عصمة الانبياء (عليهم السلام) بين الواقع والادلة ج1

شبكة المنير قناة الكوثر الفضائية

سالم جاري: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى صدق الله العلي العظيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الامين، محمد وآله الطيبين الطاهرين، واصحابه الغر الميامين. السلام عليكم مشاهدينا الكرام «مشاهدي قناة الكوثر الفضائية» ورحمة الله تعالى وبركاته، احييكم اطيب تحية والتقيكم في هذه الحلقة من برنامج: مرفأ الحوار، عنوان هذه الحلقة وهو استمرار لما قدمناه لكم في الحلقة السابقة: عصمة الانبياء بين الواقع والادلة. مشاهدينا الكرام، الحديث عن عصمة الانبياء والمرسلين «صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين» حديث مهم للغاية، ذلك انه يتعلق بين سفراء الله تعالى الى خلقه الوسطاء بين الله تعالى وبين خلقه لان الله تعالى لا يرضى لعباده الكفر وانما يريد لهم النجاة، يريد لهم ان يخرجوا من هذه الدنيا وهو تعالى راض عنهم، من هنا اصطفى واختار لهم رجالاً طهرهم من الادناس، اجتباهم، اصطفاهم، صفاهم من كل ما يمكن ان يشوب الانسان، وجعلهم فوق مستوى البشرية في كل سلوكهم العام والخاص في كل تصرفاتهم، وعصمهم من الخطأ، من الزلل من المعاصي، من ارتكاب المحرمات، ولكن الاسئلة التي تثار عديدة منها: انه ما ضرورة هذه العصمة وما المقصود بها اولاً، وما اهميتها، وما ضرورتها للانبياء والمرسلين «صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين»، ثم هل تكون العصمة قبل بعثة الانبياء والمرسلين، أم ابتداءً من بعثتهم واستمراراًً الى ما بعد البعثة حتى موتهم ووفاتهم وانتقالهم الى الرفيق الاعلى، ايضاً ماذا يترتب من مفاسد على الناس عموماً في فهم الناس في استقبال الناس، في اطمئنان الناس، الى ما يقوله الانبياء والمرسلون لو تصوروا انهم غير معصومين، اضافة الى هذا هناك امور مهمة تتعلق بأهم الشبهات التي طرحت حول عصمة الانبياء ابتداءً من ابيهم آدم «صلوات الله وسلامه عليه» وانتهاءً بالخاتم « الطيبين الطاهرين» هناك امور عديدة اثيرت حول آدم ، حول موسى ، حول بعض النبيين، وجملة من الشبهات طرحت حول عصمة النبي الاكرم ، اذن مشاهدينا الكرام هذه المحاور وغيرها سأبحثها مع ضيفينا الكريمين معنا من مدينة قم المقدسة عبر الاقمار الصناعية سماحة السيد منير الخباز، الباحث الاسلامي والاستاذ في الحوزة العلمية، وسينضم الينا ايضاً عبر الاقمار الصناعية من دمشق فضيلة الشيخ الدكتور علاء الدين زعتري، الامين العام للفتوى في وزارة الاوقاف في دمشق. احييكم مشاهدينا الكرام مجدداً واحيي ضيفينا الكريمين، وابدأ مع ضيفنا من دمشق فضيلة الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري، السلام عليكم فضيلة الشيخ.

فضيلة الشيخ الدكتور علاء الدين زعتري: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

سالم جاري: حياكم الله. ضيفنا الكريم الحديث الاول لكم عن معنى العصمة لغة واصطلاحاً، ما هذا المفهوم، ثم ما اهميتها وما ضرورتها لمن بعثهم الله «سبحانه وتعالى» واصطفاهم لكي يكونوا وسطاء بينه وبين خلقه تفضلوا؟

