حقوق الإنسان والمشروع العلوي

1442-01-02

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

انطلاقا من الآية المباركة نتناول ثلاثة محاور:

  • الركائز القانونية للحق الإنساني.
  • المعيار الفلسفي لثبوت حقوق الإنسان.
  • الشخصية القانونية الحقوقية في نهج الإمام علي ابن أبي طالب .
المحور الأول: الركائز القانونية للحق الإنساني.

هناك أربعة ركائز ذكرها علماء الحقوق:

الركيزة الأولى: الموضوعات.

هي المجالات التي يثبت للإنسان حق فيها، الأمن، التعليم، الصحة، الملكية وتقرير المصير، هذه هي المجالات التي يثبت للإنسان حق فيها.

الركيزة الثانية: الشكل المنطقي.

هو عبارة عن محتوى الحق، مامعنى أن لي حقا؟

الحق هو تزاوج بين الحرية والواجب، مثلا: عندما يقال للإنسان حق الملكية، معنى ذلك أن له حرية أن يتملك الثروة بأساليب متعددة ولكن في نفس الوقت هذه الحرية محدودة بواجب، أن لا يعتدي على أملاك الآخرين، أن لا يزاحم بملكه أملاك الآخرين، فكل حق محتواه مزدوج من حرية وواجب، ورد عن الإمام علي عندما قال: ”الحق أوسع الأشياء في التواصف وأضيقها عند التناصف لايجري لأحد إلا جرى عليه ولا يجري على أحد إلا جرى له“ هو تزاوج بين الحرية والواجب.

الركيزة الثالثة: العقد الاجتماعي.

المجتمع البشري بانتخابه وتبانيه ينقل المجتمع من مجتمع تسوده الفوضى والاستقلال إلى مجتمع مدني تسوده لغة القانون، فالعقد الاجتماعي الذي يحول المجتمع إلى مجتمع مدني ركيزة أساسية في الحق.

الركيزة الرابعة: السلطة.

دور السلطة حماية الحقوق، حماية الأموال، حماية الحريات، كما سيأتي عن الإمام أمير المؤمنين علي .

المحور الثاني: المعيار الفلسفي لثبوت الحق وكيفية تطبيقه على حق الإنسان في الثروات.

حتى يتضح لنا المعيار في ثبوت الحق وكيفية تطبيقه على حق الإنسان في الثروات نذكر ثلاثة ثوابت لابد منها:

الثابت الأول:

الحق يعتمد على ركنين بحسب تعبير الفلاسفة: علة فاعلية وعلة غائية، يعني عمل وهدف بتعبير آخر، مثلا: عندما نقول الإنسان يمارس الرياضة من أجل المحافظة على صحته، ممارسة الرياضة علة فاعلية، والمحافظة على الصحة علة غائية، كل عمل ينتج هدفا فهو علة فاعلية، وكل هدف يترتب على العمل فهو علة غائية، الحق أيضا يعتمد على ركنين: عمل وهدف، علة فاعلية وعلة غائية.

مثلا: المرأة بمجرد أن تلد، في أول ثواني مخاض الولادة وهي تعيش مخاض الولادة يتكون في ثديها هذه المادة اللبنية، يولد الطفل والمادة اللبنية في ثدي أمه تنتظره، إذن هنا علة غائية، الهدف من وجود هذه المادة اللبنية توفير غذاء لهذا الوليد وليس لها هدف آخر، إذن هناك علة غائية، وبما أن هناك علة غائية فالطفل له حق في حليب أمه لأن الغاية من وجود هذه المادة هي توفير غذائه فله حق في الحصول على غذائه، وكيف يحصل على غذائه؟ يأتي دور العلة الفاعلية، دور العمل حتى يحصل على غذائه، بمجرد أن يوضع فم الطفل على ثدي أمه بطريقة غريزية يمتص غذائه، بطريقة فطرية غريزية جبل عليها الإنسان، هذه العملية التي يمارسها الطفل حتى يحصل على حقه في الغذاء علة فاعلية، ووجود الغذاء في ثدي أمه علة غائية، فالحق اعتمد على ركنين، علة غائية وعلة فاعلية، عمل وهدف.

