الحوار المفتوح - الجزء الثاني

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدم إياد الجشي: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته، أهلا وسهلاً بكم في هذه الحوارية التي نستكمل فيها مناقشة الموضوعات والأطروحات التي طرحها سماحة السيد خلال الموسم العاشورائي، وسنبدأ في هذه الليلة بمناقشة الأسئلة الواردة ليلة فليلة بحسب الترتيب، تحدث سماحة السيد في الليلة الأولى حول سيرة الزهراء بين التحقيق التاريخي والتلاعب الطائفي، وهنا ورد سؤال: ما هي الدلائل التي استندتم عليها في وصفكم بسام الجمل بالطائفي؟

العلامة المنير: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، للإجابة عن هذا السؤال نتعرض إلى أمرين:

الأمر الأول: أن التعبير بالطائفية والتلاعب الطائفي ليس المقصود به أن المتحدث إنسان طائفي، قد يكون المتحدث إنساناً لا دينياً أصلاً، ولا يعترف بمذهب من المذاهب، أو أنه إنسان علماني لا يقيم للخصوصيات المذهبية وزناً، وإنما المقصود بالطائفية هي المنهج بمعنى أن أي كاتب أو أي باحث عندما يتحدث عن رمز من الرموز الإسلامية المتفق عليها بعبارات غير لائقة فيُعتبر المنهج طائفي بغض النظر عن قصده؛ أي أنه لعب على وتيرة طائفية، فعندما يتحدث عن رمز إسلامي متفق على رمزيته بعبارات غير لائقة فهو يثير زوبعة طائفية، فلأن هذا المنهج يثير زوبعة طائفة لذلك نقول بأن هذا المنهج ليس منهجاً تحقيقياً وإنما هو تلاعب طائفي، فإذن نحن لم نعبر عن بسام الجمل أنه طائفي أصلاً، وإنما العنوان في المحاضرة كان سيرة الزهراء بين التحقيق التاريخي والتلاعب الطائفي، والمقصود به أن سيرة الزهراء بين منهجين منهج موضوعي، ومنهج يخلق ويسبب زوبعة طائفية؛ لأنه يتحدث عن رمز إسلامي متفق على نزاهته ألا وهو الزهراء ، يتحدث عنها بعبارات غير لائقة لذلك قلنا بأن هذا تلاعب طائفي.

 الأمر الثاني: أنقل لكم بعض عباراته في هذا المنهج التي استخدمها في كتابه «جدل التاريخ بين الواقع والمتخيل»، قال:

  1. العبارة الأولى: وتشير بعض الروايات إلى أن علياً كان يعاملها بشدة وقسوة، وربما انقطعت بينهما لغة الحوار، ثم يستشهد على ذلك برواية ليس فيها دلالة على الشدة والقسوة، وهذه الرواية عن المنهال بن عمر أنه كان بين علي وفاطمة كلام، وأنه هجرها وخرج، أي أنه أعرض فخرج إلى المسجد، فهل هذا تعبير لائق عن الخليفة الرابع عند المسلمين، وعن الإمام المنصوب المعين عند الشيعة الإمامية؟
     
  2. العبارة الثانية: والحق أننا لم نعثر على أسباب صريحة تفسر عزوف شباب أهل مكة خاصة عن التقدم لخطبة ابنة الرسول، ويقول في الحاشية: ربما لم تكن فاطمة على حظ كاف من الجمال الذي يطلبه شباب قريش من الفتاة. ترك كل التفسيرات ولجأ إلى تفسير لا يصح التعبير به عن ابنة الرسول.
     
  3. العبارة الثالثة: وتؤكد بعض الروايات الشيعية خاصة بحث علي عن مغامرات عاطفية خارج إطار الزواج وهذا ما أتاه فعلا مع جارية كانت قائمة على خدمته في بيت فاطمة وذكر رواية مكذوبة أنه وجد رأسه في حجر جارية، فلو فرضنا جدلاً أنه وجد رأسه في حجر جارية خادمه عنده وهي تغسل رأسه فهل هذا يعني أنها مغامرات عاطفية؟ وهل هذه تعبيرات لائقة بمن اتفق المسلمون على صلاحه؟
     
  4. العبارة الرابعة: ومن البديهي أن يكون للفكر الشيعي السبق في تضخيم فاطمة وتمجيدها مقارنة بالفكر السني، بسبب صلة هذه الشخصية الوثيقة بالإمام علي بن أبي طالب ومن جاء بعده من الأئمة.
     
  5. العبارة الخامسة: فهي في التاريخ شخصية مهمشة لاسيما أنها أصغر شقيقاتها الثلاث ولم يكتب لها الزواج إلا برجل فقير كان يسيء معاملتها.
     
  6. العبارة السادسة: والخلاصة عدم تقدم شباب مكة لخطبتها وسوء المعاملة من زوجها أولاً ومن الخليفة أبي بكر ثانياً وعدم تأدية أي دور مهم في مسيرة الإسلام.
     
  7. العبارة السابعة: ومهما يكن من أمر فإن الثابت تاريخياً أن فاطمة لم تنجح في الحصول على نصيب أبيها من فدك، وهو ما جعلها على ما يبدو ترد الفعل بشدة لاسيما تجاه خليفة المسلمين أبي بكر حتى إنها تجرأت على مخاطبته فقالت ما قالت.
     
  8. العبارة الثامنة: سيطر عليها الفقر وقلة ذات اليد ويبدو أنها لم تتمكن من مداواة الجرح النفسي العميق الذي سببه لها ذلك الفقدان  يقصد فقدان الرسول  ولعله كان من دوافع هلاكها بعد مدة وجيزة من وفاة أبيها.
     
  9. العبارة التاسعة: والحاصل من سيرة فاطمة أنها لم تكن سوى شخصية عادية سواء في حياة الرسول أم بعده، فلم تكن لها أي حظوة في وسطها الأسري أو وسطها الاجتماعي، ولا خبر في المصادر التاريخية عن سبب عزوف شباب قريش عن طلب الزواج بها.
     
  10. العبارة العاشرة: ومن المؤكد عندنا أن تمجيد آل البيت وتقديس رموزهم علي والحسن والحسين وفاطمة وسائر الأئمة بدأ مع بروز الدولة المنتصرة للمقالات الاعتقادية الشيعية.

فمن هذه العبارات كأي إنسان موضوعي ومنصف، ويرى بعين الإنصاف والحقيقة، لا يليق بمسلم أو بعربي غير مسلم يعرف رموز العروبة ومنهم فاطمة أن يتحدث عن رمز إسلامي متفق عليه وهما علي وفاطمة بهذه العبارات غير اللائقة، فهذه العبارات تضرب على وتر طائفي لأنها تثير فتنة وزوبعة طائفية، وبالتالي قلنا عن ما كتبه بسام الجمل ليس تحقيقاً تاريخيا وإنما هو تلاعب طائفي.

المقدم إياد الجشي: في الليلة الخامسة تحدث سماحة السيد حول التراث الفكري في الخطبة الفاطمية وهنا ورد سؤال يقول: يذكر العلامة السيد منير الخباز زاده الله علماً وتوفيقاً أن الأصل الثاني من أصول الدين ليس العدل وإنما هو الكمال المطلق لله عزوجل، وحيث أن العدل مظهر من مظاهر الكمال مثل الغنى والحكمة والرحمة، بينما الكتب الكلامية كلها تقريباً تعد العدل هو الأصل الثاني، فلماذا يذكر على المنابر أن الأصول خمسة بينما هناك من يعد الأصول ثلاثة وأن الإمامة من أصول المذهب وليس الدين؟

العلامة المنير: بالنسبة إلى أصول الدين الخمسة التوحيد والعدل النبوة والإمامة والمعاد.

أولاً: هذا الحصر لم يرد في رواية معتبرة ولا آية على أن أصول الدين خمسة، ولم يقم دليل عقلي على حصر الأصول في هذه الأصول الخمسة، ولم يتفق علماؤنا أيضاً على أن الأصول خمسة، فبعض علمائنا ومنهم سيدنا الخوئي قدس سره قال أن أصول الدين التوحيد والنبوة، وفي بعض كتبه أضاف المعاد، وبعضهم يرى أن أصول الدين أربعة التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد وبعضهم يراها ثلاثة التوحيد والنبوة والمعاد، فحتى بين علمائنا لا يوجد اتفاق.

 ثانياً: أصول الدين هل ينظر إليها من ناحية أنها مقوم للتدين أو ينظر إليها بما أنها مقوم للدين، فتارة ننظر إلى الأصول على أنها مقوم للتدين؛ بمعنى لا يعتبر الإنسان متديناً بدين الإسلام إلا إذا آمن بها فهي قوام التدين بدين الإسلام، فهنا اختلف علماؤنا وفقهاؤنا في أن المقوم للتدين هل هو الخمسة أو الثلاثة «التوحيد والنبوة والمعاد»، وهناك بحث تعرض له سيدنا الخوئي قدس سره في كتابه «التنقيح للفرق بين الإسلام الواقعي والإسلام الظاهري» وذكر أن الإسلام الواقعي يتقوم بالخمسة، بينما الإسلام الظاهري يكفي فيه التوحيد والنبوة؛ أي الشهادتان شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

وتارة نبحث عما هو مقوم للدين لا للتدين بغض النظر عن وجود متدين، الإسلام كدين، الدين كفكر ما هو قوامه وما هي أصوله؟ الدين كفكر وكمنظومة فكرية ما هي أصول هذه المنظومة الفكرية وما هو قوامها؟ بغض النظر عن مناط التدين، فهنا يكون البحث بحثاً عقلياً ولأن البحث بحث عقلي فإذن النبوة والمعاد يتوقفان على العدل، لأن هناك بحثاً بين المتكلمين الأشاعرة والمعتزلة حول الحسن والقبح، هل الحسن والقبح عقليان أم شرعيان؟ فقالت الأشاعرة أن الحسن والقبح شرعيان، وأما المعتزلة والإمامية قالوا بأن الحسن والقبح عقليان، فلما بنى الإمامية على أن الحسن والقبح عقليان قالا إذن يقبح عقلاً على الله الظلم، ويتعين عليه العدل، هذا من متفرعات بحثهم حول الحسن والقبح العقليين، قالا إذن يتعين على الله العدل ويقبح منه الظلم، فاعتبروا العدل أصلاً من أصول الدين لأنه لابد من القول بالحسن والقبح العقليين، وإذا قيل بهما يلزمهما قهراً أن نقول يتعين على الله العدل ويقبح منه الظلم، ولأنه يتعين عليه العدل فلابد من بعث الأنبياء والرسل فإن هذا مظهر للعدل، ولأنه يتعين عليه العدل فلابد أن يكون هناك يوم جزاء، يثاب فيه المطيع ويعاقب فيه العاصي فإن هذا مقتضى العدل.

إذن لما توقف أصلان من الأصول وهما النبوة والمعاد على القول بالعدل، اعتبروا العدل أصلاً من أصول الدين؛ أي مما يتقوم به الدين كمنظومة فكرية، ولكن عندما نأتي لهذه النقطة نجد أن العدل نفسه أيضاً يتوقف على أمر آخر، صحيح أن المعاد والنبوة يتوقفان على عدل الله، لكن عدل الله أيضاً يتوقف على أمر آخر ألا وهو كماله تبارك وتعالى، لذلك نقول التسلسل هكذا، الإيمان بوجوده تعالى يقتضي الإيمان بوحدانيته، والإيمان بوحدانيته يقتضي الإيمان بكماله، والإيمان بكماله يقتضي الإيمان بعدله، فالعدل وإن كان يتوقف عليه أصلان من أصول الدين لكن العدل أيضاً يتوقف على الكمال، فلولا أنه الكمال المطلق لما وجب الإيمان بعدالته، ولولا أنه واحد في ذاته وصفاته وأفعاله بحيث لا يشاركه أحد ولا مثيل له لم يكن كمالاً مطلقاً، إذن التوحيد يقود إلى الكمال المطلق، والكمال المطلق يقود إلى العدل، والعدل يقود إلى النبوة والإمامة والمعاد، لذلك قلنا أن العدل مظهر للكمال وليس هو المحور من حيث الانتقال من التوحيد إلى النبوة.

المقدم إياد الجشي: ننتقل إلى الليلة السابعة حيث تحدث سماحة السيد حول مؤسسة الأسرة والشخصية الناجحة وهنا ورد سؤال: يقول السائل: ذكر السيد منير الخباز حفظه الله في الليلة السابعة حديثاً نسبه إلى النبي وهو حديث: تفاءلوا بالخير تجدوه، فقد بحثت في كتاب الكافي للشيخ الكليني، وكتاب الوسائل، وكتاب بحار الأنوار وغيرهم من الكتب ولم أجد هذا الحديث، ولم أجده حتى في كتب غير الإمامية المعتبرة فما هو رد السيد حفظه الله على هذا الإشكال؟

العلامة المنير: نقل هذا الحديث عن النبي السيد الطباطبائي في الميزان[1] ، كما نقله في ميزان الحكمة[2] ، وله حديث شبيه في الكافي وهو ما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا قال: ”أحسن الظن بالله فإن الله عزوجل يقول أنا عند ظن عبدي المؤمن، إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً“.

المقدم إياد الجشي: ما هي الكتب التي نتعرف من خلالها كمال الأسرة وما هي المقدمات اللازمة لتحقيق النتيجة المرادة من هذه المؤسسة الإسلامية؟

العلامة المنير: الكتب التي كتبت في هذا المجال مثل كتب الدكتور علي القائمي «الأسرة ومتطلبات الطفل» «الأسرة وقضايا الزواج» «أسس التربية» «دور الأم في التربية» أيضاً كتاب الشيخ محمد تقي الفلسفي «الطفل بين الوراثة والتربية»، وكما قلنا في إحدى المحاضرات ليس اللازم من الأبوين قراءة الكتب، وإنما اللازم هو التركيز على تماسك الأسرة بأن تكون الأسرة مستقرة عاطفياً ومتعاونة ومتعاطفة، وأن يكون هناك وجود للأبوين، والوجود بمعنى الوجود الجسدي والوجود الوجداني؛ بأن يكون الأبوان حاضرين مع الأولاد في تفهيمهم أجوبة أسئلتهم، وتفحص مشاكلهم وقضاياهم، والتعامل معهم بما يوجب عمقاً في العلاقة، وصداقة دائمة بينه وبينهم، فهذا هو الذي يؤدي إلى مقومات الشخصية الناجحة.

المقدم إياد الجشي: المرأة رقيقة، والإسلام أخبرنا بأنها ريحانة، والرسول يقول أنا خيركم لأهلي، وهناك من يفهم بأن له سلطة على المرأة، فيشق عليها بعدم الخروج إلا بإذنه، بدون تفاهم أو لين أو مصلحة، والإسلام يحث على كبح الأنا وعدم ترسيخها، وأن يكون كل شخص نعما للآخر فما هو ردكم؟

العلامة المنير: ورد عن الرسول : خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. وذلك امتداداً لما في القرآن الكريم ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء: 19] فإن مقتضى هذه الآية والرواية النبوية أن دور الزوج تجاه الزوجة هو الرفق واللين والعفو والتسامح والسير معها سير التشجيع على إيجابياتها، وغض النظر عن السلبيات لتشعر بحالة عميقة من الوئام والانسجام، وتشجيعها حتى لو لم تكن محسنة في بعض التصرفات، تشجعها على أن تحسن سائر تصرفاتها معه نتيجة حسن إقباله ورعايته لها.

المقدم إياد الجشي: تحدث سماحته في الليلة الثامنة تحت عنوان علي وفاطمة المثل الأسمى في العلاقة الزوجية، وهنا ورد سؤال يقول: من خلال قراءتنا لكتاب «المريخ والزهرة» حتى نكون قراء واعين، فأتساءل لكون المؤلف أجنبياً هل تتعارض بعض جزئيات الكتاب مع أخلاقيات الدين التي ينبغي أن نكون عليها، وهل ثمة آثار سلبية على المبادئ الدينية أم أنه يُنْتقى منها ما لا يتعارض، ويعتمد في ذلك على وعي القارئ وتكوينه المعرفي الديني؟

العلامة المنير: يعتمد ذلك على وعي القارئ، فالكتاب فيه كثير من الفوائد وكذلك كتابه الثاني «مابعد المريخ والزهرة» كلاهما فيهما كثير من الفوائد ولكن ينبغي أن يقرن قراءته للكتاب بقراءته للكتب التي سطرتها أقلام إسلامية المنطلقة من الرؤية الدينية كالكتب التي أشرنا إليها فيما سبق، وأن يقوم بالمقارنة ليكتشف بعض الوقفات أو الثغرات في هذين الكتابين لهذا المؤلف الأمريكي.

المقدم إياد الجشي: هل تعد الرغبة في تأخير الزواج لأسباب الدراسة والعمل مثلاً أوالرغبة بعدم الإنجاب أو الاكتفاء بواحد تقريباً، وتقديم الرغبات التي محورها الأنا والذات على تكوين الأسرة والاهتمام تعد مشكلة وهل لها ارتباط بالحركة النسوية؟

العلامة المنير: ليس كل شيء نلصقه بالحركة النسوية، فبالنتيجة لو تأخرت الفتاة في الزواج لدواعي شرعية أو لدواعي عقلائية تفهمها الأسرة فليس هذا من الحركة النسوية في شيء، كذلك إذا اتفقت مع زوجها على إنجاب أقل عدد من الأولاد لكي تكون مستعدة لتربيتهم تربية تامة فهذا لا يعد من الحركة النسوية، المهم أن لا يكون كما في السؤال انطلاقاً من الأنا والتمركز حول الذات، المهم أن يكون تأخير الزواج لسبب شرعي أو عقلائي واضح، وكذلك بالنسبة إلى تقليل الإنجاب.

المقدم إياد الجشي: ذكرتم أن من ركائز الزواج السعيد أن يتزوج الشاب بمن يهواه قلبه، فربما يهوى الشاب فتاة لجمالها فقط وقد تكون غير متدينة فكيف يكون التعامل مع هذه الحالة؟

العلامة المنير: ورد عن الرسول : ”من تزوج امرأة لجمالها لم يلق منها ما يحب، ومن تزوج امرأة لمالها أوكله الله إليه، فعليكم بذات الخلق والدين“ أن ينظر إلى أسرتها ونزاهتها، أن ينظر إلى خلقها، وأن ينظر إلى مفاهيمها، وأن ينظر إلى رؤيتها للحياة والأسرة والتربية، فيجب أن تكون نظرته إلى هذه المفاهيم الأصيلة في بناء حياة أسرية ناجحة؛ فإن الزواج بناء حياةٍ وليس مجرد علاقة استمتاع حتى يركز على عنصر الجمال فقط دون العناصر الأخرى.

المقدم إياد الجشي: مع ازدياد حالات الطلاق انتشرت فكرة بين الشباب أنه يجب على الشاب أن يتعرف على فتاة أحلامه قبل خطبتها مما يدفع الشاب لأن يبحث عن فتاة عبر الانترنت أو غير ذلك، فيتعرف عليها، ومن ثم يقرر الزواج بها أو لا، وأثناء التعارف تنشأ علاقة حب بينهما، وبالطبع علاقة سرية وقد يستمر التواصل بينهما تحت ظل علاقة الحب لفترة طويلة حتى يقررا الزواج، فما رأي الشارع المقدس في هذه الحالة؟

العلامة المنير: ذكرنا في إحدى الليالي أنه لابد أن يتعرف الفتى على الفتاة، فلا يمكن الزواج من فتاة لا يعرف مفاهيمها وثقافتها وسلوكها ورؤيتها للأمور ونضجها، مضافاً إلى خلقها ودينها اللذين هما محوران أساسيان، أما ناحية كيفية التعرف فبالطبيعي ليس بهذا الطريق المذكور وهو أن يتعرف عليها من خلال النت، بل بواسطة طريق شرعي مضمون، ويكون ضمن الحدود الشرعية، فإما أن يحصل عقد منقطع بموافقة الأب بينهما ومن خلال هذا العقد يتعرف عليها، وإما أن يكون بواسطةٍ موثوقةٍ كالأخت أو الأم، أو إذا كان يقلد بعض الفقهاء  لأنها مسألة خلافية  الذي يجوز جلوس الفتى مع الفتاة قبل العقد بحضور أحد من الأهل، ويدخل معها في مناقشات وأسئلة وأجوبة إلا أن يقف على فكرها وهي أيضا تقف على فكرة، فالمهم أن يكون الطريق بالحدود الشرعية.

المقدم إياد الجشي: في الليلة التاسعة تحدث سماحة السيد تحت عنوان الزهراء المثل الأعلى للأمومة المعطاء، وقد وردت عدة أسئلة في هذه المحاضرة:

السؤال الأول: خلال محاضراتكم لهذا الموسم تحدثتم بإسهاب حول الأمومة، ودور المرأة في التربية وإخراج الجيل الواعي، وكنتم تستخدمون مصطلح الأمومة دائماً، بما يوحي أن الأمومة مرادفة للتربية والرعاية للأبناء وهذا الطرح يبدو فضفاضاً بعض الشيء إلى حد كبير، أي لم تذكروا معياراً في تحديد دور الأمومة التي ينص عليها الشرع، فهل الأمومة تقتصر على فترة الطفولة سنتان أم خمس أم عشر؟ وما هي حدودها؟

العلامة المنير: الأمومة بالنظر القانوني الشرعي هي عبارة عن حق الزوجة في الحضانة في سنتي الرضاعة؛ أي أن الزوجة لو طلبت من الزوج  كما لو فرضنا الزوج منفصل عنها بطلاق أو غائب عنها  فطلبت أن يكون الطفل معها في السنتين الأوليين من عمره وهي أعوام الرضاعة فلها الحق في ذلك، وهذا معنى الأمومة بحسب النظر القانوني، ولو طالبت بأجرة على حضانتها فلها الحق في ذلك.

وأما الأمومة بالنظر الأخلاقي والذي نستقيه من سيرة الزهراء فهو عبارة عما قامت به الزهراء تجاه أبنائها من التربية على القيم الفطرية وقد ذكرتها مفصلاً، ولم أذكر كلاماً فضفاضاً في ليلة التاسع فقد ذكرت القيم الفطرية ألا وهي العبادة والأدب والإحسان إلى الآخر والتعلق بجمال القيم الأخلاقية وجمال الصلاة، ذكرتها وذكرت لها أمثلة مفصلة، وبالتالي فالأمومة التي تتمثل في شخصية الزهراء ليست عنواناً فضفاضاً بل هو واضح من خلال الخطوات التي تحدثنا عنها.

 السؤال الثاني: يؤكد المختصون في مجال التربية على مصطلح الوالدية في قبال الأمومة حيث يشير هذا المصطلح إلى المسؤولية المشتركة للأم والأب في تربية وتعليم ورعاية الأبناء، بينما يوحي مصطلح الأمومة الذي ركزتم عليه باقتصار هذه المسؤولية على الأم، والواقع الاجتماعي مليء بشواهد كثيرة جداً على غياب دور الأب في التربية واقتصاره على الضمان المالي أو هامشية حضوره في طفولة الأبناء مما يسهم بآثار سلبية في التربية فما هو قولكم؟

العلامة المنير: كان الحديث عن الزهراء وفي كل سنة نختار عنواناً للحديث عنه، تحدثنا سنة عن النبي، وتحدثنا سنة أخرى عن الإمام علي، وتحدثنا في السنة عن الزهراء، وبما أننا نتحدث عن الزهراء فمن الطبيعي أن نتحدث عن الأمومة لا أن نتحدث عن الأبوة، ولأن الحديث عن الزهراء فسوف يكون الحديث عن المنطلقات للمرأة المسلمة من حيث اقتدائها بالسيدة الزهراء وهذا يعين علينا أن نختار الحديث عن الأمومة وشؤونها ووظائفها.

وأما التربية فهي بالأصالة للأب بلا إشكال، فالأب هو المسؤول الأول وبالأصالة عن التربية كما ورد عن الإمام زين العابدين : ”وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك مضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، فاعمل في أمره  فاعمل في بره  عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه ومعاقب على الإساءة إليه“، وقد ذكرنا في نفس الليلة دور الإمام علي تجاه ولده الحسن عندما قال له: ”إنما قلب الحدث كالأرض الخالية كلما ألقي فيها شيء قبلته فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك وينشغل لبك“، وتعرضت في ليلة السابع من المحرم إلى مقومات الشخصية الناجحة في الأبوين ولم أخص الكلام بالأم ولا في دور الأمومة، فقد تحدثت أولاً عن الأسرة وعن إيجابيات الأسرة، ثم تحدثت عن كيف يكون الطفل شخصية ناجحة وذكرنا سبع قيم لابد للأبوين والأب بالأصالة أن يقوم بها لكي ينتج ذلك من الطفل شخصية ناجحة.

 السؤال الثالث: وفقاً لكلامكم فالطفل بحاجة إلى أمه بداية عمره، وهذا ليس اعتراضاً على كلامكم ولكن ما توضيحكم لما يفعلونه سابقاً من ترك الأطفال في البادية وإرضاعهم من قبل المرضعات بدل العيش مع الأم والأهل؟

العلامة المنير: نحن بحثنا وبحسب ما ذكر المرحوم العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه «الصحيح من سيرة الرسول» لم يقم دليل تاريخي على هذه الرواية أن النبي أرضعته حليمة السعدية، فهي روايات في كتب متأخرة وليس لها سند فلا يبنى عليها، فلم يثبت لا في حياة الرسول ولا في حياة أي إمام من الأئمة أنه رُضع في البادية أو أنه خرج إلى البادية وعاش فيها، ولذلك لا يصح الاستشهاد بأمثال هذه الروايات الموهونة الضعيفة على أن من التربية أن يخرج الطفل إلى البادية ليتعلم بعض الأمور.

السؤال الرابع: حسب ما فهمت من هذه المحاضرة وغيرها أن علاقة الزوج والزوجة هي علاقة التكامل وليس الندية، وفهمت انتقادات بشكل ما للنساء اللاتي يتركن العناية المباشرة بأمور الأبناء للرجل، وهنا ملاحظة وهي أن تفصيل موضوع التكامل غير واضح من ناحية التطبيق، وبالتأكيد توضيح تطبيق التكامل سيُحدِث بعض النقد لأنه يمس نمط الحياة الجديد الذي بُني مؤخراً، ولكن بالرجوع لفقه المسائل الشرعية في موضوع مسؤولية الأب أو الأم نرى أنه في الغالب أنها مسؤولية الأب، وأذكر هذه الشواهد والتي ربما لا تكون دقيقة ولكن هذا مضمونها: للأم أن تطلب العوض عن رضاعة الطفل وربما يمكنها رفض الرضاعة عند وجود البدائل وجعل ذلك مسؤولية الأب في بحث البدائل، لا أعلم بوجود حكم شرعي يلزم الأم بالعناية بالطفل، إنما مسؤولية الأب العناية به بالمباشرة أو باستئجار من يقوم بذلك، ولا يجب عليها القيام بالأمور المنزلية ولهذا في حال وجود الأطفال تكون مسؤولية الأب المباشرة بذلك أو استئجار من يقوم بذلك، أيضاً لا يجب عليها طبخ الطعام بل يجب على الرجل إحضار الطعام للأسرة، وسلطة الرجل هي في مواضيع ليس لها علاقة بمباشرة مسؤوليات الأسرة كعدم خروجها من المنزل إلا بإذنه وحق تمكين الزوج وغيرها، ولهذا بالنتيجة كل ما سبق من أحكام شرعية أن الحديث عن واجبات المرأة للمنزل والأسرة التي بها أطفال هو فقط من باب الاستحباب فيبقى أن الأدوار في الأسرة من ناحية عملية هي إما بالاتفاق أو هي مسؤولية الرجل بغض النظر عن الموروث الاجتماعي في التزام الزوجة أو الأم في أمور المنزل، وسمعت من البعض كحل لذلك أنه إذا تم التعامل بهذه الطريقة الفقهية والقانونية يمكن للرجل أيضاً أن يجلب طعاماً غير مطبوخ للزوجة، ولا يجب عليه إعطاؤها طعاماً مطبوخاً، وأنه يمكنه أن يمنعها من الخروج من المنزل لكي يضغط عليها للقيام بالأمور المنزلية، ولكن كل ذلك غير مباشر في توجيه المرأة لوجوب تحمل المسؤولية عن الأمور المنزلية إنما هو استخدام للضغط من خلال صلاحيات الرجل في أمور أخرى، والنتيجة من كل ذلك أنه من ناحية فقهية أن علاقة التكامل غير واضحة فالواجب فقهياً على المرأة في بيت الزوجية وخصوصاً مع الأطفال قليل، بالمقابل أيضا لو قامت المرأة بأعمال المنزل كما هو متعارف أو كما هو مستحب لها أو كما هو مشاع من الثقافة الدينية العامة وليست الفقهية فعند الطلاق لا يوجد ما يلزم الرجل بإعطاء الزوجة مقابلاً لما عملته والذي ليس واجباً عليها فعله فربما تترك عملها وتهتم بأطفالها وعند الطلاق يأخذ الأب الأبناء لأنه هو الواجب أن يصرف عليهم، وهي لا تستحق شيئاً مقابل تضحياتها السابقة، أذكر كل ما سبق لبيان الفارق بين ما هو مقرر فقهياً وما يتم الحديث عنه من ناحية المفاهيم والأخلاق فما هو تعليقكم على ذلك؟

العلامة المنير: هنا نذكر عدة أمور:

الأمر الأول: أن الدين عقيدة وتشريع وأخلاق، فالأخلاق جزء من الدين، ومظهر من مظاهر الدين، كالإحسان إلى الآخر والصدقة على الفقير فهي ليست واجبة فقهياً لكنها من الدين، أيضاً التواضع ليس لازماً على الإنسان أن يتواضع إلا أنه من الدين، فالأخلاق وإن لم تكن واجبةً شرعاً بالنظر الفقهي ولكنها تعتبر مظهراً من مظاهر الدين، إذن لا نفصل بين الأخلاق وبين الدين.

الأمر الثاني: الأمومة القانونية الشرعية تتجلى كما ذكرنا فيما سبق في حق الأم في الحضانة فترة الرضاع؛ بمعنى أنه لو انفصل الأب عن الأم أو غاب عنها فطالبت الأم بكون الطفل تحت رعايتها في هذه الفترة فلها ذلك؛ أي للأم حق الحضانة في فترة الرضاع، وهذا معنى أن الأمومة من حقوقها أي أن لها الحق في فترة الرضاع في المطالبة بحق الحضانة، وإن كان السيد السيستاني يضيف قيداً وهو أن يكون ذلك بالتراضي بين الطرفين.

الأمر الثالث: ليس كل ما لم يكن ضرورة فقهية فهو ليس بضرورة، نأتي إلى الخشوع في الصلاة هو ليس ضرورة فقهية، فلو صلى الإنسان طول حياته بدون خشوع تسقط عنه العقوبة لكنه فقد الارتباط الروحي بالله عزوجل ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ «1» الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ «2» [المؤمنون: 1 - 2] فالخشوع ضرورة روحية وإن لم يكن ضرورة فقهية، أيضاً إحياء الشعائر قد يكتفي البعض بحضور مأتماً في المنزل عبر الشاشات، ولا يرى حاجة لحضور المآتم والمشاركة في المواكب، فهو ليس واجباً فقهياً ولكنه ضرورة ولائية، فمن ضرورات الولاء والتعبير عن حب أهل البيت المشاركة في أحزانهم وأتراحهم بأن يحضر الإنسان وأن يشارك في هذه الشعائر، ولذلك وإن لم تكن ضرورة فقهيه فهي ضرورة ولائية، وهكذا في مسألة العناية، عناية الأم بأطفالها في السنين الأولى بتربيتهم على اللغة، وعلى فهم الحياة، وعلى القيم المثلى، بإسباغ الحنان والعاطفة عليهم، فهذه العناية من الأم ضرورة إنسانية وإن لم تكن ضرورة فقهية، فهي ليست ملزمة فقهاً بالتربية والعناية لأنها ليست ضرورة فقهيه ولكنها ضرورة إنسانية، وبما أن الدين يحث عليها إذن بالنتيجة هي من الدين، ولذلك قلنا لا يوجد إنسان مؤهل من الناحية التكوينية والنفسية لبذل هذه العناية التامة في الطفل بحيث يجعله سليماً فكراً وجسداً وروحاً إلا الأم الطبيعية، فقيامها بهذه الأمور ضرورة إنسانية.

الأمر الرابع: السؤال يقول أين التكامل بين الزوجين فعندما نرجع إلى الفقه نجد أنه يقول لا يجب على المرأة الطبخ ولا الغسل ولا أن تعمل شيء في المنزل ولو أرادت أن تعمل واشترطت أجره فلها ذلك، ولا يجب على الأم تربية الأطفال إذن أين التكامل في الحياة الزوجية؟ وكيف نقول بأن حياة الرجل والمرأة في الإسلام تكامل والحال بأن الفقهاء يقولون لا يجب على المرأة شيء؟ التكامل له معنيان: تكامل قانوني وتكامل قيمي.

1» التكامل القانوني شرحناه في ليلة الثامن عندما تحدثنا عن الزوجية، وقلنا بأن هناك مساواة كمية ومساواة كيفية؛ وهو ما يقصد به نظرية التماثل ونظرية التكامل، فنظرية التماثل هي التي طرحتها الحركة النسوية الليبرالية من أن العلاقة الزوجية هي علاقة تماثل؛ أي كما أن للزوج حق الطلاق أيضاً المرأة لها حق الطلاق، وفقهياً يجب على الرجل أن يتواصل مع زوجته جنسياً في كل أربعة أشهر مرة، بنظر الحركة النسوية الليبرالية إذا كان الرجل لا يجب عليه إلا مرة كل أربعة أشهر فأيضاً المرأة لا يجب عليه التواصل معه إلا مرة في أربعة أشهر، لأن الحركة النسوية الليبرالية تدعو إلا التماثل في تمام الأدوار بين الرجل والمرأة، وإذا كان لا يجب على المرأة كذا فلا يجب على الرجل كذا.

في مقابل نظرية التماثل طرح الإسلام نظرية التكامل بمعنى لا تماثل في الأدوار وإنما هناك تقسيم للأدوار بحسب الموقع الفطري والطبيعي لكل منهما، فجعل للزوج مسؤولية حماية الأسرة حماية مادية واجتماعية، وجعل للزوجة في مقابل ذلك أنه عليها أن تحترم زوجها وأن تتعامل مع زوجها بالمعاملة الحسنة، فقسم الأدوار بناء على اختلاف الطبائع الفطرية بينهما، وهذا هو التكامل القانوني.

2» التكامل القيمي يعني اشتراك الزوجين بروح التعاون والإخلاص في تربية الطفل على القيم الدينية، وهذا ليس ضرورة فقهيه ولكنه ضرورة أسرية أخلاقية، فإذا لم يتعاون الزوجان في ذلك فإن الأطفال يعيشون عقدة النقص وعدم الثقة بالذات، فلابد من تعاون الزوجين بإخلاص في تربية الأطفال على القيم الدينية.

وأما الواجبات المنزلية فلا علاقة لنا بها ولم نذكرها ولا دخالة لها في التكامل، لا التكامل القانوني ولا التكامل القيمي.

ومسألة تضحية المرأة في الحياة الزوجية والأسرية التي قد تذهب هباءً عندما يأتي الزوج ويطلقها ولا شيء لها، فيمكن للمرأة أن تتفادى ذلك، وتضع شروطاً كما في شروط الزواج في إيران، ومنها أن تكون وكيلة عنه في الطلاق، فتشترط عليه أن لا يمنعها من عمل ولا من سياقة ولا من خروج للصديقات أو غيرهم، فعندما تقرأ شروط عقد الزواج في إيران تراها أكثر من شروط عقد بين مؤسستين، ومن هذه الشروط أنه كل خدمة تقدمها في المنزل مقابلها أجرة، ومنها أيضاً أن لا يتصرف في شيء في المنزل إلا بإذنها، فإذا كانت الزوجة خائفة من أن هذا الزوج قد يطلقها لأدنى سبب أو أنه مثلاً يتعامل معها بخشونة وقد ينكر تضحياتها فلها أن تشترط عليه مثل هذه الشروط في العقد فيكون الزوج ملزماً بها شرعاً.

 السؤال الخامس: بالنسبة للحركة النسوية فنحن كنساء نجبر أحيانا على أن نفكر بهذه الطريقة وهي الميل للطرح النسوي ونتبنى ونتبع هذه التيارات لعدة أسباب منها أن بعض الرجال يأخذ مبدأ الرجال قوامون على النساء للأسف بطريقة سلبية، فقد يمنع المرأة من حقوقها كالدراسة أو العمل أو السياقة أو أي شي آخر جائز شرعاً وقانوناً، والسلطة والتحكم الزائد يجعل المرأة تنفر من الزوج أو فكرة الارتباط أساساً، إضافة إلى ذلك لماذا جعلت القوامة للرجال رغم أنه قد تكون المرأة أنضج وأفهم وأعقل من الرجال أحياناً، وقد تبتلى المرأة برجل همه الأول السلطة والتحكم مع قلة العقل والوعي والثقافة؟

العلامة المنير: على أية حال القوامة كما ذكرنا في تلك الليلة صحيح أن القوامة قد تتضمن نوعاً من السلطة ولذلك يفتي أغلب فقهاء الإمامية بأنه يجب على المرأة أن تستأذن زوجها عند الخروج من البيت وهذا فيه نوع من السلطة، وأن الطلاق يقع بيده فيكون فيه نوع من السلطة إلا لو اشترطت عليه في عقد الزواج أنها وكيلة عنه في الطلاق وأن لا يمنعها من الخروج من المنزل، إلا أن تعبير القرآن بالقوامة يفيد أن موقع الرجل موقع المسؤولية وليس موقع السلطة، فالقوامة بمعنى المسؤولية أي أن الرجل في موقع المسؤولية عن رعاية حقوق الزوجة وتوفير الجو الآمن والسعيد لها والمعاملة كما عبر القرآن ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة: 187] وكما قال القرآن الكريم: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء: 19] وأما الزوج الذي يستخدم سلطته وأناه لقهر الزوجة وقسرها وحجبها فهذا يتنافى مع المعاشرة بالمعروف ويتنافى مع ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ.

المقدم إياد الجشي: في الليلة الحادية عشر تحدث سماحة السيد عن الحجاب الفاطمي الزينبي تاج الفتاة المسلمة وهنا وردت عدة أسئلة:

 السؤال الأول: ما هو الفرق بين الحجاب كمفهوم إسلامي والحجاب أو اللباس كمفهوم ثقافي أيهما ثابت ولا يتأثر ويتغير بثقافة الزمكان؟

العلامة المنير: الحجاب الذي هو مبدأ إسلامي ثابت لا يتغير هو الحجاب الشرعي، وهو ستر البدن والشعر بما فيه القدمان بساتر لا يوجب إلفات النظر ولا يثير الريبة، أما الحجاب الثقافي هو الحجاب المكتسب من العادات والتقاليد في طريقة الحجاب وشكله ولونه، فهيئته قد تختلف باختلاف المجتمعات، أما أصل الحجاب وهو ستر الشعر والبدن بما فيه القدمان بساتر لا يثير الريبة ولا يلفت النظر فهو أمر ثابت ومبدأ ثابت.

 السؤال الثاني: ما هي حدود ولاية الابن على حجاب أمه وأخواته مع وجود الأب والأخ الأكبر وهل بإمكانه أن يمتنع عن تلبية طلباتهن لعدم التزامهن بالحجاب الكامل المحتشم؟

العلامة المنير: لا خصوصية للابن أو الأخ بل هي عامة لكل مؤمن، فكل مؤمن ولي على المؤمنة، والمؤمنة ولي على المؤمن ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة: 71] كل مؤمن له ولاية أن يأمر بالمعروف أخ، أب، ابن، كل له ولاية أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، نعم المسؤولية على الأب، وعلى الزوج أما لو كان أخ أو ابن ورأى تقصير من الزوج أو الأب فله ولاية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالصورة التي تحسن الأمر بالمعروف أي لا يكون بتعنيف أو تقريع بل يكون فيه نصح وإرشاد ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [المؤمنون: 96]

 السؤال الثالث: الحسينيات والمآتم صنعت لنا فاطميات وزينبيات في حجابهن وعفتهن وحشمتهن وفي واقع مجتمعنا أن ثلة من النساء والفتيات المحسوبات على المتعلمين أو المثقفين، أو الموظفات أو الطالبات، وكل ذلك يحدث وزوجها قد يكون ليس من أهل التدين فلا يبالي، وأب وأم تعبا في تربية تلك البنت لسن الزواج ولكن لميول الفتاة وتغاضي الزوج ساعد على استهتار الزوجة بالحجاب والستر للشعر والساعدين، ناهيك عن تأثير تطبيقات التواصل الاجتماعي التي أوجدت صدعاً في العلاقة الأسرية وأصبحت الكثير من النساء المتزوجات يملن إلى الفكر النسوي من دون شعور، بفعل متابعتهن للمشاهير وبعدهن عن التواصل مع قيم الدين والتدين، فكيف السبيل للحفاظ على مظاهر الستر والحجاب في رسالة توجهها للأمهات اللاتي سيربين الأجيال وهن يؤمن بزينب وفاطمة قدوة؟

العلامة المنير: بالنسبة إلى الحجاب كما ذكرت في المحاضرة، أننا نركز على شكل الحجاب ولا نركز على روح الحجاب ومضمونه، والصحيح أنه يجب أن نركز في ثقافة الحجاب على الشكل والمضمون لا على الشكل فقط، نركز في طرح ثقافة الحجاب على الناحية الفقهية التي تعنى بالشكل والحدود والناحية الأخلاقية والقيمية التي تهتم بمضمون الحجاب وبمعنى الحجاب، بحيث تكون المرأة ذات حجاب شكلاً ومضموناً، فمتى شاعت ثقافة أن الحجاب شكل ومضمون لا مجرد شكل استطعنا أن نحافظ على الحجاب، ونشيع هذه الثقافة بأساليب متعددة كما ذكرتها في تلك الليلة، نحتاج إلى مسلسلات وإلى أفلام تعالج هذه النقطة، ونحتاج إلى حوارات وإلى جلسات مشتركة بين الأخوات والأمهات والجدات من جميع الأجيال بحيث تطرح هذه النقاط، فعندما تثار هذه الأمور إثارة إعلامية عبر فلم أو مسلسل، عبر قصة أو مقالة أو كلمة، حينئذ يمكن أن تترسخ ثقافة الحجاب شكلاً ومضموناً فتؤثر على علاقة البنات بالعقيلة زينب وبالسيدة الزهراء صلوات الله وسلامه عليهما.

 السؤال الرابع: ذكرتم قبل قليل أن تشاع ثقافة الاهتمام بالشكل والمضمون أيضا، فسؤالي هو ما هو دور المنبر وكيف من الممكن أن يتطور أسلوب المنبر في هذه الثقافة، وهل من الممكن أن يتغير الأسلوب وإلا أنه سيظل على حاله وسيمضي على الأجيال القادمة؟

العلامة المنير: طبعاً على المنبر أن يجدد في أساليبه وأن يطور في أدواته، وأن يستخدم الأساليب المدروسة، على المنبر أن ينطلق من المجتمع لا إلى المجتمع، عش مع الناس واسمع مشاكلهم وقضاياهم، اسمع أفكارهم وأطروحاتهم لكي تعرف الأساليب المؤثرة في جلب الناس إلى الدين، ولكي تعرف الأساليب المؤثرة في ترسيخ الثقافة الدينية سواء كانت فقهية أو قيمية أو خلقية.

 السؤال الخامس: قول الإمام الحسين : ”شاء الله أن يراني قتيلاً“ هذه الجملة تسبب بتشديد فكري حول مفهوم تسليم الإمام بقضاء الله ومفهوم الجبر فكيف نوفق بين معرفة الإمام بأنه سيقتل وستسبى حرمه وبين قراره الذهاب إلى كربلاء رغم علمه بذلك، علماً بأن البعض يمكن أن يقول لماذا لم يطبق الإمام مبدأ عدم الوقوع في التهلكة حتى وإن كانت تهلكة ظاهرية، وهل كان خروج الإمام بإرادته أم كان بأمر من الله، وإن كان أمراً من الله أليس يعتبر هذا جبراً؟

العلامة المنير: «شاء الله أن يراني قتيلاً وأن يرى النساء سبايا» ليس مشيئة تكوينية وإنما مشيئة تشريعية، شاء الله أي أمر الله بذلك، أمر الله بأن أتقدم للشهادة، ليست مسألة تكوينية أي أنه جبرني على ذلك لا بل باختياري أن أمتثل بالأمر أو لا أمتثل، شاء الله أن يراني بمعنى أصدر أمراً لي بأن أتقدم للشهادة، وأصدر أمراً لي بأن يكون معي نسوة يقمن بدورٍ إعلامي من خلال استغلال السبي كما شرحنا ذلك في ليلة الحديث عن العقيلة زينب، معنى سبايا أي استغلال السبي لأجل الإعلام بالقضية الحسينية كما شاء لي أن أتقدم للشهادة ليكون ذلك نصراً للمبادئ، شاء للنساء بمعنى أمر النساء أن يكن معي لأجل استغلال حالة السبي في الإعلام للحركة الحسينية، فالمشيئة مشيئة تشريعية وليست جبراً تكوينياً بإمكان الإمام أن يختار أو لا يختار، إنما هو امتثل ذلك من أجل رفعة كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، أو كما قال: ”ما خرجت أشراً ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت في طلب الإصلاح في أمة جدي“.

أما مسألة أنه إقدام على التهلكة فلو كان كل إقدام على طريق الموت يعد إقدام على التهلكة لكان إلغاء للشهادة، بالنتيجة هناك مبدأ من المبادئ القيمية ألا وهو التضحية بالنفس في سبيل المبدأ، وفي سبيل القيم المثلى، وبما أن التضحية بالنفس في سبيل المبدأ والقيم العليا المثلى هو مبدأ من مبادئ الدين بل من مبادئ الإنسانية فالإقدام على الشهادة ليس إقداماً على التهلكة حتى يكون مستنكراً أو يكون محرماً، فقد رأى الدين ورأى الإمام الحسين أن لا طريق لإعزاز الدين إلا بأن يسلك هذا الطريق ألا وهو طريق الإقدام على الشهادة، فبما أن هذا الطريق كان منحصراً سار فيه وهذا ما ترتب عليه الأثر، بأن الإمام الحسين عندما أريق دمه الطاهر تتابعت بعده الثورات التي هزت عرش السلطة الأموية آنذاك، وعلى أثره بقيت هذه المبادئ المحمدية خالدة على مدى الدهر ببركة إقدامه على إراقة دمه الطاهر في سبيل مبدئه وعقيدته.

كأنَّ يَدَاً مِنْ وَرَاءِ الضَّرِيحِ
تَمُدُّ  إلى  عَالَمٍ  iiبالخُنُوعِ
تَخَبَّطَ  في  غابةٍ  iiأطْبَقَتْ
لِتُبْدِلَ منهُ جَدِيبَ iiالضَّمِيرِ


 
حمراءَ  ”مَبْتُورَةَ iiالإصْبَعِ“
وَالضَّيْمِ  ذي  شَرَقٍ مُتْرَعِ
على مُذْئِبٍ منه أو iiمُسْبِعِ
بآخَرَ   مُعْشَوْشِبٍ  iiمُمْرِعِ

إبدال ذلك العالم من الظلام إلى النور بتلك اليد الحمراء المبتورة، كان هو الطريق العقلائي الذي يسلكه كل عاقل عاش في نفس الظروف عاش في نفس تلك الأزمات الخانقة.

المقدم إياد الجشي: الليلة الثانية عشر والتي تحدثتم فيها تحت عنوان في رحاب وريثة الزهراء السيدة زينب وهنا وردت عدة أسئلة:

 السؤال الأول: تحدثتم عن الشخصية المعرفية للصديقة الصغرى وأوردتم حديثاً بينتم فيه كيف هدأت الحوراء زينب من جزع الإمام السجاد وهو يرى مصارع آله الطاهرين وصحبة الأكرمين ولم يواروا وبلغ به اشتداد القلق أن كادت نفسه تخرج، ثم علقتم بعد أن أوردتم الحديث بما لفظه متحدثين عن السيدة زينب أنها كشفت له المستقبل وقالت له لا تخف، والسؤال هنا أليس هذا الحديث الذي أدرجه أحد تلامذة صاحب كامل الزيارات في كتابه بعد وفاته غير منسجم مع المقامات المعنوية والإيمانية للإمام المعصوم بحيث أن من هو دونه ينقله من درجة الاضطراب الشديد إلى درجة الاطمئنان؟

 السؤال الثاني: أليس تعبيركم بكشف المستقبل من قبل السيدة زينب للإمام السجاد يتنافى مع علم المعصوم فيما هو في دائرة تكليفه؟

العلامة المنير: الحسين بن أحمد بن المغيرة هو من نقل هذه الرواية في كتاب الكامل «كامل الزيارات» وهو تلميذ ابن قولويه، وابن قولويه نفسه في متن كتاب كامل الزيارات لم ينقل هذه الرواية، وجاء تلميذه من بعده ونقل هذه الرواية في الحاشية حاشية كتاب كامل الزيارات، ومن بعده جاء الشيخ المجلسي ونقلها في البحار، قال هذا التلميذ: ذهب على شيخنا رحمه الله  ابن قولويه  أن يضمن كتابه هذا وهو مما يليق بهذا الباب ويشتمل أيضاً على معانٍ شتى أحببت إدخاله وجعلته أول الباب وجميع أحاديث هذا الباب، وقد ذاكرت شيخنا ابن قولويه بهذا الحديث بعد فراغه من تصنيف هذا الكتاب ليدخله فيه فما قضى ذلك، وعاجلته منيته رضي الله عنه وألحقه بمواليه، وهذا الحديث داخل في ما أجاز لي شيخي وقد جمعت بين الروايتين بالألفاظ... إلى أن قال: حدثني أبو عبدالله أحمد بن محمد بن عياش قال حدثني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، قال... وذكر السند إلى الحديث كاملاً، فهذا أحمد بن المغيرة الذي هو تلميذ ابن قولويه ذكره في المتن وذكر السند والمفروض أن نفس الحسين بن أحمد بن المغيرة أبو عبدالله البوشنجي كان ثقة في نقله كما ذكر النشجاي في كتابه فهرست أسماء مصنفي الشيعة، قال: الحسين بن أحمد بن المغيرة أبو عبدالله البوشنجي كان عراقياً وكان ثقة فيما يرويه، إذن الحديث نأخذ به لأن ابن قولويه وإن لم يذكره في المتن لكن نقله تلميذه الثقة عنه بواسطة ثقة بينهما، فلذلك يكون الحديث من الناحية السندية معتبرة.

الناحية المضمونية هل الحديث يتنافى مع مقام الإمامة؟ أستشهد بشاهد على أن هذا الحديث يؤل كسائر التأويلات الأخرى، فماذا نقول في مصحف فاطمة؟ تقول الرواية المرتبطة بمصحف فاطمة الإمام الصادق في رواية معتبرة عن أبي عبيدة يقول: قلت فمصحف فاطمة؟ فسكت طويلاً ثم قال: إنكم تبحثون عما تريدون وعما لا تريدون إن فاطمة مكثت بعد رسول الله خمسة وسبعين يوماً وكان قد دخلها حزن شديد على أبيها وكان ملك يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيه ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها وكان علي يكتب ذلك" فالزهراء هي التي تلقت المعلومات، والإمام علي أخذها من الزهراء، وهذا ظاهر الرواية، فكيف يكون ذلك والإمام علي هو الإمام والمفروض أنه يعلم بذلك لا أن تخبره الزهراء ، هو إمام معصوم ومتطلع فكيف الإمام علي بعظمته يأخذ المعلومات من الزهراء ويكتبها في كتاب ويسمى ذلك الكتاب بمصحف فاطمة؟

فيأتي جملة من العلماء ويوجهون هذه الرواية ويقولون: هذا نقل من العلم الذاتي إلى العلم الحسي، أي أن الإمام علي عالم بما كلم الملك به فاطمة، لكنه يعلم به علماً ذاتياً وبعده لم يتحول إلى شيء حسي، علم ذاتي قائم بقلب الإمام أمير المؤمنين علي لأنه إمام معصوم، فأراد الله سبحانه وتعالى لهذا العلم الموجود عند علي أن يتحول إلى مادة حسية كتابية من أجل ظهور منقبة للسيدة الزهراء، فكل ذلك مع علمه بها لتحويل ذلك العلم الذاتي إلى حسي من أجل إبراز منقبة وفضيلة للسيدة الزهراء .

ونفس الكلام هنا فالإمام السجاد هو إمام معصوم يعلم بما سيجري على أبيه ويعلم بأنه هو الذي سيدفن أباه بمعونة بني أسد، ويعلم بما سيحصل لقبر أبيه، ولكن هذا كله علم ذاتي، فأراد الله أن يتحول هذا العلم الذاتي إلى علم حسي لإظهار منقبة للسيدة العقيلة زينب ، فالإمام زين العابدين لما مروا بالناقة على جسد الحسين أظهر جزعه وقلقه مما سيجري على جسد أبيه وقبره، أظهر ذلك ليصل إلى النقطة وهي أن ذلك العلم الموجود لديه ذاتاً يتحول إلى علم حسي بأن تخبره زينب به إخباراً لفظياً ثم يُنقل إلى الأجيال فيكون فضيلة ومنقبة للسيدة زينب .

ولا يعني هذا أن الإمام لا يجزع، فالنبي يعقوب كان نبياً وجزع على فراق ابنه يوسف، والزهراء بكت على أبيها شهرين أو ثلاثة، والإمام السجاد بكى على أبيه أربعاً وثلاثين سنة، وزينب بكت على أخيها الحسين، فمسألة البكاء والجزع والنحيب لا يتنافى مع مقام الإمام المعصوم لأنه يبكي إنساناً عظيماً، فالبكاء على فقد إنسان عظيم وهو حجة الله على خلقه لا يتنافى مع مقام الإمامة، وعندما نقول أن زينب عندما خرجت لجسد أخيها الحسين ما بكت ولا ولولت ولا أعولت لا نقصد أنها لا تشعر ولكن نقصد في ذلك الظرف أي في ذلك الحين عندما خرجت إلى جسد أخيها ما بكت ولا أعولت ولا ولوت لأنها كانت تريد أن تظهر أن المسألة مسألة هدفية إلهية «اللهم تقبل منا هذا القربان»، فما بكت لا أنها ما بكت على أخيها أصلاً، ولا أنها ما جزعت على أخيها ولا أنه لم ينفطر قلبها حزناً وبكاء على أخيها الحسين أصلاً، ولكن في تلك الظروف التي كانت تقتضي أن تظهر بمظهر القوة والارتباط بالله، وإيكال الأمر إلى الله عزوجل ما بكت ولا أعولت.

 السؤال الثالث: استشهدتم في هذه الليلة بالرواية المشهورة عن نهي السيدة زينب بالتصدق عليهم وأن الصدقة عليهم حرام، ولكن سمعت الشيخ محمد هادي اليوسف الغروي يرد على هذه الرواية، أن الصدقة المحرمة على أهل البيت هي الصدقة الواجبة «الزكاة» وليس الصدقة المستحبة فما تعليق سماحتكم على ذلك؟

العلامة المنير: مع احترامي للشيخ الغروي حفظه الله ولكن الصدقة على الهاشمي إذا اقترنت بالإهانة تكون حرام حتى لو كانت صدقة مستحبة، صحيح الصدقة المستحبة على الهاشمي جائزة ولكن إذا اقترنت بالإهانة تكون حراماً، وحيث إن الصدقة على أطفال الحسين كانت مقترنة بالشماتة والتفرج فهي صدقة محرمة، لذلك أخذت أم كلثوم الصدقة من أيدي الأطفال ورمت بها أهل الكوفة وقالت: الصدقة علينا حرام، لبيان أنهم بنوا هاشم وذرية رسول الله والصدقة عليهم بهذا الحال وبهذا الظرف تكون أمراً محرماً.

المقدم إياد الجشي: ما هو الأصل في تفسير الكوثر بالصديقة الزهراء ؟ وإذا كانت هناك روايات فما هو مصدرها؟ وإن كانت من آراء المفسرين الاجتهادي فمن هو أول القائلين بذلك وهل يجوز نسبة ذلك إلى أهل البيت ؟

العلامة المنير: ذكر كثير من المفسرين أن المراد بالكوثر هو امتداد النسل والعقل، المتحقق بالسيدة الزهراء وذريتها، والقرينة على ذلك هو.... ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ «1» فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ «2» إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ «3» [الكوثر: 1 - 3] شانئك هو الذي ينقطع نسله وهو الذي ينبتر عقبه وأما أنت فلن ينقطع نسلك ولا عقبك بقرينة الذيل، ففهموا أن المراد من الكوثر بقاء نسله وذريته من خلال السيدة الزهراء ، وذكر هذا البيضاوي والرازي في تفسيره، والحضرمي والسيد صاحب الميزان، وأنا كنت أعتقد أن هذا التفسير رواية لأنه عادة السيد صاحب الميزان أن يستند إلى الرواية فكنت أعتقد أن هذا التفسير رواية فقلت عن أهل البيت ثم راجعت جميع الكتب المرتبطة بالتفسير، فما وجدت تفسر الكوثر بالزهراء وإنما هو قول كثير من المفسرين بذلك.

المقدم إياد الجشي: هل اختياركم للمواضيع النسوية في عشرة محرم اختياراً سليماً؟ ألم يكن من الراجح ترك هذه المحاضرات لمناسبات السيدة الزهراء؟ وما هو سبب هذا الاختبار؟

العلامة المنير: تختلف الآراء في ذلك، فنحن نتشاور عادة مع مجموعة من أهل العلم ومع مجموعة من الشباب المثقفين والمتدينين في اختيار الموضوعات، وقد رجح بعد هذا التشاور أن نختار في كل سنة أن نتحدث عن رمز من رموزنا وعن حجة من الحجج الإلهية وننطلق من سيرته إلى معالجة بعض القضايا والمشاكل الفكرية، وبعض المآزق والأزمات الاجتماعية والسلوكية وهذا ما حصل.

فما اخترناه كان بعد التشاور وليس اختيارا اعتباطياً والرؤية في ذلك أن أغلب الشباب الآن من أبنائنا وبناتنا لا يقرؤون الكتب وخصوصاً في الثقافة الدينية، ولا يستمعون إلى محاضرات في أيام السنة، بل يقتصرون على الاستماع في أيام المناسبات وبالذات في أيام شهر محرم، فإذا كان أغلب الشباب والشابات لا يقرأ ولا يفتح مقال في الثقافة الدينية، ويقتصر على استماع المحاضرات في أيام المناسبات وربما حتى في أيام المناسبات لا يحضر، ولا يحضرون لاستماع المحاضرات إلى في أيام عشرة محرم فلذلك ينبغي للخطيب أن يستغل هذه العشرة في إيصال الثقافة الصحيحة ثقافة تاريخية تحليلية لأهل البيت ، ومناقشة أفكار يعيشها الشباب فيما بينهم، وتسليط الضوء على قضايا سلوكية وتربوية من الضروري تسليط الضوء عليها في هذه الأيام المباركة.

المقدم إياد الجشي: استمعنا إلى محاضرة المكانة العليا للمرأة في الإسلام، ولكننا لم نجد أي كلام حول مكانة المرأة وكأن العنوان يختلف عن المحاضرة؟

العلامة المنير: عندما نرجع إلى المحاضرة التي كانت عن مكانة المرأة في الإسلام، وحسب التعليق الوارد أن العنوان لا يطابق المعنون، أقول أن المحاضرة كانت في ذلك وفي لب ذلك، أولاً: تحدثت عن المنطلقات الثلاثة لبيان مكانة المرأة في الإسلام،

المنطلق الأول: الفلسفي.

 وفيه ذكرت أن المرأة مظهر لجمال الله، وأن المرأة خلقت لتكون مظهراً لصفة إلهية وهي جمال الله، من خلال اتصافها بكونها نهراً من الرحمة واللين ومن الرفق والعفو والتسامح، فهي مظهر لجمال الله، وهذه مكانة المرأة في الإسلام.

المنطلق الثاني: القرآني.

 ذكرت أن المستفاد من الآيات مكانة المرأة ومنها قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم: 21] أي أن مصدر استقرار الأسرة هو المرأة؛ لأنها هي التي تمتلك القدرة على احتواء الأسرة، وهي التي تمتلك القدرة على أن تجعل أجواء الأسرة أجواء عاطفية حميمة، فالقرآن يعتبرها مصدر سكون الأسرة ومصدر استقرارها، وهذه مكانة عالية للمرأة في الإسلام، وذكرت أيضاً آية ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة: 187] أن المرأة زينة للزوج، ودفء للزوج وستر لعيوبه، وحماية له.

المنطلق الثالث: القانوني.

 وتحدثت فيه عن أن العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تكامل وليست علاقة تفاضل؛ أي أن الرجل ليس أفضل من المرأة، وإنما المرأة تمتلك طاقات هي أفضل من الرجل فيها، والرجل يمتلك طاقات هو أفضل من المرأة فيها، وكلٌ يحتاج إلى الآخر في طاقاته فهي مكملة للرجل لا أنها ترزح تحت سلطنته وقهره وبطشه.

وتحدثت أيضاً في الليلة الأولى وذكرت أن القرآن لم يضرب مثلاً بالرجل، وإنما ضرب بالمرأة مثل، فالقرآن ضرب مثلاً في الصبر والجهاد بامرأة فرعون، وضرب مثلاً في العفة بمريم بنت عمران ولم يضرب مثلاً في الرجل وهذا من باب التعظيم لمكانة المرأة في الإسلام.

ذكرت هناك بأن الأصوات التي تنادي بأن الإسلام لم يعط المرأة حقها ومكانتها هل هناك أعظم من تمجيد الإسلام لخديجة وفاطمة ومريم وآسيا وجعلهن قدوات للبشرية ومثلاً أسمى تحتذي به البشرية! إذن تم بيان مكانة المرأة في الإسلام وكان هناك بحسب تشخيصي وربما أكون مخطئاً تطابق بين العنوان والمعنون.

المقدم إياد الجشي: تعقيب أخير قبل الختام من إحدى الأمهات تقول بداية أتقدم بجزيل الشكر والامتنان لعطاء السيد وأشكره خاصة على إرجاع الثقة للأمهات ودورهن الكبير في الأسرة، بالنسبة لي عندما أقارن بين الأمومة والعمل خارج المنزل أو الدراسة أجد أن دور الأمومة أصعب بكثير، فدراسة الفيزياء أسهل من تربية الطفل، والدعوة من منبركم إلى المجتمع إلى تفهم طبيعة المرأة وخصوصيتها ووضعها في المكان اللائق بها وعدم إجهادها حتى تبدع، أما زجها في كل ميادين الحياة من دون مراعاة لأي شيء فهذا أمر خطير على المرأة والمجتمع، والمساواة التي تدعو لها بعض الحركات هي في حقيقتها ظلم للمرأة فشكراً جزيلاً لهذا الطرح.

العلامة المنير: في فقه الرضا : ”وأعلم أن حق الأم ألزم الحقوق وأوجب لأنها حملت حيث لا يحمل أحد أحداً، ووقت بالسمع والبصر وجميع الجوارح مسرورة، مستبشرة بذلك، فحملته بما فيه من المكروه الذي لا يصبر عليه أحد، ورضيت بأن تجوع ويشبع، وتظمأ ويروى، وتعرى ويكسى، وتظله وتضحى، فليكن الشكر لها والبر والرفق بها على قدر ذلك، وإن كنتم لا تطيقون بأدنى حقها إلا بعون الله“.

أحاديث أهل البيت تتحدث عن أن للمرأة موقع الأمومة، وأنه موقع تُشكر عليه، وأنه موقع يستمر مع الطفل إلى أن يكبر، وورد عن الرسول جاء رجل إلى رسول الله وقال: إن والدتي بلغها الكبر وهي عندي الآن، أنا أحملها على ظهري وأطعمها وأميط عنها الأذى بيدي وأصرف عنها مع ذلك وجهي، استحياء منها وإعظاماً لها فهل كافأتها يا رسول الله؟ قال: لا، لأن بطنها كان لك وعاءً وثديها كان لك سقاءً، وقدمها كان لك حذاءً، ويدها كانت لك وقاءً، وحجرها كان لك حواءً، وكانت تصنع ذلك لك وهي تتمنى حياتك، وأنت تصنع هذا بها فتحب مماتها، مضطر إليها ففرق بين النفسين، وفرق بين الروحين.

المقدم إياد الجشي: تقول السائلة تناولتم في الليلة الثانية مسألة النسوية والجندر وكانت أطروحة قيمة جداً ومفيدة وموضوع الساعة، ما وددت طرحه هو طلب إذا أمكن السيد حفظه الله أن يسلط الضوء عليه هو سبب بعث مثل هذه الأفكار النسوية أو الجندر بصورتها البشعة المتطرفة هل هو فقط من أجل نشر التفسخ والانحلال، أم أن هناك أسباباً داخلية في مجتمعاتنا أدت لتغلغل مثل هذه الأفكار بيننا كما كانت هناك أسباب خلف ظهورها في الغرب وهو تسلط الكنيسة وظلم النساء؟

العلامة المنير: وجود بعض الأفكار الجندرية أو بعض أفكار الحركة النسوية الراديكالية المتطرفة له عدة أسباب، ومن أسبابه قسوة بعض الرجال، فلا ينكر وجود قسوة من بعض الرجال خلقت ردة فعل من المرأة، ونتيجة ردة الفعل أن تتأثر ببعض أفكار الحركات النسوية المتطرفة، أو وجود التشنج داخل بعض الأسر قد يدعو البنت التي تعيش في جو أسري متوتر إلى أن تتبنى بعض أفكار الحركات النسوية المتطرفة.

والسبب الثاني هو التواصل الثقافي، فالعالم الآن كله قرية واحدة نتيجة التواصل الثقافي، ولذلك أنا دائما أقول نحن المسلمين مقصرون في الإعلام، المسلمين لا يمتلكون إعلام، الآن نحن أمام هذا الانفتاح على مصراعيه من خلال وسائل التواصل، ابنك وابنتك كل منهم في غرفته ويكتسب الأفكار ويطلع عليها، وعندما نأتي للإعلام الإسلامي ماذا قدم؟ ليس لدينا إلا بضع قنوات تطرح فكر إسلامي روتيني مكرر، من دون معالجة لأفكار أو أزمات أو مآزق فكرية وسلوكية وبالتالي الإعلام الإسلامي بصفة عامة ما زال مقصراً، الإعلام الإسلامي يحتاج إلى أن تكون له خطة استراتيجية من خلالها:

  • أولاً: أن يواكب ما يستجد من الفكر على مستوى العالم.
     
  • وثانياً: أن تكون له دراسات عما يثار في الساحة في أذهان الشباب والشابات ليقوم بمعالجتها.
     
  • ثالثاً: أن يتحدث بلغة العالم. عندما زرت مركز البوذية في لندن رأيته يتحدث بكل لغات العالم، فلا لغة في العالم إلا وللبوذية متحدث بها، فأين الإعلام الإسلامي من هذا؟ هل الإعلام الإسلامي يخاطب العالم بلغاتهم حتى يوصل فكره إليهم؟
     
  • رابعاً: عندما تريد أن تتحدث مع الناس فاستخدم لغتهم، زرت مركز ترجمة في بريطانيا يترجم القرآن ويترجم الروايات إلى اللغة الإنجليزية، فماذا تفيد الترجمة الحرفية في شيء؟ أن تتحدث مع الشخص الإنجليزي تتحدث معه بلغته وبثقافته، هذا معنى الترجمة، الترجمة أن توصل الفكر إليه بثقافته وليس بالحروف اللغوية، أن تتحدث معه بثقافته أي بالمصطلحات التي يفهمك بها ويفهم فكرك.

هذا مضافاً إلى ما في المسلمين من المصائب والمشاكل التي تنفر العالم منهم، الفتن والحروب والاضطهاد والقمع... إلخ، إذن بالنتيجة نحن نحتاج إلى إعلام وخطط استراتيجية إعلامية تجعل الإعلام الإسلامي إعلاماً جذاباً.

وأضيف هناك نقطتان ربما لم يسع الحديث لهما:

النقطة الأولى:

ربما هناك تساؤل أو نقد، لماذا لا تستشهد بتراث أهل البيت في محاضراتك وتستشهد بكلمات الغربيين بدل أن تستشهد بروايات أهل البيت؟

وجوابي عن ذلك:

  • أولاً: لم تخل ليلة مني من الاستشهاد بروايات أهل البيت وإن كنت استشهد بالقرآن أكثر، ولا تمر ليلة لم تكن محاضرتي مطعمة بعدة شواهد من القرآن الكريم الذي هو الأصل والمنبع ولكني مع ذلك استشهد بروايات أهل البيت .
     
  • ثانياً: إذا كانت الفكرة هي فكرة مفكر غربي وهو الذي اخترعها وتعب عليها وهو الذي أنتجها ورأينا أن هذه الفكرة موافقة للفكر الديني وغير مصادمة معه، فمقتضى الموضوعية أن ننسبها إلى قائلها، ومقتضى الإنصاف والموضوعية أن نذكر القائل ونقول قال كذا، لا أننا نغفل القائل ثم نذكر رواية تنسجم مع الفكرة من دون إشعار بالقائل، أو إذا كنا نريد أن نناقش فكرة لمفكر غربي فكيف لا نذكر اسمه ونحن نريد أن نناقش كلامه وننبه الأخوة المستمعين إلى الخطأ في هذه الفكرة فلابد أن نتعرض على اسمه.

النقطة الثانية:

قبل ثلاث سنوات تحدثت عن الفرق بين زينب الكبرى وزينب الصغرى وربما حصل اعتراض من بعض الإخوة على ذلك، لكن أنا كتبت مقالة مفصلة في هذا الموضوع والمقالة موجودة في موقع المنير وبإمكان كل شخص مراجعة هذه المقالة لمرجعة تفاصيل هذه الفكرة.

[1]  الميزان / الجزء التاسع عشر ص77
[2]  الجزء الثالث رقم 2353