هل أنا حر أم عبد؟

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 256]

صدق الله العلي العظيم

انطلاقاً من الآية المباركة نتحدث عن العلاقة بين الحرية والكرامة، الحرية هذه الكلمة الجميلة التي تستهوي قلب كل إنسان والتي نادت الحداثة الغربية بها بدون حدود ولا خطوط، فالإنسان بنظر رؤية الحداثة حر في فكره، حر في دينه، حر في سلوكه، حر أن يختار أي صورة وأي شكل وأي هوية، فعندما نريد أن نتحدث عن الحرية نتحدث في محاور ثلاثة:

  •  فلسفة الحرية.
  •  الفارق بين الحرية القلبية والحرية السلوكية.
  •  ركائز الحرية السلوكية.
 المحور الأول: فلسفة الحرية.

عندما طُرحت فكرة الحرية أول ما صدرت لائحة حقوق الإنسان من الأمم المتحدة عام 1948م في المادة الثامنة عشر ذكر هناك أن الإنسان حر في دينه، أن يعتنق أي دين أو يخرج من أي دين، كما هو حر في فكره وكما هو حر في سلوكه هو حر أن يختار أي دين، أو يتخلى عن أي دين يشاء.

ما هي الفلسفة الحرية بحسب رؤية الحداثة الغربية؟

فلسفة الحرية ترجع إلى أن كل استعداد ولد عليه الإنسان فمن حق الإنسان أن يشبع ذلك الاستعداد، الإنسان ولد وهو يمتلك ثلاث طاقات واستعدادات: طاقة العقل، وطاقة الإرادة، وطاقة البيان.

بما أن الإنسان ولد وهو يمتلك ثلاث طاقات إذن هو حر في استخدام هذه الطاقات، كما خلق فهو حر كما خلق، خلق ولديه طاقة العقل والفكر التي يعبر عنها القرآن الكريم: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ «17» الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ «18» [الزمر: 17 - 18] إذن هو حر في عقله يفكر كيفما يشاء.

خلق ولديه طاقة الإرادة والاختيار التي يعبر عنها القرآن الكريم بقوله: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف: 29] إذن بما أن لديه طاقة الإرادة والاختيار فهو حر في أن يريد ما يشاء أو يختار ما يشاء.

ولد ولديه طاقة البيان والتعبير كما يقول القرآن الكريم: ﴿الرَّحْمَنُ «1» عَلَّمَ الْقُرْآنَ «2» خَلَقَ الْإِنْسَانَ «3» عَلَّمَهُ الْبَيَانَ «4» [الرحمن: 1 - 4] فهو حر في بيانه، حر في تعبيراته، حر في ألفاظه.

إذن كل ما ولد عليه الإنسان فليبق كما ولد، كما ولد ولديه عقل مطلق وإرادة مطلقة وبيان مطلق فهو حر في بيانه في عقله في دينه، كل استعداد ولد عليه فهو حر في أن يشبع ذلك الاستعداد، كان بإمكان الله عز وجل أن يوجد الإنسان بدون حرية، أو أن يوجد الإنسان ذا حرية محدودة مغلقة مقيدة ولكن الله خلقه بحرية مطلقة، إذا كان الله خلقه بحرية مطلقة فلماذا نفرض عليه قيوداً تحجب حريته وتغلق الأبواب أمام حريته؟ فليترك كما خلق، فليترك كما ولد صاحب حرية مطلقة لكي يتوافق القانون مع الطبيعة، الطبيعة أن الإنسان له حرية مطلقة، إذن القانون كي يتوافق مع الطبيعة لابد أن يمتلك الإنسان الحرية المطلقة في فكره وبيانه وإرادته، من دون قيود ولا حدود ولا خطوط.

هذه هي فلسفة الحرية برؤية الحداثة، بل تطورت مساحة الحرية لما بعد الحداثة وأصبح للإنسان حرية في أن يغير هويته، أو يغير إنسانيته، أو يغير ما يريد من خلقته ما دام قد خلق حراً.

وهنا أمام هذه الفلسفة نذكر نقطتين:

1. النقطة الأولى: لا يوجد قانون ولا توجد فلسفة في الغرب أو في الشرق تؤمن بالحرية المطلقة، حتى في لائحة حقوق الإنسان، حتى في رؤية الحداثة الغربية لا توجد حرية مطلقة، الحرية لها حدود، الحرية لها خطوط تبلورها وتُشعر الإنسان بالمسؤولية تجاه تطبيقها وتفعيلها، لا يوجد شيء اسمه الحرية المطلقة في أي فلسفة وأي قانون شرقي أو غربي.

نحن عندما نقرأ إلى ستيوارت ميل الفيلسوف الإنجليزي يقول: المبرر الوحيد لاستخدام القوة أمام الإنسان أنه يعتدي على الآخرين. أي أنت حر، ولكن أنت محدود بأن لا تعتدي على الآخرين، الاعتداء على الآخرين حد وخط أحمر، ليست لك الحرية المطلقة أن تعتدي على غيرك سواء بلفظ أو فعل أو إشارة أو بأي نوع من أنواع الاعتداء.

أيضاً عندما نقرأ إلى المفكر الأمريكي المعاصر ستانلي فيش يقول: الإنسان ليس حراً في التعبير، ليس من حق الإنسان أن يصدر منه خطاب كراهية، ليس من حق الأنسان أن يصدر منه خطاب يؤجج الكراهية، أو يحرض في فئة من المجتمع على فئة أخرى، ليس من حق الإنسان أن يصدر خطاب يرسخ العنصرية، ليس من حق الإنسان أن يصدر خطاب تحريضياً أو عنصرياً أو خطاباً نازياً، إذن حريتك في التعبير هي حرية محدودة، لست حراً أن تؤجج خطاباً، لست حراً أن تصدر خطاب يدعو للكراهية أو يحرض فئة على فئة أو يرسخ العنصرية، أنت لست حراً في التعبير والكلام والبيان بأي نحو تشاء.

وعندما ننظر إلى نقولا حداد أستاذ القانون في جامعة القاهرة له كتاب «الديمقراطية مسيرها ومصيرها» في هذا الكتاب يتحدث عن حدود الحرية حتى بحسب القانون الغربي، حتى بحسب الرؤية الفلسفية للحداثة، الحرية وما هي حدودها، يقول: الحرية محدودة بأن لا تتصرف تصرفاً يؤذي الآخرين. ويطرح أمثلة مستوحاة من القانون العام، ليس الإنسان حراً أن يرفض التعليم، وليس الإنسان حراً أن يرفض الصحة، وليس الإنسان حراً أن يرفض النظام، وليس الإنسان حراً أن يرفض الأمن، قد يقول الإنسان لي الحرية المطلقة إذن أنا حر أن أبقى جاهلاً ولا أتعلم، ولكن يقال له عليك أن تتعلم، عدم التعلم يعني انتشار الجهل وانتشار الجهل سيؤدي حتماً إلى إيذاء الآخرين، الجاهل بطبعه يؤذي الآخرين بجهله، لذلك ورد عن الإمام السجاد : خمسة لا ترافقهم ولا تحادثهم: الكذاب فإنه كالسراب يقرب لك البعيد ويبعد عنك القريب، والبخيل فإنه يمنعك أحوج ما تكون إليه، والفاسق فإنه بائعك بأكله أو بأقل منها، والرابع الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، وقاطع الرحم فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله.

إذن ليس من حق الإنسان أن يرفض التعليم بحجة الحرية، وليس من حق الإنسان أن يرفض الصحة إذا انتشر وباء مثلاً، يُفرض على المجتمع كله شاء أم أبى طرق الوقاية وطرق التجنب عن الوباء المنتشر، وليس من حق الإنسان أن يرفض الصحة، رفض الصحة يعني انتشار الأمراض والأوبئة، وهذا إيذاء لأبناء المجتمع الذي يعيش فيه، ليس من حق الإنسان أن يرفض الأمن والنظام، أنظمة المرور، أنظمة البلديات، أنظمة الشرطة، كل الأنظمة التي تحافظ على النظام وعلى استتباب الأمن ليس الإنسان حراً أن يرفضها أو أن يتمرد عليها لأن في ذلك انتشار للفوضى واختلالاً للأنظمة، وعرضة لتلف النفوس والأموال.

إذن من يقول بالحرية المطلقة فإنه يتشدق بكلمة لا أساس لها، لا في القانون ولا في الفلسفة، ليست هناك حرية مطلقة، لست حراً أن تعمل أو تتصرف تصرفاً يؤذي الآخرين.

