درس الفقه | 127

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ما زال الكلام في الروايات الدالة على التفصيل في صلا المرأة بحذاء الرجل. ووصل الكلام إلى رواية ابي بصير ليث المرادي، قال: «سألته عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد، المرأة عن يمين الرجل بحذاه؟ قال: لا، إلا أن يكون بينهما شبر أو ذراع». وقد أورد على ذلك سيدنا الخوئي بأن في السند الحسن الصيقل وهو مجهول على الاظهر. ولكن اذا راجعنا الرواية في الوسائل «ج5، باب5 من ابواب مكان المصلي، ص124»، نجد أن رواية أبي بصير بطريقين، «حديث3» وعنه «الحسين بن سعيد» عن فضالة عن الحسين بن عثمان عن الحسن الصيقل عن ابن مسكان عن ابن بصير، قال. وهذا الطريق مشتمل على الحسن الصيقل.

الرواية الثانية: «حديث4»، وعنه «الحسين بن سعيد» عن محمد بن سنان عن عبد الله بن مسكان، عن ابي بصير عن أبي عبد الله. وبما أن محمد بن سنان ثقة عندنا فالرواية بالطريق الثاني صحيحة. هذا من ناحية السند. وأما من ناحية الدلالة، فإن الرواية مشتملة على جملة، حيث قال «سألته عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد، المرأة عن يمين الرجل بحذاه، قال لا إلا ان يكون بينهما شبر او ذراع، ثم قال: كان طول رحل رسول الله ذراعاً وكان يضعه بين يديه إذا صلى يستره ممن يمر بين يديه». فإنه في المطلب السابق، يتكلم عن صلاة المرأة عن يمين الرجل، فقال «لا، إلا ان يكون بينهما شبر او ذراع»، ثم يذكر أن النبي كان طوله رحله ذراعا وكان يضعه بين يديه اذا صلى يستره ممن يمر بين يديه. من هنا طعن السيد الأستاذ كما في التقرير لبحثه في مكان المصلي في الدلالة، وقال: لعل الرواية ناظرة الى باب السترة، فإن هناك بابا من أبواب مكان المصلي باب السترة، والمقصود بباب السترة على المصلي ان يجعل سترة إذا صلى كي لا يمر عليه احد اثناء الصلاة. فإذا لاحظنا هذه الروايات: منها: رواية ابي بصير عن أبي عبد الله قال: «كان طول رحل رسول الله ذراعاً، فإذا صلى وضعه بين يديه يستتر به ممن يمر بين يديه». ورواية أخرى: رواية معاوية بن وهب عن ابي عبد الله قال: «كان رسول الله يجعل العنَنزة بين يديه إذا صلى». ومنها: رواية السكوني، قال: «قال رسول الله : إذا صلى أحدكم بأرض فلات فليجعل بين يديه مثل مؤخرة الرحل، فإن لم يجد فحجراً فإن لم يجد فسهماً فإن لم يجد فليخط بالأرض بين يديه». وهذا متسالم عليه بين أبناء العامة، انه لا يجوز المرور بين يدي المصلي، وإذا مر فللمصلي حق ان يدفعه. وموجود أيضاً في روايات الإمامية، أنه: للمصلي أن يضع بين يديه ما يستر المارة. خصوصا اذا كان بأرض فلات، نعم، ليس مرور أحد عليه مبطلا لصلاته لما دلت عليه رواية ابي بصير عن أبي عبد الله قال: «لا يقطع الصلاة شيء لا كلب ولا حمار ولا امرأة ولكن استتروا بشيء، فإن كان بين يديك قدر ذراع رافع عن الأرض فقد استترت». السيد الأستاذ يقول: بأن تعقيب رواية أبي بصير التي قرأناها بمسألة السترة توجب إجمال الرواية، وأن الرواية لعلها ناظرة الى مسألة السترة، اي ان المصلي كما هو مأمور بوضع سترة بين يديه، ايضا مأمور بوضع سترة بينه وبين المرأة اذا صلت الى جانبه، وبالتالي لا يصح الاستدلال بالرواية على محل كلامنا.

