درس الأصول | 103

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

وقع البحث في أن وجوب التعلم هل هو وجوب نفسي أم وجوب طريقي؟، ومن أجل بيان ذلك لابد من ذكر عدة مطالب:

المطلب الاول: أن وجوب التعلم تارة يكون وجوبا نفسيا عينيا، كما في تعلم الأصول، أي اصول المعتقد، فإنه وجوب نفسي عيني، وتارة يكون وجوبا نفسيا كفائيا كتعلم الفقاهة والاجتهاد فإنه واجب نفسي كفائي، وإنما الكلام وقع في وجوب تعلم الاحكام الابتلائية بالنسبة لسائر المكلفين، هل أن تعلم الأحكام الابتلائية واجب نفسي أم واجب طريقي؟

فالخلاف في هذا القسم من وجوب التعلم وهو تعلم الاحكام الابتدائية. حيث ذهب المشهور الى انه وجوب طريقي، وذهب المحقق الاردبيلي الى انه وجوب نفسي بملاك غيري.

المطلب الثاني: في بيان الفرق بين الوجوب الطريقي والوجوب النفسي. فهنا ثلاث أنظار في الفرق بين الوجوب النفسي والوجوب الطريقي:

النظر الاول: ما ذهب اليه السيد الخوئي من أن الفارق بين الوجوب النفسي والوجوب الطريقي هو الفرق بحسب الداعي ليس الا، فاذا امر المولى بعمل، فالأمر مجرد اعتبار فعل على ذمة المكلف، لكن اعتبار الفعل على ذمة المكلف قد يكون نفسياً وقد يكون طريقياً، بحسب اختلاف الداعي، فاذا كان الداعي لهذا الاعتبار اشغال ذمة المكلف واقعا فهو وجوب نفسي، مثلا: إذا امر المكلف بالصلاة أو امر المكلف بالصيام فإن الامر مجرد اعتبار، لكن الداعي لهذا الاعتبار هو اشغال عهدة المكلف واقعا بالصلاة أو بالصوم، لذلك يكون وجوب الصلاة وجوبا نفسيا، واما إذا امر المولى باتباع الامارة، كما إذا قال: خذ بخبر الثقة، أو قال: خذ بالمشهور، فإن الامر باتباع الامارة ايضا اعتبار للفعل على الذمة، لكن الداعي لهذا الاعتبار ليس اشغال ذمة المكلف بالعمل، وانما الداعي لهذا الاعتبار تحقيق موضوع المنجزية العقلية، أي هناك تكاليف واقعية قد يصيبها خبر الثقة وقد يخطئها، فالمولى يريد ان يجعل هذا المكلف موضوعا لتنجز تلك التكاليف الواقعية، بحيث يكون مدانا بها ومستحقا للعقوبة على مخالفتها، فمن اجل ان يصبح هذا المكلف موضوعا للمنجزية العقلية أي لتنجز تلك التكاليف الواقعية عليه التي قد يصيبها خبر الثقة وقد يخطئا، من اجل تنقيح هذا الموضوع امره بالأخذ بخبر الثقة، فالامر في الاخذ بخبر الثقة مجرد اعتبار الداعي له ان يكون المكلف موضوعا للمنجزية العقلية أي لتنجز تلك التكاليف الواقعية على هذا المكلف.

النظر الثاني: ما ذكره السيد الشهيد «قده» انه بناء على العنصر الصوري والشكلي نحن مع السيد الخوئي في ان الامر اعتبار للفعل على ذمة المكلف، وإنما الفرق بين الامر الطريقي والامر النفسي في الداعي، لكن ليس الداعي في الامر الطريقي هو جعل المكلف موضوعا للمنجزية العقلية كما قال السيد الخوئي، لأنه لا يحكم العقل بانك موضوع للمنجزية العقلية ما لم يكن في نفس الخطاب دلالة، واما إذا كان الخطاب مجرد اعتبار فالعقل لا يراك موضوعا للمنجزية العقلية، لابد ان يكون هناك مدلولا آخر للخطاب هو الذي يجعل المكلف موضوعاً للمنجزية العقلية، والا لماذا العقل يحكمب بأنك مدان في الواقع؟! مجرد ان المولى اعتبر الفعل على ذمتك هذا لا يعني أنك مدان في الواقع. المولى يقول هذا مجرد اعتبار، مجرد الاعتبار لا يجعل المكلف موضوعا للمنجزية العقلية. فلابد من مدلول آخر يكشف عنه هذا الخطاب يكون هذا المدلول الآخر موجبا عقلا بأن يكون المكلف موضوعا للمنجزية العقلية، فما هو ذلك المدلول؟

هو إبراز اهتمام المولى بالواقع، فالمولى عندما قال: خذ بخبر الثقة فالداعي والمراد الجدي من قوله «خذ بخبر الثقة» ليس مجرد الاعتبار فإن الاعتبار مجرد صوري شكلي. وإنما مارده الجدي إبراز اهتمامه بالواقع المحكي بهذا الخبر، حيث ان العرف يفهم من الخطاب ابراز اهتمام المولى بالواقع، لذلك يقول: بعد ان ابرز المولى اهتمامه بالواقع اصبحت ايها المكلف مداناً بذلك الواقع، واصبحت موضوعا لتنجز لذلك الواقع. فلولا ابراز المولى اهتمامه بالواقع ما صار المكلف موضوعا للمنجزية، إذن فينبغي ان يكون الفرق بين الأمر النفسي والأمر الطريقي ان يقال: كلاهما امر واعتبار، اما الداعي إن كان تحريك المكلف نحو متعلق الامر فهذا امر نفسي، واما إذا كان الداعي هو ابراز اهتمام المولى بالواقع الذي يحكي عنه هذا الامر فهو امر طريقي.

النظر الثالث: ما يبتني على نظر المحقق العراقي «قده» الذي يقول: ان الحكم التكليفي ليس مجرد اعتبار كالحكم الوضعي، كاعتبار الملكية واعتبار الحقية واعتبار الزوجية، أما الحكم التكليفي فهو عبارة عن الإرادة المبرزة، أو الكراهة المبرزة، فعلى ضوء هذا المسلك ولابد ان نحدد متعلق تلك الارادة، ليتحقق الفرق بين الامر النفسي والامر الطريقي. وهذا ما يأتي بيانها غداً إن شاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين.