السلم الاجتماعي في تراث المجتبى (ع)

1443-09-15

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

نرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى مقام مولانا وولي أمرنا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وإلى مراجعنا العظام وإليكم جميعاً وإلى سائر المؤمنين في أنحاء العالم الإسلامي.

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة: 208]

الله تبارك وتعالى سمى نفسه السلام فقال تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ [الحشر: 23] السلام مبعث الأمن والاطمئنان، السلام كلمة اشْتُق منها السَّلَم والسَّلْم والسِّلْم.

فالسَّلَم هو عبارة عن الانقياد والاستسلام ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا [النساء: 90] أي أنهم استسلموا.

وقال تعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [الأنفال: 61] أي للصلح.

وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة: 208] فالسِّلْم هو عبارة عن التواؤم الاجتماعي والتقارب والتعاطف الاجتماعي.

السِّلْم عندما نريد أن نتحدث عنه في هذه الليلة ليلة راية السِّلْم ولواء السِّلْم ورمز السِّلْم الاجتماعي الإمام الحسن المجتبى صلوات الله وسلامه عليه فإننا نتحدث من خلال محاور ثلاثة:

  • فلسفة السِّلْم الاجتماعي.
  • الفكر الإسلام في عنايته بالسِّلْم الاجتماعي.
  • معالم هذا المبدأ العظيم في شخصية الإمام الحسن المجتبى .
المحور الأول: فلسفة السِّلْم الاجتماعي.

السِّلْم الاجتماعي هو مصطلح في علم الاجتماع، وإذا رجعتم إلى كتاب «الحرب والسِّلْم الاجتماعي» للدكتور خالد البديوي تجدوه يتحدث عن منطلقات السِّلْم الاجتماعي بحسب علم الاجتماع، السِّلْم الاجتماعي يرجع إلى عدة عناصر يحتاجها كل مجتمع وتحتاجها كل حضارة:

العنصر الأول:

هناك فرق بين التسامح وبين السِّلْم، التسامح هدنة ومسكنات مؤقتة، أما السِّلْم فهو عبارة عن رجوع الكل إلى القيم الإنسانية، الإنسان ليس من طبعه الصراع، كل إنسان جُبِلت فطرته على السِّلْم والأمان والهدوء، والصراع طارئ على الإنسان وليس من طبع الأنسان، لذلك إذا وقع الصراع بين فئتين حينئذ يدخل السِّلْم الاجتماعي ليرجعهما إلى قيمهما الإنسانية، القيم الإنسانية والقيم الفطرية هي التي إذا رجع إليها المجتمع قادته إلى السِّلْم وقادته إلى الأمن، وقادته إلى التقارب والتعاطف، السِّلْم الاجتماعي هو عبارة عن الرجوع إلى ما تقتضيه فطرة الإنسان، قال تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات: 13] لكي يتعرف بعضكم على بعض ويأنس بعضكم ببعض، التعارف هو فطرة الإنسان وليس التحارب وليس التقاتل وليس التدافع، إذا رجع المجتمع إلى فطرته وجِبِلَّته رجع إلى السِّلْم الاجتماعي.

العنصر الثاني:

السِّلْم لا يعني محو الاختلافات، فلا يوجد مجتمع ليس فيه اختلافات، بل من الطبيعي أن تكون هناك اختلافات، اختلاف المستويات الذهنية، اختلاف المستويات الثقافية، اختلاف الخبرات يقتضي اختلاف المجتمع وهذا أمر طبيعي، السِّلْم لا يعني محو الاختلافات، السِّلْم يعني إدارة الاختلافات، كيف يدير المجتمع اختلافاته في ظل القيم الإنسانية وفي ظل المثل الإنسانية، إدارة الاختلافات بحكمة وقيم هي عبارة عن السلم الاجتماعي، ولا يعني السِّلْم الاجتماعي محو الاختلافات لذلك يقول القرآن الكريم: ﴿وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [هود: 119] أي أن المجتمع بطبيعته أن يختلف لاختلاف مستوياته الذهنية والثقافية ولكن ليس من الطبيعي أن يستغل اختلافاته ليحولها إلا خلافات وعداوات وحزازات فهذا هو الخارج عن الإطار الطبيعي.

العنصر الثالث:

في علم الاجتماع إذا أردت أن تحمي نفسك فاحمها بالإنتاج، المنتج هو الذي يحمي نفسه، يقول الإمام أمير المؤمنين علي : ”قيمة كل امرئ ما يحسنه“ قيمتك بإنتاجك، قيمتك بعطائك، قيمتك بما تبدي به من خدمة لمجتمعك، كل إنسان منتج وإنتاجه يحميه لأن المنتج يفرض نفسه على المجتمع وكل مجتمع منتج يفرض نفسه على المجتمعات الأخرى، الإنتاج يحمي الفرد ويحمي المجتمع، المجتمع المنتج لا يعيش خلافات والمجتمع غير المنتج هو الذي يشغل بعضه بالبعض الآخر، المجتمع الذي لا ينتج ينشغل بالخلافات لأنه يعوض نفسه عن الإنتاج والعطاء والإبداع بالانشغال بالاختلافات وتحويلها إلى خلافات، لذلك الإنتاج هو ضمان في القضاء على الاختلاف على الأقل في تقليل حدة الاختلافات بأن يتحول إلى خلاف أو إلى عداوة.

العنصر الرابع:

السِّلْم الاجتماعي يعتمد على ركائز هي: العدالة، الأمن، احترام الآخر، المجتمع الذي يعيش عدالة ويعيش أمناً ويعيش احتراماً من قِبَل كل فريق للفريق الآخر هو المجتمع الذي يعيش مبدأ السِّلْم الاجتماعي، لذلك عندما يريد المجتمع أن يعيش سلماً لابد وأن يعيش احتراماً، كل فئة تحترم الأخرى وإلا لن يعيش المجتمع مبدأ السِّلْم الاجتماعي أبداً، هانس كونج لاهوت عنده مقولة وهو من فلاسفة الاجتماع يقول: لا تخمد الحروب بين الشعوب حتى تخمد حروب الأديان، ولا تخمد حروب الأديان إلا إذا كان هناك حوار بين الأديان، ولا يكون حوار بين الأديان إلا إذا امتلك أهل الأديان لغة الحوار.

فإذا كنت تمتلك لغة الحوار، وإذا كنت تستطيع أن تتحكم في مشاعرك وعواطفك، وإذا كنت تنظر للأولويات حينئذ تستطيع أن تدير حواراً، وإذا استطعت أن تدير حواراً استطعت أن تؤسس إلى سلم اجتماعي، بنظرة قصيرة عندما تنظر إلى بعض مجتمعاتنا الإسلامية أو إلى بعض مجتمعاتنا الشيعية تتأسف لأننا نختلف ونرتكب حزازات وخلافات لأجل اختلافنا في رواية صحيحة أم غير صحيحة، لأجل اختلافنا في شيء معين هو شعيرة أم ليس بشعيرة، لأجل اختلافنا في تقليد أو في شخصية معينة، ويتحول الاختلاف إلى خلاف، ويجرنا الخلاف إلى عداوة، وتجر العداوة إلى القطيعة وما إلى ذلك، لأننا لا نمتلك لغة الحوار، المجتمع الذي يعيش بعد النظر هو الذي يركز على أولوياته، وهذه الاختلافات تبقى ولكنها لا تدخل ضمن أولوياته، أولوياته هي الهدف أما المجتمع قصير النظر فإنه ينشغل بخلافاته على حساب أولوياته ووحدة كلمته وترابطه وتلائمه.

المحور الثاني: السِّلْم الاجتماعي في الفكر الإسلامي.

الإسلام ركز على السِّلْم الاجتماعي من زاويتين: الزواية البنائية، والزاوية التربوية.

الزاوية الأولى: الزاوية البنائية.

لاحظوا ركائز السِّلْم الاجتماعي ركز عليها القرآن الكريم: العدالة، التعاون، الأخوة، الشهادة.

  • الركيزة الأولى: العدالة ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ [النحل: 90]، ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة: 8].
     
  • الركيزة الثانية: الأخوة، الإسلام لا يدعو إلى السلم فقط بل يدعو إلى ما هو أعظم من ذلك، يدعو إلى رابطة الأخوة يقول القرآن الكريم: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10]، ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [آل عمران: 103] الإسلام يربطك برابطة الأخوة.
     
  • الركيزة الثالثة: التعاون، قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2] تعاونوا على وحدة الكلمة، تعاونوا على الإنتاج والعطاء ولا تعاونوا على الإثم والعدوان.
     
  • الركيزة الرابعة: الشهادة، كلكم شهداء على أسركم وعلى مجتمعكم، هل أن المجتمعات والأسر تطبق مبدأ السلم الاجتماعي، يقول تبارك وتعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة: 143].

الزاوية الثانية: الزاوية التربوية.

عني القرآن بتربية كل مسلم على مبدأ السلم الاجتماعي، لاحظوا المظاهر التربوية في الإسلام على السلم الاجتماعي:

  • أولاً: من آداب الإسلام التحية ﴿وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ [يونس: 10]، فالتحية تعني أنك على مبدأ السلم الاجتماعي.
     
  • ثانياً: ينهاك الإسلام عن سوء الظن يقول القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات: 12].
     
  • ثالثاً: يأمرك الإسلام بالكلمة الطبية التي تغرس الحب والألفة وتقتلع العداوة والحزازة عندما يقول القرآن الكريم: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ «24» تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ «25» [إبراهيم: 24 - 25] ويقول تبارك وتعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت: 34].

إذن الإسلام يربينا على مبدأ السلم الاجتماعي.

المحور الثالث: معالم هذا المبدأ العظيم في شخصية الإمام الحسن المجتبى .

نحن في ليلة رمز السلم الاجتماعي، نحن في حديقة كريم أهل البيت، وحليم أهل البيت الإمام الحسن المجتبى ، الإمام الحسن المجتبى صلى الله عليه وعلى حده وأبيه وأمه وأخيه والتسعة المعصومين من ذرية أخيه الحسين ، الإمام الحسن المجتبى رمز السلم الاجتماعي، ناقشه كما في بعض الروايات الشهيد حجر بن عدي في ما قام به مع معاوية بن أبي سفيان، فقال له: ”يا حجر إن الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية هو حق لي تركته لإصلاح أمر الأمة وحقن دمائها“ وقال: ”إني خشيت أن يجتث المسلمون عن وجه الأرض فأردت أن يكون للدين ناعي“ الإمام الحسن انطلق في صلحه مع معاوية من منطلقات ثلاثة:

المنطلق الأول:

مبدأ السلم الاجتماعي الذي نادى به القرآن ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة: 208]، وكان امتداداً لجده رسول الله ، رسول الله لما جاء إلى المدينة جاء إلى مدينة متحاربة، فأقام صلحاً بين اليهود وبين بعض أهل المدينة، وكان هناك صراع بين الأوس والخزرج فعقد بينهما عقد الصلح، وعاشت المدينة في حياة رسول أجمل وأسمى صور مبادئ السلم الاجتماعي، وهو ما ركزت عليه السيدة الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء قالت: ”كنتم مذقة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الأقدام، تشربون الطرق وتقتاتون القد، أذلة خاسئين، فأنقذكم الله تعالى بأبي محمد“

الرسول محمد عندما دخل مكة فاتحاً لم يدخل قاتلاً وإنما قال: ”من أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان كما في بعض الروايات فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن“ وقال: ”اذهبوا فأنتم الطلقاء“ وهذا هو المبدأ مبدأ السلم الاجتماعي الذي سار عليه الإمام أمير المؤمنين لمدة خمس وعشرين سنة حفاظاً على بيضة الإسلام، وهذا هو السلم الاجتماعي هو الذي انتهجه الإمام الحسن الزكي صلوات الله وسلامه عليه.

المنطلق الثاني:

الإسلام له مظهر وله مخبر، مظهر كالمآذن والمساجد والصلوات، ومخبره هو الإيمان القويم والسلوك المستقيم الذي قالت عنه الآية المباركة: ﴿وَالْعَصْرِ «1» إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ «2» إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ «3» [العصر: 1 - 3] وطبعاً المظهر لا يساوي المخبر، القرآن الكريم يقول: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة: 19] ولكن إذا وقع الإنسان موقع القيادة كالإمام الحسن وصارت دماء الأمة أمانة بيده وأوضاع الأمة تحت قيادته وإدارته رأى الإمام الحسن إن فتح باب الحرب مع معاوية وهو أقوى جيشاً وأكثر عدة وعتاداً، يمتلك جيشاً مخلصاً له مضحياً لأجله، فلو خاض الحرب مع معاوية لمحى المظهر والمخبر، فإن الحرب ستطحن هذا الوجود الإسلامي، وسيقتل بهذه الحرب خيرة صحابة رسول الله والأفذاذ من المسلمين حملة الروايات وحملة الأحاديث وحفظة القرآن، فأراد الإمام الحسن أن يحافظ على المظهر؛ أن المسلمين كلمتهم واحدة، وأن يحافظ على المخبر وأن يحفظ هؤلاء الثلة والصفوة من صحابة رسول الله ، لذلك قال: ”إني خشيت أن يجتث المسلمون عن وجه الأرض فأردت أن يكون للدين ناعي“.

المنطلق الثالث:

الإمام الحسن اجتماعي بمعنى الكلمة، يكون الإنسان حليماً إذا كان اجتماعياً، يكون كريماً إذا كان اجتماعياً، يركز على أولويات مجتمعه إذا كان اجتماعياً، والإمام الحسن جمع الخصال كلها، هو الحليم، هو الكريم، هو مبدأ السلم، أي أن المجتمع ووحدته وهمومه كان يملأ قلبه ويملأ روحه، لذلك جعل المجتمع هو الأولوية وخاض في سبيل ذلك المتاعب والمصاعب والمعاناة حتى قيل له أشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل، وطُعن بخنجر في فخده في ساباط في المدائن ولكنه مع كل ذلك كان مقتنعاً أن الطريق هو السلم الاجتماعي مهما كانت النتائج.

الحسن هو الحليم، يلحقه رجل شامي يشتمه ويشتم أباه فيلتفت إليه الإمام الحسن الزكي ويقول: ”يا هذا أظنك غريباً، ولعلك اشتبهت فينا فإن كنت طريداً آويناك وإن كنت جائعاً أشبعناك وإن كنت عطشاً أرويناك، فهلا حولت رحلك إلينا ونزلت ضيفاً علينا فإن لنا منزلاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً وفيراً“ فلم يتمالك الرجل حتى انحنى عليه وقبَّله وقال: الله أعلم حيث يجعل رسالته فيكم أهل بيت النبوة.

والإمام الحسن هو الكريم الذي يطرق بابه السائل ويقول: لم يخب الآن من رجاك ومن حرك من دون بابك الحلقة، أنت جواد وأنت معتمد، أبوك قد كان قاتل الفسقة، لولا الذي كان من أوائلكم كانت علينا السماء منطبقة. فأخرج إليه صرة الدراهم والدنانير ولم ينظر فيه وجهه لئلا يرى حياء المسألة على وجهه، قال: خذها فإني إليك معتذر واعلم بأني عليك ذو شفقة لو كان في سرنا الغداة غطاً كان سمانا عليك مندفقة، لكن ريب الزمان ذو غير والكف مني قليلة النفقة.

تبرع الإمام الحسن بأمواله كلها ثلاث مرات في حياته، وكان يغدك كل ما عنده على الفقراء والمساكين، وكان يقول نحن أناس نوالنا خضل يرتع فيه الرجاء والأمل، تجود قبل السؤال أنفسنا خوفاً على ماء وجه من يسل، لو علم البحر فضل نائلنا لغاض جدباً وإنه خجل.

الإمام الحليم، الإمام الكريم، الإمام مصدر الصلح والسلم الأهلي الاجتماعي، ”والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يأخذوني إليه سراً فلأن أسالمه وأنا عزيز أحب إلي من أن يقتلني وأنا أسير أو يمن علي فتكون سبة على بني هاشم لا يزال يمن بها معاوية هو وعقبة على الحي منا والميت“.

الزكي  ابن  فاطم  سبط  iiطاها
مكرمات  أعيا  الورى iiإحصاها
فلتقصّر   عن  مدحه  iiشعراها
حسن   نجل   حيدر  iiمجتباها
قد حوى كلّ ما «حوت» أنبياها
بحر   علم  وحكمة  ثم  iiتقوى
كل من جاء يستقي منه iiيروى
ولديه  حلم  من  الطود  iiأقوى
حلمه   لو  به  يوازن  رضوى
لغدا    راجحاً   على   رضواها