كيف نؤسس لعلاقة زوجية ناجحة؟

1443-09-16

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم: 21]

صدق الله العلي العظيم

حديثنا انطلاقاً من الآية المباركة في ثلاثة محاور:

  • الفوارق بين الذكر والأنثى.
  • حقيقة العلاقة الزوجية.
  • معالم الحياة الزوجية في التراث الإسلامي.
المحور الأول: الفوارق بين الذكر والأنثى.

تحدث الدكتور عمر شريف في كتابه «المخ ذكر أم أنثى؟» عن الفوارق الطبيعية بين الذكر والأنثى، وأهم الفوارق بين الذكر والأنثى:

  1. الفارق الأول: العقل نوعان عقل تحليلي فلسفي، وعقل انفعالي وإبداعي، والدماغ له نصفان، نصف أيسر ونصف أيمن، النصف الأيسر من الدماغ هو المسؤول عن التحليل والاستنتاج، والنصف الأيمن من الدماغ هو المسؤول عن الأدوار الانفعالية والإبداع والفن، والمرأة أقدر من الرجل في العقل الانفعالي أي في مجال الإبداع والفن، والرجل نوعاً ما أقدر من المرأة في العقل التحليلي الفلسفي، إذن هما يتبادلان القدرة في هذا المجال، فلو عرضت قضية على الرجل والمرأة ولنفترض كلاهما طبيبان نفسيان وعرضت عليهما قضية مرضية، يتجه فكر الرجل إلى ملاحظة الأعمدة الرئيسية للمشكلة ولا يذهب للتفاصيل، بينما المرأة تتجه للتفاصيل جزء جزء حتى تستوعب تمام أطراف القضية، فالطبيعة الذهنية للرجل والمرأة تجعلهما يختلفان حتى في تناول القضايا التي تَرِدُ عليهما كطبيبين مثلاً.
     
  2. الفارق الثاني: دافيد بوس أقام دراسة على عشرة آلاف امرأة تنمي لسبعة وثلاثين حضارة، وهذه الدراسة عن الرجل والمرأة، ذكر فيها سؤلان عما يهم الرجل وما يهم المرأة، السؤال الأول: من هو شريك الحياة بالنسبة للمرأة؟ ومن هي شريكة الحياة بالنسبة للرجل؟ أغلب النساء قالوا شريك الحياة من كان له موقع مهني أو اجتماعي؛ أي أن المرأة تركز على موقع الزوج المهني أو الاجتماعي كدخل في الحياة الزوجية، بينما الرجال أجابوا بالتركيز على جمال وجه المرأة وعلى مدى الاستمتاع بالمرأة.
     
  3. والسؤال الثاني هو ما مدى اهتمامك بالأسرة كرجل وامرأة؟ قال الرجل الأسرة إحدى اهتماماتي، بالإضافة إلى عملي وعلاقاتي، وربما يهتم الرجل بعمله أكثر من أسرته، ربما يكون اهتمامه بوظيفته وموقعه الاجتماعي والمهني أكثر من اهتمامه بأسرته وبأولاده، بينما المرأة قالت الأسرة جزء مني لا أنفصل عنها، فالمرأة لا تعتبر الأسرة إحدى الوظائف أو إحدى المهمات ونجاحها بنجاح أسرتها، وتميزها بتميز أسرتها.
     
  4. الفارق الثالث: أن المرأة ترغب في العمل للتواصل مع الآخر بخلاف الرجل لا يهمه ذلك، المرأة تختار العمل الذي في تواصل مع الآخرين كالتمريض، والتعليم، والطب، بينما الرجل قد يميل لأعمال ليس فيها تواصل سواء كان مواصلات، نقل، تجارة، المهم العمل الذي ينمي شخصيته المادية والخبروية بغض النظر عن كون العمل ذا تواصل مع الآخر أم لا.
     
  5. الفارق الرابع: القدرة على التعاطف، وهي أعظم الفوارق بين الرجل والمرأة نقرأ قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات: 13] التعارف فرع التعاطف، التعاطف مرحلة قبل التعارف، ممكن أن يتعرف الرجل على غيره لكن هل ممكن أن يتعاطف الرجل مع غيره؟ الرجل لديه القدرة على التعارف والتواصل الاجتماعي كما المرأة، لكن القدرة على التعاطف موجودة عند المرأة أكثر، فالمرأة أقدر على التعاطف من الرجل، المرأة تقرأ قسمات وجه الرجل وتعرف من خلال قسمات وجهه مشاعره لذلك المرأة أقدر على الأمومة من الرجل لأن المرأة تقرأ طفلها من خلال قسمات وجهه، المرأة أقدر على القراءة النفسية للرجل أكثر من قراءة الرجل لنفسية المرأة، هذه فوارق طبيعية مهمة بين الرجل والمرأة.
المحور الثاني: حقيقة العلاقة الزوجية.

العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة على ضوء هذه الفوارق الطبيعية الواضحة بين الرجل والمرأة، هل تعتبر العلاقة الزوجية علاقة تفاضل أم أن العلاقة بينهما علاقة تكامل وتبادل؟

يقول بعض علماء الاجتماع أصبحت العلاقة الآن بين الرجل والمرأة علاقة حرة بعد أن كانت علاقة مسؤولية، سابقاً قبل خمسين عام كانت العلاقة الزوجية علاقة مسؤولية، الرجل يشعر بمسؤولية تجاه المرأة والمرأة تشعر بمسؤولية تجاه الرجل، أما الآن أصبحت العلاقة حرة فلا مسؤولية للرجل تجاه المرأة ولا مسؤولية للمرأة تجاه الرجل أصبحت العلاقة حرة خالية من المسؤوليات والأدوار، بل إن بعض الحركات النسوية الراديكالية أفرطت وتنكرت للزواج وقالت إن الزواج سجن للمرأة يقتل أحلامها ويقضي على طموحاتها ويحجم شخصيتها، فحاربت الزواج ودعت إلى ممارسة الجنس بكل أنماطه المختلفة، بينما الفكر الإسلامي والفكر الديني بصورة عامة يرى أن وجود الرجل والمرأة في الحياة لا يتم إلا بالزواج، الزواج هو العلاقة التي خلق من أجلها الرجل والمرأة، عندما نقرأ الآيات الشريفة نرى أن العلاقة الزوجية جزء من التصميم الكوني للحياة، فالله تبارك وتعالى صمم هذا الكون لهدف ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ [الدخان: 38] ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء: 17] هناك هدف من تصميم هذا الكون والهدف من تصميم هذا الكون هو الترابط بين أجزائه والتناغم بين مجراته وتبادل المهمة بين جميع أجزاء هذا الكون ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس: 40] الهدف من تصميم الكون تكامل الكون، كذلك الرجل والمرأة جزء من هذا الكون والهدف من وجودهما ترابطهما وتكاملهما، كل منهما يكمل الآخر، لذلك تلاحظ أن الزوجية جُعلت مع آيات الكون قال تبارك وتعالى: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ «19» وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ «20» وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ «21» وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ «22» [الروم: 19 - 22] كما أن خَلْق السماء والأرض آية فخَلْق الرجل والمرأة آية، الزواج آية كما أن الشمس والقمر آية؛ لأن الزواج هو عبارة عن رجوع الذكر والأنثى إلى القيم الفطرية، خُلِقَ الإنسان بفطرته على الحب والرحمة والسكينة، والزواج تجسيد لهذه القيم الفطرية التي خُلِقَ الإنسان عليها، لذلك اعتبر الزواج آية من آيات الله وجزء من تصميم الكون الذي أبدعه الله تبارك وتعالى.

وقال في آية أخرى ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة: 187] كما يحتاج الإنسان إلى اللباس ليقيه من الحر والبرد يحتاج إلى المرأة؛ لأنها تقيه من شره الجنس ومن الانحراف والانزلاق، والمرأة أيضاً تحتاج إلى الرجل ليقيها من الانزلاق، كما يحتاج كل منهما إلى اللباس، اللباس زينة والزوجة زينة، زينتك زوجتك، زينتكِ زوجكِ، كل منهما زينة الآخر، لذلك ليبحث كل من الطرفين عن زينته اللائقة به.