2. النقطة الثانية: كما خُلق الإنسان حراً خُلق عاقلاً، خُلق الإنسان ولديه طاقتان: طاقة الحرية، وطاقة العقل. وطُلب من الإنسان أن يتوازن بين الطاقتين، لست حراً على حساب عقلك، لابد أن تكون حريتك في إطار عقلك، كما تمتلك حرية تمتلك عقل، ليس للإنسان أن يقول بما أن الله خلقني حراً فلأبقى حراً في كل شيء، كيف تبقى حراً وأنت عاقل؟! عقلك يفرض عليك المسؤولية، عقلك يفرض عليك أن تكون مسؤولاً أمام عدة حقوق، أمام عدة واجبات، إذن الحرية توأم مع العقل، الحرية مقترنة ومنصهرة بالعقل، كما خُلقت حراً خُلقت عاقلاً، فلابد أن تعيش التوازن بين الحرية والعقل.

هل من حق الإنسان أن ينتحر ويهدر نفسه بذريعة الحرية؟ لا، لأن العقل يقول أنت طاقة، والطاقة لا يجوز إهدارها، الطاقة لا يجوز قتلها وخنقها، عقلك يرفض هذه الحرية، حرية أن تهدر نفسك وأن تقضي على طاقة الحياة، العقل لا يقبلها، لذلك العلماء يقولون أن هذه الآية ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة: 32] تشمل نفس الإنسان أيضاً ولا تختص بنفس الغير، من قتل نفسه فقد قتل الناس جميعاً؛؛ لأنه قتل الطاقة التي تنهض بمجتمعه وتنهض بحضارته، ليس لك حرية على حساب عقلك، بل في إطار عقلك وفكرك.

 المحور الثاني: الفارق بين الحرية القلبية والحرية السلوكية.

القلب هو المنطقة الحرة الوحيدة في العالم كله، لا توجد منطقة حرة في العالم كله لا يمكن السيطرة عليها ولا يمكن التغلب عليها إلا منطقة القلب، وقد سمي القلب بهذا الاسم لأنه يتقلب

قد سُمِّي القلبُ قلباً من تقلبهِ   فاحذَرْ  على  القَلْبِ من iiقَلْبٍ

سميت هذه القطعة في الإنسان بالقلب لأنها تتقلب، تفرح، تحزن، تحب، تبغض، تقلق، تطمئن، دائماً تعيش حالة من التقلبات والتغيرات المزاجية في الميول والغرائز لذلك سميت هذه المنطقة في شخصية الإنسان بالقلب.

يمكنك أن تسيطر على لسانك، يمكنك أن تسيطر على أذنك، يمكنك السيطرة على كل جوارحك ولكن لا يمكنك السيطرة على قلبك، تحب من تشاء تبغض من تشاء، تفرح متى تشاء، تحزن متى تشاء، قلبك منطقة حرة، وهذه المنطقة القلبية أخبر القرآن الكريم عن حريتها وعن سعة أفقها وفضائها عندما يقول: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف: 29] ويقول: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 256]

ويقول: ﴿فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ [يونس: 108]

هذه الآيات ليست في مقام التقنين والتشريع، لا تريد هذه الآيات أن تقول أنت حر في سلوكك تؤمن أو تكفر، أو أنت حر في سلوكك تهتدي أو تضل، أو أنت حر في سلوكك تكون فاسقاً أو صالحاً، بل هي تخبر عن منطقة في الإنسان ألا وهي منطقة القلب وأن هذه المنطقة بطبعها حرة، بطبعها قد تؤمن وقد تكفر، بطبعها قد تضل وقد تهتدي، قد تفسق وقد تؤمن، الآيات لا تشرع الحرية السلوكية، وإنما تتحدث عن الحرية القلبية، عن هذه المنطقة التي يمتلكها الإنسان فتتلقب في ميولها وأمزجتها وغرائزها وجميع أحوالها، لأن هذه المنطقة هي منطقة حرة، قلبك بينك وبين ربك لا يمكن لأحد أن يسيطر عليه، ولكن سلوكك مظهرك هل أنت حر في ذلك؟ هل هناك حرية سلوكية مطلقة؟ هل هناك حرية عملية مطلقة؟

قد يقول الإنسان أن القرآن يبين أننا مجبورون حيث يقول: ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [النحل: 93] إذا شاء الهداية هدانا، وإذا شاء الظلالة أضلنا، ليس الأمر بيدنا، القرآن الكريم يقول: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام: 125] القرآن هو الذي يقول نحن مجبورون ولسنا أحرار، فكيف ينسجم هذا مع الحرية القلبية؟

