الشخصية الناجحة في تراث أمير المؤمنين (ع)

1442-01-07

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى «5» وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى «6» فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل: 5 - 7]

صدق الله العلي العظيم

نتحدث حول مفهوم النجاح وذلك في محاور ثلاثة:

  • حقيقة النجاح وأقسامه.
  • مبادئ النجاح وخطواته.
  • النجاح في التراث الإمام علي .

كيف تكون إنسان ناجح في حياتك، كل منا يريد أن يكون ناجحًا في حياته، فكيف تُكون من ولدك إنسانًا ناجحًا في حياته؟ وكيف تصنع من إبنتك فتاةً ناجحةً في حياتها؟

المحور الأول: ماهي حقيقة النجاح وأقسامه.

ماذكره المفكر كينيث زيجلر في كتابه «النظام من أجل النجاح» هناك ثلاثة عناوين: فوز، ونجاح، وإبداع. ماهو الفرق بين هذه العناوين الثلاثة؟

الفوز، هو الإنتصار والكسب المؤقت، مثلاً: إنسان يفوز في لعبة معينة هذا كسب مؤقت. فالفوز لذة مؤقته.

أما النجاح فهو عنوان يتضمن الإستمرارية والدوام وليس أمرًا مؤقتًا، النجاح يتمتع بأربع سمات، فالشخصية الناجحة هي التي تتسم بأربع سمات: الهدفية، والسكينة، والإنتاجية، وتحقيق الذات.

السمة الأولى: الهدفية.

الإنسان الناجح هو الإنسان الهادف، ينتقل من هدف إلى هدف آسمى وأعلى، ك متخصص أو بروفيسور ينتقل من مرتبة إلى مرتبة آخرى لا ينقطع عن الهدف لحظة ومستمر في مواصلة الأهداف. لأنه إنسان ذوبصيرة ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ [القيامة: 14].

السمة الثانية: السكينة.

مطمئن هادئ، لماذا؟ لأنه يعرف طريقه وخطوات طريقه لا يحتاج أن يتوتر ويقلق فهو مستقر في طريقه، كما ورد عن الرصول : ”نظر الله عبدًا إلى أين وفي أين وإلى أين“ فالطريق عنده واضح.

السمة الثالثة: الإنتاجية.

فرق بين النشاط والإنتاج، قد يقول أنا نشيط يوميًا أمارس نشاط ولكن هل تنتج؟ أما لا؟ مثلاً: مدير شركة، شركته لا تنتج ويوميًا يمارس، معلم في المدرسة الروتين لديه كما هو بدون تغيير. هو يمارس النشاط لكن بدون إنتاج. فالإنتاجية هو أن يرى لك عطاء متجدد ومتنوع، ورد في الحديث: ”من تساوى يوماه فهو مغبون“.

السمة الرابعة: تحقيق الذات.

هو إنسان منجز ومنتج فقد حقق ذاته ورضي عن ذاته ومن رضي عن ذاته تعامل مع الناس بالخلق الحسن، فرضاه عن ذاته ينعكس على علاقته مع الناس، كما ورد عن الرسول : ”أفاضلكم أحاسنكم أخلاقا، الموطؤون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون وتوطأ رحالهم“. أما الإنسان الذي يعيش مشكلة مع ذاته تراه متوتر وينعكس توتره في علاقاته مع الآخرين.

أقسام النجاح:

هولاكوي أستاذ في علم النفس، إيراني ويعيش في الولايات المتحدة، لديه نظريات في هذا المجال، يقول: النجاح قسمان: نجاح نسبي، ونجاح حقيقي.

النجاح النسبي هو الذي يختلف بإختلاف المجتمعات أو العصور، مثلاً: المجمتع الشرقي، متى يكون الإنسان ناجح؟ يقول بثلاث خاءات «خون، خاك، خذا»، فإذا جمع الخاءات الثلاث يعتبر إنسان ناجح.

  • الخاء الأولى: «خون» بمعنى الدم، من أي أسرة؟ أي قبيلة؟
  • الخاء الثانية: «خاك» بمعنى التراب، الوطن.
  • الخاء الثالثة: «خذا» بحسب الدين، هذا مسلم إذن هو ناجح، وقد يكون مسلم ولكن فاشل!

