ملخص: المعجزة في سياق العلم أم الخرافة؟

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ [غافر: 78]

انطلاقاً من الآية المباركة كان الحديث حول مسألة الإعجاز.

ماهي الحكمة وماهو الهدف من الإعجاز؟

نحن نعرف بأن النبوة حدث غير طبيعي، لأن النبوة عبارة عن اتصال قلب النبي ص بعالم الغيب واتصال المحدود بالامحدود واتصال عالم الملك بعالم الملكوت. فبما أن النبوة حدث غير طبيعي اقتضت الحكمة أن يكون الدليل إليها غير طبيعي وهو الإعجاز وذلك ليحصل تناسخ وانسجام بين الدليل والنتيجة.

والحديث حول الإعجاز كان في ثلاثة محاور:

  • ماهي حقيقة الإعجاز.
  • هل يتنافى الإعجاز مع الميزان العلمي.
  • هل يتنافى الإعجاز مع المنطق القرآني.
المحور الأول:

من أجل أن نتعرف على حقيقة الإعجاز نذكر أربعة عناصر:

  • هل الإعجاز هدم لقانون السنخية بين السبب والمسبب

هناك قانون عقلي بأن لكل مسبب سبباً من سنخه.

وقد يقال بأن الله تبارك وتعالى الذي أوجد وابدع هذه القوانين قادر على أن يضربها، فالاعجاز هدم لقانون السنخية.

نحن لانؤيد هذه الفكرة فالله عز وجل قادر على كل شيء وأما ماليس بشيء فلا تتعلق به القدرة. فكل أمر ممكن أن يتحقق فهو شيء وأما الأمر الذي يستحيل تحققه فليس بشيء لتتعلق به القدرة كاجتماع النقيضين

فالاعجاز لايهدم قانون السنخية كون أن القانون لكل مسبب سبب من سنخه فمحال أن يكون هناك سبب بلا مسبب أو يكون هناك مسبب من غير سنخ السبب.

  • القوانين اما رياضية أو عقلية أو طبيعية

فالقانون الرياضي والعقلي يستحيل تخلفهما، اما القانون الطبيعي الذي اثبتناه بالتجربة فغاية مالدينا عليه هو الاستقراء فنقول بأن القانون الطبيعي المستفاد من الاستقراء التجريبي ممكن أن يكون له استثناءات.

القانون الطبيعي قسمين

  • قانون واقعي لايمكن أن يتخلف
  • قانون ظاهري اكتشفناه بالتجربة

كولادة الأنثى من الحيوان وحاجتها لبويضة ملقحة من ذكر وأنثى وهذا بحسب القانون الظاهري إلا أنهم اكتشفوا من خلال نعجة دونلي في اسكتلندا عام 1994 انه يمكن أن تلقح من خلال خلية الأنثى دون الحاجة إلى حيوان منوي.

  • حقيقة المعجزة ليست ضربا في قانون رياضي ولا عقلي ولا طبيعي ثابت، وإنما تحكيم قانون على قانون.
المحور الثاني:

«ديفيد هيوم» في كتابه «مبحث عن الفهم البشري»

ذكر عدة اعتراضات على المعجزة ونذكر هنا اعتراضين:

  • المعجزة خرق للقانون الطبيعي المطرد لأن المعجزة ضرب للاطراد.

أولا: قلنا في المبحث الأول بأن الإعجاز إنما هو حاكمية قانون على قانون.

ثانيا: نقول من أين ثبت لنا الاطراد؟ طالما أن الاطراد ثبت من خلال التجربة والاستقراء يمكن هنا أن يتخلف

ثالثا: كتاب «معاجز» ل «سي اس لويس» يناقش «ديفيد هيوم» فيقول لو أخذنا بهذا الكلام يكون الاستدلال دوري وهذا باطل في علم المنطق فلايمكن لنا أن نثبت أن القانون مطرد إلا بإثبات عدم وقوع المعجزة. ولو أردنا إثبات عدم وقوع المعجزة لأجل اطراد القانون لزم الدور، فيكون هذا الاستدلال دوري لاقيمة له.

  • المعجزة حدث فردي وليس متكرر

نقول فرق بين المعرفة «إثبات الحدث بأمر قطعي» وموضوع المعرفة الذي قد يكون حدث فردي وقد يكون مكرر. فالانفجار العظيم حدث فردي اثبتناه بالمعرفة وبدليل قطعي.

ولذلك قد يمكننا تصديق الحدث الفردي الذي وجدنا طريق علمي إليه.

المحور الثالث:

هل الإعجاز يتنافى مع المنطق القرآني؟

قد يقول البعض بأن القرآن سد باب الإعجاز

﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا «90» أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا «91» أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا «92» أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا «93» [الإسراء: 90 - 93]

الجواب عن طريقين:

  • فرق بين الباحث عن الحقيقة وبين الجدال
  • فرق بين التعبير بين نؤمن بك ونؤمن لك

﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة: 61]

وهنا للإشارة إلى أن الإيمان تصديق واقعي وصديق ظاهري.

فهنا عندما اقترحوا هذه المقترحات من تفجر الأرض لتكون ينبوعا ومن جنة النخيل والعنب وإلخ، لم يريدوا الوصول للحقيقة بل طلبوا المجادلة. فامتناع النبي ليس من باب سد الإعجاز بل من باب الامتناع عن المجادلين الذين لايطلبون ذلك من أجل التصديق الواقعي بأن «نؤمن بك» بل من أجل التصديق الظاهري «نؤمن لك».

فالاية الكريمة لاتصلح بأن تكون دليل على سد باب المعجزات..

والقرآن الكريم ذكر الإعجاز:

﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 49]

فالمؤمنون في كل زمن واقعيون وظاهريون.

وهذا هو الحال في زمان الحسين ع فهناك من تذبذبوا وتخاذلوا عن نصرته وهناك متعاطفون بكوا على الحسين وهناك مؤمنون واقعيون بذلوا مهجهم دون الحسين .