الثابت الثاني: هدفية الطبيعة.

هل الطبيعة هادفة أم أنها موجودة وجود جزافي أعمى؟ لا، الطبيعة هادفة، هذا الكون الذي تعيش فيه كون هادف وليس كونا جزافيا، كيف كون هادف؟

بعد الانفجار العظيم عاش الكون مايقارب أربعمائة مليون سنة في ظلام لا يوجد شيء، ثم تولدت النجوم الضخمة العملاقة بدون نظام، تولدت هذه النجوم لكنها لم تعمر طويلا وإنما كونت عناصر أثقل من العناصر البدائية، يعني أثقل من الهيدروجين والهيليوم، انفجرت هذه النجوم فنفثت هذه العناصر الجديدة في الفضاء، وبحكم الجاذبية تلاءمت وتشكلت هذه العناصر وكونت الكواكب والجسيمات الصلبة، وبعد مايقارب سبعة مليار سنة وجدت المجرات التي نعرفها الآن، يعبر عن هذه المجرات بالجيل الثالث من النجوم، نجوم بعد نجوم إلى أن جاءت هذه المجرات، وهذه المجرات أيضا تشكلت من العناصر الثقيلة التي نفثتها تلك النجوم العملاقة، وبعد ما يقارب ثمانية مليار سنة تشكلت شمسنا التي نعيش على ضوئها ودفئها وعطائها، هذه الشمس من أين جاءت؟ الشمس خليط من العناصر التي نفثتها النجوم العملاقة التي انفجرت وبسبب الجاذبية تكونت الشمس، وكونت حولها بناتها: عطارد والزهرة والأرض والمريخ والمشتري وزحل وأورانوس ونبتون، انظروا إلى الحكمة الإلهية حتى نقول الكون هادف، من المشتري فما بعده كلها غازية لا تتحمل الحياة ولكن الأربعة الأولى ومنها الأرض جاءت صلبة، وهذه أول خطوة من خطوات الهدفية أي وجود الحياة، الأرض جزء من الشمس، انفصلت عن الشمس وبردت وبعد مئات الملايين من السنين بدأت الحياة تدب فيها، على هذا الكوكب، وبعد أن دبت الحياة فيها تشكلت الخلية من ماء ومن نوع من الطين، الآن الدراسات العلمية الحديثة تؤكد أن خلية الإنسان جاءت من نوع معين من الطين، من الماء ومن نوع معين من الطين تشكلت خلية الإنسان وجاء الإنسان العملاق وغزى الفضاء وسيطر على الطبيعة، هل هذا كله جزاف؟ هل جاء هذا كله صدفة؟ أم كان مخطط متسلسل من مرحلة إلى مرحلة، الهدف أن تولد الحياة على الأرض، الهدف أن يأتي هذا الإنسان العملاق الذي سيسيطر على الطبيعة وسيستخرج كنوزها وثرواتها، الهدف مرصود منذ أول يوم قبل 13 مليار سنة.

ماذا نستنتج من هذا التسلسل الذي شرحناه؟ لدينا عدة نتائج نستنتجها:

النتيجة الأولى:

أن الطبيعة هادفة ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ*مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وقال: ﴿وما خَلَقْنَا السماء وَالأرض وما بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ*لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ المسألة ليست لعب، بل هدف مخطط ومرسوم.

النتيجة الثانية:

أن الأرض التي نعيش عليها أمنا، كما يقول بشار ابن برد: الأرض معقلنا وكانت أمنا فيها مقابرنا ومنها نولد، أمنا هذه الأرض هي خليط الكون كله، ضمت كل عناصر الكون، إذن الإنسان ابن الأرض هو أيضا ضم عناصر الكون كله، أنت أيها الإنسان فيك جميع عناصر الكون، فيك جميع عناصر النجوم العملاقة، أنت أيها الإنسان حويت واختصرت الكون كله فيك ”أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر“ أنت حويت كل عناصر الكون، وهنا يقول القرآن الكريم: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ.