إذن هذا نجاح نسبي وليس نجاح حقيقي.

النجاح في المجتمعات الصناعية: مال وقدرة وشهرة. إذا ملك المال والقدرة والشهرة فهو ناجح في المجتمعات الصناعية وإن كان فاشل في حياته الزوجية أو في علاقاته مع الآخرين.

المجتمع المعلوماتي، في زماننا اليوم كيف يكون الإنسان ناجح؟ من يمتلك المعلومة وواوعي والقدرة على اغتنام الفرصة بغض النظر عن صفاته الآخرى.

هذا كله نجاح نسبي فالنجاح الحقيقي في كل مجتمع وزمن وعلى أي صعيد آخر هو بالسمات الأربع التي ذكرناها.

المحور الثاني: مبادئ النجاح وخطواته.

كتاب «علم نفس النجاح» براين تريسي مفكر على مستوى علم النفس ومشهور، ترجمه الدكتور عبداللطيف الخياط، هنا يتعرض لمبادئ النجاح وخطواته. كيف أصبح أنسان ناجح؟

المبدأ الأول: تحديد الهدف.

30% من الناس لا هدف لهم!! يتزوجوا ويعملو ولكن بدون هدف. لأنهم يخافون من الإخفاق والتراجع فلا يشكلون لأنفسهم هدفًا. فالأهداف شيء والرغبات والميول شيء آخر. كيف تستطيع أن تصنع لك هدفًا في الحياة؟

لابد أن تمر بمراحل: خارطة، طريق، برنامج، وإعداد قدرة، واستمرار، كيف؟ مثلاً: تريد أن تدخل الجامعة اختيار تخصص مناسب، أو أنهيت البكالريوس وتريد أن تكمل الماجستير! فكيف تحدد هدفك من هذا التخصص المناسب؟

هنا أمامك مراحل: الأولى، الخارطة، تضع أمامك التخصصات حتى تدرس إيجابيات وسلبيات هذه التخصصات. الثانية: الطريق، كيف أسلك الطريق حتى أصل إلى هذا التخصص. الثالثة: البرنامج، ماهو البرنامج الجامعي الرسمي؟ للوصول إلى هذا التخصص. الرابعة: القدرة والإعداد، أسأل نفسي هل لدي القدرة أم لا؟ هل هذا الهدف ممكن التنفيذ أم لا؟ لأن العاقل من يسعى نحو هدفًا ممكن التنفيذ، فلابد أن تعد قدراتك وطاقاتك للسلوك إلى الوصول إلى هذا الهدف. الخامسة: الاستمرارية، كثير من الناس يعين له هدف لمدة سنة أو سنتين وبعدها يرجع عن التخصص ويغيره لتخصص آخر وهكذا!!

أديسون فشل مئات المرات إلى أن اخترع الكهرباء، صاحب ماكدونالدز كم مرة فشل حتى صارت له هذه الشهرة العظيمة.

هنالك رجل صيني «هوانج دافا» ذكروا عنه هذه القصة قبل 50 سنة كان يعيش في قرية لا ماء فيها ولا عشب، وأراد أن يوصل الماء إلى قريته فإنتقل إلى منطقة آخرى وصار يحفر قناة مائية إلى قريته بمقدار 10 كيلومتر لوحده واستمر 36 سنه إلى أن حفرها وأوصل الماء إلى قريته وحول قريته من فقر إلى نعيم.

فالهدف يحتاج إلى استمرار وثبات ومواصلة وإلا لا يمكن الوصول إلى النجاح بدون الاستمرارية.

المبدأ الثاني: تحديد الأولويات.

إذا تزاحمت الأهداف والمسؤوليات أمامك وتزاحمت فلابد أن تنتهج تحديد ماهو الأولى من هذه الأهداف والمسؤوليات، فرز وتحديد الأولويات.

هنالك مشكلة يقع فيها كثير من شبابنا وأولادنا في مسألة تحديد الأولويات، إما أن يركز على التخصص الأسهل الأسرع «لايمكن» لابد أن يكون لديك أفق أرحب وأوسع، أين التخصص الأصلح لمجتمعك، أنت إنسان تريد أن تنهض وترقى بأمتك فلاحظ التخصص الأصلح وليس التخصص الأسرع أو الأسهل أو الأسعد!! فمسألة الأولويات ليست مسألة نفسية بل واقعية.

