درس الأصول | 124

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا فيما سبق أن ما تضمنته الروايات من ان من صلى تماما في موضع القصر عن جهل تقصيري فلا اعادة عليه، وذكرنا أن المشهور من الفقهاء التزموا بأن من صلى تماماً في موضع القصر وإن اتى بصلاة صحيحة إلا انه معاقب على ترك القصر التي هي واجبة عليه، وهذا ما اوجب اشكالا عقليا وهو: كيف يتصور اذا كان المكلف بصلاة قربية حال الجهل التقصيري فهو من جهة قد اتى بصلاة قربية مقبولة لدى المولى مسقطة لأمر المولى ومع ذلك يكون مستحقاً للعقوبة لتركه امتثال الامر بالقصر، فكيف يجمع بين كون صلاة التمام الصادرة منه صلاة قربية مسطقة للأمر وبين استحقاقه للعقوبة. وذكرنا انه اجيب عن هذا الاشكال بوجوه اربعة:

الوجه الاول: ما ذهب اليه صاحب الكفاية من القول بالمسقطية. ومقصوده من المسقطية: انه ليس المكلف مخاطباً بالجامع بين صلاة القصر أو صلاة التمام في حال الجهل بحيث يكون حال الجهل قيداً في الصحة لا قيداً في الوجوب، وليس المراد بالمسقطية ان الجاهل باحكام السفر مخاطب بالجامع بين صلاة القصر وبين صلاة التمام، وليس المراد بالمسقطية ان عدم سبق التمام شرط في الوجوب أي وجوب القصر، بمعنى ان عدم سبق التمام دخيل في اتصاف القصر بالمصلحة ومع سبق التمام لا تتصف بالمصلحة، فعدم سبق التمام شرط في الوجوب، كل هذا ليس مسقطا. وانما مقصودنا بالمسقطية أن عدم سبق التمام شرط في البقاء لا شرط في الحدوث، أي أن الأمر التعييني بصلاة القصر قد اصبح فعليا حدوثاً، ولكن بقاءه في حق المكلف مشروط بعدم سبق التمام باعتبار ان سبق التمام مانع من الاستيفاء وليس شرطا في الاتصاف، مانع من استيفاء ملاك القصر وذلك لان في التمام مصلحة مضادة لمصلحة القصر، فاذا تحققت التمام تحقق تلك المصلحة، ومع تحققها لا يمكن استيفاء ملاك القصر، فاذا لم يمكن استيفاء ملاك القصر سقط الامر بها لتعذر استيفاء ملاك هذا الامر، فعدم سبق التمام شرط في بقاء الامر بالقصر، لا انه شرط في الحدوث. هذا هو معنى المسقطية ثبوتا بحسب مبنى صاحب الكفاية. والذي افاده «قده» وقع موقعا للإيراد والإشكال، فمن الايرادات عليه:

بناء على كلامكم القصر واجب نفسي على المكلف، وهذا الواجب متوقف صحته واستيفاء ملاكه على عدم سبق التمام، فعدم سبق التمام وجب غيري، واذا كان عدم سبق التمام واجبا غيري إذن بناء على ان الامر بالشيء يقتضي الامر عن ضده فترك التمام مأمور به أمرا غيريا تحصيلا للواجب النفسي وهو والقصر، فاذا كان ترك التمام مأموراً به أمرا غيرياً إذن فالتمام منهي عنها، لان الامر بالشيء يقتضي عن الأمر بضده العام، فالنهي عن ضده العام، فالأمر بترك التمام يقتضي النهي عن التمام، فإذا كانت التمام أمراً مبغوضاً لكونها منهيا عنها نهيا غيرياً فكيف تقع مقربة للمولى، والمفروض انه اذا وقعت منه التمام صحيحة، أي اذا وقعت منه التمام حال جهله جامعة للشرائط مقربة للمولى فإنها تمنع من استيفاء ملاك القصر، بينما اذا كان استيفاء ملاك القصر متوقفا على عدم سبق التمام، فعدم سبق التمام واجبا غيري، ووجوب الترك أي النهي عن الفعل، فالتمام منهي عنها والمنهي عنه لا يصلح للمقربية، فكيف نجمع بين الأمرين، إن هذا الا جمع بين الضدين، بأن نقول التمام منهي عنها والنهي مانع من المقربية، ولكن اذا حصل هذا المنهي عنه منع من استيفاء ملاك القصر مع انه لا يمنع من استيفاء ملاك القصر الا اذا كان مقرباً للمولى، فكيف نجمع بين كونه منهيا عنه المانع من المقربية، وبين كونه مقرباً، اذ لولا مقربيته لما منع من استيفاء ملاك القصر. هذا هو اللغز الذي لابد من حله من قبل صاحب الكفاية.

وهنا أجوبة دفاعاً عن صاحب الكفاية في رد هذا الاشكال:

الجواب الاول: ذكرنا في بحث هل أن بالشيء يقتضي عن ضده العام أم لا؟ ذكرنا هناك بأنه حتى لو قلنا بهذه الكبرى فما ذهب اليه العلمان السيد الصدر والسيد الأستاذ، حتى لو سلمنا بهذه الكبرى مع ذلك هذا اذا قلنا بتوقف وجود الضد على عدم ضده، والحال بأن وجود الضد لا يتوقف على عدم ضده، اذا لا مقدمية لعدم الضد لوجود ضده، فالقيام والقعود ضدان لكن وجود القيام يتوقف على ارادة القيام، لا ان وجود القيام يتوقف على عدم القيام، الضد لا يتوقف على عدم ضده بحيث يكون عدم الضد مقدمة لوجود ضده، وإلا لزم الدور من الطرفين، وهذا غير معقول. لاجل ذلك استيفاء ملاك القصر لا يتوقف على عدم التمام اذ لا يتوقف الضد على عدم ضده، فاستيفاء ملاك القصر لا يتوقف على عدم التمام، حتى يقال إذن عدم التمام واجب غيري، لانه مقدمة لاستيفاء ملاك القصر، فإذا كان واجبا غيريا صار التمام منهيا عنه، لان الامر بالشيء يقتضي الامر عن ضده، واذا صارت التمام منهيا عنها لم تكن مقربة، والحال بأنها لا يمكن ان تمنع الاستيفاء الا اذا كانت مقربة، اصلا مقدمية غير موجودة، صحيح هما متمانعان، أي ملاك القصر متمانع مع ملاك التمام، فهما متنافران متمانعان الا ان استيفاء ملاك القصر لا يتوقف على عدم التما توقف الشيء على مقدمته، وان كانا الملاكان ضدان متمانعان كسائر الاضداد. وهذا الجواب محل اشكال، باعتبار أنه إنما لا يتوقف الضد على عدم ضده إذا كانا في عرض واحد في زمان واحد، مثل القيام والقعود، بما انهما ضدان لا يعقل تعاقبهما، لا يعقل وجودهما في جسم واحد في زمان واحد، لذلك يقال بأن احدهما لا يعقل ان يتوقف على عدم الآخر، وهذا ليس محل بحثنا، محل بحثنا في الضدين المختلفين زمانا، لا في الضدين المقترنين زمانا حتى يقال لا يعقل توقف وجود احدهما على عدم ضده، مفروض كلامنا أن هناك فعلين: قصر وتمام، في القصر ملاك، وفي التمام ملاك، اذا سبقت التمام على القصر كان في التما ملاك مانع من استيفاء ملاك القصر، فهما مختلفان زمانا، فاذا كانا مختلفين زماناً فلا مانع من المقدمية بل مقتضى التمانع هو المقدمية، فنقول حينئذ: اما ان المطلوب للمولى القصر بعنوانها، والمفروض ان القصر لا تقع صحيحة حتى لا يسبقها التمام، فلا محالة الواجب التعييني في حق المسافر هو القصر والقصر مشروط بعدم سبق التمام، لان سبق التمام مانع من صحته، فبالنتيجة القصر الواجب مسبوق بعدم سبق التمام واجبا غيريا لا محالة والتوقف هنا معقول لاختلاف الزمن، فإذا كان عدم سبق التمام واجبا غيرياً صارت التمام مبغوضا منهيا عنه. أو فقل: ألمطلوب للمولى إيجاد ملاك القصر والمفروض ان ايجاد ملاك القصر يتوقف على عدم سبق التمام، لأن سبق التمام مانع من استيفاءه. فإذا كان سبق التمام مانع من استيفاءه، اذن فلابد من الامر بعدم سبق التمام امرا غيريا والامر الغيري بعدم سبق التمام يقتضي النهي عن التمام نفسها، فالتمام منهي عنها فيكف تقع مقربة. إذن بالنتيجة ما ذكره في الكفاية لم يحل الاشكال.

الجواب الثاني: سلمنا انه يعقل المقدمية وعدم التمام، فالقصر متوقف على عدم التمام، التمام بالنتيجة كما تقولون أن هناك امرا غيريا بعدم سبق التمام. ولكن يمكن أن يحل المطلب بصيغة أخرى: بأن يقال المأمور به في حق المكلف القصر الاول، لا بعنوان عدم سبق التمام، بل بعنوان الأول، فما هو متعلق الامر القصر التي تقع أول صلاة ادائية، وبالتالي لم يؤخذ في متعلق الامر ان لا يكون مسبوقا بالتمام، أنما أخذ في متعلق الأمر الأولية، ان تكون صلاة القصر أول صلاة، فإذا صلى التمام قبلها لم يتعلق الأمر، لأنها ليست اول صلاة. ولا يفيد بعد ذلك ان يأتي بالقصر. اذن بالنتيجة: ألمطلوب منه الذي لا يقع صحيحا الا اذا وقع اول، فمتى ما سبقت التمام سقط الامر لتعذر متعلقه. ولكن هذا مجرد تفنن في التعبير وتغيير في الصياغة، والا المطلب واحد، بالنتيجة يقال: صحيح أن المطلوب للمولى القصر الأول، لكننا نسأل بأن سبق التمام إما ليس مانعا من استيفاء ملاك القصر، أو مانع. فإذا لم يكن مانعا من استيفاء ملاك القصر، فلا حاجة لان يقول المولى الصلاة المطلوبة هي الاول، اذن حتى لو فعل المكلف التمام فلا دخل لها في استيفاء ملاك القصر، وإن كان التمام مانعا من استيفاء ملاك القصر فلا محالة مرجع الأولية الى مجرد العنوان المشير الى ان الواجب في حق المكلف المسافر القصر الغير مسبوقة بالتمام، فرجعنا الى الاشكال مرة اخرى، بل لا يبتني الاشكال على المقدمية، أي حتى لو قلنا بأن الضد لا يتوقف على عدم ضده في المتقارنين زمانا والمتعاقبين زماناً، مع ذلك المانعية العرفية كافية في المبغوضية، ما دمتم تقرون ان فعل التمام مانع من استيفاء ملاك القصر فلندع مبنى المقدمية وندع ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام، وكل هذه المباني لا نقول بها، ونقول ما دام التمام مانعا من استيفاء ملاك القصر فمقتضى مانعيته مبغوضيته، بلا حاجة الى تلك المباني، واذا كان مبغوضا كان غير مقرب، واذا لم يكن مقربا فيكف يمنع من استيفاء ملاك القصر. فالجمع بين كونه مبغوضا وكونه مقرباً غير معقول.

والحمد لله رب العالمين.