النتيجة الثالثة:

أن هناك علاقة أسرية بين الإنسان وبين الطبيعة، هي أمه وهو ابنها، خلقت الطبيعة له وخلق لها، الهدف من الطبيعة أن يولد الإنسان والهدف من ولادة الإنسان أن تخدمه الطبيعة، كل منهما يكمل الآخر، هناك علاقة أسرية بينهما، وهذا معنى العلة الغائية، هناك غاية من وجود الطبيعة وهي الإنسان، وبما أن الغاية من وجود الطبيعة هي الإنسان إذن للإنسان حق في الطبيعة، أصبحت العلة الغائية مصدرا ومنشأ لحق الإنسان في الطبيعة، من هنا يقول القرآن الكريم عن هذه العلاقة الأسرية بين الإنسان وبين هذا الكون كله: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا، ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا لأجل ذلك ثبت للإنسان حق في الثروات، يأتي شخص يقول من أين لنا حق في الثروات؟ إنما جاء لك الحق في ثروات الكون وطاقاته لأنه خلق لك وأنت خلقت لإعماره وإحيائه ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا.

الثابت الثالث: العلاقة بين الملكية الخاصة والملكية العامة.

عندما نرجع إلى كتاب السيد الشهيد السعيد سيد محمد باقر الصدر قدس سره «اقتصادنا» صفحة 308 تحت عنوان: جهاز التوزيع، يتحدث هنا عن الملكية من بعدين: بعد اقتصادي وبعد قيمي.

البعد الاقتصادي للملكية: يثير نقطة بحث بين المذهب الاقتصادي الرأسمالي وبين المذهب الاقتصادي الإسلامي، هل الحاجة البشرية عامل إيجابي في كسب الثروة أم أنها عامل سلبي؟

المذهب الرأسمالي يقول بأن الحاجة عامل سلبي، لأنه كلما ازدادت الحاجة للقوت كثرت الأيدي العاملة في السوق، وإذا كثرت الأيدي العاملة وقل الطلب من الشركات ورؤوس الأموال قل أجر العامل، يعني أن الطاقة الإنسانية في نظر الاقتصاد الرأسمالي تخضع لقانون العرض والطلب كأي سلعة، أنت أيها الطاقة الإنسانية العملاقة خاضع لقانون العرض والطلب، إذا كثر عدد العمالة وقل طلب الشركات تضاءل الأجر للعامل، وكلما تضاءل الأجر للعامل صار الحصول على القوت امرا عسيرا، وأدى ذلك إلى البطالة وإلى حالات فقر مريعة، كل ذلك نتيجة شدة الحاجة وكثرة الأيدي العاملة وقلة الطلب، إذن صارت الحاجة عامل سلبي وليست عامل إيجابي في اكتساب الثروة، لا يربح إلا القليل لا يسد به رمقه.

أما المذهب الاقتصادي الإسلامي يقول بأن الحاجة أداة إيجابية لاكتساب الثروة وليست أداة سلبية، فهناك أداتان لاكتساب الثروة:

الأداة الأولى: العمل.

العمل أداة لاكتساب الثروة، الإمام أمير المؤمنين علي يقول: ”من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه“ قيمتك ليست بالنسب بل قيمتك بالعمل والعطاء والإنتاج، كما قال : ”قيمة كل امرء مايحسنه“ العمل أداة للكسب، تملك نتيجة عملك لأن علماء الحقوق كما ذكرنا في المحاضرة السابقة يقولون: الحقوق منتزعة من طبيعة الإنسان، وإذا رجعنا لتحليل طبيعة الإنسان نجد من أقوى غرائزه غريزة التملك والسيطرة والاستئثار، لأنه يمتلك غريزة التملك أعطاه الإسلام حق التملك، أن يمتلك نتيجة عمله وكدحه.

