التجربة المنبرية للعلامة المنير

شبكة المنير

أعوذ بالله من الشيطان الغوي الرجيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104]

صدق الله العلي العظيم

حديثي مع الإخوة الأحبة الأعزاء في ثلاثة محاور:

 المحور الأول: في عناصر الدور المنبري.

إن المستفاد من الآيات الكريمة أن الدور المنبري التبليغي يعتمد على مجموعة من العناصر: العنصر التعليمي، والعنصر الإرشادي، والعنصر التفاعلي.

  •  العنصر الأول: العنصر التعليمي؛ وهو الذي أشارت إليه الآية المباركة في قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران: 104] فإن الدعوة إلى الخير هي عبارة عن العنصر التعليمي؛ أي الدلالة على مفردات الخير ومصاديق الخير بما تحمله الكلمة من عموم يشمل الخير الثقافي، الخير الاجتماعي، الخير الديني، وسواء حملنا كلمة من على من التبعيضية أو حملنا كلمة من على من التجريدية؛ بمعنى ولتكونوا أمة يدعون إلى الخير، فإن المستفاد من الآية هو أن المسؤولية مسؤولية كفاية أي لا يحتمل أن يكون كل فرد من المجتمع الإسلامي مسؤولاً عن التعليم والإرشاد، ولكن المسؤولية كفائية.
     
  •  العنصر الثاني: العنصر الإرشادي، نلاحظ أن العبارة في الآية اختلفت، ففي الجملة الأولى قال يدعون وفي الجملة الثانية قال يأمرون ﴿يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ باعتبار أن المورد الثاني هو عبارة عن العنصر الثاني ألا وهو عنصر الإرشاد، الإرشاد المتضمن للوعظ والتذكير والتنبيه ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية: 21] يستبطن أن يكون الطرف الآخر عالماً بما أعظه، عالماً بما أنبهه وأذكره به، لذلك في العنصر الأول الطرف الآخر جاهل أقوم بتعليمه موارد الخير ومفردات الخير، أما في العنصر الثاني فالطرف الآخر عالم مطَّلع ولكن أنا أقوم بتذكيره وتنبيهه.
     
  •  العنصر الثالث: وهو المهم في البين العنصر التفاعلي الذي عبرت عنه آية أخرى في سورة العصر ﴿وَالْعَصْرِ «1» إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ «2» إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ «3» [العصر: 1 - 3] التواصي هو عبارة عن العنصر التفاعلي، وقال في آية أخرى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة: 2] التفاعل مهم جداً للدور المنبري، أن يكون هناك من المجتمع المؤمن تواص مع المنبر في سبيل ثباته على أداء الرسالة، وفي سبيل استمراره في أداء الدور الرسالي، وهناك أيضاً تواص من المنبر للمجتمع المؤمن بحثه على الثبات على الخير والحق والصبر على العوائق التي تعترض هذه المسيرة.

من خلال هذه العناصر الثلاثة يتقوم أداء المنبر الحسيني المنبر التبليغي بأفضل أداء وأحسن أداء.

 المحور الثاني: ركائز نجاح الرسالة المنبرية.

ما هي الركائز التي إذا توفرت كان المنبر منبراً ناجحاً ومتميزاً ومعطاء؟

أذكر عدة ركائز:

الركيزة الأولى: المادة الحوزوية.

لا يمكن أن ينفك المنبر عن المادة الحوزوية، المادة الحوزوية هي الفقه، الأصول، علم الكلام، هذه مادة دخيلة في العطاء المنبري سواء على مستوى التفسير، أو على مستوى طرح القضايا الفقهية المعاصرة وعلاجها، أو على مستوى التنظير لأية مهمة فكرية أو اجتماعية، كل ذلك يعتمد على التركيز والتعمق والتمحور في المادة الحوزوية، خصوصاً الفقه والأصول بالدرجة الأولى.

لذلك لا يمكن أن يستغني الخطيب في مرحلة من مراحل عمره عن المادة الحوزوية بأن يقول أنا أنهيت دراستي وأخذت ما أحتاج وأنا الآن لا أحتاج إلى الحوزة وأتفرغ للمنبر الحسيني، هذا كلام غير مجدي، بقاء الخطيب في إطار الحوزة وتواصله مع أجواء الحوزة درساً وتدريساً وعطاء كفيل بأن يجعل منبره منبراً حيوياً متجدداً في مجال العطاء الفكري خصوصاً ما يعتمد على الفقه والأصول.

الركيزة الثانية:

لا يقتصر دور المنبر على عرض التاريخ، ولا على الوعظ والإرشاد وإن كانت هذه الأمور مهمة جداً، يحتاج المنبر الحسيني إلى عرض ثقافي أيضاً، لذلك يحتاج المنبر الحسيني إلى أن تكون لدى الخطيب مادة ثقافية وافرة، أول مرة التقيت بالمرحوم العلامة الوائلي رحمه الله في النجف الأشرف عام 1978م، وسألناه توصية نستفيد منها فكان يقول: اجعل لكل علم دفتراً. والمقصود بهذه الكلمة أن الخطيب كلما وصلت إليه معلومة ثقافية قيدها، وكلما وصلت إليه معلومة ثقافية في مقال، في مجلة، أو أثناء مشاهدته للقنوات، أو أثناء تواصله مع وسائل التواصل، متى ما وصلته معلومة ثقافية في أي علم من العلوم أخذها واحتفظ بها، لأنها توفر له خزيناً معرفياً وتوفر به رصيداً معرفياً متنوعاً متى ما احتاج إلى هذه المعلومة عندما يضع فهرست لمعلوماته والمقالات التي استفاد منها متى ما احتاج إلى هذه المعلومة وضعها في الموضع المناسب، إذن بالنتيجة المادة الثقافية خصوصاً في مجال التاريخ، وفي مجال علم النفس بمدارسه المختلفة، علم الاجتماع، علم الإدارة، هذه العلوم الحيوية الإنسانية التي يحتك بها الإنسان في كثير من المجالات، القضايا الاجتماعية وتحليلها ووضع طرق العلاج له، المشاكل النفسية التي تمر على الخطيب أثناء تواصله مع الناس كل ذلك يحتاج إلى مثل هذه العلوم الإنسانية، بحيث لابد أن يكون للخطيب على الأقل إلمام عام وإجمالي ببعض هذه المعلومات اللازمة للثقافة المنبرية.

الركيزة الثالثة: المادة البيانية.

أن تكون لغة الخطيب لغة سلسة سهلة جذابة، عندما يستمع إليها أي شخص ينجذب إلى المواصلة، والاستمرار لاستماع أداء الخطيب باعتبار أن لغته لغة واضحة وجذابة، تشتمل على مفردات تجذب المستمع وتنبهه إلى المواصلة والتركيز، خصوصاً إذا كانت هذه المادة البيانية مقرونة بحسن استخدام الإشارة في مواضعها، وحسن استخدام ارتفاع الصوت أو هبوط الصوت في مواضعه المناسبة، حينئذ يكون أكثر جاذبية وتأثيراً على المستمع.

الركيزة الرابعة: أن يكون لدى الخطيب معاصرة.

ومعنى المعاصرة أن لا يكون الخطيب في قرن سابق، بل ولا في عقد سابق أي عشر سنوات قبل، أن يكون لدى الخطيب معاصرة للأجواء الاجتماعية التي يعيش فيها، والمقصود بالمعاصرة أن تكون الأمثلة التي يستخدمها الخطيب من الواقع الاجتماعي المعاصر لا أمثلة استمعها ولا أمثلة عاشتها الناس قبل عشر سنوات أو قبل عشرين سنة، أن تكون مصطلحات الخطيب سواء كانت علمية أو اجتماعية تكون مصطلحات معاصرة متى ما ألقاها فهم الناس ما هو المقصود من هذه المصطلحات، فالمعاصرة هي أن يشعر المستمع أن الخطيب معه في أجوائه وثقافته وهمومه وأفكاره، حتى يتحقق له تواصل حيوي ومهم مع المنبر الحسيني.

الركيزة الخامسة: المواكبة.

والمقصود بالمواكبة هي مواكبة الشبهات والأفكار، وهذا مهم جداً، أن تكون لدى الخطيب مواكبة ما يستجد من أفكار وشبهات ومن أطروحات، بمعنى أن لا يغفل الخطيب عن هذه النقطة؛ نقطة متابعة ما يُطرح في وسائل التواصل من خلال المواقع الثقافية، من شبهات، خصوصاً في زماننا هذا هناك شبهات حول الدين، حول الخالق، حول القرآن، حول النبوة، حول العصمة، حول الإمامة، حول القضية المهدوية، حول المرجعية، حول الفائدة والجدوى من الفقه، الجدوى من العلوم الحوزوية، هناك شبهات وإشكالات واعتراضات كثيرة، لابد أن يكون الخطيب المنبري على تواصل ومواكبة مع ما يستجد منها بحيث لو أن الخطيب ركز في كل موسم على مجموعة لمعالجة مجموعة من الشبهات المتعلقة بجانب من هذه الجوانب التي أشرنا إليها لاحتاج إلى خمس سنين، فكيف بما إذا لم يكن مواكباً ولم يكن متابعاً لما يستجد من الشبهات والأطروحات والأفكار المتنوعة المختلفة.

الركيزة السادسة: ركيزة التواصل الاجتماعي،.

لابد للخطيب من تواصل مع الناس، تواصل يومي، أن يكون لديه تواصل يومي مع المجتمع يستمع ويعطي، يتلقى الأسئلة والأفكار، وأيضاً يعطي ما عنده من عصارة أفكار ومفاهيم، التواصل أداة مهمة من أدوات تطوير الخطيب، عندما يتواصل الخطيب مع الناس يعرف موقف الناس من منبره، ويعرف تقويم الناس لمنبره، ويعرف تقويم الناس لأدائه، ومن خلاله يستطيع أن يسير في مرحلة التطوير والتغيير، التواصل مع الناس يعرّف الخطيب على الهموم والأفكار المعاصرة المعاشة، التواصل مع الناس يعرّف الخطيب على مستوى التفكير والفهم لدى من حوله من الناشئة أو الكبار أو المتوسطين في العمر، إذن التواصل مع الناس ركيزة ضرورية لنجاح دور المنبر الحسيني.

إذا توفر الخطيب على هذه الركائز كان قد مشى في مسيرة تطوير منبره وتطوير لسانه ومعلوماته ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد: 11] روح التغيير هي مسؤولية الخطيب نفسه، هو لابد أن يشعر بأنه مسؤول عن تغيير نفسه وتطوير أدائه ومنبره بين مرحلة وأخرى.

 المحور الثالث: عرض تجربتي في هذا المجال.

ليس لي طبعاً تميز على غيري من الإخوة الخطباء للمنبر الحسيني ولكن هناك أمور أهتم بها وأركز عليها وأعتقد أن تركيزي عليها مهم ومفيد في مجال أداء الدور المنبري.

المجالات التي أركز عليها:

المجال الأول: التمحور حول المادة الحوزوية.

أنا منذ خمسة وأربعين سنة في الحوزة ما تركتها يوماً واحداً حتى في العطل والأسفار، وحتى في شهر محرم الحرام لا أترك التواصل مع الحوزة، بعض المعلومات الحوزوية أقوم بمراجعتها، بتحليلها وبالتدقيق فيها حتى في أيام عشرة محرم الحرام.

التواصل مع المادة الحوزوية أعتقد أنه عنصر مهم ومجال مهم، التعمق، التضلع في الفقه والأصول وفي علم الكلام درساً وتدريساً ومباحثة ومذاكرة، هذا ما حرصت عليه خلال هذا العمر الحوزوي، حرصت على الحضور عند الأساتذة الأوائل للحوزة العلمية سيدنا الخوئي قدس سره، الأستاذ السيد السيستاني دام ظله، الشيخ الأستاذ الوحيد الخراساني دام ظله، الشيخ الأستاذ جواد التبريزي قدس سره، حرصت على الاستفادة منهم وتلخيص ما حضرت عندهم، بعض المناقشات والأفكار التي استفدتها من خلال الحوار معهم، المهم الأسبوع سبعة أيام ستة منها مع الحوزة ويوم واحد فقط مع المنبر، وهو الذي أتفرغ فيه أسبوعياً لمراجعة المقالات التي تصلني ومراجعة الأفكار التي تُبعث إلي، نعم يومياً لدي ساعة للإجابة على الأسئلة التي ترد علي إذا كان أسئلة فكرية أستفيد منها وأجمعها وأعلق عليها وأستفيد من بعض الأنظار والأطروحات التي ترد علي من خلال هذه الأسئلة.

وأيضاً كما ذكرت أكون طول السنة مع المادة الحوزوية لا انقطع عنها إطلاقاً حتى وإن اشتغلت مقارناً معها بالإعداد للمنبر الحسيني.

المجال الثاني: الإعداد المبكر.

لا أنتظر أن تأتي عشرة محرم ومن ثم أهيأ الموضوعات، ولا قبلها بشهر ولا شهرين، بمجرد أن ينتهي شهر رمضان المبارك أبدأ بالإعداد لمحاضرات عشرة محرم، وذلك الإعداد الذي قد يستمر ثلاثة أشهر بتواصل أو مع بعض التقطعات، أعتمد فيه على مجموعات مثقفة؛ بمعنى عندي مجموعات شبابية مثقفة ثقافة دينية وثقافة عامة أعتمد على هذه المجموعات في التواصل معهم وما هي الأفكار التي في أذهانهم وما هي المقترحات، وما هي المجالات الحيوية التي إذا دخلت فيها يكون الطرح مفيداً ومؤثراً، ومن ثم أجمع الأفكار وأقوم المقارنة بينها، أكمل بعضها ببعض، وأتصرف في بعضها، أرجح بعضاً على آخر بحسب تجربتي وخبرتي، المهم أن هناك إعداد مبكر للقيام بمحاضرات عاشوراء التي هي المحاضرات المحورية في تمام أيام السنة.

المجال الثالث: هو تلقي التقويم.

كما ورد في الحديث الشريف: ”لا يكبر أحد فوق أن يوصى بتقوى الله، ولا يصغر أحد دون أن يوصى بتقوى الله“ لابد للخطيب أن يتلقى تقويم الناس له، نقدهم له حتى لو كان نقداً لاذعاً ليس مهماً، فالنقد يسهم في تطوير رسالة الخطيب، النقد يسهم في تطوير أداء المنبر الحسيني، لذلك لابد من تلقي التقويم الناقد، لهذا في كل عام في أيام محرم الحرام تُكتب مقالات ناقدة لمحاضراتي من أشخاص قد لا أعرفهم ولا صلة لي بهم، وربما من مجتمعات أخرى ولكنهم يتابعون فيكتبون مقالات ناقدة، سواء بأسلوب مهذب أو بأسلوب آخر غير مهم، هذه المقالات الناقدة تصلني بعد عشرة محرم وأيضاً تصلني أسئلة كثيرة حول المحاضرات إما استفهامات أو نقد أو تنبيه أو إشارة إلى خطأ من الأخطاء صدر مني أثناء الإلقاء مثلاً، أقوم بجمعها، وما يمكن أن أرد عليه أجيب عنه، ولدي جلسة سنوية تأخذ ساعتين أو ثلاث للإجابة على الأسئلة المتعلقة بمحاضراتي في أيام محرم، وما لا يمكن أن أجيب عنه إما لأنه قد يكون لا جواب لدي، أو لأنه بعيد عما طرحته ولا علاقة لي به، أنا أعلق أيضاً برسائل خاصة أرسلها لمن كتب النقد أو الملاحظة كلٌّ حسبه، المهم تلقي التقويم لابد منه في تطوير الإنسان لنفسه وفي التفات الإنسان لعيوبه وأخطائه، لا يمكن لخطيب أن لا يخطئ خلال عشرة أيام وعشرة محاضرات وتكون هذه المحاضرات متنوعة ومعلومات مختلفة ولا يخطئ في معلومة أو في بيان، في تدقيق مصدر معين، في توثيق معلومة معينة، الخطأ وارد، لذلك معالجة الخطأ والالتفات إليه أمر ضروري في مرحلة ومسيرة التطوير.

المجال الرابع: الانفتاح على الثقافة.

أنا أدخل كورسات بين فترة وأخرى، ولا أقول أنني مستغني ولا أحتاج، لما أردت أن أتحدث عن الإلحاد وشبهات الإلحاد والإجابة عنها، رأيت أنني لا أستطيع بالمادة الحوزوية أن أجيب عنها وحدها، هذه شبهات معتمدة على قضايا علمية تجريبية فكيف أجيب عنها بالمنطق الحوزوي المحض فذلك غير ممكن، فاحتجت أن آخذ كورساً في الفيزياء مضافاً إلى مطالعاتي في هذا المجال ودراستي فيه، ومع ذلك أخذت كورس في ذلك حتى أستطيع أن أقف على النقاط، وأن أضع يدي على الجرح في مجال الإجابة والنقد والتقويم، أيضاً دخلت كورس في مجال علم النفس، ودخلت عدة كورسات في مجال علم الاجتماع، هذا شيء مهم باعتبار أنه يبصرني بكثير من المعلومات، ويعلمني كثير من المصطلحات، ويساعدني في فهم المقالات في هذه المجالات، لو جاءني مقال في علم النفس وفي علم الاجتماع وفي علم الإدارة أستطيع قراءته وفهمه والتعليق عليه لأنني دخلت كورس يتعلق بمثل هذه المعلومات.

المجال الخامس: قراءة الفكر الآخر.

كما أريد من الآخر أن يفهمني ويقرأ فكري أنا لابد أيضاً أن أقرأ فكر الآخر سواء كان ملحداً، علمانياً، ديناً آخر، مذهباً آخر، اقرأ فكره لأنظر ماذا يقول وماذا يطرح، طبعاً عندي جولة في الغرب أحرص عليها سنوياً أذهب إليها، إما أيام شهر رمضان المبارك أو في شهر من أشهر الصيف، في أي منطقة هناك في سبيل قراءة الفكر الآخر، عندما يلتقي الإنسان بالآخرين ويدخل في الحوار معهم ويستمع إليهم ويُسمعهم ما عنده من خلال هذا الحوار الهادئ الدافئ يفهم الآخر، ولذلك يكون تعليقي على فكر الآخر تعليقاً متطابقاً مع قراءتي لفكره وفهمي له، طبعاً ليس كل خطيب يستطيع أن يذهب إلى الغرب كل سنة بالنتيجة وسائل التواصل والاتصال بالآخر لم تترك شيئاً ومن الممكن أن يستغلها الخطيب في سبيل قراءة الفكر الآخر وماذا يطرح.

تعرفون أن مناطقنا الشرقية سواء العراق أو الخليج كلها منفعلة وليست فاعلة، متأثرة وليست مؤثرة، الأفكار تبدأ من الغرب ثم تصل إلينا معلبة وقد تصل إلينا أحياناً مشوهة وأحياناً مبتورة لذلك أخذها من مصادرها ومنابعها جداً مفيد، جالياتنا خصوصاً الجاليات العراقية من أكبر الجاليات التي تعيش في الغرب، وليست جالية عادية بل مثقفة قارئة ومطلعة، لذلك التواصل مع هذه الجاليات التي تغربت وقرأت الفكر الآخر، وربما تأثرت به، وكثير من شبابنا تأثر فأصبح علمانياً أو لا دينياً، أو عنده إشكالات محورية على الدين أو المرجعية أو الفقه، بالنتيجة التواصل معه، والاستماع منه، والحوار معه يفيد جداً في تبصرة الخطيب بما يحوم حوله، وبما يجري في هذا العالم، وبما يُطرح في هذا العالم من أفكار وإثارات.

بعد كل ذلك ومع هذه المجالات التي أحرص على التركيز عليها والاهتمام بها أرى أن الزاد كل الزاد بل هو العصب المؤثر في نجاح أي تجربة، وأعتقد أنه العصب المؤثر في نجاح تجربتي هو التوسل بأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، أن يكون الخطيب دأبه التوسل بأهل البيت والارتباط الروحي بأهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين، لأجل ذلك حرص الخطيب أو حرص الإنسان المبلغ، وحرص الإنسان الحوزوي على أن تكون له يومياً طوال السنة علاقة بأهل البيت، إما بأن يصلي لهم وإما بأن يتصدق عنهم، وإما بأن يقرأ فضائلهم وإما بأن يتوسل بهم من خلال دعاء التوسل أو غيره من الأدعية أو الزيارات الواردة، فبعض خطبائنا رحمهم الله كانوا يلتزمون بزيارة عاشوراء طول السنة، وبعضهم يومياً يقرأ دعاء التوسل، وبعضهم يلتزمون يومياً بقراءة مجلس حسيني مع طلوع الشمس ولو خمس دقائق لمن يحضر ولمن يستمع، المهم أن يكون لنا ارتباط بأهل البيت، هذا طريقنا وهذا دورنا، نطلب أن يجعلنا أهل البيت خدماً لهم، وهذه الخدمة تحتاج إلى علاقة روحية يومية بأهل بيت العصمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

في أيام عشرة محرم الحرام كل يوم بيومه لابد أن أستمع لخطيب آخر لكي يكون عندي تواصل مع الدمعة وتواصل مع الفاجعة والمصيبة سواء وُفقت للحضور أو من خلال بث مباشر، أستمع لخطيب عنده قدرة على النعي والتأثير وطرح الفاجعة حتى أشعر بالتفاعل مع مصائب أهل البيت صلوات الله أجمعين، وعندما أقوم بطرح المصيبة أشعر أن قلبي متفاعل مع ما أطرح لا أنه مجرد ألفاظ ترد على لساني من دون أن يكون هناك تفاعل قلبي معها، لذلك التوسل بأهل البيت هو زادنا وطريقنا وهو العصب المؤثر والمهم في نجاح رسالتنا، وهذا ما أردت عرضه بشكل مختصر.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.