ولكن يلاحظ على ما أفيد: مع اختلاف المفادين تماما وكون المفاد الاول ناظراً لصلاة المرأة بحذاء الرجل، وما هو المصحح لها، ونظر المفاد الثاني لتجنب ما هو المكروه من وضع سترة بين يديه، تجنبا عن المارة مع الفصل بينهما بقوله: «ثم قال» مما يعني ان الجمع بينهما من باب الجمع في المروي، اي أن هناك مرويان جمع بينهما الراوي في هذه الرواية الواحدة، لا أن أحد المطلبين مرتبط بالآخر، أصلاً لا ربط بين المطلبين، وبالتالي مقتضى تعدد المفاد موضوعاً وحكماً، والفصل بينهما بقوله «ثم قال» أن لا يضر تعقيب الاول بالثاني في الاستدلال به على محل الكلام. وإلا «إلا أن يكون بينهما شبر أو ذارع» فهل يقبل العرف ان يحمل على ان يكون بينهما سترة بمقدار شبر او ذراع. فإن حمل الشبر والذارع على سترة بقدر شبر او ذراع خلاف الظاهر جداً.

الرواية الأخيرة: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما ، قال: «سألته عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة، وامرأته او ابنته تصلي بحذاه في الزاوية الأخرى؟ قال: لا ينبغي ذلك فإن كان بينهما شبر اجزأه». ثم الشيخ في التهذيب اضاف هذه الفقرة: «يعني اذا كان الرجل متقدما للمرأة بشبر». والكلام في هذه الرواية من جهتين: من جهة المتن، ومن جهة المفاد. أما من جهة المتن، فهي أيضاً من ناحيتين، ناحية الإضافة، حيث إنها لا توجد في الكافي، الرواية الموجودة في الكافي لا توجد فيها هذه الإضافة: «يعني اذا كان الرجل متقدما للمرأة بشبر»، فمن المحتمل جداً أنها تفسير من قبِل الشيخ نفسه، وإلا خلو رواية الكافي مع كونه اضبط من هذا الذيل خصوصاً مع عدم معهودية أن يلحق الإمام كلامه بكلمة «يعني» مانع من شمول دليل حجية الخبر لها. ومن جهة أخرى: هل يتصور أن يكون الفاصل فقط شبر؟ مع كون المرأة تصلي في زاوية والرجل يصلي في زاوية، مع ذلك قال: «فإن بينهما شبر»، حتما سيكون بينهما شبر اذا كان الرجل في زاوية والمرأة في زاوية. «إن كان بينهما شبر أجزأه»، فلعل الشيخ أراد ان يعالج هذه الشبهة، أنه كيف يصليان في حجرة وكل منهما في زاوية، ومع ذلك الإمام يقيد بما اذا كان بينهما شبر. بل في بعض نسخ الكافي «ستر» وليس «شبر»، «فإن كان بينهما ستر اجزأه» وحينئذ يكون لها معنى معقول، والرواية حينئذ تكون أجنبية عن محل الكلام. هكذا افاد السيد الخوئي. ولكن قد يقال: لماذا تكون أجنبية، لأنه ان كان في متحاذيين وقالت الرواية: ان كان بينهما ستر اجزأه، مقتضاه عدم كفاية الشبر ولا الضراع، بل لابد ان يكون بينهما ستر، فتكون هذه الرواية من روايات الطائفة الثانية وهي طائفة المنع من محاذاة المرأة للرجل.

