التربية والتعليم في المدرسة العلوية

1442-01-09

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا

انطلاقا من الآية المباركة نتحدث في ثلاثة محاور:

  • الإنسان بين الرعاية والتربية والتعليم.
  • التربية بين الأهداف والأساليب.
  • المنهج التربوي العلوي في خطوطه العريضة.
المحور الأول: الإنسان بين الرعاية والتربية والتعليم.

هناك فرق بين الرعاية والتربية والتعليم، هناك فرق بين هذه العناوين الثلاثة في علم التربية:

ما هو الفرق بين الرعاية والتربية؟

الرعاية هي توفير الغذاء والمحافظة على الصحة وتوفير لوازم العيش من المسكن والملبس ومراقبة أداء الواجبات هل أن الولد يؤدي الواجبات كما يراد منه أم لا، هذا المجموع يسمى رعاية والرعاية قد يقوم بها المربيات أو دور الحضانة لأن الرعاية لا تقتضي أسرة ولا أبوة.

بينما التربية شيء يختلف عن الرعاية، التربية ليست مجرد أن توفر غذاء أو تحافظ على صحته أو توفر له ملبسا أو مسكنا أو أن تراقبه هل أدى الواجبات أم لم يؤدها، التربية إحياء الطاقات والقابليات، الطفل إنسان والإنسان يحمل بطبعه مجموعة من الطاقات والقابليات، فالتربية تعني أن يساعد الأبوان الطفل في اكتشاف طاقاته وقابلياته وإحيائها وتنميتها، ولذلك الحجر ليس له تربية لأنه لا يمتلك طاقة، الحيوان لا يمكن أن تربيه على الفن أو الرياضيات لأنه لا يمتلك طاقتها، التربية تنسجم مع المخلوق الذي لديه طاقات وقابليات مختزنة فتقوم الأسرة بتفعيل تلك الطاقات والقابليات المختزنة وتحويلها إلى واقع بالفعل.

ما هو الفرق بين التعليم والتربية؟

التعليم عملية منظمة تتضمن نقل المعلومات من طرف إلى طرف آخر، من ذهن المعلم إلى ذهن المتعلم، من الكتاب إلى ذهن المتعلم، أما التربية فهي أعمق من ذلك، التعليم أن تعطيه معلومة قد لا يكون عالما بها، ولكن التربية أن تثير ما هو موجود عنده، هو موجود عنده طاقة أن يصبح فيلسوفا أو عالم في الرياضيات أو أديبا أو فنانا، هو لديه الطاقة ووظيفة الأسرة أن تثير تلك الطاقة وتحركها لكي تتحول إلى واقع ملموس وهذا يختلف عن عملية التعليم.

إذن هناك فرق بين العناوين الثلاثة: رعاية، تعليم، تربية، نحن نريد أن نتحدث عن التربية.

في تعريف التربية نقف على آراء وتعريفات علماء ثلاثة يحددون لنا حقيقة التربية وجوهر التربية:

العالم الأول:

ما ذكره الفيلسوف الألماني كانت، قال: التربية ما يجب إعداده للإنسان حتى يكون إنسان، وذلك من خلال مراحل ثلاث:

المرحلة الأولى: مرحلة التغذية والتعهد.

مادام الطفل في سن الرضاعة فيحتاج إلى مراقبة أن لا يستخدم بدنه في إيذاء نفسه.

المرحلة الثانية: مرحلة الانضباط.

كيف تحول الطفل من حيوان إلى إنسان؟ فالإنسان لديه نزعات حيوانية ولو يترك بدون تربية يتصرف تصرفات الحيوانات، يعني بلا قيود، إذن ضبط حريته وجعل تصرفاته في إطار القيود هذا يسمى إخراجه من حالة الحيوانية إلى حالة الإنسانية، مثلا: نتيجة جائحة كورونا أصبح تعليم الأطفال عن بعد، وصار الطفل يستغرق الوقت كله في المنزل، والطفل إذا استغرق وقته في المنزل يخلف مشاكل على الأسرة وعلى والديه، لماذا؟ حضور الطفل في المدرسة ضروري لأنه من خلال الحضور للمدرسة يكتسب النظام، كيف يكون منظم، يكتسب منه فن الإصغاء والاستماع للآخر، يكتسب منه فن إقامة علاقات مع الآخرين زملائه ومن معه في المدرسة، إذن أصبحت المسألة أن الحضور في المدرسة يضع لديه قيود، نظام، إصغاء، حدود في علاقاتك مع الآخرين، هذا معنى مرحلة الضبط إخراجه من الحيوانية إلى الإنسانية بأن تخضع تصرفاته للقيود الإنسانية المتعارفة.

المرحلة الثالثة: مرحلة التعليم.

إذا بلغ سن التعليم بدأ يلتهم ويلتقم المعلومات التي تسهم في تكوين شخصيته.

العالم الثاني:

جون ديوي فيلسوف أمريكي بين القرن التاسع عشر والعشرين له نظريات عديدة، تحدث أيضا عن التربية، قال: التربية هي صياغة فعالية الفرد لتتحول إلى فعل اجتماعي مقبول.

هناك كتاب اسمه «جون ديوي» للدكتور فؤاد إبراهيم الأهواني المصري تحدث عن فلسفة هذا الفيلسوف، ذكر من ضمن فلسفته كلماته حول التربية، يقول ديوي: التربية لها جانبان: جانب نفسي، وجانب اجتماعي.

الجانب النفسي: الطفل يعلم والديه كيف يربيانه، لأن تصرفات الطفل ترشد الأبوين إلى كيفية الوصول إليه وزرق الأفكار فيه، كل طفل يمارس تصرفات بوحي ذاته من دون تعليم، بمجرد أن يتحرك يحبو أو يمشي يبدأ هو يتصرف تصرفات من وحي ذاته من دون أن يعلمه أبواه، هذه التصرفات تحتاج دراسة لأنها تكشف عن طبع من طباعه وميل من ميوله، هل يميل طفلك إلى العزلة، أو هل يميل طفلك إلى النزهة، هل يميل طفلك إلى اللعب، هل يميل طفلك إلى النظام، من خلال تصرفاته التي يقوم بها من وحي ذاته تكتشف طبعه، هنا الجانب النفسي، يعني إذا اكتشفت من خلال تصرفاته طبعه ادخل إليه من خلال طبعه وسجيته ومن خلال ما اعتاد أن يعمله لا تفرض عليه التربية فرضا، فالتربية إذا صارت فرض خارجي كانت آثارها سيئة، إما أن يتمرد الطفل، وإما أن يعيش تفككا وازدواجية في شخصيته.

الجانب الاجتماعي: ديوي يقول بأن الطفل يجب أن يتعلم أنه جزء من مجتمع وليس وحده، لابد أن يلقن الطفل أنه جزء من مجتمع، أسرة، أرحام، مجتمع كبير، لكي يتعلم موهبة الاستجابة، كيف يستجيب له المجتمع وكيف هو يستجيب للمجتمع، الاستجابة عنصر ضروري في حياة الطفل يتعلم متى يستجيب للمجتمع ومتى المجتمع يستجيب له، موهبة الاستجابة تقتضي أن يتعلم الطفل لغة المجتمع نفسه، إذا تعلم الطفل لغة المجتمع وعاداته وتقاليده وأعرافه استطاع أن يعرف متى يستجيب للمجتمع ومتى يفهمه المجتمع ويفهم أفكاره ويستجيب له، وهذا بداية تعلمه للغة.

إذن التربية تحول تصرفات الطفل من فعالية فردية إلى فعالية اجتماعية يفهمها المجتمع ويتعاطى معها لأنها على ضوء لغة المجتمع نفسه.

العالم الثالث:

غوستاف لوبون مؤرخ فرنسي مشهور درس الحضارات الشرقية والعربية وكتب عن العرب الكثير، مما قال عن العرب: لا تجد فاتحا أكثر تسامحا من العرب. عندما فتحوا البلدان المختلفة، وكتب أن العرب علموا الشعوب الأدب والحرية، وكتب: لا حضارة بدون أخلاق. لديه عدة كلمات مشهورة، غوستاف يقول: التربية هي تحويل الفعل الإرادي إلى اللا إرادي، الفعل الشعوري إلى اللا شعوري.

هناك نظرية موجودة في علم النفس قديمة، موجودة حتى عند علمائنا علماء الأصول، يتعرض لها سيدنا الخوئي قدس سره، والسيد الصدر قدس سره، نظرية موجودة في علم النفس يذكرها علماء الأصول، هذه النظرية تسمى تداعي المعاني، علماء الأصول عبروا عنها تداعي المعاني، بينما علماء النفس يعبرون عنها توارد الخواطر أو تداني الخواطر، كيف؟ أنت حتى تنتقل من معنى إلى معنى، من صورة إلى صورة يسمونه تداعي المعاني، يعني معنى يثير عندك معنى آخر، صورة تثير عندك صورة أخرى، حتى تنتقل من صورة إلى صورة، من معنى إلى معنى تعتمد على عاملين: عامل المجاورة، وعامل التشابه.

عامل المجاورة: نظرية بافلوف المشهورة نظرية الاقتران الشرطي يعبر عنه هذا المفكر: إحداث التجاور بين المختلفين، نضرب مثال من واقعنا: أنت تريد أن تعلم الناس أن يرتدوا الكمام حتى يتحرزوا من الإصابة بهذا الفايروس الخفي، فكيف تعلم الناس؟ تضع على الشاشة رجل يلبس كمام وتضع بجانبه صورة للفايروس كيف يريد أن يصل إليه فلا يستطيع نتيجة وجود الكمام، أنت جاورت بين صورتين، صورة الكمام وصورة الفايروس، لما جاورت بينهما أحدثت عند الناس اقترانا شرطيا، وكلما رأوا الكمام يتذكرون الفايروس، وكلما رأوا شخصا يرتدي الكمام يفترضون أنه يحتمي من الفايروس بينما قد يكون يرتديها من أجل الزكام أو رائحة كريهة ولكن ارتبطت الفكرتان، الترابط بين الفكرتين يسمى اقتران شرطي، نظرية بافلوف، وهذا الترابط بين الفكرتين حدث نتيجة المجاورة بين صورتين مختلفتين.

عامل التشابه: عندما ترى شخص وتشبهه بصديق لك في العراق أو في إيران أو في مكان آخر، عامل التشابه ينقلك من صورة إلى صورة أخرى.

إذن عندما نتكلم عن تنادي الخواطر أو تداعي المعاني عبر نظامين: نظام المجاورة «الاقتران الشرطي»، أونظام التشابه، كيف نستفيد من هذه النظرية في علم النفس في علم التربية؟

يقول غوستاف التربية تعتمد على هذه النظرية، تعامل مع طفلك بربط صورة بصورة، بربط رمز بمعنى معين حتى كلما رأى الصورة الأولى ينتقل منها إلى المعنى الثاني بشكل لا إرادي، فأنت حولته من فعل إرادي إلى فعل لا إرادي، الآن أنت كيف تعلم طفلك اللغة؟ تعليم اللغة فعل إرادي لكن بعدها هو سيتحدث بها بشكل لا إرادي، علمته اللغة بطريقة إرادية ثم أصبح يتحدث بشكل لا إرادي، التربية أن تحول فعلا إراديا إلى فعل لا إرادي، كذلك المعلومات الأخرى استخدم نفس الطريقة، حاول دائما أن تثير طفلك عبر إثارات صوتية أو إثارات مرئية، فالإثارات الصوتية والمرئية تساعده على تنادي الخواطر وتداعي المعاني والانقال من صورة إلى صورة ومن معنى إلى معنى هكذا تكون التربية.

