درس الأصول | 125

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا فيما سبق: أن صاحب الكفاية «قده» أفاد بأن صلاة التمام وإن لم تكن مأموراً بها لكنها لأنها واجدة لملاك محبوب للمولى فهي متى ما وقعت وقعت مقربة للمولى، إلا أنها في ظرف أنها مقربة للمولى فهي مفوتة لملاك القصر وبلحاظ انها مفوتة لملاك القصر يكون المكلف الآتي بها مستحقا للعقوبة من دون توقف لوجود ملاك القصر على عدم التمام كي يقال بأن التمام حينئذ مبغوضة بالمبغوضية غيرية، والمبغوض لا يصلح للمقربية، لأن الضدين لا يتوقف وجود أحدهما على عدم الآخر.

وذكرنا في الاشكال عليه: بانه لا يجدر هذا النحو من الخلص لأن مآل الأمر ان الواجب المتعين في حق المسافر الجاهل هو القصر غير المسبوق بالتمام، فاذا كان الأمر كذلك فقد اخذ في شروط الواجب عدم السبق بالتمام، فاذا اخذ في شروطه عدم السبق بالتمام فلا محالة سوف فيتوقف الواجب توقف مقدمياً على عدم سبق التمام، فعدم سبق التمام واجب بالوجوب الغيري فالتمام منهي عنه أو مبغوض والمبغوض لا يجتمع مع المقربية.

ولكن قد يدفع هذا الإيراد على صاحب الكفاية بوجهين:

الوجه الاول: ان يقال ان مقصود صاحب الكفاية ان الصلاة التي شرع فيها المكلف واجدة لملاك القصر لان المكلف اذا اتى بالتمام سوف يأتي قطعا بركعتين وسلام فالركعتان مع السلام اللتان ضمن صلاة التمام هاتان الركعتان المتعقبتان بالسلام محققة لجزء من ملاك القصر. والجزء الآخر من ملاك القصر لولا اقحام ركعتين في البين لتحقق الملاك التام، إذن ليس هناك توقف ولا مقدمية، أي لو صورنا مطلب صاحب الكفاية بان هناك صلاتين: صلاة قصر وصلاة تمام، وان استيفاء ملاك القصر يتوقف على عدم سبق التمام فهنا يقال اذا كان المجعول من قبل المولى هو هذا فلا محالة سوف يتحقق التوقف، أي ملاك القصر سيتوقف على عدم سبق التمام، فعدم السبق واجب بالوجوب الغيري وما وجب نهي عن ضده، فاذا كان عدم التمام واجبا إذن التمام منهي عنه او مبغوض والمبغوض ليس بمقرب، لكن إذا صورنا المسألة أن ليس هناك صلاة ثانية يتوقف ملاك أحدهما على عدم سبق الآخر كي يرد الإشكال، بل نقول: ليس هناك الا صلاة واحدة، الركعتان منها مع السلام محقق لجزء من الملاك، والجزء الآخر من الملاك إنما يتحقق اذا خلت هاتان الركعتان من ركعتين أخريين فاذا لم يأتي بركعتين اخريين في البين صلى ركعتين وسلم، تحقق الملاك التام، إذا اتى بركعتين بعد الركعتين بركعتين أخريين كانت الركعتان الأخريان مانعاً من تتميم الملاك لا ان هناك صلاتين احداهما تتوقف على عدم سبق الاخرى كي يرد محذور أن ما وجب بالواجب الغيري فضده منهي عنه، والمنهي عنه لا يصلح للمقربية، بل صلاة واحدة يتوقف تمامية الملاك فيها على عدم اشتمالها على الركعتين الزائدتين.

