أصالة الصحة | الدرس 33

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

بقيت صورة من صور النسبة بين اصالة الصحة والاستصحاب الحكمي ما اذا قلنا بان كليهما أصل عملي عقلائي فحينئذٍ نقول بانه لا تعارض بينهما باعتبار ان مدركهما معا البناء العقلائي غاية ما في الامر ان دليل الامضاء للاستصحاب لفظي ودليل الامضاء لاصالة الصحّة سكوتي والا فكلاهما أصل عملي عقلائي وحيث ان مدركهما معا بناء العقلاء فلذلك عند الرجوع الى بناء العقلاء نجد ان لكل منهما موردا يختص به، فالعقلاء يجرون اصالة الصحّة في مورد الاستصحاب الحكمي ويخصون الاستصحاب الحكمي بغير المورد الذي تجري فيه اصالة الصحّة كما اذا كان هناك منشأ عقلائي على خلاف اصالة الصحّة او كان في مورد جهل الفاعل بالصحيح والفاسد ونحو ذلك.

المقام الثاني: الذي نبحث عنه، هو النسبة بين اصالة الصحّة والاصل الموضوعي أي الاستصحاب الموضوعي كما لو شكّ في العقد للشك في البلوغ فهل يكون استصحاب عدم البلوغ حاكما على اصالة الصحّة ام لا، وهنا نتعرض الى كلام سيد المنتقى «قده» حيث افاد مطلبين الأول ما اذا قلنا بان اصالة الصحّة امارة والمطلب الثاني اذا قلنا ان اصالة الصحّة أصل علمي.

اما المطلب الأول وهو اذا قلنا ان اصالة الصحّة امارة فهل تتقدم على الاستصحاب الموضوعي ام لا، وقد افاد سيد المنتقى في المقام بان هناك تصورين في امارية اصالة الصحّة:

التصور الأول ان اصالة الصحّة امارة تامة أي واجدة للكشف عن الملزوم واللازم وان لم يكن لازما شرعيا قانونيا بل كان لازما عقليا او عاديا فهي كخبر الثقة الواجد للكشف التام، وعلى هذا التصور لا اشكال في تقدمها على الاستصحاب الموضوعي كسائر الامارات التي تقدم على الأصل اما بالورود او بالحكومة.

واما اذا ذهبنا الى التصور الثاني وهو ان اصالة الصحّة امارة ذات كاشفية ناقصة وهي الكشف عن خصوص الصحّة دون لوازمها غير القانونية، فهنا قد يتصور ورود الاستصحاب الموضوعي عليها لكونه رافعا للشك في الموضوع تعبدا حيث ان الشك في الصحّة مسبب عن الشك في البلوغ فاذا ارتفع الشك ببركة الاستصحاب لم يبق الشك في الصحة وذلك لتقدم الكاشف او المحرز للموضوع على المحرز للحكم رتبة فما كان جارياً في الموضوع من الحججج سواء كانت هذه الحجة امارة او أصلا عمليا وارد او حاكم على ما كان محرزا للمحمول من الحجج امارة او اصلاً.

ولكنه «قده» في مقام الجواب عن هذا التوهم استنتج التعارض بين الاستصحاب الموضوعي واصالة الصحّة وان كانت اصالة الصحّة امارة كاشفة عن الصحّة كشفا واقعياً، وقد بين ذلك بذكر امرين:

الأول: افاد بان النسبة بين الامارة والأصل ليست على نحو القضية الحقيقية بمعنى ان مفاد الامارة اثبات المحمول على تقدير ثبوت الموضوع كي يكون الأصل المنقح للموضوع واردا او حاكما على الامارة وانما الشك الماخوذ في الامارة موردي لا موضوعي.

وبيان ذلك وان لم يتعرض له في المقام: انه ليس مراده من عدم اخذ الامارة على نحو القضية الحقيقية ان طبيعة الامارة متقومة بعدم اخذها على نحو القضية الحقيقية فان هذا باطل جزما حيث ان الامارة المتعرضة للمحمول واردة على نحو القضية الحقيقية اذ ان الامارة قد تكون ناظرة للموضوع كما لو قامت الامارة على وجود زيد وقد تكون الامارة ناظرة للمحمول كما لو أقرّ بان هذا المال لزيد او اخبر الثقة بان زيدا عالم فانه لا اشكال في ان الامارة القائمة على ثبوت المحمول واردة على نحو القضية الحقيقية أي ان زيد عالم على فرض وجوده فالقضية الحقيقية هي القضية المشروطة بوجود الموضوع.

او حتّى لو قلنا بالقضية الحقيقية باصطلاح المناطقة كما لو قلنا بان الثعلب ماكر فانه لا اشكال في ان مفاد هذه القضية ثبوت المكر للثعلب على فرض وجوده فالامارة الناظرة لثبوت المحمول على نحو القضية الشرطية او الحقيقية بمعنى ان مفادها ثبوت المحمول على فرض تقدير ثبوت الموضوع.

لو قامت حجة على نفي الموضوع لكانت واردة او حاكمة على هذه الامارة.

فليس مقصوده ان حقيقة الامارة متقومة بان لا تكون على نحو القضية الشرطية او الحقيقية كما انه ليس مراده ان كل امارة بالنسبة لكل أصل عملي ليست على نحو القضية الحقيقية أي ليست الامارة معلقة على عدم جريان الأصل اذ قد تكون بعض الامارت كذلك فلو قال شخص انا اخبر بمرض زيد على فرض وجوده، وقامت حجة على نفي وجوده اما بامارة او أصل كان ذلك واردا او حاكما على الامارة فليست كل امارة بالنسبة لكل أصل على نحو القضية المشروطة او الحقيقية.

وانما مقصوده ان نسبة الامارة للشك هل هو على نحو القضية الحقيقية ام لا، أي هل ان الشك مأخوذ في موضوع الامارة بحيث لو قام ما ينفي هذا الشك من الحجج سواء نفاه نفيا وجدانياً او تعبدياً كان واردا على الامارة ام لا؟

فهنا يقول الشك لم يؤخذ في موضوع الامارة، وانما الشك بالنسبة للامارة موردي وان كان بالنسبة للاصل موضوعياً.

وبيان ذلك بحسب ما ذكره في بحث الاستصحاب، ان المشهور ذهب الى ان الشك كما هو ماخوذ في موضوع الأصل العملي ”لا تنقض اليقين بالشك“، كذلك ماخوذ في موضوع الامارة فلمّا يقول خبر الثقة علم أي ان كنت شاكا في الواقع.

بينما ذكر جمع من الاعلام ومنهم الشيخ الأعظم ان الشك في الامارة موردي وليس ماخوذا في موضوع الامارة، وقد ذكر وجها تفرد به سيد المنتقى «قده» لابثات ان الشك في الامارة موردي وليس موضوعياً ومحصله أن النكتة والملاك في كون الشك في الامارة موردياً لا موضوعياً ان التعبد بالحجية سواءً فسرنا حجية الامارة بالعلمية ام بالمنجزية والمعذرية، ام بجعل الحجية بما لها من مفهوم وهو الاحتجاج من قبل العبد على مولاه ومن قبل المولى على العبد، او فسرنا الحجية بجعل المؤدى باي نحو فسرنا الحجية، ان الملاك في جعل الحجية انما هو فرض تحصيل الواقع فلو كان هناك علم بالواقع لكان جعل الحجية لغوا اذن فمقتضى هذه النكتة وهي نكتة لغوية جعل العلمية او الكاشفية للواقع في مورد انكشاف الواقع اقتضت ان يؤخذ الشك في الواقع موضوعاً لحجية الامارة، ولكن هذا الملاك الذي ذكر لا يقتضي اخذ الشك في موضوع الامارة وان اقتضى اخذ الشك في الجملة.

وبيان ذلك: انه كما ان في باب التضاد والتناقض فالتضاد لا يقتضي اخذ عدم الضد في موضوع ضده بل يقتضي اخذ عدم الضد في نفس الضد، مثلاً قيام زيد يقتضي عدم قعوده لا يقتضي عدم قعوده في رتبة سابقة بل في رتبة القيام، فان التضاد بين القيام والقعود يجعل القيام وعدم القعود، والقعود وعدم القيام في رتبة واحدة، لا ان عدم الضد متقدم رتبة على وجود ضده بل غاية ما يقتضي التضاد هو العرضية في الرتبة بين الضدين فيقتضي العرضية بين كل ضد وعدم الآخر، فثبوت الضد يقتضي عدم ضده في رتبته لا في رتبة سابقة عليه، فان ثبوته في رتبة سابقة يحتاج الى ملاك آخر ومجرد التضاد لا يقتضي السبق في الرتبة.

هذا بالنسبة للامور التكوينية وكذلك في الأمور الاعتبارية، فعندما نقول بان شرب الخمر حرام مثلاً فان حرمة شرب الخمر تقتضي عدم وجوبه في رتبة الحرمة لا في رتبة سابقة وهي رتبة الموضوع بان يقال ان لم يكن الخمر واجبا فهو حرام فان هذا لا معنى له.

اذن فكما ان ثبوت الضد يقتضي عدم الضد في رتبته لا في رتبة سابقة فهذا ما نعبر عنه بالموردي أي بالعدم الموردي لا بالعدم الموضوعي في مقابل ما يؤخذ في رتبة سابقة، كذلك نقول بالنسبة للامارة والشك فان جعل العلمية لخبر الثقة في مورد العلم بالواقع وان كان لغوا الا ان هذه الغوية تقتضي المضادة والمغايرة بين جعل العلمية والعلمية ومقتضى هذه المغايرة بينهما ان جعل العلمية للامارة يقتضي عدم العلم بالواقع في رتبة جعل العلمية لا في رتبة سابقة فان اخذ عدم العلم بالواقع موضوعا يحتاج الى ملاك يقتضيه ولا يوجد ذلك الملاك.

ومجرد اللغوية ملاك يقتضي عدمه في رتبة المجعول لا في رتبة سابقة عليه، وهذا معناه ان الشك في الامارة موردي وفي الأصل موضوعي لاخذه في لسان الشارع في موضوع الأصل حيث قال لا تنقض اليقين بالشك ونحو ذلك من ادلة الأصول العملية.

الامر الثاني بما ان اصالة الصحّة امارة وان كانت هذه الامارة ليست ذا كشف تام عن الواقع من حيث اللوازم غير القانونية الا انه لم يؤخذ الشك في موضوعها كي يكون الأصل المنقح والرافع للشك واردا عليها او حاكما عليها بل تجري الامارة وترفع الشك في الموضوع حيث ان الشك في صحّة العقد مثلاً ناشئ عن الشك في البلوغ فتجري اصالة الصحّة وتكون رافعة للشك في الصحّة المقتضي لرفع الشك في البلوغ ويجري الأصل أيضاً اذ لا مانع من جريانه ما دام دليله عاماً وهو قوله لا تنقض اليقين بالشك فيتعارضان ويتساقطان فلا حكومة من قبل الأصل ولا ورود على اصالة الصحّة ولا العكس.

والحمدلله رب العالمين