درس الأصول | 114

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

وقع الكلام في عدة صور في وجوب التعلم فيها:

الصورة الاولى: في تعلم الواجب المشروط قبل حصول شرطه، مثلا اذا التفت الى انه اذا لم يتعلم كيفية صلاة الآيات قبل حصول سببها فانه لا يمكنه ادائه في وقتها، فهل يجب عليه تعلم كيفية صلاة الآيات قبل حصول سببها ام لا؟ اذ قد يقال بوجوب التعلم من باب وجوب المقدمة المفوتة.

فيجب التعلم مقدمة لاحراز عدم فوت الصلاة منه في ظرفها، ولكن اشكل على ذلك: بأن وجوب المقدمة المفوتة إما وجوب عقلي او وجوب شرعي. فللنظر في المقام بأن وجوب التعلم قبل حصول وقت صلاة الآيات هل هو وجوب عقلي ام وجوب شرعي، والصحيح: انه لا يجب عقلا ولا شرعاً. أما ان التعلم ليس واجبا عقلا: فلأن وجوب صلاة الآيات ليس فعليا في حقه قبل حصول الآية، فاذا لم يكن وجوب ذي المقدمة في حقه فوجوب ذي المقدمة ليس فعليا في حقه، لذلك ليس هنا وجوب فعلي في حقه، لا قبل حصول الشرط، أي الآية، لعدم حصول الشرط، ولا بعد حصول الشرط للعجز، لأنه اذا لم يتعلم وحصل الخسوف والكسوف لم يجب عليه صلاة الآيات لعجزه عنها، اذن التعلم قبل حصول الشرط ليس واجبا لعدم الشرط، وبعد حصول الشرط ليس واجبا للعجز، فلأجل ذلك ليس هناك وجوب عقلي للتعلم. أما الوجوب الشرعي: وهو ان يدعى ان المستفاد من أدلة وجوب التعلم وجوب التعلم شرعا «أفلا تعلمت حتى تعمل»، ولكن يرد على ذلك: بان ظاهر سياق ادلة وجوب التعلم ان هناك حكم فعلي في حقه يجب عليه تعلمه، فعندما يقول: «ما عملت؟ فيقول ما علمت، فيقول: هلا تعلمت حتى تعمل» يعني هناك وجوب فعلي في حقه لذلك وجب عليه تعلمه، والمفروض ان صلاة الآيات ليس واجبا فعليا في حقه، ولم يحصل شرطه قبل، ولا يجب على المكلف تحصيل شرط الوجوب، مثلاً: لا يجب عليك ان تنهى فلانا عن المنكر الا اذا علمت وعلم هو أن ما يفعله منكر، اذا علم الفاعل ان ما يفعله منكر وعلم الناهي ان ما يفعله الفاعل منكر وجب عليه نهيه عن المنكر، فاذا شككت ان ما يفعله فلان منكر فيجب علي أن أنهاه ام لا؟ هل يجب علي أن اتعلم حكمه الشرعي حتى اعرف انه منكر حتى يجب علي النهي؟ لا يجب تحصيل شرط الوجوب، شرط وجوب نهيك اياه عن المنكر انك تعلم ويعلم أن ما يفعله منكر، فهنا لا يجب علي التعلم حتى يجب علي النهي، اذ لا يجب تحصيل شرط الوجوب. كذلك في محل الكلام، وجوب صلاة الآيات في وقتها مشروط بالقدرة، وتحصيل القدرة بالتعلم، لأنني اذا لم اتعلم الآن لم أكن قادراً على صلاة الآيات في ظرفها، فوجوب صلاة الآيات في ظرفه مشروط بالقدرة والقدرة منوطة بتعلمي، فلا يجب علي التعلم لأنه من قبيل تحصيل شرط الوجوب، وتحصيل شرط الوجوب ليس بواجب، إذن التعلم، أي تعلم كيفية صلاة الآيات قبل حصول وقتها ليس واجبا، لا عقلا لانه لا يوجد واجب فعلي في حقي حتى تجب مقدمته، ولا شرعا أي من خلال أدلة وجوب التعلم، لان ظاهر أدلة وجوب التعلم وجود واجب فعلي في حقه يجب علي تعلم حكمه، ووجوب صلاة الآيات ليس فعليا في حقي ولا يجب تحصيل شرط الواجب، ومن هنا ذهب سيدنا الخوئي في مصباح الاصول الى عدم وجوب التعلم «أي تعلم الواجب المشروط قبل حصول شرطه». وصاحب الكفاية قال: ألمشكلة في المقام «وهي وجوب التعلم قبل الوقت»، لا تنحل إلا بأحد وجهين: إما أن نقول التعلم واجب نفسي تهيئي كما ذهب اليه المحقق الاردبيلي. او نقول بان الواجبات المشروطة واجبات معلقة، ما لم نقل بأحد الوجهين لا تنحل المشكلة. فإن قلنا بالوجه الأول: أي أن التعلم لجميع الأحكام الشرعية واجب نفسي لظاهر قوله «طلب العلم فرضية» تهيئي: لظاهر قوله: «أفلا تعلمت حتى تعمل» أي ان الغرض من التعلم التهيؤ للعمل، فنقول: قبل أن يحصل وقت وشرط صلاة الآيات يجب عليك تعلم كيفيتها لان وجوب التعلم تعلم نفسي الغرض منه أن تتهيأ لامتثال الواجب في ظرفه، هنا نقول بوجوب التعلم، إما هذا خلاف ظاهر الأدلة، ظاهر قوله «افلا تعلمت حتى تعمل» أن التعلم ليس واجبا نفسيا، وانه ما وجب الا لأجل العمل، فوجوب العمل شرط في وجوبه لا انه واجب نفسي الغرض منه التهيؤ، بل لا وجوب له إلا بوجوب العمل في حق المكلف، فليس واجبا نفسياً، وإما واجب طريقي او واجب مقدمي. المحتمل الثاني: أن نقول كل الواجبات المشروطة تتحول الى واجب معلق، مثلا وجوب شهر رمضان مشروط برؤية الهلال، نقول يجب شهر رمضان على البالغ العاقل منذ دخوله، لكن دخول الشهر شرط في الواجب لا في الوجوب، فهو من الواجب المعلق، متى استطاع المكلف صار وجوب الحج في حقه فعليا، واما وقت الحج فهو وقت للواجب لا للوجوب، فتتحول الواجبات المشروطة الى واجبات متعلقة، فاذا صار الواجب معلقا صار الوجوب فعليا، واذا صار الوجوب فعليا وجبت مقدماته، ومن مقدماته التعلم، فتجب على المكلف صلاة الآيات منذ بلوغه، ولأنها وجب عليه منذ بلوغه وجب عليه التعلم، من باب مقدمة الواجب.

