1441-01-08 | مساحة العنصر البشري في الشخصية المحمدية

شبكة المنير

افتتح سماحة السيد الخطاب بالآيات المباركة: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا «110» - الكهف.

ذكر سماحة السيد أن للإنسان عنصرين: ثابت، ومتغير. الثابت ملكوتي وهو ما يتعلق بالقيم الفطرية؛ ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا «7» فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا «8» - الشمس. المتغير يتعلق بفسيولوجية الإنسان وذلك من احتياجات مادية مختلفة مثل الغرائز والشهوات والميول.

الرسول محمد يمتلك شخصية رسالية ثابتة لديمومة الحجة. هذه الشخصية لم تتغير منذ أول يوم إلى آخر يوم من الرسالة المباركة. كما أنه يمتلك شخصية بشرية متغيرة؛ مثل الحاجة للأكل والتعرض للمرض والموت ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِد. بعض المعاندين اعترضوا على شخصية الرسول المتغيرة:

﴿مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ.

﴿قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَٰنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ

﴿وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا

تطرق سماحة السيد إلى بحث عقائدي وطرح بعض الأسئلة للتدبر:

هل يمارس الرسول الاجتهاد؟

للرسول عقل قادر على التفكير وعلى استخراج الحكم الشرعي، والاجتهاد عبارة عن كتاب وسنة وإجماع وعقل. وضرب مثالا أنه عندما حرم الله سبحانه الخمر، استنبط أن كل مسكر حرام. هل يمارس الرسول تشخيصات مواضيع خارجة عن التشريع مثل الحرب والسلم، وغير ذلك؟

بعد ذلك، تطرق سماحة السيد إلى أربعة محاور:

1» تعريف الاجتهاد
2» إمكانية الاجتهاد ومعقوليته
3» أدلة وقوعه أو عدمها
4» هل البشرية نقص أم كمال؟

هل يمارس النبي الاجتهاد؟

1» التفويض في التشريع إلهي.
2» التفكير المصيب.
3» الاجتهاد الاصطلاحي

تطرق سماحة السيد لرواية الفضل بن يسار في الجزء الأول من الكافي في ص 266: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة. عن فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله يقول لبعض أصحاب قيس الماصر: إن الله عز وجل أدب نبيه فأحسن أدبه فلما أكمل له الأدب قال: ”إنك لعلى خلق عظيم“، ثم فوض إليه أمر الدين والأمة ليسوس عباده، فقال عز وجل: ”ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا“ وإن رسول الله كان مسددا موفقا مؤيدا بروح القدس، لا يزل ولا يخطئ في شئ مما يسوس به الخلق، فتأدب بآداب الله ثم إن الله عز وجل فرض الصلاة ركعتين، ركعتين عشر ركعات فأضاف رسول الله إلى الركعتين ركعتين وإلى المغرب ركعة فصارت عديل الفريضة لا يجوز تركهن إلا في سفر وأفرد الركعة في المغرب فتركها قائمة في السفر والحضر فأجاز الله عز وجل له ذلك فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة، ثم سن رسول الله النوافل أربعا وثلاثين ركعة مثلي الفريضة فأجاز الله عز وجل له ذلك والفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعد بركعة مكان الوتر وفرض الله في السنة صوم شهر رمضان وسن رسول الله صوم شعبان وثلاث أيام في كل شهر مثلي الفريضة فأجاز الله عز وجل له ذلك وحرم الله عز وجل الخمر بعينها وحرم رسول الله المسكر من كل شراب فأجاز الله له ذلك كله وعاف رسول الله أشياء وكرهها ولم ينه عنها نهي حرام إنما نهى عنها نهي إعافة وكراهة، ثم رخص فيها.

ومنها استرجع سماحة السيد المعلومة أنَ الله يريد للرسول أنْ يقيم دولة عادلة فزود الرسول بما يحتاج لذلك من التسديد والتأييد بروح القدس.

بعدها سأل سماحته سؤال عن التفويض في التشريع وذكر أنه لا يعني الاستقلالية عن تشريع الله سبحانه، ثم ذكر سماحته ثلاث نقاط مهمة:

1» للنبي نفس قدسية انكشف لها عالم الملكوت فرأى حقائق الأشياء والأعمال، وما علمه إلا انعكاس لعلم الله سبحانه كما توضح الآية ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ. الرسول هو الوحيد المفوض والمؤهل لفك شفرات الكتاب. [من درس علم التشفير يعرف معنى ذلك وهذا ما يستخدمه علماء الحاسوب لحماية المستخدمين من أيادي اللصوص. هناك شفرات لا يعرفها أحد وليس من السهولة فكها، ولكن من يعرفها يستطيع فكها في لمح البصر].

2» تفكير الرسول مصيب؛ كل ما يفكر فيه مصيب وبلا خلل.

3» الاجتهاد الموجود عند الفقهاء عبارة عن قدرة على استنتاج حكم له قابلية الخطأ.

ثم سأل سماحته، هل يعقل أن يكون حكم الرسول قابلا للخطأ؟

الوحي ينقطع أحيانا، فهل يتصرف الرسول بدون وحي ويمارس عملية الاجتهاد لاستمرارية دوران العجلة؟ نقلا عن الطبرسي، ذكر سماحته قصة خولة الخزرجية زوجة أوس بن الصامت حينما ظاهرها، وذهبت للرسول تسأله، وقال لها الرسول أنت حرام عليه. فجادلته في الأمر حتى نزلت سورة المجادلة تعطي حكما غير الذي قاله الرسول حتى أصبح كلام الظهار حرام وعليه كفارة ولكن لا يساوي الطلاق.

وطرح سماحته سؤال؛ هل كل ما صدر عن اجتهاد للرسول يخرج عن السنة النبوية؟

استدرك سماحة السيد بالقول واستعان بذكر أيوب بن الحر أن كل حديث مردود على الكتاب والسنة. ثم ذكر سماحته معتبرة يونس: وفي صحيحة يونس الوسائل جزء 27 صفحة 111، وفي صحيحة يونس البحار الجزء2 صفحه 249 عن أبي عبد الله الصادق”لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن والسنه، أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدمة فإن المَغيرة ابن سعيد لعنه الله دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا فإنا إذا حدثنا قلنا قال الله عزوجل وقال رسول الله“ «الخباز، 2013».

بعدها سأل سماحته إن كان الاجتهاد في حق النبي معقول، وسأل ثلاثة أسئلة مفصلية:

1» هل يتنافى الاجتهاد مع علمه؟

2» هل يتنافى الاجتهاد مع عصمته؟

3» هل يتنافى الاجتهاد مع حجية السنة النبوية؟

للإجابة على السؤال الأول، قال سماحته إذا اعتقدنا أن للرسول علما لَدُنِّيًا فإنه لا يحتاج للاجتهاد. الله أنزل الكتاب على الرسول تبيانا لكل شيء؛ ما كان وما هو كائن وما سيكون. الرسول ثابت العلم، وهذا يعني أنه ليس بحاجة لأي نوع من الاجتهاد.

للإجابة على السؤال الثاني بخصوص العصمة، ذكر سماحته في شأن الإخبار عند الرسول ؛ إما أن يكون عن الله، وهذا يتطلب عصمة. أو عن اجتهاد، وليس في ذلك عصمة. وعلى الرسول أن يفرز للناس ما هو من عند الله وما هو اجتهاد، وفي ذلك لا نملك طريقا لمعرفة الأمر إلا من خلال الرسول ، فإذا كان غير معصوم فإنه قد يخطئ في الفرز، ومنها ندخل في متاهة، وهذا كلام خطير يشكك في بعثته . قام سماحته بنسف مفهوم الاجتهاد وعدم العصمة معززا ما يقول بآيات من الذكر الحكيم: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «157» - الأعراف.

اختصر سماحته أخيرا الموضوع بالقول ”تجويز الاجتهاد نقض للهدف“.

في الإجابة على السؤال الثالث بخصوص الحجية النبوية، قال سماحته إن الاجتهاد منافٍ للحجية. وميّز سماحته بين الحجة الظاهرية والحجة الواقعية. الظاهرية قد تكون من طبيب أو فقيه أو مهندس وقد يعتريها الخطأ، وهذا مقبول عند الناس إذ يأخذون بالوثوق مع احتمال الخطأ، وفي حال تأكيد الخطأ، يمكن لاحقا تصحيحه. أما الحجة الواقعية فالخطأ لا يعتريها ولا يمكن لها أن تجتمع مع احتمال الخطأ وإلا ما أمر الله الناس بأخذ ما يأتي به الرسول بتمامه ولما عزز القول إنه لا ينطق عن الهوى وأنه إذا قضى الرسول أمرا ليس لأحد في ذلك خيرة. حينها تكون الثقة فيما يقوله ويفعله الرسول تامة «مطلقة» وبدون نقصان. حينما تكون الثقة في الطبيب جزئية. الوثوق المطلق يكون للرسول بدون تأرجح لأن ما يقوله ليس مثل الموجة ترتفع وتنزل. ما يقوله خط مستقيم لا اعوجاج فيه.

ذكر سماحته أن بعض أعلام الشيعة من أمثال الشريف المرتضى ذكر أن الاجتهاد عند الرسول يكون مقتضيا فقط بالمشيئة الإلهية، وهذا عنوان ثانوي للاجتهاد لا يريد سماحته الخوض فيه.

المحور الثالث يدور حول شواهد وقوع الاجتهاد من النبي. وذكر مثال ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. قال سماحته إن روايات اجتهاد الرسول في هذا الموقف ليست موجودة عند الشيعة وإن الآية مجرد حكم عام وذلك مثل ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ حينما الرسول لم يطلق إطلاقا. بل على العكس، الآيات اللاحقة تعطي قرينة بأن الله كان مؤيدا لما فعله الرسول بدليل قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَىٰ إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

أما في قوله تعالى ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ فهذا ليس عتابا إنما لسان شفقة بهدف الإرشاد، وضرب سماحته مثلا بطالب مُخَيَّر بين الدراسة في جامعة محلية وجامعة خارجية، ولكل منهما إيجابيات وسلبيات، واختار الطالب أن يدرس محليا، فيقول له أبوه لِمَ فعلت ذلك يا بني؟ لَمَ لَمْ تذهب للخارج لتوسع آفاقك؟ وهذا لسان شفقة وليس لسان عتاب. كما أن الآيات اللاحقة لهذه الآية المباركة تؤيد فعل الرسول بدليل قوله تعالى ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وهذا يعني أن في خروج المنافقين مع الرسول مضرة، لا منفعة.

ثم ذكّر سماحته أن الرسول يحمل شخصية رسالية وشخصية بشرية ليست نقصا فيه ولكن نقطة كمال له لأنه عظيم في ذاته، وهذه العظمة أهّلته بأن يكون رسولا لله مؤتمنا على العهد. عظمة الرسول تتجلى في كثير من الأمور ومن أهمها الإرادة والعزيمة والتي بها تُصنع الإنجازات وتأتي المعجزات حيث قال علي قيمة كل إنسان ما يحسنه.

ورث علي الإرادة القوية من رسول الله وورّثها إلى ابنه الحسين في صلابته وقوة إرادته إذ قال ”هيهات من الذلة“.

بعدها، ذهب سماحة السيد في شرح قصة القاسم بن الحسن الذي برز للقوم وهو ابن 11 عام؛ قاتل قتال الأبطال، ثم قتله الأزدي؛ حينها، طلب القاسم النجدة من عمه الحسين الذي ذهب إليه وضمه إلى صدره فلقى القاسم ربه شهيدا مخضبا بدمه بدلا من أن يكون عريسا مخضبا بالحناء.

سلام الله على الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين.

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد.

السيد منير عدنان الخباز. «10 11، 2013». محورية القرآن في الفكر الإمامي.

تاريخ الاسترداد 07 09، 2019، من المنير: https://almoneer.org/?act=av&action=view&id=3002