الحركة الحسينية صيانة لمنصب الخلافة

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ

صدق الله العلي العظيم

حديثنا هذه الليلة حول حقيقة الحركة الحسينية، هناك مجموعة من النظريات التي تناولت الحركة الحسينية:

النظرية الأولى: هي النظرية التي طرحها بعض الأخوة السلفيين حول تفسير وتحديد شرعية الحركة الحسينية.

خلاصة هذه النظرية أن الحركة الحسينية حركة مدانة لأنها حركة أحدثت فتنة بين صفوف المسلمين وشقت عصا المسلمين وبالتالي فهي حركة مدانة وحركة غير مشروعة.

وهذه النظرية تستند إلى بعض الأحاديث المنسوبة للنبي أو الإمام أمير المؤمنين ، فمن هذه الأحاديث ما ورد عن علي : «لابد للناس من أمير برٍ أو فاجرٍ» ومفاد هذا الحديث أنه إذا تسلم شخص منصب الإمارة سواء كان برًا أو فاجرًا فإمارته شرعية ولا يجوز الخروج عليه وبالتالي فخروج الحسين خروج غير مشروع بمقتضى مفاد هذا الحديث.

وهناك أحاديث نسبت للنبي ، نظير: «من خرج على إمام زمانه فاقتلوه» أو نظير: «من خرج على جماعة المسلمين فاقتلوه كائنًا من كان»، إذًا مثل هذه الأحاديث تدل بدلالة واضحة على عدم شرعية خروج الحسين وبالتالي ذكر ابن حزم الأندلسي أن الحسين قُتِلَ بسيف جده، أي أن الذين قتلوا الحسين قتلوه امتثالاً لأمر رسول الله حيث قال: «من خرج على جماعة المسلمين فاقتلوه كائنًا من كان» فهم امتثالاً لأمر رسول الله قتلوا الحسين ، فهم بالنتيجة مأجورون على هذا الأمر لأنهم امتثلوا أمر رسول الله .

هذا ملخص هذه النظرية، نحن لا نريد أن نسهب في الملاحظات، نذكر أهم الملاحظات على هذه النظرية وهي ملاحظتان:

الملاحظة الأولى:

أن الحديث لا يمكن قبوله إلا إذا كان موافقًا للكتاب والسنة، متى يُقْبَل الحديث؟ بإجماع المسلمين إنما يُعْتَمَد ويُسْتَنَدُ للحديث إذا كان موافقًا لمداليل القرآن الكريم وللسنة النبوية القطعية، فالحديث الذي يرد وهو مخالف للكتاب أو مخالف للسنة النبوية القطعية هذا الحديث مرفوض ويُطْرَح عند جميع المسلمين.

لذلك، على هذا الأساس هذه الأحاديث عندنا مرفوضة، لِمَ؟

أولاً: لأنها مخالفة للكتاب القطعي.

1 - القرآن الكريم بنفسه يقول: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ.

2 - والقرآن الكريم بنفسه يقول: ﴿ولا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ.

3 - القرآن الكريم بنفسه يقول: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ.

4 - القرآن الكريم بنفسه يقول: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ.

إذًا هناك آيات كثيرة من القرآن الكريم تنص على أن مسؤولية المسلمين هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وردع الظالم عن ظلمه، وليس في مداليل الآيات القرآنية أنه لابد للناس من أمير بر أو فاجر، هذا ليس موافقًا لمداليل القرآن الكريم.

وكذلك بالنسبة للسنة النبوية القطعية، ما ورد عن الرسول في عدة أحاديث: «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو يسلطن عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم» وورد عنه: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».

إذًا هذه الأحاديث مرفوضة لمخالفتها للكتاب وللسنة النبوية القطعية.

الملاحظة الثانية:

أن ما ورد عن أمير المؤمنين : «لابد للناس من أمير برٍ أو فاجرٍ» على فرض صحة النسبة، نحن عندنا نظريتان:

1 - النظرية الاجتماعية في الحكم.

2 - والنظرية الإسلامية في الحكم.