أما من ناحية المفاد: فقد عبّرت، حيث قال : «لا ينبغي ذلك»، وقد ذكر سيدنا الخوئي «قده» أننا ذكرنا مراراً أن لفظ «لا ينبغي» ظاهر في الحرمة. ومقتضاه فساد الصلاة، لما ورد في الكتاب الكريم من استعمال ينبغي في عدم التيسر «لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر»، وقوله تعالى: «وما علمناه الشعر وما ينبغي له»، او «ربِّ هب لي ملاكا لا ينبغي لأحد من بعدي»، يعني لا يتيسر. فحيث إن لفظ «لا ينبغي» في الكتاب بمعنى لا يتيسر أصلا، كان ذلك مناسبا لاستفادة الحرمة بالتعبير ب «لا ينبغي». فإذا قال يحرم أن تصلي المرأة بحذاء الرجل، يعني الصلاة باطلة، بمقتضى ظهور التحريم في المركبات الاعتبارية في الإرشاد للفساد. ولكن استعمال الكتاب بكلمة «لا ينبغي» بقرينة عدم التيسر، لا يعني أن الظاهر عرفا من لفظ «لا ينبغي» حين صدور الرواية هو الحرمة، لا ملازمة، إذن بالنتيجة: استفادة الحرمة من الرواية محل تأمل، فإنه متوقف على ظهور «لا ينبغي» حين صدور الرواية في الحرمة وهو مما لم يحرز. في الطائفة الثالثة وهي الروايات المفصلة. فالنتيجة: ان لدينا ثلاث طوائف، طائفة قد جوزت محاذاة المرأة للرجل مطلقاً في الصلاة. ومن هذه الطائفة معتبرة جميل بن دراج بعد تصحيحها، إذا صححنا طريق الصدوق الى كتاب جميل بن دراج وحده بطريق الشيخ الذي ذكره في الفهرست الى كتاب جميل بن دراج، حيث ذكر في الطريق الصدوق نفسه، يعني أن طريق الشيخ الى كتاب جميل بن دراج وحده يمر بالصدوق، فالصدوق واقع في سلسلة السند، فنعوض سند الصدوق الى رواية جميل بطريق الشيخ الى كتاب جميل، لأنه مشتمل على الصدوق نفسه. إلّا أن هذا يتوقف على احراز ان الرواية التي اوردها الصدوق في الفقيه، من كتاب جميل، حتى يشملها طريق الشيخ الى كتاب جميل المذكور في الفهرست. وعندنا طائفة مطلقا، كما سبق أن ذكرنا أن هناك عدة روايات كصحيحة إدريس وصحيحة زرارة، الظاهرة في المنع مطلقاً. وعندنا طائفة ثالثة فصلت. موثقة عمار قال: لابد من اكثر من عشرة أذرع، وصحيحة زرارة قالت: بما لا يتخطى او قدر عظم الذراع، ومعتبرة ابي بصير: قالت إن كان بينها شبر او ذراع. فمع اختلاف الروايات المفصلة التي هي شاهد جمع بين الروايات المجوزة مطلقا والروايات المانعة مطلقاً. فما هو مقتضى الصناعة. وهنا وجوه: الوجه الاول: ما قرّبه السيد الأستاذ لقول المتأخرين بالكراهة مطلقا. يعني بحيث لو لم يكن بينهما شبر مع ذلك تصح الصلاة غايته مكروه. قال: اذا اختلفت الروايات في الحدود اختلافا شديدا فظاهر ذلك التوسعة عرفاً. متى ما وردنا في مورد روايات مختلفة في التحديد اختلافا شديداً، فإن اختلافها مع تعددها وكثرتها شاهد على أن المقام من باب التوسعة على المكلف. تأخذ بهذا الحد او تأخذ بذاك الحد.

ولكن يلاحظ على هذا التقريب: أولاً: انه لا ينسجم مع تعبير بعض الروايات بالبأس والإجزاء، ففي صحيحة زرارة قال: «إذا كان بينها وبينه ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعداً، فلا بأس»، فإن مقتضى الظهور العرفي إنه إن لم يكن كذلك ففيه بأس، وحمل ذلك على الكراهة غير عرفي. وكذلك في صحيحة محمد بن مسلم، «إن بينهما شبر أجزأه» فإن مقتضاها: إن لم يكن شبر فلا يجزيه، وحمل ذلك على الكراهة ايضا غير عرفي. ثانياً: لو سلم ان اختلاف التحديدات، شاهد على الكراهة لكنه بالنتيجة لا يلغي ظهور الحد الأقل في مانعية ما هو أقل منه، وهو التحديد بالشبر. الوجه الثاني: ما اختاره السيد الأستاذ «دام ظله» نفسه وهو مطابق لفتاواه، حيث اختار قول المتقدمين من المنع، «ما لم يكن بينهما أكثر من عشرة اذرع بذراع اليد». ويمكن تقريب كلامه «دام ظله» بأحد وجهين:

الوجه الأول: أن يقال على مبناه، من أن مطلق الترخيصي الوارد في مقام الإفتاء لا يمكن حمله على القيد الإلزامي الوارد بعد وقت العمل، ففي المقام عندنا مطلق ترخيصي وهو رواية جميل بن دراج، «لا بأس أن تصلي المرأة بحذاء الرجل»، وعندنا مقيد إلزامي وهو موثق عمّار «إلا أن يكون بينهما عشرة أذرع»، او الروايات الأخرى، «إلا ان يكون بينهما شبر» او «إلا ان يكون بينهما ذراع»، فالروايات المجوزة مطلقا، إطلاق ترخيصي وارد في مقام الإفتاء، لأنّه ورد جواباً على سؤال. والروايات المشتملة على قيد «إلا ان يكون عشرة» او «إلا أن يكون شبر»، أيضاً مقيد إلزامي ورد بعد وقت العمل بالمطلق الترخيصي، واتكاء المولى في إطلاق الترخيص على مقيد إلزامي سيأتي بعد وقت العمل بالمطلق الترخيصي مستهجن عرفا بحسب مبناه، إذن فيقع التعارض بين المطلق الترخيصي الوارد في مقام الإفتاء مع المقيد الإلزامي. فإذ تساقطا، بقي عندنا دليل المنع، فنقول: يمنع صلاة المرأة محاذية للرجل إلا أن يفصل بينهما ما هو القدر المتيقن من الفصل، الا وهو الأكثر من عشرة أذرع.

عندنا روايات مجوزة مطلقاً، وروايات مقيدة، تعارضت الروايات المجوز مع المقيدة، لأنه المطلق الترخيصي لا يحمل عنده على المقيد الإلزامي بل يتعارضان. فإذا تساقطا يرجع الى الدليل المانع.

ولكن يلاحظ على ما أفيد: انه لو سلمنا، أولاً: دعوى سقوط الروايات المجوزة بمعارضتها بالمقيد الإلزامي مع تخليص الروايات المانعة عن وقوعها طرفاً في المعارضة غير صناعي، مضافا لذلك أنه اذا قلنا بذلك وهو انه تساقطت الروايات المجوزة مع الروايات المقيدة، فكيف يكون الفصل بأكثر من عشرة أذرع قدراً متيقناً، بل القدر المتيقن وجود الحائل، ان لا تصح ان تصلي محاذية له ما لم يكن بينهما حائل، وأما الاكتفاء بأن يكون بينهما اكثر من عشرة اذرع فليس قدر متقينا في الجواز بعد ما سقطت الروايات المتضمنة له عن الحجية بمقتضى المعارضة.

الوجه الثاني: أن يقال إن الروايات المجوزة والروايات المانعة تحقق التعارض المستقر فيما بينها، ومقتضى استقرار التعارض تقديم الروايات المانعة باعتبار أن العامة اتفقوا على الجواز. فبما ان العامة قائلون بالجواز يرجح الروايات المانعة على الروايات المجوزة بمخالفتها للعامة. ولكنه إنما يصار للتعارض المستقر وترجيح إحداهما على الأخرى بمخالفة العامة او بعمل المشهور حيث إن القدماء عملوا بروايات المنع، إنما يصار اليه على فرض استقرار التعارض، ولكننا نقول بوجود الجمع العرفي بين هذه الروايات. فالمتعين هو الوجه الثالث، وهو ما ذهب اليه سيدنا الخوئي «قده»: ان مقتضى الروايات المفصلة هو حمل هذه التحديدات على مراتب الفضل، أي أن الأفضل الفصل بأكثر العشرة، فإن لم فذارع، فإن لم يكن فشبر، ولكن ظهور الفاصل بالشبر في المنع مما هو أقل لا يرفع اليد عنه إذ لا معارض له.

والحمد لله رب العالمين.