أو أنه مثلاً يستعجل في تعيين التخصص فلا بد أن تستقرء المعلومات بشكل وافر، أو أن يستسلم لأسرته، فيسأل أباه رأيه في التخصص؟ وأي تخصص أختار؟ مدرس أنا مدرس صير مثلي، أو أنا مثلاً في الطب صير مثلي، لا تستسلم للبيئة في تحديد التخصص، أنت تملك عقل وتفكير إقرأ واقع مجتمعك زمانك يختلف عن زمان أبيك، زمانك يختلف عن ظرف أبيك حاول أن تنتهج التخصص الأصلح والأنفع بتفكيرك وبحسب رؤيتك.

المبدأ الثالث: الثقة بالذات.

طبعًا الثقة بالذات غير الغرور، يقول أنا واثق من نفسي فنقول عنه هذا مغرور!! الغرور شيء والثقة بالذات شيء آخر. الغرور هو تغطية النقص بالتعالي، كما ورد عن الإمام أمير المؤمنين : ”لا تجد ذا أنفه إلا لعله في نفسه“، أما الثقة بالذات هي النظر للنفس بإيجابية، وأن تقرأ ذاتك بإيجابية، وأن تكتشف طاقاتك ومواهبك وقابلياتك هذه هي عبارة عن الثقه بالذات كي تستثمر هذه الطاقات وهذه القابليات في سبيل الوصول إلى النجاح.

براين تريسي يذكر في كتابه «علم نفس النجاح»، يقول الطفل يولد بخصال أربع، الحاجة إلى الغذاء والحب والإنطلاق من دون خوف والتصرف بدون إجبار.

الخصلة الأولى: الحاجة إلى الغذاء هذا الطبيعي كل أب وأم يوفرو للطفل الغذاء

الخصلة الثانية: الحاجة إلى الحب، يحتاج للحب كحاجته إلى الغذاء، أقيمت تجربة على مجموعة من الأطفال حرموهم من الحب نهائيًا من أول يوم الأطفال بعد أشهر 90% منهم ماتوا وانكمشت أجسامهم وماتوا. لا يفيده الغذاء بدون حب وحنان.

الخصلة الثالثة والرابعة: أن الطفل ليس عنده خوف أنت تزرع في نفسه الخوف، الأبوان يزرعان في نفس الطفل الخوف، الطفل يتصرف بلا إجبار أنت تضع أمامه العوائق فيمشي ويحذر وإلا هو يتصرف بلا إجبار، لذلك هاتان الصفتان بلا خوف بلا إجبار معناها الثقة بالذات، يعني الطفل يولد وهو واثق من ذاته، لأنه ينتطلق بلا خوف ويتصرف بلا إجبار فليحأول الأبوان تنمية ذلك في شخصيته لا إعاقته، فالطفل إذا يتعرض إلى الإهانة بعد سنتين يبدأ يفهم، فالطفل أذكى منك، يفهم من الإشارة والعين، هذا الطفل إذا تعرض للأذى أو الإهانة بعد سنتين وتستمر معه أنت بهذا الأسلوب يموت عنده الإحساس بالذات وتتولد عنده ظاهرتان سلبياتان:

الأولى: الإمتناع السلبي، أي مشروع يعرض عليه وإن كان كبير سيتردد في القيام به ويتراجع فثقته بذاته منعدمه.

الثانية: الخنوع، دائمًا تشوفه إنسان خانع لا يرفض شيء، هذا الذي لا يمتلك إستقلال ولا يمتلك وثوق بقدرته وذاتياته كل ذلك نابع عن مرحلة التربية عن علاقة الأبوين به.

المبدأ الرابع: الشغف وَالعزيمة.

أنجيلا دواكورث معلمة أمريكية كانت أستاذ رياضيات، ومن خلال تدريس الرياضيات أن الذكاء ليس هو العامل الوحيد في النجاح، أذكياء فاشلين وَغير أذكياء ناجحين، فغيّرت من تخصص الرياضيات إلى تخصص علم النفس، درست علم النفس فأصبحت ماهرة في علم النفس وقامت بدراسات نفعت المجتمع البشري، قامت بدراسة مع فريق لها على مجموعة من المتدربين في الكلية العسكرية وَمجموعة من الموظفين في المبيعات وَمجموعة من المتسابقين في الميدان.

تريد أن تكتشف من الذي سينجح ومن الذي يخفق، من هذا الموظف الذي سيربح أومن هو الذي سيخسر، أقامت التجربة وإكتشفت أن الخصلة المؤثرة في النجاح الشغف والعزيمة. من كان عنده شغف بأهدافه وعشق إلى أهدافه ومصر عليها هو الذي يصل حتمًا وينجح، ورد عن الرسول : ”منهومان لا يشبعان، طالب علم وطالب مال“، من لديه حالة شغف بالمعرفة والمعلومات يصل، الشغف والعزيمة خصلة مهمه في الوصول إلى النجاح.

المبدأ الخامس: إدارة الذات وضبطها.

الحياة ليست قائمة على الصدفة، بالصدفة ناجح! لا ليست بالصدفة، لا يوجد شيء اسمه صدفة، الحياة قائمة على نظام الأسباب والمسببات، كيف تدير ذاتك وتغتنم الفرص وتتوخى الطرائق الصحيحة حتى تصل؟ إدارة الذات وضبطها.

كل إنسان عنده شهوات وغرائز، لكن يخصص لها أوقات معينة ومحدده مؤقتة قصيرة لإشباع غرائزه وشهواته، لا تطغى عليك غريزتك وشهوتك لأنها تقف عائقًا أمام نجاحك ووصولك، حاول أن تضبط شهواتك وأن تدير ذاتك، لأجل ذلك هذا عنصر ومبدأ مهم من مبادئ النجاح.

المبدأ السادس: النظام والترتيب.

الحياة تمشي بدون نظام؟ لا يمكنك الوصول إلى الثانوي إلا بعد المتوسطة والإبتدائي. لا يمكنك أن تنجب أولاد بدون نظام عقد، ثم زواج ثم إنجاب، إذن لابد أن تمارس عملك أيضًا بترتيب، لابد أن تمارس مذاكرتك بترتيب، لابد أن تدير علاقاتك مع الناس بترتيب. الترتيب مبدأ من مبادئ النجاح.

أذكر لك ما قاله المؤلف عن تجربة، جمع مجموعتين، مجموعة أ، ومجموعة ب، ليكتشفوا الناجحين والفاشلين، قالوا لهم كل واحد منكم يكتب 50 عنوان مهم في حياته، المجموعة أ وَ ب اشتركوا في 40 من العناوين وافترقوا في 10 وهي في الترتيب.

مجموعة أ بدأت في العناوين المهمة ب أهمية الصحة، أهمية القراءة، أهمية العلم، أهمية الوقت، بينما المجموعة ب وضعت هذه العناوين بعد رقم 39، فأدركوا من خلال ذلك أن المجموعة أ هي من تسلك سبيل النجاح، هي من تملك مبادئ النجاح لأنها تعرف ترتيب الأمور وَتقديم الأوليات على غيرها.

المبدأ السابع: إتخاذ القرار.

درست التخصص واستشارت ذوي الخبرة وعرفت الإيجابيات والسلبيات ليكن لك جرأه على إتخاذ القرار، الجرأة في إتخاذ القرار مبدأ من مبادئ النجاح.

لا تخف ثلاثة، خطأ، والفشل، وكلام الناس. كل واحد يخطئ في حياته، لا تخاف أن تفشل، كثير يفشلون ثم يرجعون، لا تخاف من كلام الناس فلن ينتهي. الإنسان الناجح من يبدع، والإنسان الفاشل من ينتقد، في كل مجتمع الإنسان الناجح يقدم عطاء وإنتاج متواصل ومستمر، والإنسان الفاشل يجمع عثرات وأخطاء ليس عنده عطاء ومايقدمه للمجتمع.

الناجح من يسير في حياته دون إلتفات قد يخطئ وقد يفشل ولكن مادام يسير بوعي ودراسة فإنه يصل.

المبدأ الثامن: المبادرة.

ورد عن الإمام علي : ”إذا خفت من شيء فقع فيه، فإن انتظارك له أشد من وقوعك فيه“.

المبدأ التاسع: التوازن بين الحقوق.