النظرية الاجتماعية في الحكم تقول:

العنصر الأساس في مجال الحكم هو توفر قوة قادرة على استقرار الأمن والتوازن الاجتماعي، يعني متى ما توفرت قوة قادرة على حفظ الأمن والاستقرار والتوازن الاجتماعية بين المصالح الفردية والمصالح الاجتماعية فلها عرش الحكم وحكمها نافذ وصلاحيتها مشروعة، هذه النظرية الاجتماعية في الحكم.

النظرية الإسلامية تضيف عنصرين آخرين:

1 - العنصر الأول: أن تكون هناك قوة قادرة على حفظ الأمن والاستقرار الاجتماعي، هذا العنصر الأول.

2 - العنصر الثاني: أن يكون الحكم على طبق دستور معين وهو دستور القرآن الكريم والسنة النبوية.

3 - العنصر الثالث: أن يكون للحاكم أوصاف منسجمة مع كونه مطبقًا للدستور الإسلامي.

إذًا عندنا نظريتان، النظرية الأولى هي النظرية الاجتماعية في مجال الحكم، والنظرية الثانية هي النظرية الإسلامية.

الإمام أمير المؤمنين في احتجاجه على معاوية... الإمام أمير المؤمنين احتج على معاوية بعدة احتجاجات، احتج عليه أولاً بالنظرية الإسلامية في مجال الحكم فلم يقبلها معاوية، فلما لم يقبلها لجأ الإمام علي واحتج عليه بالنظرية الاجتماعية، «اعلم أنه لابد للناس من أمير برٍ أو فاجرٍ» هذه الكلمة على فرض صحة النسبة صدرت من علي في مجال الاحتجاج على معاوية حيث لم يقبل بالنظرية الإسلامية فحجه بالنظرية الاجتماعية في مجال الحكم، وإلا فليست هذه العبارة تفيد أنه متى ما تقمص أمير الإمارة إذًا حينئذ لا يجوز الخروج عليه حتى إذا كان الخارج عليه إمام المسلمين.

النظرية الثانية:

هنا عندنا مجموعة نظريات كتبتها أقلام الشيعة واختلفوا على أساسها في تحديد الحركة الحسينية.

النظرية الأولى: هي نظرية التخيير.

هناك مجموعة من علماء الشيعة قالوا بأن الحركة الحسينية حركة تخييرية وليست تعيينية، ما معنى هذا الكلام؟ معناه أن الحسين كالحسن كان مخيرًا بين أن يقاتل وبين أن يسكت، لم يكن ملزمًا بالخروج، هو كالحسن كان بإمكانه ألا يرفض بيعة يزيد بن معاوية وأن يعيش كما عاش أخوه الحسن تحت حكم معاوية، وكان بإمكانه أن يخرج وأن يرفض بيعة يزيد بن معاوية، فهو مخير إلا أنه اختار طريق الشهادة.

هذه النظرية تستند إلى ما ورد عن الرسول محمد : «ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا» يعني هما مخيران بين أن يقوما أو يقعدا، يرفضا أو يسكتا، هما مخيران بين هذين الأمرين، «ابنيا هذان إمامان قاما أو قعدا»، فالإمامان الحسنان كانا مخيرين، الإمام الحسن اختار طريقًا والحسين اختار طريقًا آخر بمحض إرادته ولم يكن مجبرًا على ذلك، وإنما اختار الطريق الثاني لأنه طريق الشهادة حيث ورد أن جده رسول الله قال له: «إن لك لدرجة في الجنة لا تنالها إلا بالشهادة» فاختار طريق الشهادة لنيل تلك الدرجة من الجنة.

هذه النظرية غير تامة، لِمَ؟

لأن ظاهر خطابات الإمام الحسين أنه كان ملزمًا بهذه الحركة، ما كان عنده خيار، ظاهر الخطابات الصادرة على لسانه أنه ملزم بهذه الحركة وملزم بهذا الخروج، لاحظ مثلاً قوله : «ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة - ماذا قال؟ - يأبى الله لنا ذلك» يعني الله لا يرضى إلا بأن آخذ هذا الموقف، فأنا ملزم بهذا الموقف، «يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وجذور طابت وحجور طهرت»، أو قوله : «إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف...» يعني يريد يطبق الآيات القرآنية التي تحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذًا ظاهر هذه الخطابات أن الحسين ملزم بهذه الحركة وملزم بهذا الخروج.

النظرية الشيعية الثانية: أن الحركة الحسينية هي عبارة عن حركة الدفاع عن النفس ليس إلا.

حاصل هذه النظرية - قالها أيضًا بعض علماء الشيعة - أن الحسين شخصية مسالمة كشخصية الإمام الحسن سلام الله عليه ولم تكن تريد العنف أصلاً، يعني ما كان من منهج الحسين اتخاذ العنف، يعني الحسين شخصية مسالمة، فلو أن القوم - يعني السلطة الأموية - فتحوا مع الحسين باب الحوار كما فتحوه مع الحسن لمشى معهم كما مشى أخوه الحسن، الحسن جلسوا معه وفتحوا معه باب الحوار واتفقوا معه على أن السلطة تنتقل إلى معاوية عبر شروط معينة ثم تعود إلى بني هاشم بعد موت معاوية، لو أن السلطة الأموية فتحت باب الحوار مع الإمام الحسين لكان الحسين شخصية محاورة مسلمة، لو أنهم حاوروه على أساس تقسيم السلطة أو توزيع الأدوار أو اتخاذ شروط معينة لكان الحسين إنسانًا محاورًا مسالمًا ولم يكن من مبدئه اتخاذ العنف أو اتخاذ المبدأ العسكري في مواجهة السلطة الأموية آنذاك.

والدليل على ذلك أن الحسين جلس عشر سنوات بعد وفاة أخيه الحسن تحت حكم معاوية بن أبي سفيان، بعدما توفي الإمام الحسن إلى أن قُتِلَ الإمام الحسين عشر سنوات، عشر سنوات الإمام الحسين كان مسالم لمعاوية ولم يظهر عليه لا بعدة ولا بعتاد ولم يجمع الأنصار ولم يخطط للقتال ولم يخطط لإقامة دولة، بقي ساكتًا مدة حكم معاوية مما يكشف عن كونه شخصية حوارية مسالمة، لكن الحسين كان في طريقه إلى الكوفة، حُوصِرَ في كربلاء، حُوصِرَ وهو في الطريق، حُوصِرَ في كربلاء وأُجْبِرَ على أن يقاتل فقاتل دفاعًا عن النفس، فليست الحركة الحسينية سوى دفاع عن النفس، وإلا فالحسين إنسان مسالم حواري كما كان أخوه الحسن بن علي تمامًا ولو فُتِحَ معه باب الحوار لانفتح عليه ومشى مع ضوء بنود الحوار وشروط الحوار.

هذه النظرية تستند إلى تصور خاطئ، ما هو التصور الخاطئ؟

هذه النظرية تتصور أن الحركة الحسينية هي القتال يوم كربلاء، هذه ليست الحركة الحسينية، القتال يوم كربلاء من آثار الحركة ومن إفرازات الحركة، القتال يوم القيامة نعم فُرِضَ على الحسين، لم يكن يريد أن يقاتل، هذا لا كلام فيه، لا يشك فيه أحد، الحسين لم يكن يريد قتال القوم، القتال فُرِضَ على الحسين، وهناك مؤشران على أن الحسين فُرِضَ عليه القتال يوم كربلاء:

المؤشر الأول:

أن الحسين لم يبدأ الحرب، وإنما بدأ بالموعظة، خطب في القوم، وعظهم، زجرهم، أقام الحجة عليهم، طرح عليهم الأدلة والبراهين على حرمة قتاله وحرمة إراقة دمه، فما كان من القوم إلا الإصرار على قتاله وحربه، هذا المؤشر الأول.

المؤشر الثاني:

أن بعض أصحاب الحسين لما أراد أن يرشق القوم بالسهام قال له الحسين: «إني أكره أن أبدأهم بالقتال».

هذا صحيح، مسألة القتال يوم عاشوراء لم تكن مسألة اختارها الحسين ، الحسين لم يكن مختارًا وراغبًا في القتال يوم عاشوراء، إلا أن المعركة العسكرية ليست هي الحركة الحسينية، هنا الخطأ، ليست الحركة الحسينية هي المعركة العسكرية يوم كربلاء حتى نقول الحسين ما كان يريد القتال، الحركة الحسينية هي عبارة عن رفض البيعة، هذه هي الحركة الحسينية، صار قتال أو ما صار قتال، نحن عندما نقول «الحركة الحسينية» لا نقصد المعركة العسكرية، نحن عندما نقول «الحركة الحسينية» نقصد رفض البيعة.

إنسان بعد موت معاوية في أول يوم عُرِضَت عليه البيعة، لو كان هو إنسان لا يريد أن يخوض معركة لبايع ولو بشروط أو على ضوء منهج معين، الحسين ما فتح مجال، هو الذي سد المجال، الحسين منذ أول يوم سد المجال، لم يفتح بابًا للحوار ولا للمساومة ولا للأخذ والرد وللمداولة، منذ أول يوم بمجرد أن عُرِضَت عليه بيعة يزيد وقف في وسط المجلس وقال: «يا أمير إنا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي ويزيد رجل فاسق شارب للخمر قاتل للنفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله»، إذًا هو سد المجال منذ أول يوم، لو كان يريد الحوار أو فتح باب الأخذ والرد والمساومة والمزاولة على ضوء أية شروط، على ضوء أي منهج لجلس مع الأمير وقال نعم، أنا أقبل البيعة تحت شروط ومنهج معين، توزيع أدوار، تقسيم سلطة، أٌعْطَى السلطة القضائية مثلاً، أٌعْطَى السلطة التشريعية مثلاً، أبدًا، لم يفتح مجالاً للمساومة في الموضوع، «ومثلي لا يبايع مثله».

إذًا الحركة الحسينية تتمثل في رفض البيعة ولا تتمثل في المعركة العسكرية يوم كربلاء، ولو أنهم تركوا الحسين وشأنه «رفض البيعة وطلع إلى مكة وذهب إلى الكوفة وأقام قاعدة إسلامية كما كان يريد» لو أنهم تركوه ما قاتلهم، فالحركة الحسينية تكمن وتتركز حول رفض الحسين للبيعة وليس حول خوض المعركة العسكرية يوم كربلاء.

النظرية الشيعية الثالثة في حركة الحسين : أن حقيقة الحركة صيانة مقام الخلافة عن الإذلال.

ما معنى هذه العبارة؟ هناك أمران لابد أن نلتفت إليهما:

الأمر الأول:

أن الحسين لو لم تُعْرَض عليه البيعة، ماذا سيكون موقفه؟ افترض الجماعة قالوا خلوه، لا نريد أن نعرض عليه البيعة، لم تُعْرَض عليه بيعة يزيد، لو فرضنا أن السلطة الأموية قالت الحسين باختياره يعيش في المدينة، مكة، الكوفة، اليمن، البصرة، فارس، فليذهب إلى المكان الذي يريده، نحن لا نعرض عليه البيعة ولا نطالبه بالبيعة، ماذا سيكون موفقه؟

هذه النظرية تقول: لو لم تُعْرَض عليه البيعة لربما يختار طريق التقية الذي اختاره أخوه الحسن واختاره الأئمة من بعده كما ورد عن الإمام الصادق : «التقية ديني ودين آبائي»، لو لم تُعْرَض عليه البيعة ربما اختار طريق المسالمة ولم يكن يتكلم ولم يكن يظهر بشيء أمام السلطة الأموية، ولكن حيث عُرِضَت عليه البيعة وُضِعَ الحسين في موقف لم يُوضَع فيه أحد من أهل البيت، لا يوجد أحد من أهل البيت تعرض لهذا الموقف أبدًا، لا من قبله ولا من بعده، ما هو هذا الموقف؟

بيعة شخص متجاهر بالفسق، هذا لم يتعرض له أحد، لأن الأئمة على قسمين:

1 - قسم لم تطلب منهم البيعة أصلاً، مثلاً زين العابدين والباقر والصادق والكاظم والهادي والعسكري، لم تطلب منهم بيعة الظلمة أو السلاطين في أزمنتهم، تركوهم وشأنهم.

2 - وأكو صنف من الأئمة طُلِبَت منهم البيعة ولكن المُبَايَع لم يكن رجلاً متجاهرًا بالفسق.

إذًا الأئمة ما قبل الحسين وما بعد الحسين لم يتعرضوا للموقف الذي تعرض له الحسين، طُلِبَت منه بيعة رجل لا ذمة له، لا حرمة له، رجل لا يعترف بدين ولا بمذهب ولا بفريضة ولا بالتزام ولا بنظام، رجل متجاهر بشكل علني ضد أوامر الشريعة وضد حرمة الشريعة.

لذلك رأى الحسين أن بيعة مثل هذا الرجل إذلال لمقام الخلافة، مقام الخلافة ومنصب الخلافة منصب خطير ومنصب يمثل الأمة الإسلامية آنذاك، فبيعة يزيد بن معاوية إذلال لهذا المنصب وهتك لحرمة هذا المنصب، لذلك تلاحظ أن عبارات الحسين عبرت بالذلة: «ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة»، يعني ليس إذلال نفسه، بل إذلال منصب الخلافة، إذلال موقع الخلافة، «وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون» وهذا ما قاله الحسين في أول اليوم عندما قال: «ومثلي لا يبايع مثله»، المسألة مسألة إذلال لمقام الخلافة، وإلا لو ترك وشأنه ولم تُعْرَض عليه البيعة لم يكن ليخرج على السلطة الأموية، هذا الأساس الأول لهذه النظرية.

الأساس الثاني:

لا منافاة بين ما ذكرنا وبين قول الحسين : «إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف»، لا منافاة بين الأساسين، لماذا؟

لأن رفض بيعة يزيد هو بنفسه أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، يعني لا منافاة بين هذا النص والنصوص السابقة، عُرِضَت عليه بيعة يزيد فرأى أن البيعة منكر فرفضها، فرفض البيعة هو في حد ذاته أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، هذه النظرية الثالثة.

النظرية الشيعية الرابعة: هي النظرية المعروفة والمشهورة بين الباحثين وبين الذين تناولوا حركة الحسين ، أن حركة الحسين حركة تضحوية استشهادية وليست مربوطة بعامل رفض البيعة ولا بعامل طلب أهل الكوفة.

يعني افترض أن أهل الكوفة لم يكتبوا للحسين شيئًا، أكان يخرج؟ هذه النظرية تقول نعم، كان يخرج حتى لو لم يُكْتَب له أي كتاب، لو لم تُعْرَض عليه البيعة هل كان سيخرج؟

هذه النظرية تقول: نعم، كان سيخرج، الحسين كان سيخرج على كل حال، طُلِبَت منه البيعة أو لم تُطْلَب منه، كتب إليه أهل الكوفة أو لم يكتبوا.

باعتبار أن الاتفاق بين معاوية والإمام الحسن أن معاوية إذا مات تنتقل السلطة للحسن، فإن حدث به حدث فإلى الحسين، الحسين مشى على هذا الشرط وسكت مدة حكم معاوية، لما مات معاوية خلاص، الشرط انتفى بانتفاء موضوعه، فالحسين بمجرد أن سمع بموت معاوية صمم على حركته، طُلِبَت منه البيعة أو لم تُطْلَب، كتب له أهل الكوفة أو لم يكتبوا.

حركته حركة استشهادية، والمقصود بالحركة الاستشهادية أن الحسين أقدم على التضحية بنفسه وبأهله وبالثمين عنده، كل ذلك لإنعاش ضمير الأمة الإسلامية، ضمير الأمة الإسلامية كان ضميرًا مخدرًا، كان ضميرًا مغلفًا، ضمير الأمة الإسلامية كان ضميرًا مخدرًا ومغلفًا بالغلاف الأموي فأراد الحسين أن يبعث الحياة وأن يبعث الأمل وأن يبعث روح المعارضة والمناهضة في ضمير الأمة الإسلامية فقام بحركته الاستشهادية التضحوية التي لا هدف لها إلا إحياء ضمير الأمة وإحياء إرادة الأمة، وقال: «والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد» ومشى على هذا المنوال إلى أن أعلن عن كل مبادئه وقال: «إلهي تركت الخلق طرًا في هواك، وأيتمت العيال لكي أراك، فلو قطعتني بالحب إربًا لما مال الفؤاد إلى سواك»...

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين