تجليات القيم السامية في المشروع الحسيني

1443-12-30

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف: 111]

صدق الله العلي العظيم

انطلاقاً من الآية المباركة نتناول ثلاثة محاور:

  • في قراءة التاريخ.
  • في أهداف المشروع الحسيني.
  • في قيم مدرسة كربلاء.
 المحور الأول: في قراءة التاريخ.

كيف نقرأ التاريخ؟ تاريخ حياة الرسول ، تاريخ معركة كربلاء، تاريخ الأئمة الطاهرين ؟ في قراءة التاريخ هناك ثلاثة اختصاصات: علم التاريخ، منهج البحث التاريخي، وفلسفة التاريخ، ولكل اختصاص معنى يختلف عن الآخر.

  • الاختصاص الأول: علم التاريخ، كما عرفه ابن خلدون في مقدمته هو فن تُدون به الأحداث وأحوال الماضين، الأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم، والناس في أخلاقهم، توثيق الأحداث وربطها بشكل متسلسل يسمى علم التاريخ، عندما يقوم الإنسان بتدوين سيرة النبي بشكل متسلسل من بداية الدعوة وحتى وفاته هذا يسمى بعلم التاريخ.
     
  • الاختصاص الثاني: منهج البحث التاريخي؛ يهتم بربط الماضي بالحاضر، ما هو أثر الماضي على الحاضر، ما هي الآثار التي انعكست من خلال التاريخ الماضي على الحاضر الفعلي، مثلاً عندما يقوم باحث بالبحث عن آثار حركة القاعدة أو حركة داعش وأثرها على المسلمين اليوم، أو أثرها على الحضارة الإسلامية، أو أثرها على الثقافة الإسلامية، أثر الماضي على الحاضر يسمى بمنهج البحث التاريخي.
     
  • الاختصاص الثالث: فلسفة التاريخ، في علم الاجتماع هناك فرق بين العلم والمعرفة، فليس كل شخص عالم لديه معارف، العلم هو مجموعة معلومات، والإنسان عندما يختزن في عقله مجموعة من المعلومات يقال فلان لديه علم، أما المعرفة فهي أعمق من العلم، المعرفة هي التي تجيب عن أسئلة ثلاثة: ما هو؟ كيف هو؟ لماذا هو؟

المعلومات التي تجيب عن الأسئلة الثلاثة تسمى معرفة، مثلاً عندما نتحدث عن الإنسان نطرح أسئلة ثلاثة: ما هو الإنسان؟ كيف وجد الإنسان؟ لماذا وجد الإنسان؟

البحث الذي يجيب عن هذه الأسئلة الثلاثة هو معرفة بالإنسان، الإنسان هو مخلوق حي مفكر ناطق ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [الإسراء: 70]

كيف وجد الإنسان؟ ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ «5» خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ «6» يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ «7» إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ «8» يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ «9» [الطارق: 5 - 9]

لماذا وجد الإنسان؟ وما هو الهدف من خلقه؟ ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك: 2]

إذن الأسئلة الثلاثة تسمى معرفة، هكذا أيضاً نتساءل عن التاريخ، أي تاريخ يأتينا نطرح الأسئلة الثلاثة: ما هو؟ كيف هو؟ لماذا هو؟

عندما نتحدث عن فتح مكة، الرسول فتح مكة، فما معنى فتح مكة؟ وما هي الكيفية التي حصل بها فتح مكة؟ ولماذا وما هي الأهداف من فتح مكة؟ هذا يسمى فلسفة التاريخ.

من هنا تكون قراءة التاريخ على نوعين: قراءة وصفية، وقراءة موضوعية، مثلاً معركة كربلاء كيف نقرأها، يأتي إنسان يتلو معركة كربلاء حدثاً حدثاً هذا يسمى قراءة وصفية، أما القراءة الموضوعية فهي القراءة التي تتناول فلسفة معركة كربلاء، لماذا حدثت معركة كربلاء، ما هي العوامل والظروف التي أسهمت في وجود معركة كربلاء، هذا يسمى بفلسفة التاريخ والقراءة الموضوعية للتاريخ.

من هنا الباحثون في هذا المجال يبحثون قراءة التاريخ قراءة موضوعية من خلال أربعة أبعاد: البعد الزمني، البعد المكاني، البعد الروائي، والبعد السياقي.

البعد الأول: البعد الزمني.

هل أن هذا الحدث أكبر من الزمن؟ أصغر من الزمن؟ مساوي للزمن؟ هذا يسمى البعد الزمني، مثلاً ركب السبايا خرج من كربلاء يوم الحادي عشر من المحرم ورجع إلى كربلاء يوم العشرين من صفر، استغرقت الرحلة أربعين يوماً، كان فيها مسير من كربلاء إلى دمشق، ومن دمشق إلى كربلاء، حصلت توقفات وأحداث في الطريق، هنا يأتي السؤال هل الزمن وهو أربعون يوماً يكفي لكل هذه الأحداث ولكل هذه المسيرة والتفاصيل؟ أم أن الأحداث أكبر من الزمن وأوسع من الزمن، أي أن الأحداث امتدت لما بعد العشرين من صفر بأيام مثلاً، إذن السؤال عن البعد الزمني للحدث هو قراءة موضوعية للتاريخ.

البعد الثاني: البعد المكاني.

عندما نقرأ قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ [الإسراء: 1] القرآن يتحدث عن أن النبي انتقل من مكان إلى مكان انتقل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فهل كان في زمن الرسول مكان اسمه المسجد الأقصى؟ هل كان في فلسطين مكان يسمى بالمسجد الأقصى حتى ينتقل الرسول إليه؟ هل كان هناك مسجد أصلاً في زمان النبي غير المسجد الحرام؟ إذن ما هو المقصود بالمسجد الأقصى؟ هذا يسمى بالبعد المكاني للتاريخ، أن الإنسان يقرأ البعد المكاني، هل هذا هو المسجد الأقصى وهو بيت المقدس ما كان يسمى مسجداً أقصى، أم أن المسجد الأقصى منطقة أخرى كما في بعض الروايات أنه مسجد الكوفة أو مكان آخر، إذن قراءة البعد المكاني للحدث تسمى قراءة موضوعية للتاريخ.

البعد الثالث: البعد الروائي.

كل حدث له أهمية معينة، كلما كان الحدث كبير وخطير فمن الطبيعي أن ينقله رواة كثيرون، بينما إذا كان حدثاً عادياً فمن الممكن أن ينقله شخص واحد، مثلاً عندما نأتي ليوم الغدير، يوم الغدير حدث خطير وكبير، النبي جمع مئة وعشرين ألف في مكان واحد، ونصب فيهم علي بأمر من الله خليفه له، فحدث الغدير حدث خطير وقد أجمع المؤرخون والمحدثون من الشيعة والسنة على نقل حديث الغدير، أهمية الحدث اقتضت كثرة من الرواة وكثرة من النقلة لحديث الغدير.

بينما تأتي إلى حديث آخر، حديث يرويه صحيح البخاري عن النبي في ولده الإمام الحسن الزكي ، قال النبي: إن ابني هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين  وفي السنن الكبرى  بين فئتني عظيمتين من المسلمين. من يقرأ الحديث يفهم أن معاوية كان يشكل فئة عظيمة من المسلمين، أي كما أن الإمام الحسن وجه لفئة عظيمة من المسلمين إذن معاوية أيضاً وجه لفئة عظيمة من المسلمين، لأن الحديث يقول: ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين.

عندما تقرأ الحديث من نقله؟ الصلح بين الحسن ومعاوية كان حدث خطير فإذا كان الرسول نبأ به فمن الطبيعي أن يكون حديث الرسول وإنباء الرسول ممهداً لوقوع هذا الصلح، وهذا يقتضي أن يكون هذا النبأ أمراً معروفاً بين المسلمين وينقله عدة من المسلمين ولكن نرى أن الحديث نقله راوٍ واحد أو راويان، نقله أبو بكرة ونقله جابر على رواية ضعيفة، إذن عدم كثرة الرواة والنقلة مع أن الحدث مهم، أي أن الحدث فيه في هذا الحديث غمز وطعن وضعف لأن حجم الحدث يقتضي كثرة من الرواة، بينما رواه واحد أو اثنان.

البعد الرابع: البعد السياقي.

أن يقع الحدث في سياق الأحداث لا منحرفاً عنها ولا شاذاً من بينها، مثلاً هناك رواية رواها السيد مرتضى علم الهدى من أعلام الإمامية رحمه الله في كتابه تنزيه الأنبياء[1] ، ورواها أيضاً الشيخ المفيد في الإرشاد بألفاظ أخرى[2] ، الرواية تقول: أن الحسين ليلة العاشر من المحرم اجتمع مع عمر بن سعد في إحدى الخيمات فقال الحسين لعمر بن سعد: أخيركم بين ثلاث إما أن تتركوني أرجع إلى البلد الذي جئت منه، وإما أن تسيروني إلى ثغر من ثغور المسلمين فأكون رجلاً من المسلمين لي ما لهم وعلي ما عليهم، أو تأخذوا بي إلى ابن عمي يزيد بن معاوية فأضع يدي في يده ويرى في ما يرَ. فأرسل ابن سعد إلى ابن زياد أن الحسين وافق وأصلح النائرة وهو مستعد للذهاب إلى يزيد، فكتب ابن زياد: لا وقد علقت مخالبنا به يرجو النجاة ولات حين مناص، وقعت المعركة.

عندما تقرأ هذه الرواية تجدها شاذة وليست متوافقة مع سياق الأحداث، أي غير منسجمة مع السياق التاريخي والبعد السياقي للتاريخ، الحسين صاحب هذا الصرخة العظمى وهذا الإصرار والتحدي منذ أن كان في المدينة وإلى مكة، وفي الطريق إلى كربلاء، في كل يوم يكرر صرخته وهدفه وتحديه، وفي اليوم العاشر يتنازل ويضع يده بيد يزيد! هل وصل الأمر لكل هذه الجهود وكل هذه التضحيات وكل هذه المصاعب يتنازل عنها الحسين بأسرع لحظة ويقول أضع يدي في يد ابن عمي يزيد بن معاوية!

الحسين الذي قالوا له يوم العاشر: انزل على حكم بني عمك فأنهم لن يروك إلا ما تحب ولن يصل إليك منهم مكروه. قال لهم: لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد، وقال: ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة، يأبى لنا الله ذلك ورسوله والمؤمنون، وجذور طابت وحجور طهرت.

من ينطق بهذا المنطق كيف يقول أضع يدي بيد يزيد بن معاوية؟!

عقب ابن سمعان  وهو أحد أصحاب الإمام الحسين ولكنه ما حظي بالشهادة، صحب الحسين من يوم خروجه من مكة إلا أن قتل إلا أنه لم يقاتل بين يدي الحسين  نقل عنه المؤرخون ابن كثير في البداية والنهاية، وابن الجوزي في المنتظم، وابن الأثير في الكامل، قال: صحبت الحسين من خروجه من مكة إلى يوم مقتله وسمعت كل ما قاله ولم أسمع منه هذه الذي يتذاكرها الناس.

إذن هذه الرواية مرفوضة لأنها لا تنسجم مع سياق التاريخ، تاريخ الحسين وتاريخ مسيرة الحسين بن علي .

 المحور الثاني: في أهداف المشروع الحسيني.

عندما نقرأ الروايات نجد تركيز غريب وشديد من الأئمة على الحسين أكثر من غيره، من الإمام الباقر وحتى الإمام العسكري، روايات كثيرة تركز على الحسين من بين الأئمة الآخرين، لماذا؟!

الإمام علي أفضل من الحسين وهو أبوه، والإمام الحسن سيد شباب أهل الجنة، لماذا التركيز على الحسين؟ عندما نقرأ الروايات الشريفة التي تحث على زيارة الحسين، عن الإمام الباقر: ”مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين فإن الإتيان لقبره يزيد في الرزق ويمد في العمر، ويدفع مدافع السوء“

وعن الإمام الصادق : ”إن قبر جدي الحسين روضة من رياض الجنة فزوروه“

وعن الإمام الكاظم : ”من زار الحسين عارفاً بحقه غفر الله له ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر“

وعن الإمام الرضا : ”من زار الحسين بشط الفرات كان كمن زار الله في عرشه“.

هذه الروايات الكثيرة في زيارة الحسين لماذا؟ ما هي الميزة؟ لماذا لم تأتي هذه الروايات في زيارة الإمام علي، أو الإمام الحسن أو في زيارات بقية الأئمة؟! لماذا الحسين؟

أو عندما نقرأ روايات البكاء، يقول الإمام زين العابدين : ”من فاضت عيناه لقتل الحسين بوأه الله من الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً<“

والإمام الصادق يقول للفضيل بن يسار: يا فضيل أتجلسون وتتحدثون؟ قلت: بلى سيدي. قال: ”تلك المجالس أحبها فأحيوا فيها أمرنا، يا فضيل من ذكرنا أو ذُكرنا عنده ففاضت عيناه ولو بمقدار جناح ذبابه غفر الله ذنوبه“.

عن الإمام الرضا : ”يا ابن شبيب إن كنت باكياً فابك الحسين“.

وقال: ”من ذكر مصابنا فبكى وأبكى لم تبكِ عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يُحيا فيه ذكرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب“.

لماذا الحسين؟ معناه أن للحسين خصوصية وإلا لماذا هذه الروايات وهذا الحشد من الأحاديث في الحسين، ولأن معركة كربلاء ما سبقتها معركة ولا لحقتها معركة، معركة متميزة بكل الصور، معركة كربلاء جمعت أهداف لم تجمعها معركة قبلها، لا معركة بدر التي خاضها الرسول ولا معركة صفين التي خاضها الإمام أمير المؤمنين علي ، معركة متميزة بكل المعاني، ومن الأهداف التي جمعتها كربلاء هي:

  • الهدف الأول: أن يوم كربلاء يوم إعزاز للدين والمسلمين، لو خضع المسلمون ليزيد لكان إذلالاً لهم إلى يومنا الحاضر، أراد الحسين أن يبقى الإسلام عزيزاً وأن يبقى المسلمون بعزة، كما قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8] ولو استدعى الأمر قتل النفوس وإراقة الدماء، وسبي النساء، وذبح الأطفال، عزة الإسلام أهم من ذلك كله، أراد الحسين أن يحتفظ الإسلام بعزته وكرامته وشرفه اللامع، فأقام هذه المعركة الدامية ولذلك قال: ”هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون“.
     
  • الهدف الثاني: تربية المجتمع الإسلامي على رفض الظلم والمطالبة بالعدالة، كيف يمكن للإيمان أن يربي المجتمع؟ أراد الحسين أن يربي المجتمع تربية عملية وسلوكية على رفض الظلم والمطالبة بالعدالة، فلذلك نادى بهذا النداء: ”ألا وإني لا أرى الموت إلى سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما“ امتثالاً لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ [النحل: 90] وقال تبارك وتعالى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة: 8] الحسين جسد المطالبة تجسيداً عملياً.
     
  • الهدف الثالث: الحفاظ على منصب الإمامة، منصب الإمامة ليس منصب بسيط، وهنا فرق بين المنهج العلوي والمنهج الأموي، المنهج العلوي يرى أن الإمامة منصب خطير جعله الله تبارك وتعالى لصفوة أوليائه في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة: 55] وقال رسول الله يوم غدير خم: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم والي من والاه وعادي من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.

    المنهج العلوي يرى أن الإمامة منصب من الله وهو منصب خطير لأهل البيت صلوات الله عليهم، بينما المنهج الأموي يقول أن الإمامة بالوراثة أو ببيعة مجموعة من الناس، أو بشورى مجموعة من الناس تتم الإمامة، إذن بين المنهجين بون شاسع، الحسين بإصراره على معركة كربلاء أراد أن يبين خطورة منصب الإمامة، ما قام الحسين بثورته إلا للحفاظ على منصب الإمامة، وما أطلق الحسين صرخته إلا لبيان أن منصب الإمامة منصب يستحق أن يصان وأنا لا يدنس ويلوث، لذلك قال : ”ولعمري ما الإمام إلا القائم بالقسط الدائن بالحق، الحابس نفسه على ذات الله“.
     
  • الهدف الرابع: فضيحة الجريمة الأموية، لو سكت الأئمة لما انتبه الناس إلى الجريمة التي ارتكبها الأمويون يوم كربلاء، أبادوا نسل النبي يوم كربلاء، لم يبق من آل الرسول إلى علي بن الحسين لأنه كان مريضاً، والحسن بن الحسن المثنى كان جريحاً فأخذه أخواله لرعايته وإلا جميع آل الرسول من الذكور قتلوا يوم عاشوراء، وهذا ما قاله الحسين بن علي صلوات الله عليه: ”ثم إنكم زحفتم على ذريته تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم“.

    إذن أراد الباقر، والصادق والكاظم والرضا والهادي والعسكري من الأحاديث الكثيرة التي تركز على الحسين وعلى مظلوميته وزيارته فضح الجريمة الأموية، وأن لا ينساها التاريخ مدى الدهر؛ أن بني أمية ارتكبوا أعظم جريمة في كربلاء؛ وهي إبادة عترة النبي صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
     
  • الهدف الخامس: كربلاء خلاصة الأنبياء والمرسلين والأوصياء، إذا قرأت زيارة الحسين: «السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ الله، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ إِبْراهِيمَ خَلِيلِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُوسى كَلِيمِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ عِيسى رُوحِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللهِ»

الحسين ورث الأنبياء والمرسلين والأوصياء؛ أي أن كل معارك الأنبياء والأوصياء تجسدت يوم كربلاء؛ أي أن معركة كربلاء تطبيق عملي لكل القيم والأهداف التي طلبها الأنبياء والمرسلون تحققت يوم كربلاء.

 المحور الثالث: في قيم مدرسة كربلاء.

مزايا حصلت لكربلاء ولم تحصل لأي معركة أخرى، تميزت حرب كربلاء ومشروع الحسين بمزايا لم تتمتع بها معركة قبلها أبداً:

الميزة الأولى: التنوع.

يوم كربلاء شاركت فيه كل الأعمار وكل الأصناف وكل الطاقات، شارك فيه الحر والعبد، شارك الرجل وشاركت المرأة في وسط المعركة تخطب وتندد زينب العقيلة ، يوم كربلاء شارك فيها الكهول والشباب والأطفال والصبيان، جمعت كربلاء كل الأعمار وكل الطاقات وكل العقول وهذا لم يحصل في معركة أخرى، لذلك قال أحد الكوفيين لما سمع خطبة أم كلثوم في الكوفة قال: بأبي أنتم وأمي كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونساؤكم خير النساء، ونسلكم خير نسل لا يخز ولا يبز.

إذن ضمت كربلاء مختلف الطاقات وهذه ميزة لم تتحقق في معركة أخرى أبداً.

الميزة الثانية: يوم الحرية.

الحسين أعطى المجال لكل الأحرار الحرية لأن يشارك أو ينسحب، لا أحد مجبور للمشاركة في المعركة، كان يوماً وفرصة لقيمة الحرية أن من يعيش حراً يشارك أو لا يشارك، لذلك الحر بن يزيد الرياحي أعرض عن المنصب والقيادة وأقبل يحبو على الأرض حتى وصل إلى الحسين وقبل يدي الحسين واستشهد بين يدي الحسين وسجل قيمة الحرية، وقال فيه الحسين بن علي: صدقت أمك حين سمتك حراً، أنت حر في الدنيا وسعيد في الآخرة.

الميزة الثالثة: يوم الإيثار.

هل سمعتم في معركة من معارك النبي أو معارك الإمام علي أخ واسى أخاه، أخ آثر آخاه! إنسان يصل به الظمأ والعطش إلى حد الموت وينزل إلى نهر الفرات ويمسك بالماء البارد ويصل الماء إلى يده ومع ذلك لا يتناول من الماء قطرة إيثاراً لأخيه وحبا له «يا نَفْسُ من بعدِ الحسينِ هُوني وبعدَهُ لاَ كُنْتِ أنْ تَكوني، هذا حسينٌ واردُ المَنونِ وتَشْربينَ بارِدَ المَعينِ، تاللهِ ما هذا فِعالُ دِيني ولا فِعَالُ صَادِقِ اليقينِ» ولذلك تقرأ في زيارته: السلام عليك أيها الأخ المواسي لأخيه. هذه المنقبة من الإيثار لم توجد في معركة أخرى تميزت بها معركة كربلاء.

الميزة الرابعة: الفداء والتضحية.

يوم عاشوراء تسابق فيه الشاب والشيخ والطفل والصبي والمرأة والرجل، يتنافسون على الشهادة ويتسابقون لنصرة ابن بنت رسول الله ، ويبرز الصغير والكبير «أنا علي بن الحسين بن علي نحن وبيت الله أولى بالنبي أضربكم بالسيف أحمي عن أبي، ضرب غلام هاشمي علوي» منطق الفداء ومنطق التضحية تجلى يوم كربلاء.

الميزة الخامسة: ارتباطها من أول يوم إلى آخر نفس بالله تبارك وتعالى.

الحسين مع كل حدث يربط الأمر بالله «هون ما نزل بي أنه بعين الله» وعندما يصدمه السهم المثلث يأخذ الدم بيديه ويصبغ شيبته ويرمق إلى السماء بنظره الضعيف ويقول: «إلهي تركت الخلق طراً في هواك وأيتمت العيال لكي أراك فلو قطعتني في الحب إرباً لما مال الفؤاد إلى سواك، إلهي رضا بقضائك وتسليماً بأمرك يا غياث المستغيثين» وأبى أن يعيش إلا عزيزاً.

 

[1]  تنزيه الأنبياء ص177
[2]  الجزء الثاني من الإرشاد ص78