عليك حقوق لأهلك أو لأصدقائك ولعملك أو علاقاتك الآخرى، ورد عن الرسول : ”إن لربك عليك حق، ولجسمك عليك حق، ولأهلك عليك حق، فأعطي كل ذي حقٍ حقه“.

خطوات النجاح: ماهي الخطوات التي إذا سلكناها سلكنا طريق النجاح؟

الخطوة الأولى: الوعي.

كثير من الناس تظن أن العلم وَالمعرفة شيء واحد، العلم غير المعرفة، علماء الإجتماع يفرقون بين العلم والمعرفة، ليس كل العالم عند معرفة، لماذا؟ المعرفة تعني ثلاثة أشياء: معلومات، وفن وفلسفة. من يجمع الأمور الثلاثة هذا إنسان صاحب معرفة «ماهو، كيف هو، لماذا هو» مثلاً: تسأل ماهي الصلاة؟ «أنت تطلب معلومة الآن» هنا يسمى علم. مثلاُ: تسأل كيف هي الصلاة؟ «أنت تريد أن تمارسها بدقة» هنا يسمى فن. مثلاً: تسأل لماذا الصلاة وماهي أهدافها؟ «أنت تطلب فلسفة»، الجمع بين ما هو، وكيف هو، ولماذا هو هذه تسمى معرفة وهي تفترق عن العلم، من ملك المعرفة هل مشى في طريق النجاح؟ لا، بل يحتاج إلى وعي، فالوعي هي النقطة التي تنقل لك من العالم النظري إلى العالم العملي، ومن المعلومات إلى القدرة والإستطاعة. فالوعي خطوة ضرورية.

الخطوة الثانية: المهارة.

المهارة تختلف عن التجربة، مثلاً: شخص يتعلم السياقة هذه اسمها تجربة وليست مهارة، إذا أتقنها بدقة وأصبح صاحب فن يقال عنده مهارة.

الخطوة الثالثة: تمركز الحب في موضع معين.

الحب شيء والعشق شيء آخر! فالعشق تمركز بمعنى أن الحب يتمركز في موضع معين، مثلاً: كيف كنا قبل 10 سنوات وكيف أصبحنا الآن؟ نحن الآن أسرع استجابة، أسرع في الرد مما كنا قبل عشر سنوات لتطور وسائل التواصل، لكن هذا هل هو النجاح؟ ونسأل هل ماننجزه الآن أكثر مما كنا ننجزه قبل عشر سنوات؟ لا، لماذا؟

هو عدم التمركز، بمعنى لديك عشر مهام تريد أن تنهيها هذا اليوم!! كيف تصبح ناجح!! لابد أن تتمركز في مهمة معينة، لابد أن تتمركز في وظيفة معينة، من يحمل عشر مهمات يعيش حالة تقافز من مهمة إلى مهمة ويسوف مهمة لأجل مهمة آخرى، الجمع بين المهمات يمنع من النجاح لأنه يمنع من التمركز.

الخطوة الرابعة: الواقعية.

ليس كل من أدرك الحقيقة فهو إنسان واقعي.

كثيرون أدركوا علي بن أبي طالب، لكن ليس كلهم آمن بعلي، من يدرك الحقيقة شيء ومن يؤمن بها شيء آخر، كثيرٌ أدرك عظمة علي لكن ما دخلت في نفسه ولم يؤمن بها ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ [النمل: 14]، هذا أدرك الحقيقة، لكنه ليس إنساني واقعي. وليس كل واقعي يتعامل مع الواقع بموضوعية، قد يتعامل مع الواقع بذاتية، مثلاً: كنت في الطائرة من واشنطن إلى أبوظبي، وبجانبي بروفيسور في إحدى الجامعات في الولايات المتحدة، وكان معي أحد الأصدقاء ويترجم لي، وكنت بدون لباس العلماء حتى لا يعرف أنا أين وصفتي، كان حديث ثقافي عام، أصوله باكستانية. فسأل أين النوابغ العرب؟، فقلت له محمد باقر الصدر، فقال: هذا شيعي!! فهو يؤمن بالواقع لكن ما يتعامل بموضوعية بل يتعامل بذاتية، لأنه شيعي عليه علامة استفهام!! مثلاً: أنشتاين صاحب النظرية النسبية يهودي! يعني يسقط عن الاعتبار؟! لا، ما دام إنسان مسالم قدم عطاء وعطاء للبشرية فالبشرية تحترمه وتجله يهودي أم مسيحي أو شيعي أو سني، إذا كان معطاء ومنتج ومصدرًا للعطاء وَالانتاج يُتعامل معه بموضوعيه لا بذاتيه.