فضيلة الشيخ الدكتور علاء الدين زعتري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين، وحبيب رب العالمين، وعلى اخوانه النبيين والمرسلين، وعلى آله وصحبه اجمعين ومن سار على خطاهم الى يوم الدين، ثم اما بعد، احييكم عبر قناة الكوثر، واحيي ضيفك الكريم، واحيي الجمهور المشاهد، واقول مثل هذه الحوارات ومثل هذه الاضاءات على قضايا مهمة في حياتنا الايمانية وفي سلوكنا العملي، لان السلوك العملي نابع او مظهر من مظاهر الاعتقاد السليم الصحيح، عندما نتحدث عن عصمة الانبياء، عن عصمة المرسلين، عن عصمة من كانوا هم الذين يتلقون الوحي عن الله «تبارك وتعالى» فينقلوه للبشر جميعاً، نقول كما قال الله تعالى ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ، فرسالة الله «تبارك وتعالى» لابد ان تكون كاملة وان تكون واضحة، وبالتالي الذي سينقلها عليه ان يكون اميناً وحافظاً، ومعصوماً من الوقوع في الزلل، ومن الوقوع في الخطأ، ومن الوقوع في المعاصي، ومن الوقوع في المنكرات، حتى في الشهوات، وحتى في الغفلات، فالعصمة في اللغة عندما نقول فلان معصوم اي محفوظ وممنوع من الوقوع في الاخطاء، واما العصمة اصطلاحاً فهي ان يمتنع اعتقاداً ان هذا النبي او الرسول قد وقع في شيء من الخيانة او الخطأ او الزلل في تبليغ ما أمره الله «عز وجل» ان يبلغه للآخرين، وبالتالي فكل الانبياء «صلوات الله وسلامه عليهم» كانوا صادقين في اقوالهم امناء في افعالهم، معصومين في ذواتهم، لم يعرف لهم احد خطيئة، ولم يرتكبوا ذنباً سواء كان هذا الذنب صغيراً او كبيراً، عندما نتحدث عن قضية العصمة نتحدث عن العصمة في المنقول، عن العصمة في الوحي، عن العصمة في الاحكام الشرعية، عن العصمة في التشريع، عن العصمة في التبليغ، اما موضوع البشرية التي جبل النبي والرسول عليها من حيث كونه بشراً، من حيث كونه انساناً له اجتهاداته وله افعاله وله سلوكياته الخاصة، فاعتقد ان كلما سيدور الحديث عنه سينصب، او الشبهات التي سنتحدث عنها او نحاول ازالة البيان فيها او ازالة الخلل فيها فانما تكون في الاجتهادات، في الامور الدنيوية وليس في نقل التشريع من الله «عز وجل» لبني البشر، فالاصل ان الله يقول ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ، فالبشرية صفة موجودة في كل الانبياء، صفة موجودة في كل المرسلين، ثم فوق هذه البشرية جاءت صفة نقل الامانة وصفة التبليغ عن الله «تبارك وتعالى»، من هنا نقول العصمة عن الوقوع في الكبائر، العصمة عن الوقوع في الصغائر، العصمة عن الشهوات والاخطاء في التبليغ والاحكام، اما ما يجري وما يعتري الانسان في قضاياه البشرية من طعام ونوم وغفلة بمعنى السهو، والنسيان في جبلته البشرية فهذا يمكن ان يكون مثار الخلاف والجدل والنقاش في هذه المسألة، وبالجملة نحن نعتقد بان الانبياء والمرسلين هم بشر ليسوا كالبشر وايضاً ليسوا ملائكة بمعنى انهم لا يخطؤون، وبمعنى انهم لا يأكلون ولا يشربون، لا المسألة انهم في حالة ما بين الملائكية الصرفة وما بين البشرية المطلقة، الانبياء مثلنا بشر، اوحى الله اليهم، فعصمتهم في هذا الذي يحملونه من افكار، من وحي، ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، هذه الآيات الكريمة التي نقرأها في القرآن الكريم، تؤكد على عصمة الانبياء والمرسلين فيما ينقلون الينا من بيان ومن وحي ومن رسالة ارادها الله عز وجل ان تصل الى الناس جميعاً سليمة واضحة المعالم.

سالم جاري: احسنتم كثيراً، شكراً لكم، ايضاً تعقيباً على ما تفضل به الدكتور فضيلة الشيخ علاء الدين زعتري نلاحظ ان الله «سبحانه وتعالى» قد أمرنا بالتأسي والاقتداء بالنبي الاكرم ، وأمر الاقوام السابقة بان يقتدوا بالانبياء في كل تصرفاتهم، فقال ﴿مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا، وقال ايضاً المسلمون اجمعوا على ان السنّة التي يجب اتباعها هي قول رسول الله وفعله وتقريره، اذن كل حركات النبي وكل سكناته وكل سلوكه لانه قال: ”ادبني ربي فاحسن تأديبي“، انما هو اسوة وقدوة لاتباعه لامته لانه معصوم في جميع تلك الاحوال من الزلل والخطأ والغفلة والنسيان كما تفضل فضيلة الشيخ الدكتور الزعتري. مشاهدينا الكرام انتقل الآن الى مدينة قم المقدسة حيث ضيفنا الكريم سماحة السيد منير الخباز، سماحة السيد السلام عليكم.

سماحة السيد منير الخباز: عليكم السلام ورحمة الله.

سالم جاري: حياكم الله. سماحة السيد اذا كان لديكم تعليق على ما تفضل به سماحة الشيخ الدكتور علاء الدين ثم السؤال الموجه اليكم بعد ذلك: هل العصمة تكون للانبياء والمرسلين قبل البعثة، ابتداءً منذ ولادتهم أم لا حين نزول الوحي واستمرار ذلك حتى وفاتهم «صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين» وانتم تعلمون ان منهم من آتاه الله تعالى الحكم صبيا، ومنهم من كان نبياً وهو في المهد كعيسى قال﴿وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، اذن كيف تفصلون هذا للسادة المشاهدين الكرام.

سماحة السيد منير الخباز: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين. العصمة اصطلاحاً هي نوع من العلم، فقد ذكر العلماء ان العلم له درجات، علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين، الانسان اذا رأى الدخان علم بوجود النار وهذه درجة من درجات العلم، اسمها: علم اليقين، واذا رأى النار بعينيه ارتقى بدرجة اخرى تسمى: عين اليقين، واذا وضع في النار وانصهر بها حصل على درجة ارقى من درجات العلم تسمى: حق اليقين، العصمة درجة من درجات العلم تعطى للانبياء وتعطى للرسل وتعطى للاوصياء، وهذه الدرجة من العلم هي درجة حق اليقين، يعني ان يصل هذا الانسان الى درجة من العلم بحقائق الاعمال، وبحقائق الافعال بحيث يرى آثارها كما يرى اصابعه الخمسة، نحن الآن جميعاً نعلم مثلاً بخطورة الفواحش، نعلم بخطورة الزنا والكذب والغيبة واشباه ذلك من الكبائر والفواحش، لكننا لم نصل بالعلم بهذه الخطورة الى درجة حق اليقين، لذلك يمكن ان يتغلب الشيطان علينا احياناً او تغلب علينا النفس الامارة بالسوء احياناً، فننزلق الى فعل كبيرة او ارتكاب صغيرة لاننا لم نصل الى درجة من العلم، وهي درجة حق اليقين بحيث نرى هذه الافعال نراها رؤية محسوسة وملموسة كما نرى اصابعنا الخمسة، المعصوم هو الذي يرى خطورة المعاصي كما يرى اصابعه الخمسة، يعني وصل الى درجة من اليقين وهي درجة حق اليقين بحيث يرى الآثار الوخيمة المترتبة على المعاصي والآثار الايجابية المترتبة على الطاعات، يراها كما يرى اصابعه الخمسة، لذلك هو يمتنع عن المعاصي باختياره من دون ان يجبره احد، لانه رأى خطرها. الانسان العادي معصوم، انا معصوم مثلاً عن شرب القذارات، الانسان بطبعه معصوم عن شرب البول، عن شرب الدم، عن اكل الجيفة، حتى الانسان العادي، معصوم عن اكل القذارات، معصوم عن اكل الجيف لماذا، لانه وصل الى درجة من العلم بخطورة هذه القذارات، وبخطورة هذه الجيف الى حد انصرفت نفسه عنها، الى حد ابتعدت نفسه عنها، الى حد انزجر عنها باختياره وبارادته، ما ندعيه من العصمة للانبياء والرسل هي هذه الدرجة، انه وصل الى درجة من العلم بخطورة المعاصي كما وصل الانسان العادي الى درجة من العلم بخطورة القذارات والجيف بحيث ينصرف عنها، بحيث يمتنع عنها باختياره، وبارادته، اذن العصمة هي نوع من العلم، وبالتالي نحن نقول بان هذه الدرجة من العصمة لا تتنافى من كون النبي بشراً، البشر ممكن ان يصل الى درجات الكمال، البشر فيه الطاقة وفيه القدرة والقابلية لان يصبح افضل من الملائكة، لماذا خلق الله الدين، لماذا شرّع الله الدين، الحكمة والهدف من تشريع الدين ان يصل الانسان الى اعلى درجات الكمال الروحي، ومن هو اولى بان يصل الى اعلى درجات الكمال الروحي من الانبياء، الانبياء والرسل هم قادة الدين، فهم اولى بتحقيق هذا الهدف الالهي، وهو الوصول الى اعلى درجات الكمال الروحي، والوصول الى اعلى درجات الكمال الروحي هو عبارة عن الوصول الى العصمة، يعني الوصول الى درجة حق اليقين في العلم باخطار المعاصي، فلا تنافي بين بشرية النبي وبين وصوله الى هذه الدرجة العليا من الكمال، الى هذه الدرجة الاسمى من الكمال، فاذا كان النبي محمد ممكن ان يخطئ ممكن ان تغلب عليه الطبيعة البشرية فيخطئ او ينزلق في قضاياه الشخصية، في علاقته مع زوجته، في علاقته مع اولاده، في علاقته مع جيرانه يمكن ان يخطأ، اذن من هو الانسان الكامل؟!!!... اذا كان محمد اشرف بشر لم يصل الى حد الكمال، اذن من هو الكامل، اذا كان محمد لم يحقق الهدف الالهي، الهدف الالهي من تشريع الدين وانزال الكتب والرسالات ان يصل الانسان الى اعلى درجات الكمال، اذا كان حتى محمد وهو اشرف بشر لم يصل الى هذا بمعنى انه معرض للتأثيرات النفسية، معرض للضعف البشري، معرض لان يخطأ احياناً، لان مثلاً يزل احياناً في علاقته مع زوجته، او عائلته، اذن الهدف من انزال الكتب والنبوات والهدف من تشريع الدين لم يتحقق، فاذا لم يتحقق في محمد فلم يتحقق في غيره من باب اولى، لذلك لا تنافي بين بشرية النبي وبين العصمة المطلقة، بمعنى وصوله الى درجة الكمال، وصوله الى درجة حق اليقين في العلم باخطار المعاصي والذنوب، لا تنافي بينهما اطلاقاً، ونحن نعتقد ان العصمة لا تتبعض ولا تتجزأ، العصمة عصمة علمية وعصمة عملية، بمعنى ان النبي محمد كان معصوماً في استقباله للمعلومات فلا يخطأ ولا ينسى باستقباله للمعلومات﴿سَنُقْرِؤُكَ فَلا تَنسَى، ومعصوم في استنتاجاته، وفي افكاره فلا يخطأ في الاستنتاج ولا الاستنباط، ومعصوم في تبليغه لرسالة الله «تبارك وتعالى» ولو تقوّل علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمن ثم لقطعنا منه الوتين، ومعصوم في تطبيق تلك المعلومات، كما هو معصوم في تبليغها، هو معصوم في تطبيقها على نفسه وعلى اهله وعلى مجتمعه، فهو معصوم عصمة في علمه، في استنتاجاته، في تبليغه، في تطبيقه، هو معصوم عصمة مطلقة، لان العصمة درجة من العلم، فاذا وصل الى هذه الدرجة فلا يعقل التجزئة والتبعيض بان يكون على علم بجهة وليس على علم بجهة اخرى، معصوم في جهة دون جهة، هو معصوم عصمة مطلقة ونحن اذا اردتم، نطرح الادلة العقلية والنقلية على ضرورة عصمة النبي عصمة مطلقة.

سالم جاري: شكراً لكم سماحة السيد سأعود اليكم لطرح هذه الادلة بنوعيها. مشاهدينا الكرام نأخذ هذا الاتصال من الاخ عبادي من السعودية تفضلوا.

