه نفس الكلام الذي ذكرناه في الصورة الأولى حيث ان النكتة الارتكازية لامارية الامارة وان انكشفت لنا الا ان المفروض ان النكتة الارتكازية نفسها خاصة بفرض دون فرض او بمجال دون مجال فلذلك لا يمكن البناء على سعة الامارية ما دام الملاك لهذه الامارية خاص بفرض دون فرض فلو افترضنا ان امارية اليد على الملكية بالبناء العقلائي واذا رجعنا للبناء العقلائي وجدنا ان النكتة الارتكازية لبنائهم على امارية اليد هو غلبة مطابقة اليد للواقع من حيث الولاية على ما تحت اليد أي ان الغالب في الايدي ان يكون ما تحتها موردا لولاية ذي اليد عليه ولم تكن النكتة على اكثر من ذلك فاذا كان كذلك فتوسيع الكاشفية والامارية للوازم العقلية والعادية مع ان ملاك الامارية انما هو غلبة مطابقة اليد للواقع من حيث الولاية على ما تحت اليد لا من حيثيات أخرى لأجل ذلك فالتوسعة في الكاشفية لما هو اكثر من هذه النكتة الارتكازية مما لم يحرز امضاؤه شرعا.

وبعد بيان هذه الكبرى نقول في مقام التطبيق على الصغرى، انه أولاً لم نحرز بناء العقلاء على ان اصالة الصحّة امارة، وعلى فرض اننا احرزنا انها امارة، فالمقدار الذي قام بناء العقلاء عليه هو ترتيب الاثار القانونية على العمل الصحيح واما اللوازم العقلية والعادية مما لم يكن اثرا اعتباريا للعمل الصحيح فلم نحرزه، فاذا كان مقدار ما بنى العقلاء عليه وما رتب العقلاء عليه من الاثار هو الاثار القانوينة الاعتبارية لصحة العمل سواء كانت اثارا شرعية او وضعية، ولم يرتب العقلاء اثرا عقليا او عاديا على اصالة الصحّة، اذن بالنتيجة لا يحرز امضاء هذه الامارية لاكثر من مقدار الآثار التي رتبها العقلاء على ذلك.

بل لو اردنا استكشاف نكتة الامارية، سواء كانت هذه النكتة هي غلبة مطابقة العمل الصادر من الفاعل للعمل الجامع للاثار فان هذه النكتة لا يحرز امتدادها للاثار غير القانونية، اذن فالذي يمنع من جريان اصالة الصحّة لإثبات اللوازم العقلية والعادية هو قصور المقتضي أي قصور مدرك اصالة الصحّة.

نعم في هذا المقام نرى ان سيد المنتقى افاد بان الامارة بنفسها ليست حجة في لوازم مفادها وملزوماته نعم قد يكون قيام الامارة على الملزوم منشأ لقيام امارة من فصيلتها على اللازم كما في الخبر لان الاخبار بالملزوم اخبار باللازم وبالعكس فيثبتان اللازم والملزوم بالامارة الثانية، ولكن هذا ليس من حجية الامارة في اللوازم والملزومات كما لا يخفى وهذا مما لا شكال فيه.

وظاهر كلامه انه تعريض بمبنى سيدنا الخوئي، الذي يقرر نفس الكبرى وهي ان الامارة بما هي امارة ليست حجة بلوازمها وملزوماتها كما ذهب اليه المشهور ومنهم السيد الشهيد حيث ذكروا ان ملاك الامارية هو حيثية الكاشفية عن الواقع وهي منبسطة على المدلول المطابقي والالتزامي فمقتضى سعة الحيثية سعة الاثار المنكشفة بها.

وقد ذكرنا في جواب هذه النكتة ان امارية الامارة قد تكون تعبدية وقد تكون عقلائية فان كانت تعبدية اقتصر على مقدار التعبد وان كانت عقلائية فتارة يستكشف ملاك الامارية وتارة لا يستكشف، فان لم يستكشف اقتصر في ترتيب الاثار على ما رتبه العقلاء وان استكشف ملاك الامارية فبمقدار الملاك المستكشف.

واما دعوى ان امارية الامارة لحيثية كاشفيتها عن الواقع وهذه الحيثية منبسطة على المدلول المطابقي والالتزامي على حد سواء فهذا يتم اذا استكشفنا الملاك العقلائي لامارية الامارة، وانه هو كاشفيتها عن الواقع مطلقا اذ ربما تكون بعض الامارات وان كانت لها حيثية الكاشفية الا انها قاصرة عن الكشف عن المداليل الالتزامية باعتبار ان الكاشفية عن الواقع ذات مراتب لا مرتبة واحدة كي نقول بما ان امارية الامارة مستندة لحيثية الكاشفية وحيثية الكاشفية حيثية منبسطة على المدلول المطابقي والالتزامي فمقتضى ذلك حجية الامارة في اللوازم والملزومات غير الشرعية، هذا غير تام لان حيثية الكاشفية ذات مراتب اذ قد تكون الكاشفية من جهة دون جهة، وقد تكون في مجال دون مجال، فلا يمكن التعويل على اطلاق هذا الكلام بل لابد في كل امارة من التدقيق في مدركها وفي ملاكها لا ان يقال ان حيثية الكاشفية منبسطة على المدلول المطابقي والالتزامي مع الالتفات الى ان الكاشفية عن الواقع متفاوتة الدرجات والمراتب.