ثم يقول كلمة لطيفة ترتبط بواقعنا العربي، التعليم العربي فاشل لأنه يعتمد على الذاكرة، لا يعتمد على الفن، المعلم يعتبر التلميذ برميل يملؤه بالمعلومات فقط، بينما التعليم في مناطق أخرى كاليابان مثلا لا يعتمد على الذاكرة بل يعتمد على الفن، يعتمد على نظرية تنادي الخواطر، أن يستخدم المعلم الإثارات المرئية والصوتية في ربط صورة بمعنى وربط رمز بمعنى ثم تتحول هذه المعاني التي تلقاها المتعلم من فعل إرادي إلى فعل لا إرادي.

المحور الثاني: التربية بين الأهداف والأساليب.

هنا سؤالان: ما هي أهداف التربية، وما هي أساليب التربية؟

أولا: أهداف التربية.

تحديد الأهداف يختلف باختلاف تحديد الأبعاد الأصيلة الفطرية في الإنسان.

هناك نظريتين لكانت وهونغ كل واحد منهم ذكر له أبعاد:

كانت قال أهداف التربية تتلخص في أربعة أهداف:

الأول: إخراج الطفل من الحيوانية إلى الإنسانية عبر ضبط تصرفاته.

الثاني: زرع الثقافة في عقله ومنها التعليم.

الثالث: اكتساب المهارات وهذا ضمن الثقافة.

الرابع: تحقيق التميز، ليس المهم أن يكون طفلك ناجحا فقط المهم أن يكون متميز، لأن الطفل إذا شعر بأنه متميز يرضى عن ذاته وعن شخصيته، وإذا رضي عن ذاته وعن شخصيته مارس العلاقات الاجتماعية بانسيابية وإيجابية لأنه إنسان راض عن ذاته، لدينا مفهوم خاطئ عند البعض وهو أن التدين يعني التخلف، البعض إذا رأى إنسان متدين يظن أنه فقط خلف المساجد والحسينيات وأهل العلم وليس لديه شيء، بينما إذا كان ليس متدينا يظن أنه مكب على دراسته، إذن هو إنسان متميز في مساره الأكاديمي ومتفوق في دراسته، كأن التدين يساوي التخلف وهذه فكرة خاطئة، التدين يعني التألق ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا الحياة مضمار سباق في أن يصل الإنسان إلى الأحسن، التدين يعني التفوق والتألق، التدين يبعثك على أن تكون متفوقا في دراستك، متألقا في تخصصك، نجما بارزا في مجالك، كانت يقول علم طفلك أن يكون متميزا.

هونغ يقول لدينا أبعاد أربعة للإنسان:

البعد العقلي والبعد العملي والبعد الجمالي والبعد الروحي، كل بعد يتناسب معه مجموعة من التربيات.

الأول: البعد العقلي، كيف تربي طفلك على أن يفكر ويتأمل وهذا مهم، حاول دائما أن تثير مع طفلك مسائل صعبة، مسائل فلسفية، مسائل رياضية، حتى يتعود ذهنه على تحريك العقل والتأمل والتدبر.

الثاني: البعد الاجتماعي، طفلك يحتاج أن يتعلم كيف يتعاون مع الناس، كيف يشكل علاقات طبية مع الناس، المؤمن من يألف ويؤلف.

الثالث: البعد الجمالي، لابد أن يكون لديه فن، مثلما لديك فنون، موهبة التصوير أو الرسم أو الرياضة كل شخص لديه موهبة من المواهب، اكتشف موهبة طفلك ونمها.

الرابع: البعد الروحي، وهو البعد الذي يختلف فيه هونغ عن كانت، هذا الفيلسوف يؤمن بأن للإنسان بعدا أصيلا فطريا في شخصيته ألا وهو البعد الروحي، والبعد الروحي أن تملأ صفحة ولدك بالقيم والفضائل، ورد عن الإمام أمير المؤمنين علي : ”إنما قلب الحدث كالأرض الخالية كلما ألقي فيها شيء قبلته“، يقول الإمام علي لولده الحسن : ”فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك وينشغل لبك“.

كيف تغرس القيم في نفس الطفل؟

الدكتور سعيد إسماعيل لديه كتاب «فلسفة التربية رؤية تحليلية» في هذا الكتاب يتعرض إلى نظرية نصير الدين الطوسي ونظرية الفيض الكاشاني في كتاب «المحجة» ويقول: هذان العالمان عندهما نظرية وهي أن الإنسان منذ فطرته ومنذ ولادته لديه قوتان: قوة الفعل وقوة الانفعال، قوة الفعل تبعثه على الفضائل وتحثه على الخير والصدق والأمانة هذه قوة فاعلة في شخصيته، هذه القوة الفاعلة يعبر عنها القرآن: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، ولديه قوة انفعالية، الغضب قوة انفعالية، الشهوة إذا أثير تتحرك شهوته، الحرص على نفسه، أناني، بخيل إذا تعرضت نفسه أو أمواله إلى نقص يبادر إلى الحرص والبخل هذه قوة انفعالية، هناك قوة انفعالية غرس القيم والفضائل وتربية البعد الروحي بتنمية القوى الفعلية وتهذيب القوى الانفعالية.

ثانيا: أساليب التربية.

نتعرض إلى ثلاثة أساليب بشكل مختصر:

الأسلوب الأول:

كانت ألماني وروسو فرنسي كلاهما يقولان التربية تختلف عن العادة، ليست كل عادة نسميها تربية، مثلا شخص معتاد على التدخين هل نسميها تربية؟ أو شخص معتاد إذا أراد أن يخرج من المنزل أن يرتدي الجراب، هذه عادة وليست تربية، تعليم الطفل بعض العادات ليست تربية لأنه يأتي بالعادة لأنها عادة، التربية بعث الإرادة وهي تختلف عن العادة، التربية أن تبعث في الطفل الإرادة غير أن تعلمه العادة.

الشيخ المطهري رحمه الله في كتابه «التربية والتعليم في الإسلام» يناقش كانت وروسو يقول: التربية عادة ولكن العادة على قسمين: عادة فعلية وعادة انفعالية، العادة الفعلية هي العمل الذي يصدر منك عن قناعة ووعي وهذا تربية وشيء جميل، والعادة الانفعالية هي التي تصدر منك عن اعتياد لا عن قناعة ووعي، وإلا الرياضة عادة فهل هي شيء ذميم؟ الرياضة عادة والفن عادة وهذا شي جميل لأن الرياضة والفن عمل يصدر منك عن قناعة ووعي فهو تربية وعادة جميلة، بينما التدخين لو تأمر شخص بترك التدخين سيجيبك لا أستطيع فأنا اعتدت على التدخين، هذه عادة ذميمة، وهي عادة انفعالية لأنه يمارسها لاعتياد لا عن قناعة ووعي، فإذن التربية عادة ولكنها عادة فعلية جميلة.

الأسلوب الثاني:

مواكبة الروح، الإمام أمير المؤمنين علي دقيق في هذه النقطة عندما يقول: ”إن للقلوب إقبالا وإدبار“، ”إن القلوب تمل كما تمل الأبدان“ إذا صار البدن كسولا لم يستطع أن يأتي بكل الوظائف والواجبات كذلك القلوب ”إن القلوب تمل كما تمل الأبدان فإذا أقبلت فاحملوها على الفرائض والنوافل وإذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض“ واكب روحك، اجعل عملك مواكبا لتقلبات مزاجك وروحك، المواكبة أسلوب من أساليب التربية، تعامل مع طفلك هكذا أيضا، يوم تراه بشوش ومنفتح فادخل معه في عدة تعاليم، وعدة مهارات، ويوم طفلك ليس لديه مزاج فاقتصر به على بعض الأمور.

الأسلوب الثالث:

مواكبة مراحل النمو، جون بياجيه هذا عالم سويسري لكنه عالم في هذا المجال مجال علم النفس والتربية له نظرية مشهورة ومعروفة، يقول: مراحل النمو المعرفي: التفكير الحركي والتفكير الرمزي والتجرد من الأنا والتفكير المجرد.

المرحلة الأولى: التفكير الحركي.

خلال سنتين أو ثلاث يتعلم كيف يمشي وكيف يحبو وينطق بعض الألفاظ.

المرحلة الثانية: التفكير الرمزي.