الخطوة الخامسة: تحمل المسؤولية المناسبة.

أولاً لابد أن تتحمل المسؤولية، ولا تبرر أخطائك، أنت مسؤول عن نفسك، لا تلقي المسؤولية على الآخرين، لابد أن تتحمل مسؤولية حياتك وسلوكك وعلاقاتك، وأن تكون المسؤولية مناسبة بمعنى أن تضع المسؤولية في موضعها، مثلاً: الطاقم الصحي يفحص الدرجة الطبيعية لحرارة المستمع 37 درجة، إذا كانت أقل أو أكثر.

الخطوة السادسة: إستثمار فرصة العمر.

”ليس لك من مالك إلا ما أفنيت ومن عمرك إلا ما أبليت“، ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم: 39] إستثمر كل دقيقة في العمر تمر عليك، يقولون إن الأعمال أربعة: فوري غير مهم، فوري ومهم، غير فوري وغير مهم، مهم وغير فوري.

مثلاً: فوري وليس مهم، جرس الباب لازم تجاوب وإن كان غير مهم، أو لازم تطفيء نار الطباخ هذا فوري وإن لم يكن مهمًا.

مثلاً: فوري ومهم، مثل حالات الطوارئ والحوادث.

مثلاً: غير فوري وغير مهم، مثل جلسات الاستراحات والولائم.

مثلاً: مهم وغير فوري، مثل تعليم طفلك، أو دراستك ومذاكرتك، الناجحون هم من يركزون على القسم الرابع، ويقسمون أوقاتهم على طبق مهامهم.

المحور الثالث: النجاح في التراث العلوي.

تراث الإمام علي القولي والسلوكي، هنا نقطتان مشرقتان في حياته.

النجاح في تراثه القولي:

ما هي مقومات النجاح عند علي بن أبي طالب؟، عليا كان مفكرًا عبقريًا متحدثًا عن النجاح قبل أن يتحدث علماء النفس قبل 1400 سنة.

المقوم الأول: تحديد الهدف، قال : ”أقرب النيات في النجاح أعودها بالصلاح“، الهدف الصالح لمجتمعك هو الذي يقربك إلى النجاح، قال في فرز الأولويات: ”من أومأ إلى متفاوت خذلته الحيلة“، لا تنظر إلى أمور متفاوته تخذلك حيلتك! أنظر إلى واحد منها وركز عليه وخذ به، وقال : ”إن رأيك لا يتسع لكل شيء ففرغه للمهم فمن اشتغل بغير المهم ضيَع الأهم“.

المقوم الثاني: النظرة الإيجابية، أنظر لنفسك بإيجابية، ”تفائل بالخير تنجح“ هنالك نظرية تسمى بنظرية الجاذبية «إلى الآن لم تتحول إلى علم بمعنى لم تدخل في علم النفس» يقولون كل إنسان يجذب إليه ما يتناسب مع نفسه، مثلاً: إذا هو إنسان متوتر فالأشخاص المتوترين يأتون إليه، مثلاً: إذا هو إنسان مستقر يجذب إليه المستقرين. أنت عندك جاذبية تجذب إليك أشخاص يناسبونك أو تجذب إليك ظروف تناسبك أو تجذب إليك أفكار تناسبك، لذلك حاول أن تجعل من نفسك إيجابيًا حتى تجذب الإيجابيات من الأشخاص والأفكار والظروف.

المقوم الثالث: الإستفادة من التجربة، أمير المؤمنين يقول: ”من استغنى عن التجارب عمي عن العواقب“، وأنت مررت بتجارب لماذا لا تستفيد منها؟ وتقع في نفس المحاذير مرة اخرى؟! إقرأ تجاربك الماضية كي تتلافى أخطائك المستقبلية. وقال : ”من لم ينفعه ما وقع به من البلاء والتجارب لم ينفعه شيء من العظه“.

المقوم الرابع: الخبرة من عقول الآخرين، علي يقول: ”لا ظهير كالمشورة“، وقال : ”من استبد برأيه هلك“، وقال : ”من شاور الناس شاركهم في عقولهم“، وقال : ”من استقبل وجوه الأراء عرف مواقع الخطأ“، بمعنى أن تقارن بين عدة أراء حتى تكتشف النقص والخطأ.

المقوم الخامس: قوة الإرادة، قال : ”الرجل على قدر همته“، مثال: ابن 70 سنة وهو مازال معلمًا أو منتج أومؤلف، أو له مواقف بطولية ويشهد لها التاريخ، ”قيمة كل أمرئ مايحسنه“.

المقوم السادس: المبادرة، قال : ”ما أقرب النجاح من من عجل السراح“ بمعنى اغتنم الفرصة قبل غيره.

المقوم السابع: الصمود والجد والإستمرار، قال : ”بشر نفسك إذا صبرت بالنُجحِ والظفر، فإن آفة النجح الكسل“، فالكسل هو الذي يمنعك عن الوصول إلى النجاح، يقول : ”شدو عُقد المآزر، وأطووا فضول الخواصر «علامة على التهرل والكسل»، ولا تجتمع عزيمة ووليمة «يعني صاحب العزيمة غير صاحب الوليمة، فصاحب العزيمة هو الذي يفكر في الأحداث وأما صاحب الوليمة هو الذي يفكر في امتلاء البطن“.

المقوم الثامن: الوسط المحفز، من هم أصدقائك؟ هذا عنصر مهم في نجاحك! هل صديقك إنسان يغذيك بالفكر ويحفزك نحو الإنتاج والعطاء وبناء المستقبل، أم صديق مثبط! أم صديق يرجعك إلى الوراء؟ الإمام علي بن أبي طالب يركز على أهميه الصديق، فيقول: ”إياك ومصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، والبخيل فإنه يقعدك أحوج ما تكون إليه، والفاجر فإنه يبيعك بالتافه «علاقتك غير مهمه عنده»، والكذاب فإنه كالسراب يقرب لك البعيد ويبعد عنك القريب“.

المقوم التاسع: النظام والتخطيط، يقول علي : ”عليكم بتقوى الله ونظم أموركم“، ويقول : ”لا يكون المرء شاخصًا إلا في ثلاث: تزود لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم“.

المقوم العاشر: الكتمان، إذا تريد أن تنجح لا تحتاج إلى دعاية، فنجاحك يثبت جدارتك، يقول علي : ”أنجح الأمور ما أحاط به الكتمان“.

المقوم الحادي عشر: الصدق، كن صادقًا مع نفسك وضعها في مواضعها، أصدق تنجح، قال : ”الصدق أنجح دليل“.

المقوم الثاني عشر: الإنتاجية، قال : ”التوفيق رأس النجاح“.

النجاح في تراثه السلوكي:

هل كان علي إنسان ناجح؟ بعض الكتابات تقول أن عي كان فاشل، لم ينجح! أين نجح؟ وما استطاع أن يؤسس حكومة مستقرة، حكومته كلها حروب ومشاكل، لأنه عاش أربع سنين وأشهر كلها حروب ومشاكل فأين علامة النجاح؟ علي نجح في أربعة مواقع: نجح في بناء شخصيته، وطرح عبقريته للتاريخ، وفي بناء حكومته، وفي تربية القادة.

الموقع الأول: هل نجح أحد كما نجح علي في بناء شخصيته؟

الشخصية تعتمد على عناصر ثلاثه: علم وقوة الإرادة وعبادة.

هل نجح أحد من المهاجرين والأنصار كما نجح عليًا في هذه العناصر الثلاثة؟ أبدًا.

عنصر العلم:

علي نجح في عنصر العلم، وكان يقول: ”لقد علمتم منزلي من رسول الله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، لقد كفلني في حجره وأنا وليد يكنفني فراشه ويمسني جسده ويمضغ لي الطعام ويلقمنيه، وكان يرفع لي كل يوم علمًا من أخلاقه ويأمرني بالإقتداء به وكنت أتبعه إتباع الفصيل أثر أمه، فما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلت في فعل“، إنما علي على علم رسول الله، حتى قال : ”علمني رسول الله ألف باب من العلم في كل باب يفتح لي ألف باب من العلم“، وقال رسول الله: ”أنا مدينة العلم وعلي بابها“، وقال الخليفة الثاني: سمعت رسول الله يقول: ”أقضاكم علي“، فرجع الخلفاء إليه في فقهه وقضاءه وعلمه.