ولكن هذا الجواب أيضاً لا ينفع في ترميم كلام الكفاية والسر في ذلك: اذا افترضنا ان الركعتين الزائدتين في الوسط مانع من تمامية الملاك فلا محالة الواجب في عالم الجعل بالنسبة الى هاتين الركعتين اما لا بشرط، واما بشرط شيء، واما بشرط لا؟ وحيث انه لا يعقل ان يكون على نحو اللا بشرط، لان المفروض ان زيادتهما مانع، ولا يعقل ان يكونا بشرط شيء اذ المطلوب عدمها فلا محالة الواجب المجعول هو القصر بشرط لا، يعني بشرط عدم زيادة الركعتين، فعدم الزيادة مأمور به في الامر الضمني، او بالأمر الغيري، واذا كان عدم الركعتين مأموراً بهما بالأمر الغيري إذن الركعتان مبغوض او منهي عنه، والمبغوض لا يصلح للمقربية، فكيف وقعت منه التمام مقربة مع ان ركعتين منها مبغوضة.

فهنا بالنسبة لو قال لا ارى ان المقدمة واجب بالوجوب الغيري، او اقول بالوجوب الغيري لكن لا اقول بالوجوب الغيري في الاجزاء والشرائط، فعدم زيادة ركعتين ليس واجبا بالوجوب الغيري، لأن الوجوب الغيري لا ينبسط على الأجزاء والشرائط وإنما على المقدمات، بالنتيجة مأمور به بالأمر الضمني، عدم زيادة الركعتين مأمور به بالأمر الضمني، فاذا كان مأمورا به بالأمر الضمني كانت الزيادة مبغوضة. ورجعنا الى نفس الإشكال. فإذا انكر وقال لا أرى وجود أوامر ضمنية مولوية، فيرجع نفس الاشكال مرة اخرى، بالنتيجة انت ترى ان زيادة الركعتين مانع من تتميم الملاك، فاذا رأيت ان زيادة الركعتين مانع من تتميم الملاك قلنا بالوجوب الغيري أم لم نقل، قلنا بالأمر الضمني ام لم نقل، قلنا بأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص أم لم نقل، على أية حال المانع مبغوض والمبغوض لا يصلح للمقربية.

او فقل ما اوجب بعدا عن المولى كيف يكون مقربا له؟ اذا كانت زيادة الركعتين مبعدة عن المولى لأنه تمنع من استيفاء ملاك القصر فكيف تكون مقربة؟! المبعد لايمكن ان يكون مقرباً، أي انه متى بالركعتين الزائدتين فقد اخل بالواجب لان الواجب هو القصر المشروط بعدم زيادة الركعتين، ومن اخل بالواجب فكيف يقال أن اخلاله مقرب، والمفروض انه اخل بالواجب لإخلاله بشرطه العدمي وهو عدم زيادة الركعتين.

وقد يجاب عن هذا الاشكال بنظر صاحب الكفاية، بأن البغض الغيري لا يمنع من المحبوبية النفسية، فلنفترض ان زيادة ركعتين مبغوض غيري، إنما بغض لا لأجل ذاته بل لأجل انما بغض لأجل منعه من استيفاء الملاك التام، فهو مبغوض غيري، لا نفسي، والبغض الغيري لا يمنع من المقربية. اذ ما دامت الركعتان في نفسهما واجدة لملاك محبوب للمولى، فمع وجدانهما لملاك محبوب للمولى فليكن مبغوضا بالبغض الغيري، فالبغض الغيري لا يمنع المحبوبية النفسية او البغض الغيري لا يمنع الاشتمال على الملاك النفسي، فلأجل اشتمالهما على الملاك النفسي صارت مقربة. وهذا كافي في مقربيتها وان كانت مبغوضة بالبغض الغيري.

الجواب عن ذلك: بأن هذا الدفاع غير مقبول، والسر في ذلك: ان معنى المقربية كما التزم به جمع، ان يكون حال المولى مع الفعل احسن من حاله مع الترك. ويقال ان هذا العمل مقربا اذا كان حال المولى مع الفعل احسن من حاله مع تركه، فيقال أنت أضفت شيئاً جديدا للمولى فقربت منه، لأن حال المولى بعد عملك احسن من حاله قبله، فأنت اهديت شيئا للمولى لأجل ذلك قربت منه، وهذا هو الميزان بالمقربية.

