أهمية البينة في سلوك المؤمن

شبكة المنير

أعوذ بالله من الشّيطان الغويّ الرّجيم

والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّدٍ وآله الطيبين الطاهرين

بسم الله الرّحمن الرّحيم

﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً [1] 

صدق الله العليّ العظيم

حديثنا في هذا اليوم انطلاقًا من الآية المباركة في عدّة محاور:

المحور الأوّل: ما هو المقصود بالبيّنة؟

فقد تقرّر وتكرّر في القرآن الكريم إطلاق البيّنة في عدّة موارد، فما هو المقصود بالبيّنة؟ ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ، ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [2] ، فما هو المقصود بالبيّنة؟

قد اُسْتُعْمِلَ لفظ البيّنة في القرآن الكريم في عدّة معانٍ:

منها: البصيرة، فالإنسان الذي على بصيرة مِنْ أمره، عارفًا طريقه، عارفًا أهدافه، عارفًا خاتمته، هذا الإنسان على بيّنة، أي: على بصيرة، ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ [3]  يعني: إنْ كنتُ على بصيرةٍ، أنا أمشي على بصيرةٍ، كما ذكر القرآنُ الكريمُ عن النبي محمّدٍ : ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [4] .

والمعنى الثاني الذي يطلق عليه لفظ البيّنة هي الحجّة التي يحتجّ بها الإنسانُ أمام ربّه ويحتجّ بها اللهُ على عباده، ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ بمعنى أنّ مَنْ مات ماتَ على حجّة يحتجّ بها، ومَنْ حَيِيَ هو حيٌ على حجّة يحتجّ بها، ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ.

المعنى الثالث: أنّ المراد بالبيّنة المعجزة والآية، ﴿قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً [5]  يعني: ناقة صالح كانت بيّنة، يعني: معجزة، البيّنة هنا بمعنى المعجزة، ﴿قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً، ﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ - يعني: المعجزات - وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [6] ، البيّنة هنا بمعنى المعجزة.

المعنى الرّابع: أنّ المراد بالبيّنة الوحي والنبوّة، وهو المقصود في هذه الآية المباركة: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ يقصد النبي ، يعني: كان لديه وحيٌ، كان لديه نبوّة، ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ فالمراد بالبيّنة هنا الوحي والنبوّة.

والجامع بين هذه المعاني الأربعة كلها أنّ البيّنة ما يوجب اليقينَ، كلّ أمر يوجب اليقينَ فهو بيّنة، البيّنة هي الشيء الذي يوجب اليقينَ ويوجب الوضوحَ، يسمّى بالبيّنة، ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ هذا هو المعنى الجامع لعنوان ولمصاديق وأفراد البيّنة في القرآن الكريم، البيّنة يعني ما يوجب الوضوحَ واليقينَ والاطمئنانَ.

المحور الثاني: ما هي الحاجة إلى البيّنة؟

هل الإنسان يحتاج إلى بيّنةٍ أو يمكن للإنسان أنْ يمشي بلا بيّنة؟ ما هو الدّاعي للبيّنة؟ ما هي الحاجة للبيّنة؟ لماذا يحتاج الإنسانُ إلى أنْ يكون على بيّنةٍ في طريقه، في مساره، في أهدافه، في خطط أهدافه؟ ما هي الحاجة إلى البيّنة؟

تكمن الحاجة إلى البيّنة في جهتيْن: جهة الاطمئنان، وجهة الهدفيّة، ونشرح هاتَيْن الجهتَيْن.

الجهة الأولى: جهة الاطمئنان.

مَنْ هو على بيّنةٍ يعيش اطمئنانًا في حياته، مَنْ هو على بيّنةٍ يعيش استقرارًا في حياته، الإنسان يحتاج إلى البيّنة لأنّه يحتاج إلى الاطمئنان والاستقرار، فالبيّنة والوضوح يساوق الاطمئنانَ والاستقرارَ، الإنسان الذي يعيش ألغامًا في حياته، يعيش طلاسمَ في حياته، يعيش متاهاتٍ في حياته، يعيش شكوكًا في حياته، هذا الإنسان لا يهدأ له بالٌ، ولا يستقرّ له عيشٌ، لأنّه إنسانٌ تأكله الشكوكُ، تأكله المتاهاتُ، تتعب قلبَه، تتعب وجدانَه، إنسانٌ لا يعيش وضوحًا في حياته ولا يعيش اطمئنانًا في حياته، هذا الإنسان لا تمرّ عليه طرفة عين وهو مرتاحٌ أبدًا، الشكوك والوساوس والقلق هو أعظم عاملٍ لهدم استقرار حياة الإنسان، هذا الإنسان لا يستطيع أنْ يبدع، ولا يستطيع أنْ ينجز، ولا يستطيع أنْ يصنع عملاً مِنَ الأعمال متقنًا ما لم يكن مستقرًا مطمئنًا، فالاستقرار والاطمئنان فرع البيّنة، أنْ تكون على بيّنةٍ.

ولذلك ورد في القرآن الكريم: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [7] ، الإنسان إذا صعد إلى السّماء وتجاوز الغلافَ الجوّي لا يمكنه أنْ يتنفس لأنّه لا يملك هواءً، هذا الإنسان الذي يعيش قلقًا وحيرة وشكوكًا هو أيضًا صدره ضيّقٌ، ﴿يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ والمراد بضيق الصّدر ليس هو الاختناق، المراد بضيق الصّدر أنّ الإنسان يعيش في قلق وحيرةٍ وشكوكٍ لا نهاية لها.

ولذلك ورد في الحديث الشريف: ”إذا ضاقت بكم الصّدورُ فعليكم بزيارة القبور“، ربّما يتعجّب الإنسانُ: كيف أنا متضايقٌ في حياتي وأذهب إلى القبور أيضًا؟! أنا متضايقٌ فكيف أذهب إلى القبور؟! هكذا أزداد ضيقًا! المراد بالضّيق هنا الشكوك والحيرة، إذا كنتَ تعيش شكوكًا في الحياة، إذا كنتَ تعيش حيرة في الحياة فاذهب إلى هذه المنطقة، ستوقن بالمصير، ستوقن بالنهاية، ستذوب هذه الحياة، سيذوب هذا القلق، سيضمحل هذا الشك، ستكون على يقين بمصيرك ونهايتك، ”إذا ضاقت بكم الصّدورُ فعليكم بزيارة القبور“.

﴿يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ، فالإنسان الذي يعيش على بيّنةٍ يعيش على استقرارٍ واطمئنانٍ ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [8] ، والإنسان الذي يعيش حيرة وشكوكًا لا يدري ما هي عقيدته، لا يدري ما هو مساره، لا يدري ما هي أهدافه في الحياة، لا يدري ما هو طريقه من أين بدأ وإلى أين ينتهي، هذا إنسانٌ يعيش فوضى ويعيش قلقًا ويعيش اضطرابًا، هذه هي الحاجة الأولى لتحصيل البيّنة.

الجهة الثانية هي: الهدفيّة.

ما هو الفرق بين الإنسان الذي يؤمن بدينٍ والإنسان الذي لا يؤمن بدينٍ؟

الإنسان الذي يؤمن بدينٍ يملك فلسفة للحياة، الإنسان الذي يؤمن أنّ هذه الحياة لها مبدأ ولها منتهى يمتلك فلسفة للحياة، كما ورد عن النبي : ”نضّر اللهُ عبدًا عرف مِنْ أين وفي أين وإلى أين“، هذا إنسانٌ يملك فلسفة للحياة، يقول: هذه الحياة ليست لعبًا، ليست جزافًا، لها فلسفة، ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ [9] ؟! لا، هذه الحياة لها أهدافٌ، لها فلسفة معيّنة، ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ [10] ، ليس هناك لعبٌ، هناك فلسفة لهذه الحياة، مَنْ يمتلك عقيدة، مَنْ يمتلك بيّنة، مَنْ يمتلك دينًا يمتلك فلسفة للحياة.

