أصالة الصحة | الدرس 35

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ملحق متعلق بالابحاث السابقة:

تعرض المحقق الاصفهاني «قده» في نهاية الدراية الى مطلبين:

المطلب الأول: ما نقله عن الشيخ الأعظم ومحصل ما نقله امران: الأول ان اصالة الصحّة تقتضي صحّة العقد بمعنى جامعيته للشرائط فلو شكّ في بلوغ المتعادقين وبسببه شكّ في صحّة العقد، فمقتضى صحّة العقد ان العقد صادر عن البالغ واثره ترتب النقل والانتقال، بينما الاستصحاب الذي ينفي البلوغ يقتضي بضميمة الجزء الآخر المحرز بالوجدان وهو العقد عدم ترتب الأثر حيث ان موضوع الأثر العقد مع البلوغ على نحو التركيب وموضوع عدم الأثر العقد وعدم البلوغ على نحو التركيب أيضاً فحيث ان احد الجزئين محرز بالوجدان وهو العقد والآخر بالاستصحاب وهو عدم البلوغ فمقتضى ذلك عدم ترتب الأثر فيتعارض الاصلان، ثمّ أجاب عن هذه المعارضة بأحد وجهين:

الأول: ان الجاري في المقام هو اصالة الصحّة دون الاستصحاب باعتبار ان الاستصحاب مثبت والأصل المثبت ليس بحجة والسر في ذلك، ان مقتضى الاستصحاب بضميمة الجزء الأول وهو العقد اثبات ان هذا العقد مقترن بعدم البلوغ وهذا يعني ان ما يتكفل به الاستصحاب اثبات ضد السبب حيث ان سبب الأثر العقد مع البلوغ والاستصحاب منقح لما هو ضد لهذا السبب وهو العقد مع عدم البلوغ ومن الواضح ان الأثر يترتب على العقد مع البلوغ وعدم الأثر لا يترتب على العقد مع عدم البلوغ وانما يترتب على عدم العقد من البالغ لذلك حيث ان الاستصحاب مثبت لضد السبب وهو العقد مع عدم البلوغ فهذا الذي اثبته الاستصحاب لا ينفي الأثر الا بالملازمة العقلية بان نقول لازم كون العقد صادرا من غير البالغ عقلاً عدم صدور العقد من البالغ وعدم صدور العقد من البالغ مقتضاه عدم الأثر فالاستصحاب لا ينفي الأثر بالمباشرة كي يكون معارضا لاصالة الصحّة وانما يثبت مركباً من عقد وعدم بلوغ وهذا المركب لا يثبت الأثر ولا ينفيه وانما لازمه عقلاً عدم صدور العقد من بالغ فينتفي الأثر اذن فالاستصحاب بالنسبة لنفي الأثر أصل مثبت فلا يجري وتبقى اصالة الصحّة بلا معارض.

ولكن هذا الوجه كما ترى وهو انه تارة نقول بان موضوع الأثر مركب وتارة مقيد فان قلنا بانه مركب من عقد وبلوغ فيكفي في نفي الأثر نفي المركب ويكفي في نفي المركب نفي احد جزئيه فببركة استصحاب عدم البلوغ ينتفي الأثر وهو مترتب على الاستصحاب مباشرة لا ان الاستصحاب مثبت لضد ما هو السبب فان العقد لا يثبت الجزء الآخر وهو العقد، بل هو محرز بالوجدان، وغاية ما يؤديه الاستصحاب هو نفي الجزء الثاني ونفي الجزء الثاني نفي للمركب وهو نفي للأثر.

وان قلنا بان موضوع الأثر هو المقيد أي العقد المتقيد بصدوره عن بالغ فمقتضى ذلك انه يكفي في نفي الأثر نفي هذه الحصة وهي صدور العقد من بالغ فبمجرد ان ننفي صدور العقد من بالغ ينتفي المقيد فينتفي الموضوع، اذن اذا كان المنظور في الاستصحاب هو اثبات التركيب أي اثبات ان العقد الحاصل عقد مع عدم البلوغ حينئذٍ يصح الاشكال ان هذا لا ينفي الأثر الا بالملازمة العقلية، واما اذا كان المنظور بهذا الاستصحاب نفي التقيد أي بما ان موضوع الأثر هو العقد المتقيد بعدم البلوغ او المتصف بعدم البلوغ فيكفي في نفي الأثر نفي الصفة ولو باستصحاب العدم الازلي بان يقال لما لم يكن لم يكن متصفا بالبلوغ، فنفي الصفة كافٍ في نفي الأثر لا ان المنظور في الاستصحاب هو اثبات المركب بل المنظور في الاستصحاب نفي القيد والصفة.

الوجه الثاني ما نقله المحقق الاصفهاني عن الشيخ الأعظم انه اجرى في المقام اصالة عدم السبب الناقل او اصالة عدم صدور العقد من بالغ فبما ان موضوع الأثر العقد مع البلوغ على نحو المركب او ان موضوعه العقد المتقيد بالبلوغ على نحو المقيد فاذن يجري في المقام استصحاب عدم صدور العقد من بالغ، فاذا جرى استصحاب عدم صدور صدور عقد البالغ من باب نفي المقيد ف حينئذٍ يقع التعارض فان مقتضى اصالة الصحّة كون العقد عقد بالغ ومقتضى الاستصحاب عدمه.

ولكنه أي المحقق الاصفهاني نقل عن الشيخ الأعظم انه لا تعارض بين الاستصحاب وأصالة الصحة، والوجه في ذلك ان اثبات الأثر من باب اثبات المقتضَّى لإثبات المقتضِّي حيث ان المقتضي هو المركب او المقيد واصالة الصحة تثبت هذا المركب او المقيد فهو من باب اثبات المقتضى باثبات المقتضي واما استصحاب عدم صدور العقد من بالغ او استصحاب عدم البلوغ او عدم عقد البالغ فانه ينفي الأثر لانتفاء المقتضي لا انه ينفي الأثر لوجود المقتضي لعدم الأثر، بل لعدم المقتضي.

اذن مؤدى اصالة الصحّة ثبوت الأثر لثبوت مقتضيه، بينما مؤدى الاستصحاب عدم الأثر لعدم المقتضي ومن الواضح ان ما لا اقتضاء فيه لا يكون منافياً لما فيه الاقتضاء فغاية ما يفيده الاستصحاب ان لا أثر لعدم المقتضي ولكن اصالة الصحّة تقول ان المقتضي موجود فيترتب على ذلك حصول الأثر وبالتالي لا يتعارضان اذ لا تعارض ولا تنافي بين ما له الاقتضاء وبين ما لا اقتضاء له فتجري اصالة الصحّة بلا معارض وهذا معنى تقدمها على الأصل الموضوعي.

وفي هذا الكلام ثلاثة إشكالات:

الأول: ان هذا يبتني على ما هو مفاد دليل الاستصحاب حيث ان هناك مباني ومسالك في تحقيق مفاد دليل الاستصحاب فتارة نقول بان مفاد دليل الاستصحاب أي لا تنقض اليقين بالشك جعل العلمية تعبداً أي اعتبار المكلف متيقنا ببقاء المستصحب، وحينئذٍ يكون مفاد الاستصحاب امرا وجودياً أي التعبد بكون المكلف عالماً بعدم الأثر وهذا لا يجتمع مع علمه الوجداني او التعبدي بوجود الأثر فيتعارضان، وتارة نقول بان المستفاد من قوله لا تنقض اليقين بالشك هو التعبد ببقاء المتيقن، فايضاً ترجع المنافاة بين مؤدى الاستصحاب ومؤدى اصالة الصحّة، وتارة نقول بانّ مفاد دليل الاستصحاب مرجعية اليقين أي ما يتعبد به الشارع هو ان مرجعك في هذا الشك يقينك السابق وليس شيئا اخر فلا محالة يقع التنافي بين مؤدى الاستصحاب واصالة الصحّة والمسلك الرابع ان مفاد الاستصحاب النهي عن نقض اليقين بالشك وهو نهي طريقي والنهي الطريقي يكون المنظور فيه المنجزية او المعذرية، وهذا يختلف باختلاف المقامات فان كان مجرى الاستصحاب اثباتاً كان مؤدى النهي الطريقي المنجزية وان كان مؤدى الاستصحاب نفيا كان مؤدى النهي الطريقي هو المعذرية فهنا يصح ان يقال انه لا تنافي بين اللا اقتضاء والاقتضاء حيث يقول انت لا تبعة ولا ضمان عليك لا تكليفا ولا وضعا لا لاحراز السبب لذلك بل لعدم احراز السبب للأثر وحينئذٍ هذا لا يتنافى مع مدلول ومؤدى اصالة الصحّة، اذن فما ذكر انه لا تنافي بين اللا اقتضاء والاقتضاء انما يصح بناءً على احد المسالك في تنقيح مفاد دليل الاستصحاب.

الاشكال الثاني ما ذكره سيد المنتقى حيث قال والاشكال على ما ذكره واضح لان ما يتكفل ببيان شيء بنحو اللا اقتضاء وما يتكفل لبيان ضده بنحو الاقتضاء لم يثبت كون تنافيهما من باب التزاحم كي يقال بعدم المزاحمة بل سيأتي انه من باب التعارض.

فهو اخذ عبارة من عبائر المحقق الاصفهاني وقال بان انما يرتفع التنافي بين اللا اقتضاء والاقتضاء اذا كان هذا التنافي على نحو التزاحم فيقال لا تزاحم بين المقتضي للأثر وعدم الأثر لعدم المقتضي فهما ليسا امرين وجوديين كي يتزاحمان في مقام التحقق، وانما هما عبارة عن وجود المقتضي للأثر وهذا لا يزاحم انتفاء الأثر لعدم المقتضي فلا تزاحم بين اللا اقتضاء والاقتضاء.

ولكن المفروض في المقام انه من باب التعارض لا من باب التزاحم، بمعنى ان التنافي بين دليل اصالة الصحّة والاستصحاب حيث ان مؤدى انطباق دليل اصالة الصحّة في المقام ثبوت الأثر ومؤدى انطباق دليل الاستصحاب على المقام انتفاء الأثر فيقع التعارض بين الدليلين لا ان المقام من باب التزاحم فانه من الواضح حينئذٍ انه اذا كان من باب التعارض فهناك تناف بين دليلين احدهما يدل على الوجود والآخر على العدم.

ولكن قد يقال عند التأمل في المطلب ان المدعى ان التعارض بين الدليلين لا من حيث الدلالة وانما هو من حيث المدلول، فاذا قلنا بهذا المسلك وهو مسلك ان المحقق للتعارض بين الدليلين هو الدلالة فاحدهما يدل على الثبوت والآخر على النفي فرجع الامر الى التنافي بينهما واما اذا قلنا ان المحقق للتعارض بين الدليلين هو المضمون فاذا افترضنا ان مضمون احدهما ثبوت الأثر لثبوت مقتضيه ومضمون الآخر عدم الأثر لعدم احراز مقتضيه لا لاحراز عدم مقتضيه بل لعدم احراز مقتضيه فحينئذٍ لا تنافي بين اللا اقتضاء وبين الاقتضاء بل يكون احدهما حاكما على الآخر فلا تنافي لا من باب التزاحم ولا من باب التعارض فتأمل.

والحمدلله رب العالمين