أصالة الصحة | الدرس 34

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

وهنا ملاحظتان على كلام سيد المنتقى «قده»:

الملاحظة الأولى: اذا افترضنا ان الامارة اخذ في موضوعها عدم قيام حجة على تنقيح الشك فحينئذٍ لا محالة يكون الأصل الموضوعي واردا عليها، سواء كانت الامارة كاشفة عن الملزوم واللوازم غير القانونية او كان كشف الامارة منحصرا في الملزوم نفسه دون لوازمه.

واما اذا افترضنا ان الامارة لم يؤخذ في موضوعها عدم قيام حجة على تنقيح الموضوع فلا محالة تكون الامارة رافعة للشك من حيث الصحة تعبداً وتكون واردة على الأصل برفعها موضوعه سواء كانت مثبتة للّوازم غير القانونية ام لا، فتفصيل السيد «قده» بين ان ترى اصالة الصحّة من الامارات المثبتة للّوازم وحينئذٍ تكون واردة على الأصل الموضوعي كاستصحاب عدم البلوغ وبين ان ترى اصالة الصحّة امارة مثبة للواقع من حيث الصحّة دون اللوازم غير القانونية فحينئذٍ يكون الأصل الموضوعي معارضا لها غير تام، باعتبار ان اصالة الصحّة اما اخذ في موضوعها عدم قيام حجة على تنقيح الموضوع او لا، فان اخذ في موضوعهاكان الأصل واردا عليها ووان اثبتت اللوزام غير القانونية اذ لا ربط لإثبات اللوازم غير القانونية بتنقيح الموضوع، فان الكلام في ان الامارة هل هي حجة في اللوازم غير القانونية ام لا بلحاظ انها لوازم المؤدى أي لوازم المحمول فيقال الامارة حجة في المؤدى وفي لوازمه الشرعية فهل هي حجة في لوازمه غير الشرعية ام لا.

واما اثبات الموضوع وعدمه الذي هو سابق رتبة على المؤدى فلا يتأثر نسبة الامارة بالنسبة اليه بموضوع اثباتها للّوازم وعدمه فان ذلك متأخر عن المؤدى ونحن كلامنا فيما هو متقدم رتبة على المؤدى وهو الموضوع.

الملاحظة الثانية افاد بانه إذا كان مفاد الامارة ثبوت الحكم على تقدير ثبوت الموضوع اعني ثبوت الحكم للموضوع بنحو القضية الحقيقية فان الأصل الجاري في رتبة الموضوع ينقح الموضوع فيتقدم عليها، اما اذا كان مفاد الامارة ثبوت الحكم في مورد الشك في الموضوع كما فيما نحن فيه لم يكن الأصل الجاري في الموضوع مقدما عليها، لأنّه وان رفع الشك تعبدا ولكنه أي الشك لم يؤخذ في موضوع الامارة كي ينتفي موضوعها بجريانه، بل هو مأخوذ بنحو الموردية.

وهذا يقتضي الرجوع لمناقشته فيما افاده في بحث الاستصحاب تعضيدا لكلام من ذهب الى ان الشك في الامارات موردي وفي الأصول موضوعي.

فيقال في مناقشته أولاً انّ من قال من الأصوليين بان الشك مأخوذ في موضوع الامارة فانه يقصد ان الامارات العقلائية مما جرى بناء العقلاء على اخذ الشك في موضوعها والوجه في ذلك ان الملاك في جعل الامارية لاي طريق اما انسداد باب العلم او التسهيل وان كان باب العلم مفتوحاً، فبما ان الملاك في جعل الامارية هو انسداد باب العلم او التسهيل فمقتضى هذا الملاك اخذ الشك في الموضوع، اذ لا يجتمع جعل الامارية حتّى في فرض العلم مع انسداده، ولا يجتمع جعل الامارية بملاك التسهيل حتّى مع فرض انكشاف الواقع بالعلم، فنفس الملاك الذي اقتضى جعل الامارية لشيء وهو انسداد باب العلم او التسهيل وان كان باب العلم مفتوحا يقتضي ان يؤخذ الشك في موضوع جعل الامارية فهو تقييد عقلائي لموضوع أي امارة وهذا التقييد مستفاد من الملاك في جعل الامارية، لا نقصد الملاك الخاص بامارة معينة فان الملاكات الخاصة لامارة معينة هو غلبة مطابقة الواقع، وانما نقصد الملاك في جعل الامارية نوعاً اما التسهيل او انسداد باب العلم، وهذا يقتضي ان يؤخذ في موضوع امارية الامارة عدم العلم بالواقع.