الجواب: ليس مفهوم هذه الآيات الجبر إطلاقاً:[ج/]

أولاً: عندما يقول القرآن ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ «يشاء» الفعل يعود على الإنسان، يهدي الله الإنسان الذي يشاء الهداية، ويضل الله الإنسان الذي يشاء الضلالة، فعل «يشاء» فاعله الإنسان وليس الله، المحورية والمركزية للإنسان، هو يريد الظلالة فيسمح له الله بالضلالة، هو يريد الهداية فيفتح له الله أبواب الهداية، المشيئة هنا راجعة للإنسان وليست إلى الله تبارك وتعالى، فلا يحصل توهم في نسبة هذه الأمور لله تبارك وتعالى.

ثانياً: هذه الآيات مطلقة وهناك آيات تقيدها، عندما يقول تبارك وتعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف: 5] هم أرادوا الزيغ فسمح الله لهم بالزيغ فزاغوا، فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم، وقال تبارك وتعالى في آية أخرى: ﴿إنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد: 11] الحرية لك، الإرادة لك، المشيئة لك، أنت من تختار.

إذن قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام: 125] إذا هو أراد انشراح صدره فإن الله يهديه، ومن يرد أن يضله إذا هو أراد الضلالة أن يجعل الله صدره ضيقاً حرجاً، إذن لا يوجد جبر، قلبك منطقة حرة كما خلقها الله، لكن سلوكك ينبغي أن يكون في إطار معين، في إطار الحرية السلوكية.

 المحور الثالث: ركائز الحرية السلوكية.

سلوكك ليس حراً حرية مطلقة، هناك عدة أبعاد وعدة حدود وعدة خطوط تكتنف السلوك، وتجعله في إطار المسؤولية وليس في إطار الحرية، وهذه الخطوط هي:

الخط الأول: خط الاستخلاف.

لمن المحورية في الوجود؟ هل المركزية والمحورية في هذا الوجود للإنسان أم المحورية والمركزية لمصدر الإنسان ومنبع وجود الإنسان؟

الرؤية المادية تقول أن المركزية للإنسان، حتى علم النفس الغربي مؤسسٌ على محورية الإنسان، علم الاجتماع الغربي مؤسسٌ على محورية الإنسان، جميع هذه الاتجاهات الفكرية تنحدر عن رؤية واحدة وهي محورية الإنسان ومركزيته، بينما الرؤية الدينية تقول أن المركزية لمصدر وجود الإنسان ومنبعه، أنت لست الأصيل في هذا الوجود أنت الوكيل، أنت خليفة، أنت نائب، أنت مجرد ظل ومرآة لذلك المحور ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة: 30]

أنت ذرة غبار من درب التبانة التي تعيش فيها، ودرب التبانة هي ذرة غبار من هذا الكون الواسع، أنت لست المحورية في هذا الوجود، أنت هذا حجمك فلا تزعم أنك ذو المحورية والمركزية في هذا الوجود، وأن بيدك الحل والأخذ، المركزية لمصدر الوجود ومنبع الوجود وليست لك، لذلك يقول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب: 72]

بما أن الإنسان خليفة ووكيل وليس أصيل وليست لديه المركزية والمحورية إذن عقله يفرض عليه أن يكون في إطار النظام الذي جعله له مصدر الكون ومركز الكون ألا وهو الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران: 19] ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الحديد: 25]

الخط الثاني: هو خط الكمال.

هناك آيتان في القرآن، الأولى تقول: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56] أي أن الهدف هو العبادة، والثانية تقول: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك: 2]

وبعد الجمع بين الآيتين يتبين أن الإنسان خلق لكي يكون الأكمل، لكي يكون الأفضل، أن يبلغ درجة الكمال، والعبادة مجرد طريق للكمال، العبادة وسيلة الوصول إلى الكمال، والكمال هو الهدف، الآية الأولى ذكرت العبادة لأنها الوسيلة، والآية الأخرى ذكرت الأحسنية لأنها الهدف المنظور، العبادة طريقك للكمال، الإنسان الكامل مرآة لكمال الله، الإنسان الناصع، الإنسان الصادق، الإنسان المستقيم هو مرآة لعدل الله وصدق الله تبارك وتعالى، الإنسان وجه الله في الأرض، كماله مرآة لكمال الله تبارك وتعالى، خلقت لكي تكون وجهاً وظلاً ناصعاً شفافاً لذلك الكمال المطلق ألا وهو الله تبارك وتعالى.

إذن حريتك في هذا الإطار، في أن تكون إنساناً كاملاً، أنت حر ولكن حريتك أن تكون في إطار الكمال، وفي صدد هذا الكلام عدة مقالات:

- المقال الأولى: الحرية أن تتحرر من الغرائز لا أن تكون أسيراً للغرائز. وهي مقالة ركز عليها علماء الكلام، قد يقول الإنسان أنا حر، إذن أنا حر أن أقيم علاقات غير مشروعة، أنا حر، إذن أنا حر أن أسرق الأموال بأي طريقة، أنا حر في أن أنتحر وأهدر حياتي في أي وقت، وبأي أسلوب، هذا كله عبودية للغريزة وليس حرية، الحرية أن تتحرر من الغرائز وأنت تنتصر عليها وأن تثبت جدارتك في أنك تحررت من غريزتك ومن ميولك الشيطانية لا أن الحرية أن تقع أسيراً أمام غرائزك وشهواتك، لذلك ورد عن أمير المؤمنين علي : من ترك الشهوات كان حراً.

الحرية أن تتخلص من أسر الشهوات ومن عبودية الغرائز ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى «40» فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى «41» [النازعات: 40 - 41]

﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى «37» وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا «38» فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى «39» [النازعات: 37 - 39]

﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا [الإسراء: 18] هو يريد الدنيا نعطيه الدنيا، ولكنه في الآخرة ليس له نصيب

﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا «19» كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا «20» [الإسراء: 19 - 20]

أنت لست حراً أن تعيش أسيراً لغريزتك بل أنت حر في أن تتحرر من غريزتك.

- المقالة الثانية: ما يقوله علماء الأخلاق «اللذة في ترك اللذة» أنت تعيش دائماً أسيرا للذة الشهوية، اللذة الجنسية، لذة الطعام، لذة الشراب، لذة النظر، لذة السمع، أن تسمع الموسيقى اللهوية وتحلق معها، أن تنظر إلى ما منع الله النظر إليه ليلتذ بصرك، أن تعيش علاقات جنسية غير مشروعة، أن ترى أن هذه هي اللذة الحقيقة، ولكن هذه اللذة ليست حقيقية، بل هي لذة مؤقتة زائفة، اللذة في ترك اللذة، الانتصار على اللذة الشهوية هو اللذة الحقيقية، الكمال في اللذة الروحية لا في اللذة الشهوية، لا في اللذة الجسدية، أن تعيش الكمال من خلال اللذة الروحية، لذلك ورد عن الإمام أمير المؤمنين علي : الجلسة في المسجد أحب إلي من الجلسة في البيت، فإن في الجلسة في المسجد رضا ربي، وفي الجلسة في البيت رضا نفسي.

- المقالة الثالثة: الفيلسوف الألماني كانت يقول: أن تفعل الواجب لأنه الواجب لا أن تفعل الواجب لذاتك. هنا الحرية الحقيقية، أن تفعل الواجب لأنه الواجب لا أن تفعله بدافع أنه يوافق نفسك وشعورك وغريزتك، مثلاً أنت تأكل لتشبع بطنك، تشتغل وتعمل لتشبع جيبك، تنام لتشبع راحتك، تتزوج لتشبع شهوتك، فهل من المعقول أن حياة الإنسان كلها شهوات وإشباع! تفعل كل هذه الأعمال فقط لإشباع النفس والشهوة، تكون طوال اليوم أسير للنفس، كل النهار والليل أنت مع شهوتك وغريزتك وبطنك وجيبك ووسادتك، أنت تعيش كل هذه الحياة في إطار الشهوات والغرائز، بينما لو قلت: أنا أفعل كل ذلك لأنني مسؤول عن إشادة الحياة وإقامة الحياة وإعمار الأرض، أعمل، أكدح، آكل لا لأجل أنه شهوة وغريزة بل لأجل أن أكون طاقة فاعلة في بناء الحياة، في بناء الحضارة، في بناء الكون ﴿وَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا [هود: 61] أنت تأتي بكل ذلك لأنه الواجب، لأنك المسؤول عنه، لأنه الضرورة لبناء الحياة لا لأجل أن تعيش في إطار الشهوات والغرائز، وإطار النفس ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا «7» فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا «8» قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا «9» وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا «10» [الشمس: 7 - 10]

الخط الثالث: الحرية في إطار النظام.

هل يمكن للإنسان أن يتمرد على النظام بذريعة الحرية؟ أن يتمرد على نظام المرور، ونظام البلديات ونظام الشرطة ونظام الأمن بذريعة الحرية؟

لا يمكن ذلك، الحرية تكون في إطار النظام، يقول القرآن الكريم: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ «204» وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ «205» [البقرة: 204 - 205] يريد أن يتمرد على الأنظمة كلها، من هذه الآية انطلق الفقهاء لمبنى فقهي وهو يجب حفظ النظام، أي يجب الالتزام بنظام المرور، يجب الالتزام بالأنظمة الصحية، يجب الالتزام بأنظمة البلديات التي تنظم كيفية إعمار الأرض واستثمارها، يجب التقيد بالأنظمة لأن في هذه الأنظمة حفظاً للحياة، حفظاً للنسل، حفظاً للحرث، حفظاً للأعراض، حفظاً للأموال، هناك البعض يأتي للغرب إما زائراً إما مقيماً إما مواطناً ويقول أنا في بلاد الغرب وهي بلاد الكفار فلأحتال على الأنظمة وأحاول أن أبتز من الأموال واحصل على بعض الأرباح والثروات والالتفاف على الأنظمة والقوانين، هي أموال كفار وغير مسلمين فلا أترك أي فرصة أستطيع أن أحوز على الأموال ولو من باب الالتفاف والاحتيال على الأنظمة، ولكن هذا لا يجوز شرعاً وهو من أفظع الجرائم والمحرمات أن تقوم بهذا العمل، لأن حفظ النظام واجب.

يقول بعض الفقهاء الوثيقة الوطنية أو الفيزا التي تدخل بها أي دولة هي عقد أمان بينك وبين الدولة، إذن لا يجوز لك مخالفة هذا الميثاق ولا خرق هذه الأنظمة ولا التمرد على هذه القوانين بذريعة الحرية، أو بذريعة أن هذه بلاد غير إسلامية، لأن كل هذا خروج عن القانون وتخلف عن النظام، وكل هذا يدخل ضمن الآية المباركة ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ «205» [البقرة: 205]

الخط الرابع: الحرية في إطار الكرامة.

أعظم خصلة منحها الله لك هي الكرامة ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [الإسراء: 70] أنت خلقت لكي تحصل على الكرامة، ما خلقت لكي تحصل على الحرية، الحرية وسيلة والكرامة هدف، فرق بين الوسيلة والهدف، الحرية وسيلة وطبيعة تتوسل بها للوصول إلى الهدف، والهدف هو أن تعيش كريماً، أن تحصل على رتبة ودرجة الكرامة، الكرامة هي الهدف، الكرامة هي التاج، الكرامة هي الكمال، إذن حريتك في إطار كرامتك.

مثلاً هناك قسم من البشر يعبد الحيوان، هناك قسم من البشر يعبد الفأر الأبيض، هناك قسم من البشر يعبد الإنسان نفسه، هناك قسم من البشر يعبد ذاته، هناك قسم من البشر يعبد الشمس، ولكن الدين يرفض كل ذلك لأنها كلها تحط من كرامة الإنسان، لا ينسجم مع كرامة الإنسان أن يخضع لحيوان، لا ينسجم مع كرامة الإنسان أن يخضع لإنسان مثله، لا ينسجم مع كرامة الإنسان أن يخضع لشيء في هذا الكون كالشمس أو القمر، كرامتك أن لا تخضع إلا لخالقك ومصدر وجودك، الكرامة في أن تتحرر من كل الخضوع ومن كل الخنوع وأن لا يكون لك خضوع إلا لمصدر وجودك ومصدر حياتك ألا وهو الله تبارك وتعالى، لذلك القرآن يشير إلى هذه الحقيقة عندما يقول: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56] أي إلا ليعبدوني.

إذن ليست الحرية هدفك بل الكرامة هدفك، ورد عن الإمام أمير المؤمنين علي : لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حراً.

ويقول الإمام الحسين عندما خاطب القوم المصرّين على قتاله: إن لم يكن لكم دين فكونوا أحراراً في دنياكم.

وقال للحر بن يزيد الرياحي: صدقت أمك حين سمتك حراً أنت حر في الدنيا وسعيد في الآخرة. استطعت أن تتحرر من شهواتك وغرائزك وأن تنتصر للفضيلة وللقيم والمثل.

بعض الفتيات تقول من حريتي أن أخلع الحجاب وأتنازل عنه، الحجاب يقتل أنوثتي، يخنق جمالي، يحجب أناقتي، الحجاب فيه خنق للأنوثة والجمال والأناقة والبهاء فمن حريتي أن أظهر جمالي وأناقتي وأنوثتي لكل من يريد أن ينظر إلي، ولكن هذه ليست حرية لأنها لا تنسجم مع منطق الكرامة، وذلك لنقطتين:

النقطة الأولى:

أن المرأة ليست سلعة رخيصة بيد كل ناظر وبيد كل متفنن، المرأة أجل وأعظم من ذلك، تحاول بعض الفئات والشركات أن تستخدم المرأة وسيلة رخيصة للإعلانات على كل شيء، كأنما المرأة ابتُذلت واستُرخصت حتى أصبحت وسيلة للإعلانات والدعاية، هل هذه هي كرامة المرأة؟ المرأة أجل وأعظم من أن تستخدم هكذا، هي أعلى وأسمى من ذلك، الحرية أن تحتفظ بكرامتها وعزتها التي أرادها الله لها ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء: 70]

من هنا أراد الدين حفظاً لكرامة المرأة بحيث تشْعِر الرجل أنها ذات كرامة وعزة أن أمرها بالحجاب، الحجاب مظهر للكرامة والعزة، كأن المرأة التي تلبس الحجاب تريد أن تقول للآخرين أن هذا الحجاب يعبر عن احتفاظي وكرامتي وعزتي وأني لست سلعة مبتذلة لكل ناظر، لمرضى القلوب الذين يدعوهم مرضهم لاستغلال أنوثة المرأة وجمالها وأناقتها في النفوذ لقلبها ومشاعرها، لتنشئ العلاقات الفاسدة، الحجاب مظهر للكرامة والعزة ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ [النور: 31]

وقال تبارك وتعالى: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب: 33]

وقال تبارك وتعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب: 32]

النقطة الثانية:

الحجاب رمز للإسلام ورمز للسماء، كل شعب يعتز ويفتخر برموز حضارته، مثلاً الشعب الأمريكي يفتخر ويعتز برمز الحرية وبشعارها، شعوب أخرى تعتز ببعض الرموز لحضارتها، الكنيسة رمز للرسالة السماوية المسيحية، المنارة والقبة رمز للرسالة السماوية الإسلام، هذه رموز تعبر عن حضارة وقيم، وأعظم رمز للإسلام ولرسالة السماء في عصرنا الحاضر حجاب المرأة، المرأة بحجابها ترمز إلى السماء وإلى ارتباطها بالسماء، الشخص عندما يدخل إلى أي مطار من المطارات في الدول الغربية ويرى محجبة مثلاً تقوم بمسؤولية أو عمل ضمن هذه المطارات مباشرة يفهم أن هذه المرأة هي امرأة مسلمة، هي امرأة ترتبط بالسماء، الحجاب رمز للإسلام، المرأة عندما تصر على حجابها فهي تريد أن تقول أنا مع الإسلام أنا مع السماء أنا أعتز بهذا الرمز الحضاري الذي يربطني بديني ورسالتي ألا وهي رسالة الإسلام، الاعتزاز والافتخار بالسماء وبالانتماء إلى الإسلام يتجلى ويتجسد من خلال الالتزام بالحجاب، فهو رمز كبير وعظيم للانتماء لهذه الحضارة العظيمة، حضارة محمد .

ولذلك من هذا المنطلق أن الحجاب رمز للسماء ورمز للحضارة المحمدية صدرت تلك الأقوال وذلك الخطاب الحراري العظيم من زينب البطلة العظيمة، بطلة كربلاء، عندما وقفت أمام يزيد بن معاوية استهلت خطابها بضرورة الحجاب وضرورة هذا الرمز العظيم، تقول: أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإمائك وسوقتك بنات رسول الله سبايا على ظهور المطايا، قد أبديت وجوههن وهتكت ستورهن، تساق كما تساق الإماء من بلد إلى بلد، ويستشرفهن القريب والبعيد، والدنيء والشريف، حيث لا من حماتهن حمي، ولا من ولاتهن ولي....