وأمّا مَنْ لا يمتلك دينًا فهو يعيش فلسفة ناقصة للحياة، يحمل تفسيرًا ناقصًا للحياة، يحمل تفسيرًا سطحيًا للحياة، لأنّك ببساطةٍ تسأله، تقول له: هناك أشياءٌ واضحة أهدافها، أنت طبعًا لا تؤمن بدينٍ، يعني: لا تؤمن بأنّ هناك عالمًا آخر ينتظرك، لا تؤمن بأنّ مسيرتك طويلة وأنّ حياتك خالدة، أنت تؤمن بأنّ حياتك مختصرة في سبعين سنة، خمسين سنة تعيشها، لا أكثر، بما أنّك لا تؤمن بعالم آخر إذن فلسفتك للحياة ناقصة، لماذا؟

هناك بعض الأشياء واضحة: لماذا تدرس؟ تقول: والله حتى أحصل على شهادة وأحصل على وظيفة، واضحٌ، لماذا تبني أسرة؟ والله حتى أساهم في وجود هذه الحياة الإنسانيّة المتتابعة والمتتالية، لكن هناك أسئلة لا تستطيع أنْ تجيب عليها إذا لم تمتلك دينًا:

1/ ما هو الهدف مِنَ التضحية بالنفوس؟! لماذا يضحّي الأبطالُ والشهداءُ والذين يدافعون عن حقوقهم وأوطانهم بأنفسهم؟! لماذا؟! ما هو الهدف؟! وقد تذهب التضحية هباءً منثورًا وقد لا يتحقق شيءٌ مِنْ أهداف هذه التضحية في الحياة الدّنيا، فما هو الهدف من التضحية إذن؟!

2/ ما هو الهدف مِنَ الصّبر على آلام الحياة ومصاعب الحياة؟! هذه الحياة ليست جنة وليست مفروشة بالورود والزهور بل هي مملوءةٌ بالآلام، بالمصاعب، مملوءة بالمشاق، ما هو الهدف إذن مِنْ صبر الإنسان على تحمّل آلام الحياة ومصاعبها إذا لم يكن لهذا الصّبر نتيجة؟! وإلى متى سيصبر؟! صبر ومات وهو صابرٌ، فما هو الهدف مِنْ هذا الصّبر؟!

3/ ما هو الهدف مِنَ الكرم والسّخاء بلا مقابل؟! طيّب إذا أنت حياتك فقط هذه الخمسين سنة تعطي، تعطي، تعطي.. بلا مقابل، ما هو الهدف؟! ما هو الهدف مِنَ العطاء والبذل والكرم بلا مقابل؟!

كلّ هذه الأشياء يبقى لا هدف لها، تبقى فلسفتك لهذه المثل ولهذه القيم فلسفة ناقصة وسطحية لأنّ هذه القيم لا هدف لها مادامت حياتنا مختصرة في سبعين سنة أو خمسين سنة نعيشها.

أمّا مَنْ يمتلك بيّنة ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ، مَنْ يمتلك بيّنة يمتلك فلسفة للحياة، يمتلك هدفيّة للحياة، يقول: لا يوجد شيءٌ بلا هدف، وإنْ لم يكن الهدف في هذه الفترة القصيرة فالهدف سيتحقق جزمًا في الفترة الأخرى وفي المسار الطويل وفي الحياة الخالدة، إذن لو ضحيتُ بنفسي في سبيل ديني ومبادئي فأنا إنسانٌ هادفٌ لأنّني أرمق لهدفٍ آخر ولحياةٍ أخرى، لو أعطيتُ، لو بذلتُ، أموالي، جهودي، أوقاتي، في سبيل خدمة المجتمع الإنساني فلي هدفٌ، أنا إنسانٌ هادفٌ لأنّني أتوق لحياةٍ أخرى ولعوضٍ في حياةٍ أخرى، ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [11] ، ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا [12] ، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [13] ، إذن البيّنة تعني الهدفيّة، الحاجة إلى البيّنة تعني الحاجة إلى الهدفيّة، أنْ أمتلك هدفيّة لكلّ شيءٍ في الحياة وأنْ أمتلك فلسفة متكاملة لهذه الحياة كلها، فلا يبقى فعلٌ إلا وله هدفٌ وله فلسفة تعين على معرفة مبدئه وخاتمته، هنا تكمن الحاجة إلى البيّنة.

المحور الثالث: تفسير الآية المباركة.

﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ما هو المقصود بالشاهد؟ ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ واضحٌ أنّ المقصود به النبي محمّدٌ بقرينة قوله: ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً، لكن ما هو المقصود بالشّاهد؟ ﴿وَيَتْلُوهُ - ليس أيّ شاهدٍ - شَاهِدٌ مِنْهُ لا أي شاهدٍ، فما هو المقصود بهذا الشّاهد؟

إذا آمن الإنسانُ بالله تبارك وتعالى آمن بأنّه حكيمٌ عادلٌ، ومقتضى الحكمة والعدالة أنّه إذا بعث نبيًا أنْ يدعم هذا النبي بشواهدَ تدلّ على صدقه وتدلّ على حقانيّة نبوّته ودعوته، فإنّ الهدف مِنْ بعثة النبي نشر العدالة تقنينًا وتطبيقًا، ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ - لماذا؟ - لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [14]  يعني: لكي تتحقق العدالة الفرديّة والاجتماعيّة، بما أنّ الهدف مِنْ بعثة الأنبياء العدالة الفرديّة والاجتماعيّة تقنينًا وتطبيقًا فلا يمكن تحقق هذا الهدف إلا إذا آمن المجتمعُ البشري بهذا النبي، إذ لا يمكنه أنْ يحقق العدالة تطبيقًا وتقنينًا ما لم يؤمن به المجتمعُ البشري، والإيمان به فرع وجود شواهدَ تدلّ على صدقه، إذن مقتضى حكمته تعالى أنْ يبعث نظامًا، ومقتضى حكمته أنْ يدعم هذا النظام بشواهدَ تدلّ على صدقه ونزوله من السّماء، فإذن النبي المصطفى يحتاج إلى شاهدٍ، شاهد يدعم صدقَه، شاهد يدلّ على حقانيّة نبوّته، فما هو هذا الشّاهد الذي يدعم النبي ونبوتَه ؟

يعتبر في هذا الشّاهد ثلاثة عناصر:

العنصر الأوّل: أنْ يكون الشاهد شهادة مطلقة.

لأنّ القرآن لم يقيّد، لم يقل: شاهد في شيءٍ دون شيءٍ، قال: شاهد، يعني: يشهد شهادة مطلقة، بمعنى أنّ هذا الشاهد يعتبر فيه أنْ يكون شاهدًا شهادة تشريعيّة وشهادة تطبيقيّة، شهادة علميّة وشهادة عمليّة، لذلك القرآن لا يكفي في الشهادة، صحيح القرآن معجزة تدلّ على نبوّة النبي مِنْ خلاله إخباره بالمغيّبات، مِنْ خلال تنبّؤاته بالحقائق الطبيعيّة والعلميّة للوجود، لكنّ القرآن شاهدٌ نظريٌ وليس شاهدًا عمليًا، النبوّة تحتاج إلى شهادةٍ علميّةٍ وعمليّةٍ، تحتاج إلى شهادةٍ تشريعيّةٍ وتطبيقيّةٍ أيضًا على الأرض، فمَنْ هو هذا الذي يحمل الشهادة بإطلاقها: الشهادة التشريعيّة والتطبيقيّة أيضًا؟

مثلاً: عندما نتساءل مثلاً عن الثورة الفرنسيّة: ما هو الدّليل على حقانيّة الثورة الفرنسيّة؟ الدّليل على حقانيتها إنجازاتها العمليّة، الإنجاز العملي دليلٌ على حقانيّة الثورة، لولا أنّ هذه الثورة حقة، لولا أنّ هذه الثورة ثورة صادقة لما حققت إنجازاتٍ عمليّة، الإنجازات العمليّة دليلٌ بشريٌ إنسانيٌ على حقانية الثورة الفرنسيّة، ما هو الدّليل على صدق الثورة الإسلاميّة في إيران؟ الدّليل على صدقها وحقانيتها إنجازاتها، إنجازاتها العمليّة على الأرض، الإنجازات العمليّة هي الدّليل على صدق الثورة وعلى حقانيتها.

النبي محمّدٌ إنسانٌ فجّر ثورة، فجّر ثورة تغيريّة جذريّة في المجتمع الإنساني، فأوّل سؤالٍ يُطْرَحُ: ما هو الإنجاز العملي الذي حققه؟ ما هو الإنجاز العملي الذي حققه النبي كي يكون ذلك الإنجاز العملي دليلاً على صدق ثورته وحقانيتها؟ إذن هو يحتاج إلى شاهدٍ، شاهد يشهد شهادة تشريعيّة بعلمه على أنّ الدّين متكاملٌ، ويشهد شهادة تطبيقيّة بعمله على صدق نبوّة النبي ، وهذه الشهادة المطلقة لا تتحقق إلا في شخصٍ صنعه النبيُ الأعظمُ فكان إنجازًا عمليًا لثورته التغيريّة الجذريّة، ولا ينطبق ذلك إلا على أمير المؤمنين علي عليه السّلام، ”وكنتُ أتبعه إتباع الفصيل أثرَ أمّه، وكان يرفع لي كلّ يوم علمًا مِنْ أخلاقه ويأمرني بالاقتداء به، وما وجد لي كذبة في قولٍ، ولا خطلة في فعلٍ“.

محمّدٌ   النبي   أخي   وصهري

وجعفر  الذي  يضحي  iiويمسي

وبنتُ   محمّدٍ  سكني  iiوعرسي

وسبطا    أحمد   ولداي   iiمنها

سبقتكم    إلى    الإسلام   طرًا

وصليتُ   الصلاة   وكنتُ  طفلاً

وأوجب    لي    ولايته   عليكم

فويلٌ     ثم     ويلٌ    ثم    iiويلٌ













 
وحمزة   سيّد   الشهداء  عمّي

يطير   مع  الملائكة  ابنُ  أمي

منوط   لحمُها   بدمي   ولحمي

فمَنْ  مِنْكُمُ  له  سهمٌ  iiكسهمي

على ما كان مِنْ فهمي وعلمي

صغيرًا  ما  بلغتُ  أوانَ  حلمي

رسولُ   الله   يومَ   غدير   iiخم

لمَنْ  يرد القيامة وهو iiخصمي

فلذلك قال: ”أنا مدينة العلم وعليٌ بابها“ فهذا يشهد لي شهادة عمليّة، وقال: ”عليٌ مع الحقّ والحقّ مع علي“ هذا يشهد لي شهادة عمليّة، فهو جامعٌ للشهادتين معًا، فهو الحقيق بعنوان الشّاهد، ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ.

العنصر الثاني: أنْ يكون منه لا مِنْ غيره.

﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ لا مِنْ غيره، هنا يتساءل الإنسانُ: لماذا منه؟ هو أيضًا شاهدٌ ماداما معصومَيْن فلن يتخالفا، مادام الأول - وهو المشهود عليه - معصومًا والثاني - وهو الشاهد معصومًا - إذن لن يتخالفا، ماداما معصومَيْن عن الخطأ والزلل فما هي الحاجة لأن يكون الشاهد منه لا من غيره ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ؟

الحاجة إلى ذلك - هذه ربّما تعرضتُ أنا لها في بعض المحاضرات قبل خمس سنين - مسألة النفس، لكلّ مخلوق بشري نفسٌ، النفس بمعنى الجبلة التي خُلِقَ عليها نتيجة تداخل الأعراق، نتيجة تداخل الجذور، أنت تنحدر مِنْ عائلةٍ تحمل نفس العائلة، مستحيل أنْ تخرج عن نفس العائلة، بمعنى أنّ لك طباعًا ولك أساليبَ تكتسبها مِنْ خلال تداخل الأعراق التي تولد بها وتنشأ عليها، هذا النفس يعني الطبع، هناك شخصٌ طبعه طبعٌ مثلاً مرنٌ، هناك شخصٌ طبعه طبعٌ جادٌ، هناك شخصٌ طبعه طبعُ بذلٍ، هناك شخصٌ طبعه طبعُ قبضٍ... طباعٌ يكتسبها الإنسانُ مِنْ خلال العروق التي ينحدر منها، ”اختاروا لنطفكم فإنّ العِرْق دسّاسٌ“ العِرْق مؤثرٌ، ”اختاروا لنطفكم فإنّ العِرْق دسّاسٌ“، وورد عن النبي : ”مَنْ زوّج ابنتَه شاربَ خمرٍ فقد قطع رحمَها“.

إذن هذه الطباع تختلف باختلاف البشر، ولكلّ بشرٍ نفسٌ معيّنٌ، ولكلّ بشرٍ ميولٌ معيّنة، ولكلّ بشرٍ انقداحاتٌ وتبادراتٌ وانصرافاتٌ معيّنة، لذلك لا يمكن المسانخة بين شخصٍ وشخصٍ في تمام الطباع وفي تمام الأساليب وفي تمام الميول بحيث يكون الثاني صورة عن الأوّل «بحيث يكون الثاني شاهدًا شهادة متطابقة مع الأوّل» إلا إذا كان منه، يعني: منحدرًا معه مِنْ أصلٍ واحدٍ ومنبعٍ واحدٍ وجذرٍ واحدٍ وعِرْقٍ واحدٍ وجذورٍ واحدةٍ.

لذلك لماذا اللهُ جعل النبوّة كلها في عائلةٍ واحدةٍ؟ لماذا لم يجعلها في عوائلَ؟! هل النبوّة ميراث؟! لا، النبوّة ليست ميراثًا، لأنّ تداخل الأعراق وتداخل الجذور مؤثرٌ في صياغة الطبع، في صياغة النفس البشري، إبراهيم الخليل يقول عنه القرآن: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ [15] ، ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ - آل عمران يرجعون إلى آل إبراهيم - وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ - لماذا؟ - * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ [16] ، يعني: البعض يكتسب مِنَ البعض، البعض اللاحق يكتسب مِنَ البعض السّابق، ذرّية متسلسلة، فالجذور والأعراق تضع بصماتِها على صياغة طبع هذا الإنسان وعلى صياغة ميول هذا الإنسان، ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [17] ، إذن لابدّ أنْ يكون الشاهد منه لا مِنْ غيره، شاهدٌ ينحدر معه مِنْ أصلٍ واحدٍ وجذرٍ واحدٍ وعِرْقٍ واحدٍ ويكون متسانخًا معه في الصّفات والطباع حتى يكون صورة أخرى عنه، وحتى يكون شاهدًا عليه شهادة متطابقة ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ، وهذا لم ينطبق إلا على أمير المؤمنين علي عليه السّلام.

العنصر الثالث: يعتبر في الشاهد أنْ يكون مستمرًا.

طبعًا لا ينقطع، كيف يكون شاهدًا إذن إذا هو منقطعٌ؟! لابدّ أنْ يكون الشاهد مستمرًا وباقيًا، إذ كلما مرّ جيلٌ وكلما مرّ زمنٌ وكلما جاءت أمّة احتاجت إلى أنْ تعيش هذا الشاهد، إلى أنْ ترى آثار هذا الشاهد، إلى أنْ تحرز صدقَ هذا الشاهد، فلابدّ أنْ يكون الشاهدُ متجدّدًا مستمرًا خالدًا إلى قيام السّاعة حتى تكون شهادته شهادة متجدّدة واضحة مستمرًا، وهذا لا ينطبق إلا على علي وذرّيته الذين استمرت بهم الإمامة واستمرت بهم الشهادة إلى المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، فلذلك قال: ”إنّي مخلفٌ فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إنْ تمسكتم بهما لن تضلوا بعده أبدًا“.

مِنْ هنا نعرف مصداقَ الدّعاء: ”اللهم عرّفني نفسَك فإنّك إنْ لم تعرّفني نفسَك“، «عرّفني» يعني: أعطني البيّنة، رجعنا للبيّنة، أنا أحتاج إلى بيّنةٍ، أنا لا يمكن أنْ أعيش بدون بيّنة، ”اللهم عرّفني نفسَك“ يعني: أقم لي البيّنة الواضحة اليقينيّة الصّادقة عليك وعلى آثارك، ”اللهم عرّفني نفسَك فإنّك إنْ لم تعرّفني نفسَك لم أعرف نبيّك، اللهم عرّفني نبيك فإنّك إنْ لم تعرّفني نبيّك لم أعرف حجّتك، اللهم عرّفني حجتك فإنّك إنْ لم تعرّفني حجتك ضللتُ عن ديني“، بدون بيّنة يعني ضلال ”ضللتُ عن ديني“.

إذن أولاً معرفة الله، ولا يمكن لشخصٍ أنْ يعرف الله معرفة حقيقيّة حتى يتعرّف على النبي ”فإنّك إنْ لم تعرّفني نفسَك لم أعرف نبيّك“، مَنْ لم يعرف نبيّه لم يعرفه تعالى معرفة حقيقيّة، لو عرفه تعالى معرفة حقيقيّة لعرف نبيّه، إذا كنتَ تؤمن بأنّ الله حكيمٌ وعادلٌ مقتضى الحكمة والعدالة أنْ يخلق شخصًا هو أكمل الناس، هذا مقتضى الحكمة والعدالة، مقتضى الحكمة والعدالة أنْ يخلق شخصًا هو أكمل الناس، أكمل الناس سلوكًا وأكمل الناس نظامًا، أمّا أنّه أكمل الناس سلوكًا ليكون القدوة للبشريّة كلها ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [18] ، وأمّا أنّه أكمل الناس نظامًا فلأنّ البشريّة تحتاج إلى نظام كاملٍ يغطي جميع حاجاتها التشريعيّة، ولذلك أشار القرآنُ إلى هذا المعنى وقال: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [19]  يعني: النظام الأكمل هو الذي ورد على يديه ، إذن مَنْ عرف الله حقّ معرفته عرف أنّه حكيمٌ عادلٌ، ومقتضى حكمته وعدالته أنْ يخلق الأكمل: الأكمل سلوكًا والأكمل نظامًا، وهذا ينطبق على النبي ، ومَنْ لم يعرف النبي معرفة حقيقيّة لم يعرف الحجّة مِنْ بعده، أيّ شخصٍ لا يعرف الحجّة بعده فهو لا يعرف النبي معرفة حقيقيّة، لِمَ؟

لأنّ النبي عرّفه القرآنُ: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ [20]  يعني: أنا أجمع بين عنصرين: عنصر إلهي ﴿يُوحَى إِلَيَّ، عنصر بشري، ليس المقصود بالعنصر البشري ليس معصومًا، لا، معصومٌ، لكنّ البشر محدودٌ زمانًا، محدودٌ مكانًا، محدودٌ مِنْ حيث الآليّات والأدوات الطبيعيّة، فبما أنّ النبي بشرٌ والبشر محدودٌ - محدودٌ زمانًا ومكانًا وآلية - إذن لا يمكن لهذا المحدود أنْ يبلغ نظامًا كاملاً تشريعًا وتطبيقًا لأنّه محدودٌ لا لقصورٍ في قدراته وطاقته، بل لأنّ الزمن يحجزه، بل لأنّ المكان يحجزه، بل لأنّ الأدوات المتوفرة تحجزه، فلا يمكن لهذا البشر المحدود أنْ يبلغ نظامًا متكاملاً.

إذن مَنْ عرف النبي حقّ معرفته آمن بأنّ بعد النبي حججًا منصوبة مِنْ قِبَلِ الله تقوم بتكميل تبليغ النظام تشريعًا وتطبيقًا، فمقصوده تعالى بقوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [21]  يعني: أكملته بنصب الحجّة عليكم، ”فمَنْ كنتُ مولاه فهذا عليٌ مولاه، اللهم والِ مَنْ والاه، وعادِ مَنْ عاداه، وانصر مَنْ نصره، واخذل مَنْ خذله، وأدر الحقّ معه أينما دار“، إذن تبيّن لنا ”إنْ لم تعرّفني نفسَك لم أعرف نبيّك“، ”إنْ لم تعرّفني نبيّك لم أعرف حجّتك“ معرفة السّابق تقود إلى معرفة اللاحق حتمًا وإلا لم تكن معرفة حقيقيّة.

المحور الأخير:

قال تبارك وتعالى: ﴿شَاهِدٌ مِنْهُ وقلنا: الدّليل على صدق النبوّة وجود الشاهد، والشهادة على قسمين:

1 - شهادة ذاتيّة.

2 - وشهادة عرضيّة.

الشهادة الذاتيّة هي الشهادة التي يُخْلَقُ عليها الإنسانُ، خُلِقَ وهو شاهدٌ، كالأئمة الطاهرين، خُلِقُوا وهم يمتلكون صفة الشهادة، الشهادة على النبوّة، الشهادة على الوحي، الشهادة على الدّين، وهناك شهادة عرضيّة يكتسبها الإنسانُ، كالعلماء، العلماء أيضًا شهودٌ على الدّين لكنّ شهادتهم شهادة عرضيّة، شهادة اكتسابيّة، لم يُخْلَقُوا وهم شهودٌ، وإنّما اكتسبوا الشّهادة على الدّين، فشهادتهم على الدّين شهادة عرضيّة، أنت الإنسان الذي ليس مِنَ العلماء هل يمكن أنْ تصبح شاهدًا؟

نعم، كلّ إنسانٍ يستطيع أنْ يصبح شاهدًا على الدّين، القرآن الكريم يقول: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [22] ، كلٌ منكم يستطيع أنْ يكون شاهدًا، كلٌ منكم يستطيع أنْ يتحلى بمقام الشهادة، الشهادة على الأمّة والشهادة على سلوك الأمّة والشهادة على دين الأمة مِنْ خلال خلقه، مِنْ خلال تديّنه، مِنْ خلال سلوكه، هو يعتبر شاهدًا، أنت تشهد على صدق الدّين بخلقك وبسلوكك، ”فإنّ الرّجل منكم إذا صدق في حديثه وورع في دينه وحسن خلقه مع الناس قيل: هذا جعفري، فيسرّني ذلك“ أنت يمكن أنْ تحصل على الشهادة مِنْ خلال خلقك ومثلك.

ومِنْ صور الشهادة: احتفالنا بأعياد الأئمة الطاهرين ومواليدهم، فإنّ هذا الاحتفال هو صورة مِنْ صور الشهادة، احتفالنا يذكّر الأمة بالأئمة الطاهرين، احتفالنا يربط أجيالنا بالأئمة الطاهرين، احتفالنا يؤكّد ولاية الأئمة الطاهرين ويرسّخها في قلوب أبنائنا وأحفاد أحفادنا، إذن نفس الاحتفال صورة مِنْ صور الشهادة ﴿شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، لذلك في هذه المناسبة الكريمة العظيمة مناسبة ميلاد الحجّة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف مِنَ الجميل بكلّ واحدٍ مِنْ أبناء مجتمعنا أنْ يساهم بشيءٍ في هذا الاحتفال، بأنْ تحتفل المنطقة بأسرها: بصورها، ببوابتها، بزينتها، بمأكولاتها، بمشروباتها، بدواوينها، بحسينياتها، بأسواقها...

كلٌ يحتفل مِنْ موقعه، كلٌ يحتفل مِنْ مقامه، كلٌ يقوم بشيءٍ يؤكّد على عظمة المناسبة وأهمّيّة هذه المناسبة وهي مناسبة ميلاد قائد البشريّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بحيث كلّ شخصٍ يمرّ على المنطقة يعرف أنّ المنطقة تعيش عرسًا، تعيش عيدًا، كما إذا مرّ شخصٌ ليلة عاشوراء أو يوم عاشوراء ورأى الأعلامَ السّوداء تنتشر على البيوت والجدران والدّكاكين وعرف أنّ المنطقة تعيش حزنًا ومأتمًا عميقًا فليلة النصف مِنْ شعبان وليلة النصف مِنْ رمضان ينبغي أنْ تزيّن البلادُ كلها بأجمعها كي مَنْ يمرّ على المنطقة يرى أنّ المنطقة تعيش عرسًا وتعيش احتفالاً وتعيش عيدًا حقيقيًا ألا وهو ميلاد قائد البشريّة جمعاء المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

وينبغي أنْ يكون هذا الاحتفالُ مقرونًا بالورع عن محارم الله، بالورع عن الشبهات، بتجنب مزالق الفتن والأهواء وإثارة الغرائز، ينبغي أنْ يكون احتفالنا احتفالاً مدعومًا بشبابنا الأوفياء النشطاء الذين ينبثون في كثيرٍ مِنَ المواقع ليحافظوا على الصّورة الجميلة لهذا الاحتفال، هؤلاء الشباب النشطاء الجنود المجهولون الذين يتفرّقون في جميع المناطق، في جميع البوّابات، في جميع الأماكن، ليحافظوا على نزاهة الاحتفال، وعلى نقاء الاحتفال، وعلى أنْ تكون صورته صورة ناصعة بيضاءَ خالية مِنَ المنكرات ومزالق الفتن والأهواء ومزالق الإثارات، ليكون الاحتفال شهادة حقيقيّة واضحة على مبادئنا وقيمنا وولايتنا للأئمة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

[1] هود: 17.
[2] الأنفال: 42.
[3] هود: 28.
[4] يوسف: 108.
[5] الأعراف: 73.
[6] البقرة: 87.
[7] الأنعام: 125.
[8] الرعد: 28.
[9] المؤمنون: 115.
[10] الأنبياء: 16.
[11] الزمر: 10.
[12] الإسراء: 18 - 20.
[13] الزلزلة: 7.
[14] الحديد: 25.
[15] العنكبوت: 27.
[16] آل عمران: 33 - 34.
[17] الأحزاب: 33.
[18] الأحزاب: 21.
[19] الأحزاب: 40.
[20] الكهف: 110.
[21] المائدة: 3.
[22] البقرة: 143.