كتب جون غراي قبل 35 سنة كتاب «الرجل في المريخ والمرأة في الزهرة» وهذا الكتاب صار من أكثر عشرة كتب مبيعاً في العالم كله في الربع الأخير من القرن العشرين وتُرجِم إلى 35 لغة، ومن ثم لما رأى جون غراي بعد كل هذه الأعوام أن أنماط الحياة تغيرت، وأن الحياة الزوجية قبل 35 سنة قد تغيرت عن اليوم، تغيرت الأنماط والأنفاس والاتجاهات فكتب كتاباً آخر أسماه «ما بعد المريخ والزهرة» ذكر فيه عدة قضايا مهمة مفصلية في بناء الحياة الزوجية:

  • القضية الأولى: فرق بين مزاج الرجل ومزاج المرأة، مزاج الرجل مستقر عادة لكن مزاج المرأة مثل أمواج البحر في صعود وهبوط، تارة مستقر وتارة في حالة توتر وقلق وفي حالة توهج، لأنها تمر بالدورة الشهرية وهي تخلق نفسية للمرأة قبلها وأثناءها وبعدها لذلك هي في حالة هبوط وصعود، مما يقتضي ويستدعي أن يكون الرجل حريصاً على فهم المرأة وفهم مشاعرها وعواطفها خصوصاً في هذه الفترة التي تمر بها المرأة.
     
  • القضية الثانية: فرق بين توأم الدور وتوأم الروح، الزواج قبل خمسين سنة مؤسسة بين طرفين رجل وامرأة كل منهما له أدوار، فالرجل والمرأة بينهما توأم الدور أي توزيع أدوار عبر مؤسسة، والآن أصبح توأم الروح وليس توأم الدور، المرأة الآن لا تركز على نفقة الرجل والطبخ والغسل، المرأة الآن عاملة وتتلقى راتبها وليست محتاجه لأموال الرجل، وفي كل بيت فيه وسائل الطبخ ووسائل الغسل ووسائل العناية ولا حاجة للمرأة لأن تمارس ذلك، إذن توأم الدور تغير إلى توأم الروح، وأصبح كل من الرجل والمرأة يركز على العلاقة الروحية والعلاقة النفسية بينهما أكثر من التركيز على الأدوار والوظائف، تبدلت الحياة الزوجية من توأم الدور إلى توأم الروح، لذلك لابد من ملاحظة هذه النقطة.
     
  • القضية الثالثة: الحاجة إلى التقدير، إبراهام أوسلو العالم الأمريكي يقول أن هناك حاجات أولية أربع يحتاجها الإنسان: حاجة الإنسان إلى الطعام، إلى الأمن، إلى الانتماء، وإلى التقدير، ما هو الأسلوب التي تقدر به المرأة زوجها، وما هو الأسلوب الذي يقدر به الرجل زوجته؟

الرجل يحتاج أن تبرز له زوجته إعجابها بشخصيته وبمواقفه وآرائه، أما إذا رأى زوجته تبرز له عيوبه كل يوم وأخطاءه وفشله في الحياة وفشله في الأسرة ينفر منها ويحاول أن يهرب منها بأي وسيلة، وبالعكس المرأة تنتظر من الزوج تقدير لها، عندما يثني على جمالها وشكلها وعلى لباسها، يقدرها الزوج عندما يصغي لحديثها، وهذه نقطة مهمة، حيث تغضب المرأة عندما ينشغل الرجل أثناء حديثها ولو بمطالعة الجوال، فتقدير الرجل للمرأة في نظر المرأة أن يصغي لحديثها، وأن يبدي اهتماماً بحديثها وبمشاريعها وقضاياها الأخرى حينئذ تتم علاقة التقدير بين الرجل والمرأة، علاقة الرجل والمرأة علاقة تساوي وليس علاقة تفاضل، متى ما شعرت المرأة أن الرجل يراها أدنى منه لم ترغب في هذا الرجل، ومتى ما شعر الرجل أن المرأة تراه أدنى منها لم يرغب فيها، أن ينظر كل منهما للآخر أنه كفؤ له وأنه زينته ويتكامل به ويحتاج إليه.

المحور الثالث: معالم الحياة الزوجية في التراث الإسلامي.

نذكر أربعة معالم:

المعلم الأول: المعلم العاطفي.

لا غنى للرجل والمرأة عن العاطفة، تبقى المرأة تحتاج إلى العاطفة مهما كان عمرها، ويبقى الرجل يحتاج إلى عاطفة المرأة مهما كان عمره، كل منهما يحتاج إلى لغة الحب وإلى لغة العاطفة، إلى لغة الرأفة، إلى لغة الاهتمام، وإلى لغة التقدير، هذه حاجة أساسية، فكما تحتاج إلى الطعام تحتاج إلى لغة الحب والتقدير لكل من الرجل والمرأة، جاء رجل إلى رسول الله محمد فقال له: يا رسول الله إن لي زوجة إذا جئت استقبلتني وإذا خرجت شيعتني وإذا رأتني مهموماً قالت ما يهمك إن كنت تهتم لرزقك فقد كفله غيرك وهو الله، وإن كنت تهتم لآخرتك فزادك الله هماً. قال: بشرها بالجنة فإنها عاملة من عمال الله.

وورد عن الإمام الباقر : ”إن قول الرجل لامرأته أحبك لا يذهب من قلبها أبداً“ أَبْرِز لغة الحب والتقدير بينك وبينها حتى تبقى العلاقة متوهجة ومتينة بين الطرفين.

المعلم الثاني: المعلم الإنساني.

الزواج ليس مؤسسة ولا وظيفة، ليست الحياة الزوجية مؤسسة ووظيفة وأدوار مقننة، الحياة الزوجية تعاون ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2] الحياة الزوجية تضحية وتنازل من كل طرف تجاه الآخر، إذا خدشتك زوجتك يوماً بلفظ مسيء أو عبارة جارحة بصوت عالي غض النظر عما ذكرت تنازل من أجل إبقاء علاقة حميمة بينك وبينها، وإذا أساء لكِ زوجكِ يوماً من الأيام بعبارة خادشة بصوت عالي تسامحي تنازلي ضحي من أجل أن تبقى العلاقة الزوجية علاقة حميمة متينة متوهجة، العلاقة الزوجية علاقة تعاون لذلك ورد في تاريخ علي وفاطمة «عليهما السلام» ضمن علي لفاطمة أن يستقي ويحتطب ويكنس وضمنت فاطمة لعلي أن تغسل وتطبخ وتطحن، كل منهما يقوم بعمل.

تقاضى علي وفاطمة إلى رسول الله فقضى لفاطمة ما دون الباب، وقضى لعلي ما خلف الباب فقالت فاطمة: لا يعلم ما دخلني من السرور إلا الله تبارك وتعالى.

المعلم الثالث:

تبادل الشعور بالرضا بين الزوجين حتى مع وجود الاختلافات بين الزوجين، يختلفون يوماً ثم يصطلحون، الاختلاف لابد منه ولكن الشعور بالرضا وتبادل الشعور بالرضا مظهر للعلاقة الزوجية الناجحة، دخل رسول الله على علي وفاطمة بعد الزواج قال: يا علي كيف زوجتك؟ قال: نِعْمَ العون على طاعة الله. وقال: يا فاطمة كيف زوجكِ؟ قالت: خير زوج يا رسول الله. حياة زوجية بنيت على التعاون وتبادل الرضا.

المعلم الرابع: التهيؤ للآخر.

بعض الأزواج يظن أن العلاقة الجنسية بين الزوجين تحدث كيفما كانت، ليست العلاقة الجنسية عملية جراحية تمارسها، وليست المرأة دمية بين يديك تمارس العلاقة الزوجية معها بأي طريقة وبأي كيفية، العلاقة الجنسية هي علاقة نفسية أيضاً كما هي علاقة جسدية لذلك تحتاج إلى إثارة وإلى محفز، المرأة تحتاج إلى محفز عاطفي من الرجل حتى تستجيب للعلاقة، والرجل يحتاج إلى إثارة من المرأة حتى يستجيب للعلاقة، العلاقة الجنسية هي مظهر للعلاقة النفسية فتحتاج إلى إثارة من الطرفين، الإمام الكاظم دخل عليه أحد شيعته يوماً فرآه متزيناً متطيباً خضب لحيته قال: حُسْن التهيئة لها. ثم قال: أيسرك أن تراها كما تراك فتهيأ لها.

إذن العلاقة بين الطرفين تحتاج إلى استعداد نفسي وتهيؤ من قبل كل طرف تجاه الآخر.

المعلم الخامس:

من أهم شروط وبنود الحياة الزوجية الناجحة أن يكون الرجل والمرأة لهما ثقافة دينية حتى يكونا قدوة لأبنائهما في العادات والعبادات وفي الالتزام بالواجبات والاجتناب عن المحرمات، أن يكونا متعاونين حتى يكون تعاونهما قدوة لأبنائهما وبناتهما.

ورد عن الرسول يقول: ”إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلون تكن فتنة في الأرض وفساد كبير“ أنت تخطب امرأة اسأل عن دينها قبل أن تسأل عن جمالها، اسأل عن وازعها الدين والتزامها قبل أن تسأل عن شكلها وجمالها، هذه أم أولادك ستربيهم على الدين والمعارف الدينية والولاء لأهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين، وأنتِ أيضاً عندما يتقدم إليك الرجل انظري إلى دينه وإلى وازعه الديني ومدى قربه والتصاقه بالدين وبالواجبات واجتنابه للمحرمات، فمسألة الدين مسألة مفصلية ضرورية في بناء الحياة الزوجية الناجحة.

قدوة الحياة الزوجية الناجحة والمثل الأعلى للحياة الزوجية الناجحة حياة علي وفاطمة، أجمل حياة زوجية في الإسلام، وأسمى علاقة زوجية في الإسلام، زوجيةٌ بُنِيت لله والارتباط بالله، لم يركز علي وفاطمة لا على الأثاث ولا على المهر ولا على الأموال ولا على المركز، ركز علي وفاطمة أن يبنيا حياة لله وفي خدمة المجتمع وفي خدمة الدين، كانت حياتهما الأسرية والزوجية بذلة للدين وخدمة للمجتمع، قال الإمام الصادق : إن فاطمة صلوات الله وسلامه عليها طحنت بالرحى حتى أثر في صدرها واستقت بالقربة حتى مجلت يداها، وأوقدت النار حتى دكنت ثيابها، فأصابها من الضرر ما أصابها، فقال لها علي : هلَّا جئتِ أباك رسول الله وطلبتِ منه خادماً يعينكِ على ما أنت فيه، فأقبلت إلى أبيها رسول الله وكان معه حدّاث يتحدثون معه فرجعت إلى البيت، سمع الرسول عنها فأقبل إلى الدار دخل على علي وفاطمة وإذا هما على سريرهما متلحفان فلما رأيا رسول الله أرادا أن يقوما قال: مكانكما اجلسا، جلس عندهما رسول الله قال: بنية فاطمة ما مجيئك هذا اليوم إلي. فاستحت وسكتت فقال له علي : يا رسول الله إن فاطمة أصابها من الضرر ما أصابها فجاءت إليك تطلب خادماً ورأتك مع حداث معك فرجعت. فالتفت إليهما وقال: يا علي وفاطمة ألا أخبركما بما هو خير لكما من الخادم؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: إذا قمتما إلا منامكما فكبرا الله أربعة وثلاثين مرة، واحمداه ثلاثاً وثلاثين مرة وسبحاه ثلاثاً وثلاثين مرة، فإنه خير لكما من الخادم، فقلنا: رضينا عن الله وعن رسول الله ثلاثاً وكانا كذلك.

هكذا كانت حياة علي وفاطمة حياة التعاون وحياة الرحمة، حياة الألفة، حياة الرضا والقناعة ولأجل ذلك إلى آخر نفس وإلى آخر لحظة وآخر رؤية بين الحبيب وحبيبه، تلتف فاطمة إلى علي وتقول: أبا الحسن هل وجدتني كاذبة أو خاطئة أو خالفتك منذ عاشرتك؟ قالت: أنت أجلّ وأسمى من أن أوبخكِ، أنت فاطمة، أنت شجنة من روحي ولقد جددتِ علي مصيبتي برسول الله.