من ثلاثة إلى سبعة يبدأ يرمز إلى الأشياء البعيدة بإشارة، بلفظ، بحركة معينة، نفس اللغة هي جزء من التفكير الرمزي.

المرحلة الثالثة: التحرر من الأنا.

من سبعة سنوات إلى أحد عشر سنة، فقبل سبع سنوات يكون متمركز حول نفسه، وبعد السبع سنوات ينطلق إلى الناس يحاول يكون علاقات، ويحاول أن يصبح معجب للناس، يحاول أن يستثير بعض تصرفات الناس، يتحرر من الأنا إلى الغير.

المرحلة الرابعة: التفكير المجرد.

من أحد عشر إلى خمسة عشر يبدأ عقله يمارس قدرته على التأمل والاستنتاج والاستنباط ينتقل وينطلق نحو التفكير المجرد.

المحور الثالث: المنهج التربوي العلوي في خطوطه العريضة.

هنا صفحتان نستفيدهما من القرآن ومن الإمام علي ، الصفحة الغيرية والصفحة الشخصية ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا صرنا نتجه إلى زوجاتنا وأولادنا، هذه صفحة، ولكن الصفحة الثانية تتجه إلى أنفسنا ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا لا تقل أن الطفل يحتاج إلى تربية، أنت أيضا تحتاج إلى التربية، فكل واحد منا يحتاج إلى تربية، لا يوجد إنسان يستغني عن التربية، حتى لو وصلت إلى سبعين سنة تحتاج إلى التربية، لأن الإنسان في تكامل ومن ظن أنه كامل فهو ناقص، ورد عن النبي محمد : ”لا يزال المرء عالما ما طلب العلم فإن ظن أنه علم فقد جهل“ ما دمت في مرحلة تكامل فأنت محتاج إلى التربية في كل مرحلة من مراحل حياتك، كلنا نحتاج أن ندخل تحت هذه الآية: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا والإمام علي يتكلم عن الصفحتين، الصفحة الأولى ﴿أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ والصفحة الثانية ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.

الصفحة الأولى:

كيف يتحدث علي عن تربية الأجيال قبل أن يتحدث غوستاف لوبون وبياجيه وروسو وكانت قبل 1400 سنة كيف تحدث علي عن التربية؟

إن عليا وضع عدة بنود لتربية الأجيال:

البند الأول: مراحل النمو.

يقول : ”الطفل يثغر في سبع سنين ويحتلم في أربعة عشر ويستكمل طوله في أربع وعشرين ويكمل عقله في ثمان وعشرين وماكان بعد ذلك فإنما هو من التجارب“.

البند الثاني: مراحل التربية.

يقول علي : ”ولدك ريحانتك سبعا وخادمك سبعا ثم هو عدوك أو صديقك“

”ولدك ريحانتك سبعا“ الريحانة ورق ناعم جميل تتعامل معه بالنعومة واللطف أن لا تخدش مشاعره وأن لا تجرح عواطفه وأن لا تجعله منكسرا أمامك، ”وخادمك سبعا“ بعض الناس يتصور التربية استرح استعد، دعيت مرة لبيت أحدهم، قال: أتريدون أن تروا كيف ربيت ولدي؟ فصار يلقي عليه الأوامر، جعله كالآلة المسخرة لاتنطق ولا تتصرف ولا تعترض ولا تعبر عن رأيها فظننا أننا في معسكر، جعل الولد كالآلة ليست تربية، التربية أن تطلق فيه وثوقه بشخصيته، وحرية أن يتحدث ويعبر ويطرح رأيه، أن يتحاور ويتحدث معك حتى يبني شخصيته معك على الحوار والتعلم والفهم، ولذلك يقول ”خادمك“ يعني أنه ما زال يتعلم ويتلقى منك، وبعد الأربعة عشر تجني الثمرة، إن علمته على المواجهة والتحدي سيصبح عدوك، وإن علمته على المحاورة والملاطفة سيصبح صديقك ”ثم هو عدوك أو صديقك“.

البند الثالث: الأدب.

يقول الإمام أمير المؤمنين علي : ”من حق الولد على والده أن يحسن اسمه وأن يحسن أدبه ويستفره أمه ويعلمه القرآن“

”أن يحسن اسمه“ أن يختار له اسم لطيف وجميل يحب أن ينادى به، ”وأن يحسن أدبه“ كما ورد عن الإمام أمير المؤمنين علي : ”عقل المرء نظامه وأدبه قوامه وصدقه إمامه وشكره تمامه“، ”ويستفره أمه“ لدينا ظاهرة الآن كتب عنها مجموعة من أخصائيي علم النفس وعلم الاجتماع وهي ظاهرة الطلاق العاطفي، هو يعيش مع زوجته ولكن بينه وبين زوجته طلاق عاطفي، لا يعود إلا الساعة الثانية ليلا بين الجلسات وهذه الزوجة في المنزل تنتظر، كيف تعامله مع هذه الزوجة؟ لا يسمعها كلمة حب ولا مدح لجمالها أو لشخصيتها أو لصفاتها كأنها جدار بالنتيجة هذه إنسان، ورد عن الرسول : ”عيال الرجل أسراؤه وأحسنكم صنيعا إلى الله أحسنكم صنيعا إلى أسرائه“ هذه المرأة تحتاج أن تعبر لها عن حبك ومشاعرك، ”قول الرجل لامرأته أحبك لا يزول من قلبها أبدا“ حتى لو قالها في اليوم أكثر من مرة، امدح جمالها وشكلها وطبخها وتصرفاتها، عندما تشعر الزوجة أن هناك علاقة عاطفية حميمة تنعكس على تربيتها لأبنائها، تنعكس على أدائها لأبنائها، أما إذا كان هناك طلاق عاطفي، زوج ينفق على البيت ويوفر لوازم البيت ويفرض شخصيته على الكل وانتهى، هذا طلاق عاطفي وهذه ظاهرة خطيرة.

البند الرابع: الروح الغيرية.

الإمام علي يقول لابنه الحسن : ”يابني اجعل نفسك ميزانا بينك وبين غيرك فأحبب لغيرك ماتحب لنفسك واكره له ماتكره لها“.

البند الخامس: المواكبة للمتغيرات.

يجب أن تراقب أيها الأب المتغيرات، جيل أبنائك ليس جيلك، الإمام علي يقول: ”لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم“ الآداب يعني العادات، كل جيل بعادات زمانه، بعادات عصره ومجتمعه.

الصفحة الثانية:

كيف نربي أنفسنا وكيف نكون مصداقا لقوله تعالى: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا؟ نحن كيف نربي أنفسنا في المنهج العلوي في خطوطه العريضة؟ هنا عدة ركائز لتربية أنفسنا في المنهج العلوي:

الركيزة الأولى: الحياة المعرفية.

حتى لو كنت موظف أو تاجر لا تقطع العلم والمعرفة، اتصل بالعلم دائما، حاول أن تتثقف وتتعلم، الحياة المعرفية لها عدة أركان في كلمات علي ابن أبي طالب :

  • الركن الأول: استثمار الوقت.

يقول علي : ”كل يوم يمر على ابن آدم يخاطبه أنا يوم جديد وأنا عليك شهيد فقل في خيرا واعمل في خيرا أشهد لك بذلك يوم القيامة“.

  • الركن الثاني: التفكير العملي.

لا تدخل تخصص غير عملي دائما انظر للفائدة والثمرة، أي علم يعرض عليك مالفائدة منه مالثمرة منه، أدخل في هذا العلم أعلم كم فائدة له وكم ثمرة له، حاول أن يكون تفكيرك تفكيرا عمليا، الإمام علي يقول: ”تعلموا العلم تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله العلم مقرون بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل“.

  • الركن الثالث: القدرة على التحليل والتأمل.