المتصل الاخ عبادي من السعودية: السلام عليكم.

سالم جاري: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المتصل الاخ عبادي من السعودية: احييكم واحيي الضيفين الكريمين، الكلام الاخير بالنسبة لسماحة السيد فيه كثير من الوجاهة والمنطقية، فقد دخل عقلي وان كانت هنالك بعض الملاحظات، لكن سؤالي لضيفيك الكريمين واتمنى اجابات منفصلة لان احدهما يمثل مدرسة اهل البيت، والآخر يمثل المدرسة السنية، العصمة بمفهومها هل هي كما لدى المسيحيين اللاهوت والناسوت بالنسبة لنبي الاسلام محمد، انت تعرف اننا نحن نؤمن كمسيحيين ان هناك لاهوت وناسوت، اللاهوت يعني الصفة الى آخره، والناسوت من قرأ او علم بالنسبة للديانة المسيحية، فهل هذه العصمة من وجهة نظر الاسلام الخاصة باسلام محمد تتفق مع ما لدينا نحن المسيحيين، هذه نقطة. الثانية قد يظن البعض اذا كانت هنالك عصمة لنبي الاسلام محمد او لاهل البيت، فلماذا المصائب نزلت عليهم كالامراض والقتل والاضطهاد والى آخره، فما الحكمة، او هل هذا يعتبر لا يتفق والعصمة، هذه المهالك والتي حدثت من مجازر، حتى الائمة الذين نحن نجلهم ونقدرهم وقد قرأنا عنهم كثيراً، شكراً جزيلاً.

سالم جاري: شكراً لكم، احسنتم، نأخذ الاجابة اولاً من فضيلة الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري، سماحة الشيخ علاء الدين، اذا وصلت اليكم فكرة الاخ عبادي من معنى العصمة هل تتفق مع ما عند النصارى أم ان لها تفسيراً آخر عند المسلمين، واذا كانت هذه العصمة متحققة فلماذا هذا القتل ولماذا هذه الامراض، واذن هل يوجد تناقض؟ تفضلوا.

فضيلة الشيخ الدكتور علاء الدين زعتري: بداية اريد ان اقول في مفهوم العصمة بانها علم كما تفضل سماحة السيد نقول لو كانت النبوة علماً لادعاها كثير من الناس، ولو كانت العصمة ترقية روحية يتدرج فيها المدعي النبوة بين قوسين فان كثيراً من الناس سيدّعونها، بدأت في حديثي الاول قول الله تعالى ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ، فالانبياء مختارون ومصطفون ولم تكن نبوتهم مكتسبة، ولو رقى في العلم اعلى عقبة، يعني لا نستطيع ان نقارن مسألة النبوة بمسألة التدرج في المعارف والعلوم، ومعارج الكمالات التي يبحث عنها الانسان متطلعاً الى رقي روحي، وانما نتحدث عن النبوة والرسالة على انها اختيار من الله «عز وجل» لشخص اراده الله «تبارك وتعالى» ان يكون قدوة حسنة، كما قال «عليه الصلاة والسلام»: ”فانا خيار من خيار، انتقل من اصلاب رجال الى ارحام نساء بنكاح صحيح غير سفاح لا فجور فيه ولا فسق“، حتى كان مختاراً في كل صفاته الجسدية والروحية، وهنا اؤكد على ان العصمة التي نتحدث عنها هي هبة من الله «تبارك وتعالى» وليست مجرد المعلومات، عندما اتحدث عن البشر الذين هم اتباع الانبياء كما علمنا المصطفى «عليه الصلاة والسلام وعلى آله الطيبين الطاهرين»، علمنا في الحديث الذي ذكر فيه اركان الدين ان الاسلام: ان تشهد ان لا إله إلا الله وان محمد رسول الله، وان تقيم الصلاة وان تؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وان تحج البيت ان استطعت اليه سبيلا، علمنا ان الايمان ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وان تؤمن بالقدر، ثم عندما اراد ان يعلمنا درجة الاحسان التي هي مطلب الاتباع وليست مطلب الانبياء، اتباع الانبياء ان تعبد الله كأنك تراه، هنا بالكسب، بالجهد، بالمتابعة، بالخلوة، بالذكر، بالتواصل، بالعبادة، بالطاعة، تصل الى عين اليقين، وعلم اليقين وحق اليقين كما هي هذه الدرجات المذكورة في قول الله تعالى في سورة التكاثر﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ، هذه المراتب، هذه الدرجات، هي لاتباع الانبياء وليست هذه المراتب لائقة بالانبياء، فعندما اتحدث عن رسولنا محمد هل اقول كان في علم اليقين قبل النبوة، كان في حق اليقين بعد النبوة، هذا التفاوت لا يمكنني ان اتحدث عنه لان الانبياء والمرسلين معصومون منذ ولادتهم، وقبل النبوة وبعد النبوة والرسالة، حتى لقد سموا في حياتهم وفي سيرتهم وبين اقوامهم هذا رسولنا محمد « وصحبه» يقال له: ”الصادق الامين“، لنحتكم الى الصادق الامين، قبل البعثة والرسالة قبل وصوله الى مرتبة الصادق الامين، هل دخل في مدرسة، هل تعلم في مكان، نعم الاستاذ الدكتور المقدم عندما ذكرت لنا حديثاً: ”أدبني ربي فاحسن تأديبي“، هذه التربية وهذا التأديب وهذا التعليم لم يكن بمراحل انك الصف الاول كنت في كذا، وفي الصف الثاني وصلت الى كذا، والآن وصلت الى المرتبة الثالثة، الكلام جميل من سماحة السيد لما شبه موضوع العصمة علماً، شبهه بان الانبياء عرفوا حقائق الطاعات ففعلوها دون تكلف اي دون مشقة او جهد، وعرفوا خطورة المعاصي فاجتنبوها وابتعدوا عنها دون مجاهدة او تعب، نعم هذا الكلام في الاطار العام صحيح، لكن عندما نؤصل لفكرة العصمة لا ينبغي ان نجعلها مراتب كمراتب العلم الابتدائية والمتوسطة والثانوية والماجستير ثم الدكتوراه، العصمة هبة من الله «تبارك وتعالى» جعلها فطرية عند الانبياء والمرسلين، لماذا نقول هي هبة من الله؟ كي لا نقع في الاشكال الذي طرحه الاخ عبادي من السعودية، ان قد نصل في تحليلنا في مسألة العصمة الى اللاهوت والناسوت، بان جزءاً من روح الله «تبارك وتعالى» حلّت ببشر فاكتسب صفة، هذا الحلول من روح الله لما ذكر في النصرانية﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي، لا علاقة له بموضوع العصمة في التبليغ، والعصمة في التطبيق، والعصمة في الاحكام، والعصمة في التحليلات الشرعية، اعود لاؤكد باننا عندما نتحدث عن العصمة نتحدث عن حفظ من النبي والرسول في ان يقع في كبيرة من الكبائر، في معصية من الصغائر، في خطأ في التشريع، في خطأ في التبليغ، اما القضايا الشخصية والمسائل العامة فلما يأتي الى بدر يختار اجتهاداً ان ينزل في موضع، فيأتي احد اصحابه وقد علموا المشورة أهذا منزل انزلك الله اياه، أم هو الرأي والحرب والمشورة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمشورة، فقال: ارى ان ننزل في موضع كذا يكون بئر بدر خلفنا فنحافظ على الماء ويكون العدو أمامنا لا يصل الى الماء، فاذن هي خطة عسكرية لا علاقة لها بالتشريع ولا علاقة لها بالعصمة في التبليغ بل هو الاجتهاد فغيره لما هو افضل، فلو قلنا بان هذه العصمة تشمل ايضاً الافعال الجبلية، والافعال البشرية الذاتية، والافعال الفطرية، فاننا اعطينا روحاً للنبي وكأنه صار ملكاً، هذه الملائكية كما قال سماحة السيد النبي افضل من الملك، والرسول افضل من الملك، لانه تعتريه كل هذه القضايا فيختار ما هو الافضل، اما الملك في اصل تكوينه لا يأكل ولا يشرب ولا يعصي، بل كل حياته طاعة للمولى «تبارك وتعالى». مثال آخر لما سلمان الفارسي اراد ان يعتق نفسه من سيده، طلب سيده اشجاراً كثيرة من النخل، فجاء رسول الله « وصحبه» ليعينه واصحابه يعينوه على ان يعتق نفسه، فراحوا يغرسون الشجر دون تأبير في مسألة تأبير النخل فمسألة التأبير مسألة فنية، مسألة زراعية، مسألة لا علاقة لها بالنبوة والرسالة في التبليغ، واذا ببعض الشجر لم ينتج فقال هذا شأنكم انتم اعلم بامور دنياكم، فالعصمة لا تصل الى مرتبة ان يكون النبي والرسول لا يخطئ في امور من امور البشر، لا علاقة لها بالرسالة ولا علاقة لها بالنبوة، ولا علاقة لها بالتشريع ولا بالوحي الموحى اليه بتبليغه للناس، فلنميز بين عصمة هي هبة من الله، وبين لاهوت يحل جزءاً في جسد بشر كما يقول النصارى. ولنميز بين العلم الذي يكتسبه اتباع الانبياء على مر العصور والازمان.

سالم جاري: احسنتم دكتور، شكراً لكم، ولكن قد نختلف مع جنابكم الكريم فيما يخص التأبير لان الرواية تقول انه نهاهم ، يعني قال لهم لا تؤبروا، ثم بعد ذلك لما علم ما كانت النتيجة قال: ”انتم اعرف بشؤون دنياكم“، وفي الحلقة السابقة ذكرت لضيفنا الكريم من دمشق فضيلة الدكتور عبد الرزاق المؤنس ان هذا يتعارض مع قوله : ”من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً او ليصمت“، وطبعاً كما تعلمون فضيلة الدكتور علاء الدين انه كما قال الشاعر:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك اذا فعلت عظيم

والرسول على هذا يكون ينهاهم ان يقولوا غير الحق، عليهم ان يصمتوا اذا لم يقولوا خيراً، ثم اذا به يقول كلام ليس فيه خير، ينهاهم عن التأبير ويصل الى نتيجة سيئة في ثمر النخيل ثم يقول لماذا صدقتموني، يعني اذا كان بهذه الصورة قد نختلف معكم، اذن اشكركم فضيلة الدكتور وسأعود اليكم بعد ان انتقل الى فضيلة وسماحة السيد منير الخباز. سماحة السيد ايضاً واصلوا حديثكم في الادلة العقلية والنقلية عن عصمة الانبياء، واذا كان لديكم تعليق على ما تفضل به سماحة الدكتور الشيخ علاء الدين، من انه العلم لا يكون والعصمة، لان العلم باب مفتوح للانبياء وغير الانبياء، أم انكم قصدتم ان عصمتهم اوصلتهم الى هذا العلم بهذه الدرجة، انهم كما قال امير المؤمنين : ”اللهم أرنا الحق حقاً فنتبعه، وأرنا الباطل باطلاً فنجتنبه“ وأراهم بهذه العصمة عاقبة السيئة وعاقبة الحسنة، تفضلوا سماحة السيد.

سماحة السيد منير الخباز: بسم الله الرحمن الرحيم، اولاً الآية المباركة التي تحدثت عن النبي يوسف «عليه وعلى نبينا وآله افضل الصلاة والسلام» قال﴿وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ، يعني اذا لم تتدخل القدرة الالهية وتعطيني درجة من الامتناع عن هذه المعصية اكن من الجاهلين، هذه المقابلة بين الجهل وبين الامتناع عن المعصية هي التي جعلتنا نفسر العصمة بنوع من العلم، بلحاظ المقابلة في الآية، يوسف اعتبر من ينزلق وراء المعصية جاهلاً، ومن يمتنع عنها عالماً، فمقتضى المقابلة بين الجهل والعصمة من المعصية، ان تكون العصمة من المعصية علماً، ثانياً نحن عندما نقول ان العصمة نوع من العلم، لا نقصد مجرد معلومات حتى يقال، اذن كل بشر يستطيع ان يدّعي المعلومات، انا ذكرت في شرح كلامي، درجة من العلم تمنعه عن المعصية باختياره، ما قلت درجة من العلم وسكتت، بلغ درجة من العلم تمنعه عن المعصية بارادته واختياره ومثلت بذلك، الانسان عندما يعلم بقذارة البول او بقذارة الدم، فهذا علم، هذا العلم يسمى عصمة لماذا؟ لان علمه بقذارة البول وقذارة الدم صرف نفسه عنها، هذا العلم صرف النفس عن شرب البول وتناول الدم، اذن العصمة درجة من العلم تقتضي، وليس درجة من العلم وسكتنا، درجة من العلم تقتضي الانصراف عن المعصية، تقتضي الانزجار عن المعصية بالارادة والاختيار، فلم نفسر العصمة بدرجة من العلم حتى يقال كل يدعيها، درجة من العلم تقضي هذه الدرجة انزجاراً وانصرافاً عن المعصية، وانبعاثاً نحو الطاعة بالارادة والاختيار، ثالثاً نحن عندما نقول ان العصمة درجة من العلم، هل هذا يعني ان المعصوم يتدرج من علم الى علم، العلم لا يتنافى مع كونه هبة من الله، هناك من يقول ان العصمة هبة من الله، وهناك من يقول بان العصمة نوع من العلم، هل هناك تنافي؟ العلم أليس هبة من الله، القرآن الكريم يقول ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا، العلم على قسمين: اكتسابي ولدني، قد يكون العلم اكتسابياً وقد يكون لدنيا، نحن نقول العصمة درجة من العلم لكنها ليست اكتسابية، بل درجة لدنية، بمعنى ان هذا المعصوم منذ ولادته اعطي هذه الدرجة من العلم، ولم نقل بانه تكامل، كان كلامنا في التقريب، نحن عندما ذكرنا درجة علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، ذكرنا هذه الدرجات لتقريب الفكرة ولتوضيح الفكرة، ولم نقل ان المعصوم يخضع لهذه الدرجات، نحن نقول بان المعصوم اعطي درجة من العلم وهي الدرجة المسماة بحق اليقين، اعطي اياها منذ ولادته علماً لدنياً وليس علماً اكتسابياً، فالعصمة نوع من العلم لكنه علم لدني، وليس علماً اكتسابياً، وهذا لا يتنافى مع كون العصمة هبة من الله «تبارك وتعالى»، مسألة الكمال الروحي انا اتيت بها شاهداً للتفريق بين البشر العادي وبين النبي محمد اقول، النبي بعد ان اعطي العصمة وبعد ان اعطي النبوة، وبعد ان اعطي الوحي، بعد ان اعطي هذه الكمالات كلها، هل نتصور انه النبي بعد اعطائه هذه الكمالات كلها يخضع للضعف البشري كما يخضع غيره؟ يقول: لا تؤبروا النخل، ثم يؤبرون، ثم يتبين ان التمر اصبح شيصاً، فيقول انتم اعرف بامور دنياكم، اذن لماذا تدخلت، لماذا تتدخل في ما ليس من شأنك، لماذا تنهى الناس وتتدخل في ما ليس من شأنك، هذا يتنافى مع الكمال، هل يتصور في بشر اعطي العصمة، اعطي النبوة، اعطي الحكمة، كما ذكر القرآن الكريم ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ، انسان يعلم الناس الحكمة لا يعرف أين يضع الحكمة! ينهى عن تأبير النخل وهو ليس من شؤونه، ثم ينكشف انه أخطأ ثم يتراجع ويقول انتم اعرف بامور دنياكم، اذن كيف يتناسب هذا مع انسان هو مصدر الحكمة، نحن نقول بعد ان اعطي العصمة علماً لدنياً منذ ولادته، واعطي النبوة، واعطي الكمالات، فالمناسب لهذا الشخص الذي حمل الكمالات كلها ان يكون في اعلى درجات الكمال الروحي، ومن كان في اعلى درجات الكمال الروحي لا ينسجم معه ان يكون في معرض الضعف البشري وفي معرض التأثيرات الشهوية البشرية، نعم، هو يعيش صراعاً بين النفس والعقل، هو يعيش بين الشهوة والعقل، ولكن ارادته مسيطرة، ارادته لا تتخلف، وهذا لا يعني انه ملك ولا يعني بحسب ما ذكر الاخ من السعودية انه اعطي جزءاً من اللاهوت، نحن لا نؤمن بذلك، النبي لم يعط درجة لاهوتية، النبي انسان، بشر، يمرض، يتعب، ينام، ينكح، يأكل، يشرب، النبي جسم بشري تعرض عليه كل العوارض البشرية، هذا لا نتناقش فيه ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ، هذا لا ننازع فيه ولكن نقول، هذا البشر الذي لم يعط جزءاً من اللاهوت، هذا البشر لانه اعطي نبوة، لانه اعطي وحياً، لانه اعطي كمالاً، هذا البشر بلغ درجة الكمال الروحي، منذ ولادته فكان مظهراً للصدق والامانة والعفاف والنبل، والمناسب لهذا ان تكون ارادته دائماً حاضرة، ان تكون ارادته دائماً مسيطرة، ان تكون ارادته دائماً قاهرة، وليس في معرض الانسياق وراء مجريات الضعف البشري، هذا الذي نحن نقول، أما اذا اردنا ان نتحدث لماذا اصابتهم الامراض، الله «تبارك وتعالى» كما اعطاهم العصمة، وكما اعطاهم العلم، ايضاً هو الذي ابتلاهم بالامراض والمصائب والفجائع، وهذا لا يتنافى مع عصمتهم، الامر كله يرجع الى الله، القرآن الكريم يقول﴿سَنُقْرِؤُكَ فَلا تَنسَى * إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ، يعني لو شاء الله «تبارك وتعالى» ان ينسيك او يحجب عنك معلومة، او شاء الله ان يجعلك معرضاً لمرض او آفة او ابتلاء فان امرك بيد الله «تبارك وتعالى»، كونهم معصومين شيء، وكونهم تحت الارادة الالهية، وجعلهم من قبله «تبارك وتعالى» في معرض ان يصيبهم بلاء او مرض من قبله «تبارك وتعالى» هذا شيء آخر. نحن عندما نأتي للادلة، الادلة العقلية والنقلية على العصمة، مثلاً نحن عندما نقرأ قوله تعالى﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، ظاهر الآية ان الهدف من الرسالات اقامة العدالة على الارض، العدالة الفردية لكل انسان، والعدالة الاجتماعية، ونحن نعرف ان العدالة الفردية والاجتماعية لا تتحقق إلا بشرطين، الشرط الاول ان تصل القوانين الى الامة، لو لم تصل قوانين السماء، القوانين العادلة الى الامة البشرية فلا يمكنها تطبيق العدالة على الارض، اذن ايصال القوانين عنصر ضروري لتطبيق العدالة على الارض، فتحتاج ذلك الى عصمة من الانبياء حتى يكونوا امينين وموثوقين في ايصال قوانين السماء الى الارض، والعنصر الثاني: عنصر القدوة، لا يمكن للنبي ان يقيم العدالة على الارض وهو ليس عادلاً مع زوجته، لا يمكن للنبي ان يقيم العدالة على الارض وهو ليس عادلاً مع جيرانه، اذا تصورنا فيه ان ينحرف عن العدالة ولو في علاقاته الشخصية، ولو في علاقته مع زوجته او جيرانه او اصحابه، اذا تصورنا فيه ان ينحرف او يزل عن العدالة فليس مؤهلاً لتطبيق العدالة على الارض، تطبيق العدالة على الارض تحتاج الى ركنين اساسيين، وصول القوانين الى الارض وهذا يحتاج الى عصمة التبليغ، ووجود شخصية قيادية عادلة تعيش العدل المحظ ولا يتصور فيها الانحراف عن العدالة، حتى تقود مسيرة العدالة، لذلك نحن نقول لابد من كونهم معصومين في مجال التبليغ وفي مجال التطبيق حتى تتطبق العدالة على الارض، وهذا ما نستفيده من الآيات القرآنية.

سالم جاري: لنقف عند هذه النقطة سماحة السيد، واعود اليكم بعد ذلك، معنا الاخ محمد الشمري من السعودية تفضلوا.

المتصل الاخ محمد الشمري من السعودية: السلام عليكم.

سالم جاري: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المتصل الاخ محمد الشمري من السعودية: بالنسبة لتأبير النخل، الرسول «عليه الصلاة والسلام» أحب أن يعطيهم درسا، لو افتاهم كل شيء يتعلق بالدنيا وبشؤونهم الدنيوية، كل واحد يود ان يسأل الرسول عن هذا السؤال، انا أأبر نخل، انا اذهب الى أين، انا اسافر او لا، فأحب أن يعطيهم الرسول «عليه الصلاة والسلام» درساً، على اساس ان هذه شؤون هم اعرف بها، قبل ان يسألوه كانوا يأبرون النخل ويعملون، ولكنهم يستفسرون، طيب الرسول «عليه الصلاة والسلام» ذهب لغزوة بدر ما كان يقصد حرباً، فلو كان يعلم انه تحدث حرباً وتنتصر فيها قريش لم يذهب لغزوة اُحد، فلو كان الرسول يعلم ان اصحابه يخالفوه كان من البداية لا يحرضهم، وقال للصحابة كل واحد لا يترك مكانه والعدو يأتي. غزوة حنين: اعجبتكم كثرتكم فلن تغني عنكم من الله شيئاً، فالرسول «عليه الصلاة والسلام» في الامور التي تخص الدين والتي تخص امور الدنيا والآخرة، والثواب والعقاب، يحاول انهم يجنبهم العقاب بالآخرة، اما الشؤون الدنيوية الرسول «عليه الصلاة والسلام» أحب يعطيهم درساً، لان كل واحد يريد ان يسأله حاجة في الدنيا، صارت الرسالة كلها في الدنيا، لان الناس مفتونة بالدنيا اكثر، فالرسول «عليه الصلاة والسلام» لما جاء واحد وقال انا ابن من، قال: انت ابن فلان، على انه اسمر شكله، الحاجات هذه الرسول «عليه الصلاة والسلام» يريد ان يكونوا علي علم بها.

سالم جاري: شكراً لكم وصلت فكرتكم، وقبل ان اعرضها على الضيفين الكريمين اقول لكم ان الانبياء والمرسلين «صلوات الله عليهم» يسيرون في حروبهم وفي سلمهم وفي كل شؤونهم مسددين من الله وهم عالمون بذلك كما قال تعالى لموسى ﴿قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى، وقال لنبيه ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى، وهم اعلم بهذه العناية وهذه الرعاية الالهية. قبل ان اعرض سؤالك على الضيفين الكريمين نأخذ هذا الاتصال من الاخ حامل اللواء الشريف من تونس، تفضلوا.

المتصل الاخ حامل اللواء من تونس: السلام عليكم وعلى ضيوفكم الكرام وكل باسمه، بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين. بالنسبة للعصمة هناك خلاف في هذا الموضوع، في الايام مثلاً تقصر يوجد كثير من الخلافات، وحتى ان ما يسميهم الحشوية معناها عندهم قول يجوز فيه على الانبياء فعل الكبائر، والقول الفصل في هذا الموضوع هو قول اهل البيت الذين ينزهون الانبياء عن الوقوع في هذه المعاصي، لا كبيرة ولا صغيرة، بينما نجد ان هناك كثيراً من المذاهب مثل الحشوية وغير ذلك ممن يعتمدون روايات ضعيفة وغير ذلك يجوزون في حق الانبياء هذا الفعل، وشكراً لكم.

سالم جاري: شكراً لكم الاخ حامل اللواء الشريف من تونس، بقي لنا دقيقتان نقسمهما بين ضيفينا الكريمين، نبدأ مع فضيلة الشيخ الدكتور علاء الدين زعتري، في اجابة الاخ محمد الشمري، تفضلوا.

فضيلة الشيخ الدكتور علاء الدين زعتري: شكراً لكم، هذه الحلقة تتحدث عن عصمة الانبياء وبالتالي يمكن انها تحتاج الى اكثر من لقاء لنتابع بيان الشبهات التي اثيرت حول مسألة عصمة الانبياء، دكتور عندما قدمت لهذه الحلقة قلت ما بين حديثي وحديث السيد قلت العصمة تؤدي الى العلم حق اليقين، وليس العكس، فانا اؤكد على هذا الذي ذكرته دكتور، هو عندما اقول في مسألة العصمة مرة اخرى نؤكد على قول الله تعالى ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ، فالامور البشرية هي موضع الاجتهاد الذي يمكن ان يعتري النبي ويعتري الرسول، وكما ذكر سماحة السيد في موضوع الامراض والعلل والمصائب التي تقع على الانسان الطبيعي، كذلك تقع على النبي والرسول، في مسألة انني معكما اسمع وارى وما رميت اذ رميت، هذه مسائل تتعلق بالامور التشريعية وبالامور التبليغية وبالامور التطبيقية على شخص النبي والرسول.

سالم جاري: فضيلة الدكتور شكراً لكم، ان شاء الله في الحلقة القادمة ستواصلون الحديث في هذه المسألة، في الحلقة القادمة ستكونون معنا فضيلة الشيخ الدكتور علاء الدين زعتري. سماحة السيد منير الخباز في دقيقة واحدة ايضاً اذا كان لديكم تعليق على ما تفضل به الاخ محمد الشمري، تفضلوا.

سماحة السيد منير الخباز: انا اقول انه ادارة الحروب والتخطيط لها أليس جزءاً من اقامة الدولة الاسلامية، أليست اقامة الدولة الاسلامية اكبر هدف للسماء وللنبي ، هل يعقل ان تكون ادارة النبي للحروب وتخطيطه لها، وادارته لشؤونها ادارة بشرية تتعرض للخطأ، وتتعرض للنكبات، وتتعرض للعثرات، اذا كان اقامة الدولة الاسلامية التي تعتمد على هذه الغزوات والتخطيط اليها مع ذلك كانت قيادة بشرية معرضة للخطأ فكيف يحصل الوثوق بقيادة النبي وقيادته تقع في هذه الاخطاء الفاحشة في ادارتها للحروب التي تعتمد عليها اقامة الدولة الاسلامية.

سالم جاري: شكراً لكم، في الحلقة القادمة ستكون معنا وسيكون ايضاً سماحة الشيخ الدكتور علاء الدين زعتري، لمواصلة الحديث حول عصمة الانبياء. مشاهدينا الكرام اشكركم في ختام هذه الحلقة واشكر باسمكم ضيفينا الكريمين كان معنا من دمشق، سماحة الشيخ الدكتور علاء الدين زعتري، امين عام الافتاء في وزارة الاوقاف في الجمهورية العربية السورية، شكراً له مرة اخرى، وكان معنا من مدينة قم المقدسة عبر الاقمار الصناعية سماحة السيد منير الخباز، الباحث الاسلامي والاستاذ في الحوزة العلمية، شكراً لكم، وشكراً للاخوة الذين اتصلوا والذين لم يتمكنوا من الاتصال، الى اللقاء في الحلقة القادمة، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته...