أصالة الصحة | الدرس 36

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

الاشكال الثالث: ما أورده سيد المنتقى «قده» على مدعى المحقق الاصفهاني من انه لا تزاحم بين ما فيه الاقتضاء وما لا اقتضاء له، فقال انه لو فرضنا ان المقام من باب التزاحم فكلامه انما يتم لو لم يكن في الدليل الدال على الامر اللا اقتضائي اقتضاء ل ”اللاقتضاء“ اما مع وجود المقتضي ل ”اللا اقتضاء“ فيقع التزاحم، وما نحن فيه كذلك لان التعبد بالأصل أي الاستصحاب انما يكون بلحاظ وجود المصلحة في المتعبد به وهو اللا اقتضاء وهو معارض للمقتضي لثبوته، فالامر اللا اقتضائي الثابت بالاستصحاب له مقتضى قهراً فيقع التزاحم بين المقتضيين.

ويلاحظ على ما افيد انه ليس المناط في التزاحم هو مسالة الملاك فهناك فرق بين ما هو المحقق للتزاحم، وبين ما هو علاج التزاحم، ففي مرحلة علاج التزاحم بترجيح احد المتزاحمين على الآخر يلاحظ الملاك فيقال الأهم ملاكا يقدم على غيره، واما في المرحلة الأولى وهو مرحلة ما هو المحقق للتزاحم، وما هو المناط في تحقق التزاحم فلا يلحظ الملاك بل المدار على قصور القدرة عن الجمع بين المتعلقين في آن واحد فليس المناط في التزاحم ملاحظة الملاك بل ملاحظة المتعلقين للحكمين، فانه ان قصرت قدرة المكلف عن الجمع بينهما في آن واحد كانا متزاحمين والا فلا، واذا نظرنا الى ما هو المتعلق لكلا الحكمين فنقول ان مقتضى أصالة الصحّة وجوب التسليم والتسلم من قبل طرفي العقد، بينما مقتضى الاستصحاب ان لا يجب التسليم والتسلم، وبالتالي لا تزاحم عملا بين الاستصحاب واصالة الصحّة بلحاظ ان مؤدى الثاني لزوم التسليم من الطرفين، والأول مؤداه المعذورية من ذلك.

وثانياً لو سلمنا ان التزاحم يلاحظ فيه عالم الملاك فانه لعل الملاك في الاستصحاب في جعله لا متعلقه فان الاستصحاب اذا كان اصلاً عملياً مثلاً فلعل المصلحة في جعله لا في المجعول أي جعل الحجية للاستصحاب ذو مصلحة اما ان تكون هذه المصلحة هي حفظ النظام او التسهيل على المكلف واشباه ذلك فالمصلحة في جعل الحجية للاستصحاب لا ان المصلحة في مؤدى الاستصحاب كي يقال بان مؤدى الاستصحاب بلحاظ اشتماله على المصلحة الوجودية يتعارض مع مؤدى اصالة الصحّة من حيث الملاكين، فيقع التزاحم بين اللا اقتضاء واللاقتضاء.

فالصحيح في مناقشة المحقق الاصفهاني:

أولاً ان كلامه انما يتم على مبنىً في باب الاستصحاب وهو ان مفاد دليل الاستصحاب النهي الطريقي عن نقض اليقين بالشك والمنظور في هذا النهي الطريقي المنجزية والمعذرية دون شيء اخر.

وثانيا على فرض التسليم ان هذا هو المبنى المنظور فانما لا يقع تنافي بين الاستصحاب واصالة الصحّة لو كان مرجع الاستصحاب الى عدم احراز المقتضي فانه اذا كان مرجع مؤدى الاستصحاب الى انه لا يجب ترتيب أثر العقد لعدم احراز المقتضي فيقال لا تنافي بين ذلك وبين الاقتضاء فان هذا يقول لم يحرز المقتضي كي يجب الأثر وذلك يقول قد احزر المقتضي باصالة الصحّة، فالثاني ليس معارضا ان لم يكن واردا على الأول، واما إذا قلنا بان مفاد الاستصحاب التعبد بعدم المقتضي أي التعبد بعدم المقتضي المنتهي للتعبد بعدم المقتضى وهو عدم الأثر فهناك منافاة بين التعبد بعدم المقتضي والتعبد بالمقتضي فان المقتضي هو العقد الصحيح فهناك منافاة وتعارض بين التعبد بثبوته والتعبد بعده، حتّى لو قلنا بان مفاد دليل الاستصحاب هو النهي الطريقي عن نقض اليقين بالشك وان المنظور هو المنجزية والمعذرية فان النتيجة هي ان الشارع الشريف يتعبد بانك معذور، أي لا يجتمع النهي عن نقض اليقين بالشك مع لزوم نقض اليقين بالشك الذي هو مؤدى اصالة الصحّة، ولا يجتمع التعبد بالمعذورية مع المنجزية ولزوم ترتيب الأثر فان العقد ان كان صحيح تنجزه اثره التكليفي وهو وجوب التسليم، فهناك تناف بين التعبد بالايستصحاب الذي يؤدي الى التعبد بالمعذورية من جهة التسليم وبين لزوم التسليم بناءً على اصالة الصحّة.

المطلب الأخير في بحث أصالة الصحة ما نقله المحقق الاصفهاني عن السيد الشيرازي الكبير، وحاصل ما افاده ان المراد بالصحة في بحث اصالة الصحّة ان كان نفس ترتب الأثر وليس شيئا اخر فلا اشكال في تقدم استصحاب عدم البلوغ عليها لان الشك في ترتب الأثر مسبب عن الشك في بلوغ العاقد وعدمه واستصحاب عدم البلوغ رافع له تعبدا كما هو شأن كل أصل موضوعي بالنسبة للاصل الحكمي وكل أصل سببي بالنسبة للاصل المسببي.

هذا اذا كان مفاد اصالة الصحّة ترتب الأثر اما اذا كان معنى الصحة في اصالة الصحّة استجماع العقد للشرائط التي منها البلوغ فحينئذٍ يقع التعارض بين الاصلين من دون حكومة لاحدهما على الآخر لان اصالة الصحّة مقتضاها صدور العقد من البالغ والاستصحاب مقتضاه عدم صدور هذا العقد من البالغ فتقع المعارضة بينهما.

ثم أجاب السيد الشيرازي عن هذا الاشكال الأخير بحسب ما نقله عنه المحقق الاصفهاني فقال وان قلنا ان مفاد أصالة الصحة التعبد بصدور العقد من البالغ بينما مفاد الاستصحاب عدم صدوره فهذا لا يعني التعارض بينهما، والسر في ذلك هو ان مفاد أصالة الصحة التعبد بوجود العقد الصحيح بينما مفاد الاستصحاب التعبد بعدم سببية العقد الموجود، ولا تقابل ولا تناف بين وجود عقد صحيح وسببية العقد الموجود للأثر، نعم هناك تقابل بين وجود عقد صحيح وعدمه او بين سببية العقد الموجود وعدمه الا ان مفاد اصالة الصحّة وجود العقد الصحيح بينما مفاد الاستصحاب عدم سببية العقد الموجود للاثر فبما ان المورد مخلتف فحينئذٍ لا تنافي بينهما كي يقع التعارض بينهما.

وقد ذكر سيد المنتقى «قده» بان كلامه وجوابه الأخير مجمل ويحتمل فيه وجهان:

الوجه الأول: ان الأثر انما يترتب على وجود العقد الصحيح فنفي صحّة العقد الواقع لا تستلزم ترتب الأثر الا بالملازمة العقلية فيكون الاستصحاب أصلا مثبتاً فان الذي يستلزم نفي الأثر نفي العقد الصحيح وهذا غير مفاد دليل الاستصحاب بل مفاده نفي صحّة العقد الواقع وبالتالي حيث ان مفاد اصالة الصحّة صدور العقد الصحيح من فلان ومقتضاه ترتب الأثر بينما دليل الاستصحاب يقول هذا العقد الصادر من فلان ليس جامعا للشرائط وبالملازمة ينتفي الأثر فبالتالي يكون أصلا مثبتا وبالتالي تجري اصالة الصحّة دون معارض.

الوجه الثاني: اختلاف المورد أي ان مركز كلامه هو ان مورد كل من الاصلين مختلف عن الآخر لا ان احدهما لا يجري فان المعارضة بين الاصلين انما تتحقق اذا كان موردهما واحدا واما مع تعدد موردهما فلا تعارض بينهما، ومورد الاستصحاب هو عدم سببية العقد الموجود ومورد أصالة الصحة هو وجود العقد الصحيح، فاحدهما ناظر لمفاد ليس الناقصة، والآخر ناظر لمفاد كان التامة، فمورد كل منهما يختلف عن الآخر فلا تعارض بينهما.

وهذا الوجه هو الذي استفاده المحقق الاصفهاني من عبارة السيد الشيرازي مستشهدا على ذلك بما ذكره السيد نفسه في مقام دفع هذا الاعتراض بانّ مفاد اصالة الصحّة ليس هو مفاد كان التامة أي التعبد بوجود عقد صحيح بل مفاد كان الناقصة أي التعبد بصحة العقد الموجود فان الشك انما هو في العقد الموجود هل هو صحيح ام لا هل هو سبب للأثر ام لا؟

فحينئذٍ نقول مقتضى اصالة الصحّة كون العقد الموجود سببا للأثر وهو مفاد كان الناقصة، ومفاد الاستصحاب مفاد ليس الناقصة ليس هذا العقد الموجود سببا لحصول الأثر فيقع التعارض بينهما.

وهذا الوجه الثاني الذي ذكره تام في دفع اشكاله كما ان الوجه الأول قد يتأمل فيه فيقال إذا فرضنا ان مفاد اصالة الصحّة مفاد كان التامة أي التعبد بوجود عقد صحيح من فلان، فانه اذا كان مفاد الاستصحاب نفي سببية هذا العقد للأثر فحينئذٍ يتعارضان، لان التعبد بصدور عقد صحيح وهو المشكوك، أي ان التعبد بصدور عقد صحيح من فلان يترتب عليه انه على فلان ان يسلم الثمن او على فلان ان يسلم المثمن بينما مقتضى استصحاب عدم سببية هذا العقد الموجود ان لا يجب على فلان تسليم المثمن المعين ولا يجب على فلان تسليم الثمن المعين، فيتعارضان من هذه الجهة، فان عدم ترتب الأثر ومنه الحكم التكليفي وهو عدم وجوب تسليم المثمن المعين وعدم تسليم الثمن ليس من باب الملازمة العقلية بل هو أثر شرعي فاستصحاب عدم سببية العقد الموجود اثره الشرعي ان لا أثر له، اثره الشرعي ان لا يجب التسليم للمثمن او الثمن فيقع التعارض بينهما.

تم الكلام في مبحث اصالة الصحّة، والحمد لله أولاً واخراً وصلى الله على محمد وآله الطاهرين...