وقد اورد على هذا المحتمل عدة إيرادات: أولاً: إن تحويل الواجبات المشروطة الى واجبات معلقة خلاف الظاهر، ظاهر قوله «اذا زالت الشمس فصلي» انه واجب مشروط، «ومن شهد منكم الشهر فليصمه» واجب مشروط، أما تحويله الى الواجب المعلق خلاف ظاهر الأدلة. ثانياً: لو سلمنا إمكان ذلك فإن صاحب الكفاية يدعي التفصيل في المقدمات، يقول، مثلا وجوب الحج فعلي منذ البلوغ لكن لا يجب تحصيل مقدماته الا التعلم، وجوب صلاة الآيات منذ البلوغ لكن لا يجب تحصيل مقدماتها الا بالتعلم، يعني هذا تحكم بالمقدمات، بعد تحول الواجب المشروط الى واجب معلق فتجب سائر مقدماته، فدعوى أن المقدمة الواجبة خصوص التعلم دون باقي المقدمات خلف كونه واجباً معلقاً. وأما دعوى ان صلاة الآيات واجب معلق من ناحية التعلم، واجب مشروط من النواحي الأخرى، فهذا أيضا تفصيل في ظواهر الأدلة بلا قرينة عليه.

الإيراد الثالث: ما ذكره المحقق العراقي في إشكاله على شيخه الآخوند، محصّله: اذا قلت بذلك لابد ان تلتزم بالترتب، وأن قلت باستحالة الترتب. بيان ذلك: اذا قلت بأن وجوب شهر رمضان يتحول من واجب مشروط بدخول الشهر الى واجب معلق يعني يجب على المكلف منذ البلوغ ان يصوم شهر رمضان، أي قبل ان يدخل الشهر بتسعة اشهر مثلا يجب عليه صوم شهر رمضان، فلو فرضنا ان هذا المكلف لم يصوم تعمدا، اذن يجب عليه القضاء من الآن، لان كل الواجبات المشروطة معلقة، فيجب عليه صوم شهر رمضان من الآن، ويجب عليه قضاءه من الآن لانه سيتركه من متعمداً، ويجب عليه دفع الكفارة، من الآن، فكل هذه الواجبات المشروطة ستصبح واجبات فعلية في حقه، فإذا وجب عليه صوم شهر رمضان الآن ويجب عليه الآن قضاء شهر رمضان اذا ترك صومه متعمداً، إذن يجب عليه الصوم ويجب عليه القضاء في آن واحد، وهذا عبارة عن الترتب، لان الصوم والقضاء ضدان لا يجتمعان، القضاء تدارك، ولا يعقل الجمع بين اصل الشيء وبين تداركه، فيجب عليه صوم شهر رمضان، ويجب عليه ضده، وهو تداركه إن لم يصمه، ووجوب الضدين فعلا على نحو الطولية وهو أن يقول له: من الآن صم شهر رمضان، ومن الآن صم قضائه اذا لم تصمه، من باب الترتب إذ ليس الترتب إلا هذا، الترتب عبارة عن وجوب الضدين على نحو الطولية، بأن يقول: يجب عليك انقاذ النفس المحترمة فإن لم تنقل فأزل النجاسة عن المسجد. هنا ايضا يقول: يجب عليك صوم شهر رمضان فإن لم تصم فيجب عليك القضاء، وكلا الوجوبين فعلي، فهذا عبارة أخرى عن الالتزام بالترتب، وانت ترى استحالة الترتب.