ولذلك بنى سيدنا على ان لا ملازمة بين كون الكاشف امارة وبين حجيته في لزوامه وملزوماته الا في خبر الثقة حيث بنى العقلاء على ترتيب الاثار عليه من حيث مدلوله المطابقي والالتزامي قلنا بان خبر الثقة حجة في مداليله الالتزامية أيضاً.

فهنا يرد عليه سيد المنتقى ويقول بان حجية خبر الثقة في المدلول الالتزامي لا لكونه امارة كي يكون استثناءً من عدم الملازمة بين امارية الامارة وحجيتها في المداليل الالتزامية بل لان الاخبار عن الملزوم يتضمن اخبارا ثانيا عن اللازم او ان الاخبار عن اللازم يتضمن اخبار ثانيا عن الملزوم، فهنا كاشفان لمنكشفين واخباران عن مخبرين لا ان هنا خبرا واحدا يكون حجة في اللوازم غير الشرعية.

ولكن يرد على هذه المناقشة بان هذا تحليل لخبر الثقة والا فعند مراجعة الوجدان فليس هناك الا اخبار وكاشف واحد وهذا التحليل المذكور في كلامه وكلام السيد الشهيد ليس وجدانياً، فان ما يراه الوجدان ويبني عليه المرتكز العقلائي وجود اخبار واحد وكاشف واحد، نعم نحن نقوم بتحليله لاخبارين ومنكشفين، الا ان هذا مجرد تحليل وتعمّل عقلي والا فليس في الواقع الا اخبار واحد غاية ما في الباب ان خبر الثقة لما كان اقوى الامارات من حيث الكاشفية كانت درجة الكاشفية فيه واسعة لما يشمل المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي، سواء كان المدلول الالتزامي شرعيا او عقليا او عاديا، فسعة اماريته للمدلول الالتزامي بانواعه لسعة ملاك هذه الامارية لا لتضمن خبر الثقة لاخبارين كما افيد.

المقام الثاني ما فرّعه الشيخ الأعظم على محل البحث وهو انه اذا شك في الشراء الصادر من الغير هل انه شراء لما لا يملك كالخمر والخنزير او شراء لما يملك كالخل والشاة فنحن نعلم بان المشتري فلان قد اشترى مثلاً الجهاز الفلاني ولكن لا ندري انه اشتراه بما لا يملك او بما يملك، فهل يمكن اجراء أصالة الصحة في شرائه ويترتب على جريانها تعين ان الخارج عن ملكه هو مثلاً الشاة لا ان ما كان عوضا وثمنا في عقد الشراء هو ما لا يملك ويترتب على ذلك ان كان الشراء صحيحا وكان الثمن هو الشاة فهي خارجة عن تركته فنستطيع ان نرتب أثر الإرث على ما وقع تحت يده وهو الجهاز المشترى ولا نرتب أثر الإرث على الشاة.

وقد افاد الشيخ الأعظم بان اصالة الصحّة جارية في المقام، ويترتب الأثر من ان الجهاز المشترى ملك له فيكون من جملة تركته، ولكن لا يترتب على اصالة الصحّة اللازم العقلي وهو كون الثمن شاةً، فان صحّة البيع وان توقفت عقلاً على كون الثمن شاة ولكن حيث ان هذا اللازم ليس من الاثار الشرعية لصحة البيع فلا يترتب على اجراء اصالة الصحّة فنلتزم بالتفكيك بين جريان اصالة الصحّة وترتب هذا اللازم العقلي.

وقد اشكل على الشيخ باشكالين:

الأول انه ان جرت اصالة الصحّة من دون ان يترتب عليها أصل النقل والانتقال كان جريانها بلا أثر فان أثر اصالة الصحّة هو حصول النقل والانتقال فاذا لم نحكم به فالأثر المترتب على اصالة الصحّة لم يتحقق فلا معنى لجريانها، بل قل ان الصحّة في المقام هي عين حصول النقل والانتقال فعدم الحكم بالنقل والانتقال هو عبارة أخرى عن الغاء اصالة الصحّة ويترتب عليها انتقال المثمن وهو الجهاز من دون انتقال الثمن من تركة المشتري من البائع كان البيع بلا عوض والمفروض ان مورد اصالة الصحّة هو البيع وهذا ليس بيعا فاصالة الصحّة منتفية بانتفاء موضوعها.

وقد اشكل سيد المنتقى بان الحكم بعدم انتقال الشاة لا يستلزم الحكم بوقوع البيع بلا عوض بل يقتضي عدم ثبوت العين الخاصة وهي الشاة ثمنا واما عدم ثبوت الثمن بالمرة فهذا اجنبي عن ذلك بل ثمن المثل ثابت بالذمة.

وما افاده صحيح سوى العبارة الأخيرة، اذ الصحيح ان يقال ان مقتضى اصالة الصحّة ثبوت ثمن في تركته لا ثمن المثل في الذمة اذ قد يكون الشراء بالعين الخارجية، وكلامه يتم لو كان الثمن كليا في الذمة مع انه قد تكون المعاملة شخصية فاحرزنا ان المشتري اشترى الجهاز بعين من الاعيان التي تحت يده، ودار امر ذلك الثمن بين الشاة والخمر فحنيئذ نقول ان اصالة الصحّة تجري وتقتضي ان المثمن من جملة تركته من دون ان يترتب اللازم العقلي وهو كون الثمن شاة فالذي يترتب عليها هو ثبوت الثمن في تركته من دون ان يتعين، ومقتضى ذلك المصالحة بين ورثة المشتري والبائع.

الاشكال الثاني ان يقال بان العلم الإجمالي بكون احد العينين ليس ملكا له لأنّه ان وقع الشراء بالخل فقد خرج الخل عن ملكه ودخل الجهاز في ملكه، وان وقع الشراء بالخمر فالجهاز ليس ملكا له، فنحن نعلم ان احد العينين ام الجهاز او الخل ليس ملكا له.

فاصالة الحل التي تقتضي جواز التصرف بالجهاز معارضة باصالة الحل التي تقتضي جواز التصرف بالخل بالنسبة للورثة، فانهم يعلمون اجمالا انه لا يجوز لهم التصرف بأحد العنين.

او فقل ان اصالة الصحّة في الشراء التي تقتضي جواز التصرف في المثمن وهو الجهاز معارضة باصالة بقاء الخل على ملكه، ومقتضى هذه المعارضة هو منجزية العلم الإجمالي ومقتضى منجزية العلم الإجمالي عدم جريان اصالة الصحّة.

وهنا جوابان:

الأول: ما ذكره سيد المنتقى حيث قال ان هذا اجنبي عن عدم قابلية اصالة الصحّة للجريان اذ عدم جريان الأصل في المقام انما هو لوجود المانع وهو وجود علم اجمالي منجز اقتضى تعارض الاصلين لا لعدم قابلية اصالة الصحّة لإثبات اللوازم العادية والعقلية، فهذا لا يدل على عدم جريانها لأجل ذلك وانما لوجود المانع، وما ذكره صحيح.

الثاني: انه حتّى على مختارنا في منجزية العلم الإجمالي حيث ذكرنا ان منجزيته تقتضي رفع اليد عن الاطلاق الاحوالي للاصل لا رفع اليد عن الاطلاق الافرادي للاصل، فيمكن جريان الأصل في الجامع وهذا انما يتصور في الأصل ذا الطرفين كاصالة الحل والطهارة أي عندما يكون الأصل مشتركا بين طرفي العلم الإجمالي لا عندما يكون مختصا بأحد الطرفين كما في محل كلامنا حيث ان لدينا اصلين اصالة الصحّة من جهة واصالة بقاء الشاة تحت ملك المشتري من جهة أخرى فهما اصلان مختلفان سنخا وبالتالي ليس لاحدهما اطلاق احوالي لمورد الآخر فمانعية العلم الإجمالي من الاطلاق الاحوالي لكل واحد من الأصلين لا يلغي جريان اصالة الصحّة في المقام اذ ليس لها اطلاق احوالي لمورد الأصل الآخر باعتبار اختلافه سنخا معها.

ومع ذلك نقول بان اصالة الصحّة غير جارية في المقام والسر في عدم جريانها في المقام هو المعارضة أي ان جريان كلا الاصلين ترخيص في المخالفة القطعية للمعلوم بالإجمال وجريان احدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح فلا يجري شيء منهما.

اذن لا تجري اصالة الصحّة لملاك المعارضة وان لم نقل بحيثية المعارضة بمعنى ان جريانهما معا ترخيص للمخالفة القطعية للمعلوم بالإجمال وجريانهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح فمقتضى ذلك عدم جريان اصالة الصحّة فعدم جريانها لمانع لا انها لا تتكفل اثبات اللوازم غير الشرعية فالصحيح في عدم تكفلها لإثبات اللزوام غير الشرعية ما ذكرناه في المطلب الأول وهو قصور المقتضي.

والحمدلله رب العالمين