درس الأصول | 126

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

بقيت مجموعة من الإيرادات على مطلب صاحب الكفاية:

الإيراد الاول: ما ذكره المحقق الاصفهاني «قده» من ان التمانع اذا لم يكن بين الضدين فهو بين علتي الضدين، وهذا مما ينطبق على القصر والتمام.

وبيان ذلك: ان الاعلام في مبحث هل الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، ذكروا انه لا يعقل التمانع بين نفس الضدين أي لا يعقل التمانع بين نفسي الضدين، أي لا يعقل التمانع بين القيام والقعود، والسر في ذلك إن التمانع بين الضدين يؤدي إلى الدور. بيان ذلك: اذا كان المتقضي للقيام موجودا كما لو اراد الانسان القيام ولا مانع من حدوثه الا القعود باعتبار ان التمانع بين نفسي الضدين، إذن بالنتيجة سوف يكون وجود القيام متوقفا على عدم القعود، توقف المعلول على عدم المانع، اذ المفروض أن المقتضي للقيام موجود وهو الإرادة، ومن جهة أخرى فإن إرادة القعود، أي ان المقتضي للقعود موجود فلا مانع من حصوله الا القيام، فمقتضى ذلك ان يتوقف القعود ايضا على عدم القيام، اذ ما دام التمانع بين نفس الضدين فقط معناه ان المتقضي لكل منهما وإن كان تاما لا مانع من وجود مقتضاه إلا وجود الآخر، فيتوقف وجود كل منهما على عدم الآخر، وبالتالي يقال: ان القيام الموجود مستند لمقتضيه ولا الى عدم القعود، وعدم القعود مستند لا لعدم مقتضيه، لأن مقتضيه موجود، بل لوجود القيام بمقتضى التمانع بينهما، فلازم ذلك ان يكون القيام متوقفا او مستندا لعدم العقود مضافا لمقتضيه، وعدم العقود مستند إلى وجود القيام وإلا فمقتضى القعود موجود، فهو ليس مستندا الى عدم مقتضيه، بل مستند الى وجود القيام، فصار القيام مستندا الى عدم القعود الذي هو مستند لجود القيام، فلزم الدور، لا تمانع بين الضدين هذا صحيح وإلا للزم الضدين، ولكن التمانع بين علتي الضدين، أي أن التمانع ليس بين القيام والقعود حتى لا يلزم الدور، التمانع بين علتين، بين إرادة القيام وإرادة القعود، فإرادة العقود لا تكون تامة إلا بعدم إرادة القيام، وإرادة القيام لا تكون تامة إلا بعدم إرادة القعود، فالتمانع بين علتي الضدين لا بين نفس الضدين وهذا شرحه المظفر في اصوله تبعا لأستاذه المحقق الاصفهاني «قده».

والنتيجة: إذا اردنا ان نطبق ذلك على محل كلامنا، نقول: ان صاحب الكفاية ذهب الى انه لا تضاد بين التمام والقصر، وإنما التضاد بين الملاكين، ملاك في القصر، وملاك في التمام، بما ان التضاد بين الملاكين إذن لا يعقل التمانع بين نفس الملاكين لانه لا يعقل التمانع بين الضدين فيرجع التمانع الى علتين الملاكين وهما نفس التمام والقصر فان علة ملاك التمام نفس التمام، وعلة ملاك القصر نفس القصر، فإذا لم يعقل التمانع بين نفسي الضدين، أي الملاكين انتقل التمانع إلى علتيهما، فنتيجة ما ذهب اليه صاحب الكفاية ان وجود ملاك القصر يتوقف مضافا لمقتضيه على عدم التمام، لأن نفس التمام علة لضد لملاك القصر، فإذا توقف وجود ملاك القصر على عدم التمام رجع الإشكال مرة أخرى ان مقتضى هذا التوقف ان يكون عدم التمام واجبا وجوبا غيريا، واذا وجب عدم التمام ووجوب الشيء يقتضي النهي عن ضده صار التمام مبغوضاً، وإذا صار مبغوضا امتنعت مقربيته، عدنا الى مورد الإشكال: انه سيكون التمام مبغوضا والمبغوض فاقد للمقربية.

وهنا جوابان عن إيراد المحقق الاصفهاني:

الجواب الاول: ما ذكره السيد الشهيد «قده» وقد خرج عن اصل المطلب. فقد ذكر بما يعتمد على مقدمتين:

المقدمة الأولى: ليس المدعى ان التمام مفوت لملاك القصر، وإنما المدّعى أن المكلف اذا صلى ركعتين قبل ان يأتي بالركعتين الأخريين فقد استوفى جزءا من الملاك، اذا أتى المصلي بركعتين مع سلام ولو كان السلام يأتي بعد الركعتين، إلا ان الركعتين مع السلام واف بمعظم الملاك، بقي مقدار ثلاثين بالمئة من ملاك القصر، وجود الركعتين الزائدتين منعا من استيفاء باقي الملاك من دون أن تكون الركعتان مشتملة على ملاك مضد، ليس في الركعتين الزائدتين ملاك مضاد لملاك القصر كي يقال هناك تضاد بين الملاكين إذن هناك تمانع بين علتين، الضدين، ليس الامر كذلك، الركعتان مع السلام علة لاستيفاء معظم الملاك وباقي الملاك يمنعه وجود الركعتين الزائدتين، فالركعتان مجرد مانع من استيفاء تمام الملاك لا أنهما مشتملتان على ملاك مضاد، فلا يأتي البحث الضد بالمرة في المقام.

المقدمة الثانية: ان هاتين الركعتين ليس عدمهما واجب بالوجوب الغيري، لأن الوجوب الغيري لا يتعلق بداخل المركب، ولا واجب بالوجوب الضمني، وإنما نقول بأن الركعتين زيادة والزيادة مانعة من صحة الصلاة بالعنوان الأولي لكن لأن هذه الزيادة وقعت حال الجهل، فحيث إن الزيادة وقعت حال الجهل، اذ فرضنا ان المسافر جاهل بوجوب القصر في حقه معتقد أن الواجب في حقه التمام، فزيادة الركعتين ليست مانعاً من صحة الصلاة فصلاته صحيحة، وإلا الركعتان لا مأمور بهما، ولا مشتملتان على ملاك مضاد، وإنما هما زيادة مانعة من فرض العلم غير مانعة في فرض الجهل. انتهت المسألة عند هذا. وهذا خروج عن مطلب صاحب الكفاية، وليس دفاعا عنه.

ولكن، ما أفيد في كلامه «قده» ظهر الإشكال عليه في الدرس السابق، بالنتيجة إذا سلمنا أن الركعتين مانع من استيفاء باقي الملاك صار مبغوضاً، والمبغوض ليس مقرباً، علم المكلف ام جهل، هذه أمور واقعية لا ربط لها بالعلم والجهل، إذا كانت الركعتان مانعا من استيفاء الملاك فالركعتان أمر مبغوض والمبغوض الواقعي مانع من المقربية على كل حال، سواء علم المكلف ام جهل، الا ان يجاب عن المقربية بما ذكرنا أمس: ان المقربية عبارة عن كون المولى أحسن حالاً من الترك في نفسه، لا أحسن حالا من الترك بلحاظ سائر الملابسات.

الجواب الثاني: ما ذكره بالنسبة لبحث مقدمة الواجب، أن الوجوب الغيري إنما ينبسط على المقدمات الوجودية غير الإرادة، ولا معنى لإدخال الإرادة في الوجوب الغيري، مثلا اذا وجبت الصلاة وجبت إرادتها،

كلا، وإنما الصلاة بنفسها عنوان قصدي، لا ان الإرادة واجبة بالوجوب الغيري، المقدمات الوجودية للصلاة هي التي تجب بالوجوب الغيري لو قلنا بالوجوب الغيري، وليست الإرادة، باعتبار أن مدرك الوجوب الغيري، إما المرتكز العقلائي القائم على الملازمة بين الوجوبين الوجوب النفسي لذي المقدمة والوجوب الغيري للمقدمة، او بعض الإطلاقات، وكلاهما منصرف الى المقدمات الوجودية الخارجية غير الإرادة. فبناء على ذلك، نطبقه على باب الضدين فنقول: تارة يقول المولى لعبده قم الى فلان تعظيما، تارة يقول له: قم لفلان تعظيما، في نفس المجلس، ويقول لعبده قم لفلان تعظيماً، هنا القيام وإن كان ضدا للقعود لكن لا يصح ان يقال: بما ان القيام واجب نفسي إذن عدم ضده واجب غيري وهو عدم القعود، لان المفروض ان القيام لا يتوقف على مقدمة وجودية اكثر من ارادته، فاذا قال له قم لفلان تعظيما، لا يتوقف على هنا الواجب النفسي على مقدمة وجودية، غاية ما يتوقف عليه إرادته، متى ما اراد القيام امتنع القعود تلقائيا، فلا حاجة لان يقال اذا وجب القيام وجب عدم القعود وجوبا غيرياً، بل اذا وجب القيام وهو لا يتوقف الا على إرادته، إذن بالنتيجة الإرادة مقومة للواجب النفسي، وليس هنا وجوب غيري مترشح على مقدمة أخرى، بخلاف ما اذا قال في البيت لعبده: قم لفلان تعظيما في مجلسي. هنا القيام تعظيما في المجلس يتوقف على مقدمة وجودية وهي ان يذهب العبد الى ذلك المجلس كي يقوم تعظيما لفلان، هنا نعم الوجوب النفسي للوجوب في القيام يترشح منه وجوب غيري للمقدمة الا وهي الذهاب للمجلس، فإذن في بحث مقدمة الواجب، إنما يترشح الوجوب الغيري لو قلنا به على المقدمة الوجودية الخارجية غير الارادة.

وتطبيقه على محل الكلام، في القصر والتمام، وافترضنا ان في القصر ملاكا، وفي التمام ملاكاً، وأن الملاك الموجود في التمام مضاد لملاك القصر، والمولى أوجب القصر فلم يوجب ملاك القصر، لاشتمالها على ملاك، فإن القصر التي هي واجب نفسي لا يتوقف على مقدمة خارجية ازيد من إرادة القصر، والمفروض ان الإرادة ليست مصب الوجوب الغيري، إذن لا يترشح من القصر وجوب غير على عدم التمام، كي يكون عدم التمام واجبا بالوجوب الغير فالتمام مبغوض. إنما يتصور الوجوب الغيري في المقدمات الوجودية للواجب النفسي، وإما بالنسبة الى عدم الضد، فيكفي في عدم ضده إرادة ضده، وأما عدم الضد فليس من المقدمات الوجودية كي يترشح عليه الوجوب الغيري.

فبناء على هذا الجواب فليس عدم التمام واجبا بالوجوب الغيري كي يكون التمام مبغوضاً. ولكن ذكرنا سابقاً قيل بالوجوب الغيري ام لم يقل، قيل بالوجوب الضمني ام لم يقل، المسالة لا تتوقف على ذلك، اذا اعتبرتم التمام مانع من استيفاء الملاك يكون مبغوضاً، والمبغوضية لا تصلح للمقربية، نعم، يصح هذا الجواب دفعا لكلام المحقق الاصفهاني لأنه ركز على مسألة الوجوب الغيري، لكنه لا يحل المشكلة بالنسبة للكفاية.

الإيراد الثاني: ذكرت في بعض تبديل الامتثال بالامتثال ان فعل المكلف ليس علة تامة للملاك وإنما هو معد فقط، ولذلك يصح تبديل الامتثال بفرد آخر افضل منه، مثلا: من صلى فرادى ثم أراد ان يعيدها جماعة يصح منه ذلك، باعتبار ان الفرادى ليس علة تامة للملاك، بحيث ينتفي الملاك ويسقط الامر، وإنما الفرادى معد لاستيفاء الملاك، فالملاك ما زال باقيا والأمر ما زال باقياً فيصح اعادة الامتثال بامتثال في آخر، وقد ورد في الرواية «إن الله يختار احبهما اليه» فنباءً على ما ذكرته من تبديل الامتثال بالامتثال لا يتصور لا يتصور ان يكون التمام علة تامة للملاك الذي يعدم ملاك القصر، فإن اعدم التمام لملاك القصر يتوقف على ان تكون التمام علة تامة لاستيفاء ملاكها كي يكون معدما لملاك القصر، وهذا خلاف ما ذكرته في مسألة تبديل الامتثال بالامتثال.

ولكن يمكن لصاحب الكفاية ان يجيب عن ذلك بما ذكرناه: بانه نحن نقول بأن الإتيان بالركعتين مع السلام وافٍ بجزء من الملاك، لنفترض ان الملاك تحقق منه سبعون بالمئة. وبقي ثلاثون بالمئة من الملاك، وجود الركعتين بما تشتمل عليه الركعتان من اعداد لملاك آخر منع من استيفاء الثلاثين بالمئة من ملاك القصر، فلا يتنافى كلامه هنا مع كلامه في تبديل الامتثال بالامتثال.

يأتي الكلام غدا حول تخريج كاشف الغطاء للمسألة.

والحمد لله رب العالمين.