الأداة الثانية: الحاجة.

الناس فئات ثلاث: فئة تمتلك طاقة عقلية وطاقة مهنية تستطيع أن تكتسب أموال طائلة تغطي حاجتها وتزيد عن حاجتها، هذه فئة تكتسب الثروة من العمل، والفئة الثانية لديها طاقة لكن أقل، غاية ماتستطيع أن تكتسب قوت يومها، أو قوت شهرها، أو قوت سنتها، وهناك فئة ثالثة للأسف لاتمتلك طاقة، إما لشلل عقلي أو لشلل بدني، لا تمتلك طاقة لا تستطيع العمل، فمن أين تحصل على الثروة؟ أنتم قلتم أن ثروات الأرض خلقت لأجل الإنسان، وهذا المشلول إنسان، أنتم قلتم أن الطبيعة ولدت للإنسان وهذا الإنسان المشلول عقلا أو بدنا إنسان، إذن له نصيب من الثروة، فما هي الأداة للحصول على الثروة في مثل هذا الإنسان؟ الحاجة، بما أنه محتاج للثروة فله نصيب من الثروة والطريق لتحصيلها الضمان الاجتماعي، له حق ولا لأحد فضل عليه فهو يمتلك جزء من الثروة والطريق له الضمان الاجتماعي، إذن أصبحت العلة الغائية تساهم في استحقاق الثروة، لأنه محتاج إلى الثروة وله نصيب فيها أصبح له الاستحقاق في حيازة جزء منها، العلة الغائية هنا وحدها أصبحت منشأ لاستحقاقه هذا النصيب من الثروة، الإمام علي ابن أبي طالب يقول: ”إن معائش الخلق خمسة: الأمارة، العمارة، التجارة، الإجارة، الصدقات، فأما وجه العمارة فقوله تعالى: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فأعلمنا سبحانه وتعالى أنه قد أمرهم بالعمارة ليكون سببا لمعايشهم بما يخرج من الأرض“ فالأرض لها حق عليك أن تعمرها وتحييها وأ، تصون بيئتها من الأمراض والأوبئة، لها حق عليك أن تصون هذا الغلاف الجوي الذي تتنفسه من التغير المناخي والاحتباس الحراري وكثير من عوامل الدمار، دمار الاقتصاد البشري حق عليك، يقول الإمام أمير المؤمنين علي : ”يا عباد الله اتقوا الله في عباده واعلموا أنكم مسؤولون حتى عن البقاع“ هذا البعد الاقتصادي للملكية وهو أن أداة اكتساب الثروة العمل والحاجة.

البعد القيمي للملكية: الملكية الفردية ما هي إلا أداة لخدمة الملكية العامة، أنت عندما تمتلك عقارات أوشركات فإنها ليست ملكك وحدك بل ملك المجتمع، ملكيتك الشخصية مجرد أداة لتوفير الملكية العامة للمجتمع بأسره، ملكيتك الشخصية ما هي إلا طريق لإنعاش الملكية العامة، لذلك لو كانت ملكيتك الخاصة على حساب الملكية العامة فليست من حقك، مثلا: لو أراد إنسان لديه ثروة هائلة أن ينشئ مصانع لا يستطيع أن ينشئها داخل البلد فهذا ممنوع لأن المصانع تلوث البيئة، ليس من حقه أن يكتسب الثروة على حساب الملكية العامة، مثلا عندما يقول الرسول محمد : ”من أحيا أرضا مواتا فهي له“ لو يأتي شخص ويخرج إلى الصحراء ويحيي مئة كيلو متر ويقول هذه لي فالرسول قال ذلك، الرسول قال: ”من أحيا أرضا مواتا فهي له“ في حدود الملكية العامة، فأنت لا تملك الأرض، فلو كان إنسان لديه شركات عملاقة يستطيع أن يحيي مئة مليون كيلو متر، هل يعني ذلك أنه يملك الأرض؟ لا، فأنت تملك بما لا يؤثر على الملكية والثروة العامة، لذلك الملكية الفردية ماهي إلا أداة لخدمة الملكية العامة وهذا مانستفيده من القرآن ونهج علي ابن أبي طالب ، في قوله تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا السفهاء إذا كان لديهم أموال لا تعطى لهم لأنهم سفهاء يبذرونها ويتلفونها، إذن أين تذهب أموالهم؟ حافظوا عليها، استثمروها اعملوا فيها بالتنمية والإنتاج ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا تعبير دقيق يقول هذه الأموال هي إقامة لاقتصادكم ولثروتكم وحضارتكم فلا تسلموها للسفهاء ﴿الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا يعني الملكية الفردية ما هي إلا خادم للملكية العامة وللمصلحة العامة، ويأتي علي ابن أبي طالب قلنا علي هو ترجمان القرآن، بعد النظر، الفلسفة التي يطرحها القرآن يطرحها علي ابن أبي طالب : ”ما رأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيع“، ”ماجاع فقير إلا بما متع به غني“، ويقول : ”لكل ذي رمق قوت“ حتى الطير والنملة والحشرة لها نصيب من الثروة والطعام، الثروة خلقت لجميع الكائنات الحية فلجميع الكائنات الحية نصيب من القوت والثروة.

المحور الثالث: الشخصية القانونية الحقوقية في نهج الإمام علي ابن أبي طالب .

هناك دراسة نشرتها جامعة أهل البيت العالمية بعنوان «الحقوق والحريات في منظار علي ابن أبي طالب هذه الدراسة قسمت المجالات التي وضع الإمام علي الحقوق فيها، المجال الشخصي والمجال السياسي والمجال الاقتصادي والمجال الاجتماعي، في كل مجال من هذه المجالات فكر أبو الحسن ووضع مجموعة من الحقوق والصور.

المجال الأول: المجال الشخصي.

من أهم الحقوق الشخصية حقوق ثلاثة:

الحق الأول: حق الإنسان في الحياة.

هناك قصتان عجيبتان يذكرهم المؤرخون عن الإمام علي :

القصة الأولى:

امرأة والعياذ بالله زنت وهي متزوجة وكانت حامل فجيء بها إلى الخليفة وشهد عليها الشهود وثبتت عليها المشكلة فأمر الخليفة بإقامة الحد عليها، فقام له الإمام علي قال له: «إن كان لك سبيل عليها فأي سبيل لك على مافي بطنها؟» قال: وكيف أصنع؟ قال: «دعها حتى تلد وترضع فإذا من يكفل لها ولدها أقم عليها الحد». هذا الجنين له حق في الحياة وحق في الكفالة، نفس محترمة.

القصة الثانية:

أبو موسى الأشعري كان من الولاة من قبل الإمام علي كتب إليه: إن أبي الجسر دخل فوجد رجلا على زوجته فقتله، فماذا نصنع؟ فقال : «إما أن يأتي بشهود أربعة يشهدون على ما ذكر وإلا دفع عن الرجل برمته». يعني أن يدفع دية الرجل الذي قتله فهذه نفس محترمة لا تذهب سدى.

الحق الثاني: حق الإنسان في سمعته.

نجد في هذه الأيام للأسف نتيجة انفتاح وسائل التواصل كل شخص صار يستخدم وسائل التواصل للتنفيس عن نفسه سباب وشتم وقذف وتعريض بالناس وهتك للأعراض، وهذه مشكلة حرمات الناس وأعراضهم، كرامة الآخرين، لذلك عدة من الدول وضعوا قوانين، الإنسان الذي يشتم ويعرض بأحد، يهتك عرض أحد أو سمعته يعاقب ويجرم ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ومن كرامة الإنسان أن لا يساء إلى سمعته، الإمام علي وضع حدا للهجاء في زمانه، فبعض الشعراء يهجون بعض الشخصيات، إذا شخص هجا إنسان واعتدى على حرمته يعزر من قبل الإمام أمير المؤمنين حفاظا على كرامة الناس وحرماتهم.

الحق الثالث: حق الإنسان في الثروة.

أن توزع الثروات والرواتب والجوائز بشكل متساوي، الإمام علي جاء وهناك تركة ثقيلة، كان هناك امتيازات، قريش لها امتيازات، المهاجرين والأنصار لهم امتيازات على سائر العرب، العرب لهم امتيازات على الأجانب الفرس والروم، الإمام علي من أول يوم في المدينة خطب وألغى الامتيازات، الإمام علي ساوى بين المواطنين في العطاء وقال: ”أنتم عباد الله والمال مال الله يقسم بينكم بالسوية لافضل لأحد على أحد“ وجاءه رجل من الأنصار ومعه عبده الذي أعتقه، الإمام علي أعطاه ثلاثة دراهم وأعطى العبد ثلاثة دراهم، فاعترض عليه وقال يا أمير المؤمنين: أتساويني بعبدي الذي أعتقته قبل يومين! قال : ”ياهذا إني نظرت في كتاب الله فلم أجد لولد إسماعيل فضلا على ولد إسحاق“، وقال : ”أيها الناس إن آدم لم يلد عبدا ولا أمة وإن الناس كلهم أحرار ولكن الله خول بعضكم بعضا“.

المجال الثاني: المجال الاقتصادي.

هناك نوعان من الحق وضعهم الإمام علي في المجال الاقتصادي

الحق الأول: حق الإنسان في فرصة العمل، وهذا ما عبر عنه الإمام علي بقوله: ”من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه“، ”قيمة كل امرئ ما يحسنه“، دخل الإمام علي إلى سوق البصرة وجد رجل يتسول قال: «لم يتسول؟» قالوا: هذا نصراني كان يعمل ولكن كبر وعجز عن العمل فأصبح يتسول، قال: «ويحكم استخدمتموه حتى إذا كبر وعجز عن العمل تركتموه يتكفف الناس، أعطوه من بيت مال المسلمين» هو نصراني لكنه مواطن يعطى من بيت المال كما يعطى غيره، لذلك الإمام علي لم يفرق بين المواطنين من هذه الجهة، نعم المسلمين قسم العطاء بينهم بالسوية، لكنه عبر عن جميع المواطنين بقوله : ”إنهم يدفعون الجزية فدماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا“.

الحق الثاني: حق الإنسان في الملكية، قال الإمام علي : ”من أحيا أرضا مواتا فهي له وعليه طسقها يؤديه للإمام“، وقال : ”للعين ما رأت ولليد ما أخذت“.

الحق الثالث: حماية الدولة للثروات والأملاك، قال وهو يخاطب الناس: ”أيها الناس إن لي عليكم حقا ولكم علي حق وأما حقكم علي فالنصيحة لكم وتوفير فيئكم“، وقال علي : ”الناس كلهم عيال على الخراج“.

المجال الثالث: الحقل السياسي.

الإمام علي في مجال الحقل السياسي تكفل بأمرين:

الأمر الأول: اليوم الدولة المدنية تطورت وصارت تفصل بين السلطات، سلطة تنفيذية وسلطة تشريعية وسلطة قضائية، السلطة التشريعية تسمى مجلس الشورى أو مجلس الأمة، سلطة منفصلة تمارس حقها في التشريع، هذا الفصل بين السلطات وأن هناك سلطة تشريعية نادى به الإمام علي حينما كتب عهده لمالك الأشتر، فقال له: ”وأكثر مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء ومشاورتهم في تثبيت مايصلح عليه أمر بلادك وإقامة ما استقام به الناس قبلك“.