وثانيا على فرض ان الامارة تعبدية او انّ العقلاء لم يأخذوا في موضوع امارية الامارة الشك في الواقع فان ألسنة الأدلة اما صريحة في ذلك او منصرفة الى ذلك فعندما يقول تعالى ”فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ“ او يقول ”نْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا“، او يقول ”وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ“، واضح في اخذ الشك في الواقع في موضوع امارية الامارة او منصرف اليه كما في قوله ”الْعَمْرِيُّ وَ ابْنُهُ ثِقَتَانِ فَمَا أَدَّيَا إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّيَانِ وَ مَا قَالا لَكَ فَعَنِّي يَقُولَانِ“، فعني يؤديان وعنّي يقولان واضح الانصراف الى فرض عدم العلم بما صدر عنه وبما أدى .

وثالثا: على فرض عدم التسليم باخذ الشك في الواقع في موضوع امارية الامارة سواء كانت امارية عقلائي او شرعية ووصل الكلام الى ما يقتضيه الحكم العقلي وهو لغوية جعل الامارية او العلمية في فرض انكشاف الواقع حيث قال سيد المنقى بان مقتضى الحكم العقلي المذكور أخذ عدم العلم في رتبة نفس الامارة لا في رتبة موضوعها، فنقول بان الامارية او الحجية باي معنى فسرناها هي معنى حرفي وقد ذكر في باب اخذ القيد او رجوع قيد الحكم للمتعلق او الموضوع ان الحكم سواء كان تكليفيا او وضعيا والوضعي سواء كان جعلا للحجية او للامارية او العلمية باي معنى قلنا ان الحكم هو معنى حرفي لذلك لا وجه لرجوع القيد للحكم نفسه فاما ان يرجع الى موضوعه واما ان يرجع الى متعلقه فاذا قيل بانّ مقتضى المضادة بين حكم شيء ووجوبه او مقتضى التناقض بين حرمة شيء وعدم حرمته ان يؤخذ عدم الحرمة في رتبة نفس الحكم فالمقصود بذلك ان يؤخذ عدم الحرمة في متعلق الحكم اذ لا معنى لاخذه في نفس الحكم اذ الحكم ملحوظ على نحو المعنى الحرفي المتقوم بطرفيه وهما الموضوع والمتعلق، واحد الطرفين سابق رتبة وهو الموضوع والطرف الآخر لاحق رتبة وهو المتعلق.

لذلك فعدم قيام دليل او عدم اقتضاء ملاك اخذ عدم العلم في موضوع حجية الامارة يقتضي اخذه في المتعلق لا في الموضوع، لا اخذه في نفس الحكم فان الحكم بمثابة المعنى الحرفي الذي لا وجه لرجوع القيد اليه.

وبناءً على ذلك نقول هذا القيد العقلي أي عدم العلم اخذ في متعلق الامارة ولم يؤخذ في موضوعها لعدم اقتضاء الملاك اخذه في الموضوع، فاذا اخذ في المتعلق كان حجة رافعا للشك واردا على المتعلق ان لم يكن واردا على الموضوع، ففرنا من الورود على الموضوع وووقعنا في الورود على المتعلق فمثلاً لو فرضنا ان الامارة كاليد قامت على ملكية شيء وكان الشك في الملكية ناشئا من الشك في البلوغ او عن الشك في أي شيء اخر، فهذا الأصل الرافع للشك في البلوغ تعبدا ان لم يكن واردا على موضوع الامارة فهو وارد على متعلقها لان عدم العلم اخذ في متعلقها ان لم يؤخذ في موضوعها.

بالنتيجة ما افيد من ان الشك ماخوذ في الامارة على نحو الاخذ الموردي لا الموضوعي فلا يمكن ان يكون الأصل الموضوعي رافعا او واردا على الامارة غير تام لأنّه ان لم يرفع موضوعها فهو وارد عليها من حيث المتعلق.

الملاحظة الثالثة على النتيجة التي ذكرها حيث افاد انه بناءً على ان الشك ماخوذ في اصالة الصحّة اخذا مورديا فانه يقع التعارض بين الاستصحاب الموضوعي واصالة الصحّة فان الاستصحاب الموضوعي رافع للشك تعبدا واصالة الصحّة مثبتة للصحة في مورد الشك في الصحّة للشك في البلوغ مثلاً، فاننا نقول لا معنى للتعارض حينئذٍ اذ بعد فرض ان اصالة الصحّة امارة وقد كشفت لنا عن الصحّة الواقعية فحينئذٍ بعد انكشاف الصحّة الواقعية لا معنى لجريان الأصل.

والسر في ذلك ان قوله لا تنقض اليقين بالشك ولكن انقضه بيقين مثله اما ان يراد بهذا اليقين الاعم من الوجداني والتعبدي فقيام الامارة على الصحّة الواقعية يقين تعبدي رافع لموضوع الاستصحاب، وان قلنا بان اليقين الماخوذ في دليل الاستصحاب هو خصوص الوجداني كانت اصالة الصحّة المثبتة للصحة الواقعية حاكمة على الأصل الموضوعي لاثباتها اليقين تنزيلاً فاذن بالنتيجة بناءً على ان اصالة الصحّة امارة لا يجدي كون الشك الماخوذ فيها ماخوذا على نحو الاخذ الموردي في معارضة الأصل لها بل مقتضى الصناعة تقدمها على الأصل اما بالورود أو بالحكومة، هذا تمام الكلام في المطلب الأول وهو الملاحظة على ما افاده سيد المنتقى بناءً على كون اصالة الصحّة امارة.

المطلب الثاني إذا قنا ان اصالة الصحّة أصل عملي وان الاستصحاب أصل علمي فما هي النسبة بينهما، تارة نقول بان دليل اصالة الصحّة شرعي قطعي وهو الإجماع او سيرة المتشرعة فلا اشكال في تقدم اصالة الصحّة على الاستصحاب الموضوعي سواء كان الاستصحاب امارة او أصل لان قيام دليل قطعي على جريان أصالة الصحة في مورد الاستصحاب الموضوعي لأنّه من القدر المتيقن لموردها يعني تقدمها على الاستصحاب سواء كانا امارتين او اصلين ام كانت اصالة الصحّة هي الامارة وكان الاستصحاب أصلا عمليا شرعيا تعبدياً او عقلائياً

واما اذا قلنا بان دليل أصالة الصحة هو الامضاء المستفاد من عدم الردع وكان الاستصحاب أيضاً أصلا عمليا فهنا افاد سيد المنتقى «قده» قوله وان قلنا بانها أصل لا شكّ بمقتضى القواعد الصناعية في تقديم الأصل الموضوعي عليها، وهو الاستصحاب الموضوعي، لرفعه لموضوعها كما لا يخفى ولكن الصناعة وان كانت تقتضي عدم جريان اصالة الصحّة فعلا الا ان الاصحاب قالوا بتقدمها على الاستصحاب وعللوا ذلك بلزوم اللغوية والسيرة العقلائية، وكلا التعليلين غير صالحين لاسناد القول المذكور، اما لزوم اللغوية فلان دليل اصالة الصحّة ليس لفظيا كي يقال بانه يلزم من نفي اصالة الصحّة في هذه الموارد استعمال المطلق في الفرد النادر.

واما السيرة العقلائية فلانها انما تكون حجة لو لم يردع عنها ويمكن ان يكون الشارع قد اكتفى في مقام الردع بهذه الأصول النافية لترتب الأثر فلا دليل على حجيتها.

ويلاحظ على ما افاده انه صحيح لو كنا نحن ومقتضى الصناعة لقلنا بان الأصل الموضوعي وارد على الأصل الحكمي، والاستصحاب الموضوعي أصل موضوعي بينما اصالة الصحّة أصل حكمي ولكن الاعلام قدموا اصالة الصحّة على الاستصحاب لاحد وجهين كما ذكر وان كانت الوجوه الخمسة التي تقدمت سابقاً في تقدم أصالة الصحة على الاستصحاب الحكمي واردة في المقام ولكنه اكتفى بوجهين: الوجه الأول لزوم اللغوية، وقد أجاب عنه انه انما يتم لو قلنا بان دليل اصالة الصحّة لفظي ولكنه ليس لفظيا كي يلزم من الغائه في مورد الأصل الموضوعي حمل الدليل اللفظي على الفرد النادر.

ويلاحظ على ما افيد ان هناك وجهين وهما اللغوية وتخصيص الأكثر المستهجن فليس هذان الوجهان راجعين لنكتة واحدة بل هما وجهان مستقلان، فان قلنا بان لازم تقديم الاستصحاب الموضوعي على اصالة الصحّة حمل اصالة الصحة على الفرد النادر وهذا مستهجن حينئذٍ يرد اشكاله بان دليل اصالة الصحّة ليس لفظيا كي يرد هذا المحذور.

واما اذا قلنا بنكتة اللغوية فانه لا ربط له بالدليل اللفظي او غيره، فانه حتّى لو قلنا بان مدرك اصالة الصحّة الامضاء المتستفاد من عدم الردع مع ذلك بما انّ من المصاديق المتيقنة لاصالة الصحّة لدى البناء العقلائي هو مورد الأصل الموضوعي فلو قدمنا الأصل الموضوعي على اصالة الصحّة لم يبق لها الا موارد نادرة، ومقتضى ندرة هذه الموارد ان يكون اعتبار العقلاء الممضى شرعا لاصالة الصحّة من دون تقييد لغويا.

نعم يمكن المناقشة في الصغرى من انه لا يلزم من تقديم الاستصحاب الموضوعي مع رفع اليد عن الأصل الحكمي اللغوية فهذه مناقشة صغروية يعني لو قلنا بان اصالة الصحّة تتقدم على الاستصحاب الحكمي ولكنها ترتفع بالاستصحاب الموضوعي فلا يلزم من ذلك اللغوية فهذه مناقشة صغروية لا المناقشة الواردة في كلمات المنتقى.

الوجه الثاني قالوا بان السيرة العقلائية قامت على ذلك فكيف يتم الردع عن السيرة العقلائية بدليل الاستصحاب، وأجاب عن ذلك بانه يمكن ان الشارع اكتفى بالاصول النافية لترتب الأثر.

أقول هذا صحيح ولكن الكلام ليس على مستوى الاحتمال لان بحثنا في المقام بعد المفروغية عن حجية أصالة الصحة ببركة الامضاء المستفاد من عدم الردع يقال حينئذٍ ما هي النسبة بينها وبين الاستصحاب الموضوعي فلا معنى حينئذٍ لاعادة المطلب الى اوله ليقال ما هو الدليل على حجية اصالة الصحّة اذ لعل الشارع اكتفى في الردع عنها باطلاق دليل الاستصحاب فان الكلام بعد المفروغية عن حجيتها ببركة الامضاء، فنقول مقتضى احتفاف دليل الاستصحاب بالسيرة العقلائية القائمة على اجراء أصالة الصحة حتّى في موارد الأصل الموضوعي عدم احراز الردع باطلاق دليل الاستصحاب او عمومه، فنثبت حجيتها بالامضاء المستكشف من عدم الردع، ولا يعارض دليلها اذ لم نحرز اطلاق دليل الاستصحاب لمثل هذه الموارد فالنتيجة هي حجيتها في موارد الأصل الموضوعي.

والحمدلله رب العالمين