ولكن، يلاحظ على ما افاده المحقق العراقي «قده»:

أولا: هل ان النسبة بين صوم القضاء وصوم الشهر نسبة التضاد كي يكون المقام من باب الترتب ام لا؟ تارة نأخذ الفوت في القضاء، كما أخذ الفوت في قضاء الصلاة، «أقض ما فات» أخذ في وجوب الصلاة فوتها، فإذا اخذ الفوت لا محالة يكونان ضدين، يجب عليك الصلاة، ويجب عليك القضاء إن فاتت، لا يمكن الجمع بين الصلاة والقضاء، لان القضاء متقيد بالفوت، فمع وجود الصلاة ينتفي، وإذا انتفى الفوت انتفى القضاء، فالجمع بين الأداء والقضاء جمع بين الضدين، محال، لأن القضاء متقيد بالفوت، ولا فوت. وأما اذا لم يؤخذ الفوت، كما ذهب اليه كثير من الفقهاء ان قضاء رمضان ليس موضوعه الفوت، باعتبار ان ظاهر الآية موضوعه الترك لا الفوت، ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، لم يقل من فات منه الصوم فعليه قضائه، لم يؤخذ في قضاء شهر رمضان تقيده بالفوت. بالنتيجة: اذا لم يؤخذ الفوت في القضاء فليس القضاء الا تبديل، بدلت هذا بهذا، ومن الواضح لدى كثير من الأصوليين أن تبديل الامتثال بالامتثال أمر ممكن وليس أمراً مستحيلاً، أن يبدل الامتثال بالامتثال. وقد ذهب اليه صاحب الكفاية حيث ذكر ذلك في «باب دلالة الأمر على التكرار» ذهب الى إمكان تبديل الامكان بالإمكان. واستدل عليه بما ورد «إذا صلى المكلف فرادى له ان يعيدها جماعة وأن الله يختار أحبهما اليه»، إذن اذا كان القضاء ليس متقيداً بالفوت، وإنما هو من باب البدلية، فتبديل الامتثال بالامتثال ممكن، كذلك تبديل القضاء بالأداء ممكن، فالجمع بين الأداء والقضاء أمر ممكن، فإذا كان أمراً ممكناً لم يكونا من باب الضدين كي يكونا وجوبهما فعلاً من باب الترتب. سلمنا مع العراقي ان الاداء والقضاء ضدان، لأن الفوت أخذ في القضاء، لكن زمانهما مختلف، فمع اختلاف الزمان لا يكون الوجوب من باب الترتب إطلاقاً، نظير ان ينذر الانسان صوم يوم الخميس، كأن يقول: لله عليّ أن اصوم يوم الخمسي، فإن لم أصمه لله عليّ أن اصوم يوم الجمعة، صار وجوب الخميس والجمعة فعليا في حقي من الآن، لكن هذا ليس من باب الترتب في شيء، لاختلاف الزمن، فإن زمان المنذور الأول زمانه متقدم على زمان المنذور الثاني، ومع اختلاف الزمن لا يكون فعلية وجوبهما من باب الترتب في شيء. كذلك في محل الكلام بمجرد ان يبلغ العاقل المسلم، يقال له يجب عليك صوم شهر رمضان فإن لم تصمه يجب عليك القضاء، كلا الوجبين فعلي، أما الواجبان مختلفان زماناً، ومع اختلافهما زماناً فلا يكون فعلية وجوبهما من باب الترتب في شيء. فهذا الايراد غير وارد على المحقق الآخوند ولا يرد على كلامه إلا انه مخالف لظاهر الأدلة. يعني الالتزام بالوجوب النفسي التهيؤي أو انقلاب الواجبات المشروطة الى واجبات معلقة.

والحمد لله رب العالمين.