عنصر الإرادة:

علي بنى شخصيته على قوة الإرادة والتحدي والتضحية والفداء، وبات على فراش رسول الله، فقال الرسول : هل تبيت على فراشي يا علي، قال : أوتسلم يا رسول الله؟ قال: بلى، فسجد وقال: الحمدلله الذي جعلني فداءً لرسول الله.

وكان أول فارس بين يديه في «بدر، وأحد، وحنين، وخيبر.. كل المعارك التي خاضها رسول الله وعليٌ وقف بين يديه سيف مُصلت، حتى قال عنه يوم خيبر لأعطين الراية غدًا رجال يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله كرارًا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه فإشرأبت أعناق القوم أيهم يعطاها، فلما أصبح سلمها بيد علي بن أبي طالب.

عنصر العبادة:

علي بنى نفسه في العبادة وربطها بالله من أول يوم، ولقد كان رسول الله يمر عليه ويمسح التراب عن جبينه ويقول: قم يا أبا تراب لكثرة سجودة وعبادته. هل هناك نجاح في بناء الشخصية أعظم من هذا النجاح؟؟

الموقع الثاني: ماذا أنتجت عبقرية علي ؟

ما أنتجه عليٌ في حقوق الإنسان، ومجال القيادة، والمذهب الاقتصادي الإسلامي، وبناء دولة الأمة.

وما أنتجه في العهد العلوي لماك الأشتر الذي رسم فيه مفاصل دولة الأمة لتبقى فكر مشع على مدى التاريخ، ونجح عليٌ أن يطرح فكرًا سبق زمانه وأمته وكل من سبقه في طرح هذه العبقرية النادرة والفائقة في مجال التخطيط والتنظير في الحقوق والاقتصاد وبناء الدولة ومقام القيادة.

الموقع الثالث: بناء الدولة.

بنى دولته رغم أنهم حاولوا أن يشغلوه بالحروب ليثبتوا يفشله وما استطاعو، فكانت دولته متميزة، وقد أحدث نظام شرطة، وديوان المظالم، والفصل بين السلطات ولم يسبق إليه، فكان يراقب العمال والولاة والسوق والاقتصاد.

الموقع الرابع: بناء القادة.

القائد الناجح هو من يربي ويصنع القادة، فعليٌ صنع قادة التاريخ وهذا من أهم صور النجاح، فصنع الحسن، والحسين والعباس وغيرهم، علي لم ينظر لعالم المادة وإنما نظر إلى عالم المعنى ولم ينظر بالمنظور المرحلي وإنما نظر بالمنظور المستقبلي.

فهذه الأقلام المشغوفة بعالم المادة والمنظور المرحلي تقول فشل علي!! ويقول بعضهم أنا معجب بعدالة علي ولكن معجب بمبادئ معاوية أيضًا!! كيف؟

علي ركز على عالم المعنى ولم يركز على المنظور المؤقت لمرحلة صغيرة، لم يكن يهم علي أن يحكم وقد قال: ”نعلي خيرٌ لي من أمرتكم“، لم يكن يهمه أن ينتصر عسكريًا وأن يبقى في السلطة، ولذلك لا يقرأ نجاحه من غير أهدافه، فكان يهم عليًا أن يبقى رمزًا للعدالة وقد نجح في هدفه ومنارًا بعدم المساومة على المبادئ ”والله أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة مافعلت“، ”والله لو كان المال لي ساويت بينهم فكيف والمال مال الله“.

هدف علي أن يصبح منارًا في الثبات على المبادئ وعدم المساومة عليها ونجح في هدفه، كان هدف علي أن يبقى شامخًا في عالم المعنى والقيم والفضائل ونجح في هدفه. ومن معالم نجاح علي تخطيطه لكربلاء، هذه المعركة الخالدة بذرها علي وخطط لها حينا قال لأخيه عقيل أخطب لي أمرأة ولدتها الفحول من العرب حتى تد لي ولدًا ينصر ولدي الحسين بكربلاء.

والحمدلله رب العالمين