حاول أن يكون لديك قدرة على النقد والتحليل، بعض الأشخاص يكتبون لي نقد على خطابتي وهذا ممتاز فإذا كانت خطابتي بدون نقد فمعناها أنها غير متحركة، الخطابة المتحركة هي التي تثير التأمل والتدبر والنقد، الكلام الذي يبتني على أسس علمية هو الذي يكون مثارا للنقد والتأمل، لذلك الإمام علي يقول: ”اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية“ أي خبر تسمعه أو أي معلومة تسمعها من الخطيب أو الأستاذ أو صديق تأمل فيها فهو غير معصوم.

  • الركن الرابع: بلورة المعلومات.

بيكون عالم من العلماء، يقول العلماء ثلاثة: نملة ودودة قز ونحلة.

النملة: تجمع الطعام لتخزينه، هناك أشخاص يجمعون المعلومات فقط وهذا لا يتغير يبقى على حاله مثلما النملة لا يتغير فقط يجمع معلومات.

دودة القز: تبني من لعابها ثوبا لها يحيط بها ثم تموت داخل الثوب، بعضهم هكذا هو وأفكاره فقط لا ينفتح على علم آخر ولا على آفاق أخرى، فقط هو وأفكاره وآراؤه كأنها نزلت وحيا من السماء، لا ينفتح على علوم أخرى ولا على ثقافات أخرى ولا على مجالات أخرى، جامد على ما عنده مثله مثل دودة القز.

النحلة: تجمع رحيق الأزهار وتحوله إلى عسل، أنت هكذا كن اجمع المعلومات وبلورها وحولها إلى قوانين إلى عمل إلى أفكار أخرى، بلورة المعلومات، ورد عن الإمام علي : ”العلم علمان علم مسموع ومطبوع ولا ينفع المسموع دون المطبوع“ عقلك إذا تحرك يتحول العلم من مسموع إلى مطبوع.

الركيزة الثانية: استثمار الطاقة العملية.

ورد عن علي قال: ”النفس إن لم تشغلها شغلتك“ لا تترك العمل حتى لو كنت نتيجة كورونا جالس في المنزل، اعمل في المنزل، على الكمبيوتر، تعلم الطبخ اغسل، بالنتيجة اعمل، فالعمل ينمي عند الإنسان اكتشاف مواهبه وشخصيته، العمل يجعل من الإنسان راضيا عن ذاته، العمل مهم إن لم تعمل ستشغلك نفسك وإذا شغلتك نفسك فكرت في المعاصي والرذائل، فكرت والعياذ بالله في الجرائم والاعتداء على الآخرين.

الركيزة الثالثة: كرامة النفس.

علي يعنى بتربيته بكرامة النفس، النفس كما ذكرنا في الليلة الماضية لها عنصران: عنصر ملكي مادي وهو الظاهر وعنصر ملكوتي باطني.

العنصر الملكي: مجمع الشهوات والغرائز التي عبر عنها القرآن الكريم: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ.

العنصر الملكوتي: هو النفخة، ألم تقرأ قوله تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي النفخة الروحية هي صلة ملكوتية بينك وبين ربك تبقى ما دمت حيا، هذا العنصر الملكوتي هو مجمع الفضائل: الصدق والأمانة والخير ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْر لَشَدِيد لذلك تربية النفس تعني أن تهذب العنصر الملكي وتنمي العنصر الملكوتي، الإمام أمير المؤمنين يطرح لنا كرامة النفس ولها مظهران:

  • المظهر الأول: الغيرة.

أن تكون لك غيرة، على عرضك، وغيرة على مبادئك وعلى دينك، إذا تعرض دينك أو مبادئك أو أئمتك إلى خدش أو اعتداء تشعر بأن لك غيرة وحمية ولا ترضى بخدش مبادئك أو دينك أو أئمتك، يقول الإمام أمير المؤمنين علي : ”قدر الرجل على قدر همته وشجاعته على قدر أنفته وعفته على قدر غيرته“.

  • المظهر الثاني: عزة النفس.

كن عزيزا ولا تكن ذليلا، الإمام أمير المؤمنين يقول:: ”المؤمن عزيز“، وهذا تطبيق لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، ويقول الإمام أمير المؤمنين علي : ”المنية ولا الدنية“.