الأمر الثاني: أعطى حق التعبير عن الرأي.

الخوارج يختلفون مع الإمام علي وكانوا لا يصلون خلفه ويدخلون المسجد ويصدرون أصوات والإمام علي يصلي في المسجد، وضايقوه ودخلوا عليه أكثر من مرة وقالوا: يا علي تب من خطيئتك وارجع إلى ربك، والإمام أعطاهم حق التعبير عن الرأي، قال الإمام علي للخوارج وهو يخاطبهم: "إن لكم علينا ثلاث: أن لانمنعكم مساجد الله لتذكروا اسم الله فيها، وأن لا نمنعكم من الفيء مادامت أيديكم معنا وأن لا نقاتلكم حتى تقاتلونا».

المجال الرابع: المجال الاجتماعي.

الإمام علي أبدى الاهتمام الكبير بحق الإنسان في الإشباع الجنسي والعاطفي، هذه نقطة كثير من الناس قد لا يلتفت إليها، كيف الإمام علي يعالج الحاجة الجنسية والعاطفية لدى الناس؟

نذكر بعض الألوان من سيرته تركز على الاهتمام بهذه النقطة:

جاءته امرأة وقفت عليه وهو جالس مع أصحابه، وقالت: ماترى أصلحك الله وأثرى لك أهلا في فتاة ذات بعل أصبحت تطلب بعلا بعد إذن من أبيها، أترى في ذاك حلا؟ استغرب من كان معه، قال لهم : «دعوها، يا أمة الله أحضري لي زوجك» فلما جاء زوجها طلقها منه وزوجها برجل آخر، فقيل له: كيف؟ قال: «إنه لايقدر على وصالها». هي لم تطلب زوج إلا لأن الزوج عاجز عن وصالها، عنين أو لديه مشكلة، طلقها وزوجها من رجل آخر، إذن هو يهتم بهذه الجهات، يغطي هذه الحاجات لكي لا تترتب عليها أمراض وقضايا خلقية كثيرة.

عبدالله ابن أبي بكر قال لزوجته عاتكة بنت زيد ابن نفيل: أعطيك بستانا في الطائف على أن لاتتزوجي رجلا بعدي، فقبلت، مات زوجها عبدالله ابن أبي بكر وأخذت البستان ولكن رأت أنها احتاجت إلى الزواج، الحاجات المادية لا تغطي الحاجة العاطفية والحاجة الجنسية، فأقبلت إلى الخليفة وشكت إليه، الخليفة رفع الاستفتاء إلى الإمام علي فقال: «ترد البستان إلى أهله وتتزوج» ردت البستان إلى ورثته وتزوجت من بعده. إذن الإمام علي عالج هذه النقطة أيضا.

ورأى شابا يستمني بيده، فضربه على يده وزوجه من بيت مال المسلمين، اليوم يعيش شبابنا هذه المشكلة شاب قد يصل إلى الثلاثين ولا يستطيع أن يتزوج، تكاليف الزواج باهضة، أبواب الزواج مسدودة أمامه من الناحية المادية، الإمام علي يرى أن من وظيفة الجهات الفاعلة في المجتمع أن تزوج هؤلاء لكي تمنع انتشار هذه الأمراض.

إذن الإمام علي إذا قرأت شتى جهاته ومجالاته تجد شخصية حقوقية بصورة رائعة جذابة، بصورة ناصعة على ممر تاريخ الإنسان، الإمام علي ابن أبي طالب الذي عاش عيشة الفقراء وبذل الثروة لكل أبناء دولته أو حكومته أو سلطته، وقال: ”والله لو أعطيت الأقاليم السبعة على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت“، ”والله لو كان المال لي لساويت بينهم فكيف والمال مال الله“، وقال : ”ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدي به ويستضيء بنور علمه ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعامه بقرصيه ألا وإنكم لاتقدرون على ذلك ولكن أعينونا بورع واجتهاد وعفة وسداد“.