بيان ذلك: هل أن المقربية ان يكون المولى مع الفعل أحسن من حاله مع تركه في نفسه؟ او أحسن من حاله بلحاظ تمام الملابسات؟

فإن قلنا إن المقصود بالمقربية ان يكون المولى مع الفعل أحسن من حاله مع تركه في نفسه، صح كلامكم، فهنا الإتيان بصلاة التمام يوجب ان يكون المولى معها احسن مع حاله في تركها مع نفسها، فالمقربية حصلت، أما اذا قلنا المقربية ان يكون المولى مع الفعل أحسن من حاله مع الترك بلحاظ سائر الملابسات فليس حال المولى احسن، لان المولى يقول إن الملاك المتعين في حقك وملاك التمام وان كان محبوبا عندي لكنه ليس الملاك المتعين الآن في حقه، فأنت وإن استوفيت ملاكا محبوبا عندي لكن ضيعت علي ملاكاً اهم متعيناً، فليس حالي مع فعلك احسن من حالي مع تركك، بل حالي مع تركك احسن لانه مع تركك سوف تقدر على استيفاء الملاك المتعين في حقك، فلا تتحقق المقربية بذلك.

إذن بالنتيجة يقال: بأن هذا الفصي من صاحب الكفاية «قده» بأن يقال: ان صاحب الكفاية يقصد زيادة الركعتين وإن بغضهما الغيري لا يمنع من محبوبيتهما النفسية فلا يمنع من مقربيتهما هذا ايضا محل إشكال.

وقد يجاب عن صاحب الكفاية: أن التعجيز عن استيفاء ملاك القصر ليس ناشئا عن عدم التمام بل ناشئا عن التمام، بل ناشئ عن عدم إرادة القصر، لو كان يريد القصر لأتى بالتمام، لكن هو لا يريد القصر لذلك اتى بالتمام، إذن عدم استيفاء ملاك القصر الذي هو متعين في حقه ليس ناشئا عن التمام كي يكون التمام أمراً مبغوضا، بل عدم استيفاء ملاك القصر ناشئ عن عدم إرادته، اذ لو أراد لأتى بالقصر، وليس ناشئاً عن فعل التمام كي يكون فعل التمام مبغوضاً.

الجواب عن ذلك: ان الظرف الغالب للمكلف الجاهل ان يكون مريدا لامتثال الامر، فإن هذا الجاهل المسافر عندما دخل عليه الوقت هو عازم لامتثال امر المولى، لكنه لجهله اعتقد ان المأمور هو التمام فأتى به، والا هو مريد للاتيان بما امر به المولى وهو القصر وليس التمام، لكنه لأنه اعتقد قصورا او تقصيرا ان المأمور به هو التمام اتى بالتمام وإلا فهو مريد لامتثال ما امر به المولى، ولذلك لو انكشف له ان المأمور به هو القصر اثناء الصلاة لتركها، وحيث انكشف له ان المأمور به بعد الصلاة ايضا هو الآن يريد اعادتها قصرا، لكن المولى قال فات عليك. لانه لما اتيت بالتمام فقد فوت القصر فلا يمكن استيفاء ملاكها فالأمر بها قد سقط للعجز عن استيفاء ملاكها، وإلا فالعبد بحسب الفرض المتعارض مريد للإتيان بالمأمور به الذي هو القصر.

إذن تعجيز نفسه عن استيفاء ملاك القصر ناشئ عن الإتيان بالتمام، وليس ناشئاً عن عدم ارادته. فيعود المحذور مرة أخرى، فعل التمام مبغوض والمبغوض لا يصلح للمقربية، فكيف يقال بأنه مقرب وفي طول مقربيته مانع من استيفاء القصر، قلنا بالوجوب الغير ام لم نقل، قلنا بان الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام او الخاص ام لم نقل؟. المسألة ترتبط بأن هذا مانع من استيفاء الملاك فهو مبغوض والمبغوض لا يجتمع مع المقربية. يأتي الكلام حول إشكال المحقق الاصفهاني والجواب عنه، إن شاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين.