هل القومية العربية مبدأ مقدس

شبكة المنير

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ

انطلاقاً من الآية المباركة نتحدث عن محاور ثلاثة:

  • أهمية الإنتماء الإجتماعي.
  • تحديد مدلول الآية المباركة.
  • فاعلية المبدأ عن الصراع بينه وبين الإنتماء الإجتماعي.

المحور الأول:

الآية المباركة لها علاقة للإنتماء الإجتماعي لأن النبي أمر بإنذار عشريته الأقربين الذي ينتمي إليهم بحسب المقايس الإجتماعية، الإنتماء الإجتماعي أمرٌ يفرضه طبع وفطرة الإنسان، إن الإنسان يتشكل من عنصرين، عنصر ملكوتي وهو عنصر الروح وعنصر ملكي مادي وهو عنصر الجسد لو نظرنا لعنصر الروح وحده لرأينا أنه يختلف بحسب الأثر عن عنصر الجسد، ماذا يقتضي عنصر الجسد وماذا يقتضي عنصر الروح؟

الإنسان عندما هبط إلى الدنيا نزل عبر مادة منوية ونطفة أي أنه نزل متشكلاً بالعنصر المادي، هذا العنصر خلق للإنسان أثرين، الأثر الأول المحدودية لأن المادة ذات أبعاد محدودة فالمتشكل بالمادة سوف يكون محدوداً لامحالة، الإنسان أصبح محدوداً بالزمان والمكان وأبعاد المادة ونتيجة هذه المحدودية فأصبح الإنسان لا يعلم ما وراء الحدود والزمن والمكان وهذه الأبعاد فلايمكن أن يعلم بما وراء الحدود، الأثر الثاني الإنتماءات ببركة الجسد حصلت الإنتماءات لأن الإنسان ولد من نطفة أصبح له إنتماء من أب وأم لو لم يولد من هذه النطفة لم تحصل هذه الإنتماءات فسبب هذه الإنتماءات هو الجسد وببركة هذا الجسد يلتقي ويشتبك مع إنسان آخر فتحصل له صداقات وعداوات، فإذا فارق هذا الإنسان هذا العنصر ومات وانطلق للعالم الأخر تلبس بالعنصر الأول وهو عنصر الروح فيزال عنه كلا الآثرين لا محدودية ولا إنتماءات فالإنسان بعد موته مطلق الوجود لا يحده زمن ولا مكان ولا أبعاد يستطيع أن يعلم ما وراء الأزمنة والأمكنة يستطيع أن يعلم علماً إطلاقياً لا حدود له لأنه تخلص من المادة فصار وجوداً مطلقاً قال تعالى: ﴿فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ فأصبحت تبصر كل شيء وتعلم بكل شيء، وعندما تخلص من الجسد تخلص من الأثر الثاني وهو الإنتماءات لا أب ولا أم ولا عشيرة ولا مجتمع قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، لما كان الإنسان روحاً في عالم الذر لم يكن له أي إنتماءات قال تعالى: ﴿فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ، إذاً منشأ الإنتماء الإجتماعي هو الجسد فبالجسد تحققت الانتماءات.

يطرح هنا سؤالين:

السؤال الأول: هل الإنتماء الإجتماعي حاجة أساسية أو ثانوية لدى الإنسان؟

السؤال الثاني: ماهو حد الولاء للإنتماءات الإجتماعية؟

اجابة السؤال الأول: هل الإنتماء الإجتماعي حاجة أساسية، لو لم ينتمي الإنسان لأسرة أو لقبيلة أو مجتمع يعيش وحده هل يفقد حاجة أساسية في إنسانية أم لا؟ هنا نظريتنا:

النظرية الأولى: يطرحها علماء النفس الإجتماعي بأن الإنتماء الإجتماعي حاجة أساسية فطريه لو لها لإختلت إنسانيته، لماذا؟ يقولون بأن الإنسان محتاج إلى الأمان والشعور بالحماية فإنسان خلق قلقاً وخائفاً وهلوعاً قال تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً «19» إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً «20» وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً».

إذاً أنه يحتاج لشعور بالحماية والإطمئنان، فكيف يوفر لنفسه شعوراً بالأمن والإطمئنان؟ لايمكن للإنسان أن يوفر لنفسه شعورا بالأمن إلا عبر الإنتماء الإجتماعي، فالإنتماء الإجتماعي يلبي حاجة أساسية لدى الإنسان.

النظرية الثانية: هي النظرية الإسلامية، الإنتماء الإجتماعي جيد لكن لا يعالج حاجة أساسية لماذا؟

أولاً: هناك قاعدة فلسفية تقول الإعتباري لا يكون سبباً للحقيقي، مثلاً الفلسفة يقولون الملكية على قسمين اعتبارية وحقيقية، الملكية الإعتبارية لا تولد ملكية حقيقية مثلاً: انا اذهب للمكتب العقاري أشتري أرضاً فأنا الآن أملك الأرض لكنها ملكية اعتبارية بصك بإسمي وأنني مالك الأرض، لماذا هذه ملكية اعتبارية؟

لأن هذه الملكية ملكية قانونية يحترمها القانون وإلا فالأرض حقيقة ليست ملكي، لا أستطيع أن أوجدها ولا اعدمها ولا أن أنقلها معي إلى قبري ولو تسلط عليها من هو أقوى مني لم أستطعت أن اتصر فيها بشيء، المكلية الحقيقة للأرض هي ملكة من يقدر على إجادها وإعدامها ونقلها وحفظها وهو خالقها تبارك وتعالى، نفس الشيء نطبقه على نظرية الإنتماء الإجتماعي كيف؟

أنا احتاج حاجة أساسية إلى الأمن والحماية لكن ثق لو تملك مليون إنتماء إجتماعي لن تحصل على الشعور بالأمن والحماية أبداً، لماذا؟ الإنسان بطبعه يخاف من الأمراض والحروب وكوارث الطبيعة، هل هذا الخوف يعالجة الإنتماء للأسرة أو القبيلة أبداً لا فالشعور بالأمن مسألة حقيقية بينما الإنتماء الإجتماعي أمر إعتباري أي أنني في نظر المجتمع والقانون ابن هذه القبلية وهذا البلد، بما أنها انتماءات اعتبارية وأنا احتاج إلى أمن حقيقي لا اعتباري، فهل الإنتماءات الإعتبارية توفر لي الأمن الحقيقي؟؟ الإعتباري لايكون سبباً للأمر الحقيقي.

إذاً من الذي يولد الأمن الحقيقي هو الإنتماء الحقيقي، نحتاج لإنتماء حقيقي لكي نحصل على أمن حقيقي، فما هو الإنتماء الحقيقي؟ هو إنتماء المخلوق لخالقه، إنتماء المعلول لعلته، أنا منتمي إلى والدي إنتماء اعتباري فقط بينما انتمائي لخالقي انتماء حقيقي بيده وجودي وعدمي ومرضي ورزقي بيده كل شيء، لأجل ذلك لن أحصل على الأمن والشعور بالحماية إلا إذا اعتمدت على الإنتماء الحقيقي فهو الذي يولد الأمن الحقيقي قال تعالى ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، قال تعالى: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ، إذا الانتماء الاجتماعي لا يلبي حاجة أساسية وهي حاجة الإنسان إلى الأمن لأن حاجة الإنسان حاجة حقيقية فلا يلبيها إلا الإنتماء الحقيقي وهو الإنتماء إلى الله فلا يلبيها الإنتماء الإعتباري.

هو إنتماء المخلوق لخالقه، إنتماء المعلول لعلته، أنا منتمي إلى والدي إنتماء اعتباري فقط بينما انتمائي لخالقي انتماء حقيقي بيده وجودي وعدمي ومرضي ورزقي بيده كل شيء، لأجل ذلك لن أحصل على الأمن والشعور بالحماية إلا إذا اعتمدت على الإنتماء الحقيقي فهو الذي يولد الأمن الحقيقي قال تعالى، قال تعالى، إذا الانتماء الاجتماعي لا يلبي حاجة أساسية وهي حاجة الإنسان إلى الأمن لأن حاجة الإنسان حاجة حقيقية فلا يلبيها إلا الإنتماء الحقيقي وهو الإنتماء إلى الله فلا يلبيها الإنتماء الإعتباري.

ثانياً: الإنتماء الإجتماعي يلبي حاجتين ثانويتين فرعيتين:

الحاجة الأولى: وهي الحاجة إلى قضاء الحوائج، الإنسان يحتاج إلى طعام وشراب ومسكن فأحتاج للمجتمع لكي يساعدني على توفير هذه الحاجات، الحاجة الثانية هي الحاجة إلى الانس ن الإنسان مخلوق أليف يحتاج إلى الأنس ومبادلة المودة والمحبة، الإنتماء للأسرة أو المجتمع يلبي هاتين الحاجتين وهذا ما ورد عن الإمام زين العابدين : «أكثروا من الإصداقاء والإخوان في الدنيا ف‘نهم ينفعونكم في الدنيا والأخرة أما في الدنيا فحوائج يقومون بها وأما في الأخر فإن أهل جهنم يقولون فمالنا من شافعين ولا صديق حميم، فإذا عندك صديق مؤمن قد يشفع لك فيقل الله شفاعته».

الإمام أمير المؤمنين يقول: «الإخوان صنفان، إخوان الثقة وإخوان المكاشرة ”أما إخوان الثقة فهم كالكف والجناح والأهل أي أنهم معك في الشدائد وأما إخوان المكاشرة فإنك تصيب منهم لذتك أي مبادلة الانس والمحبة“ فلا تقطعن ذلك عنهم ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم وابذل لهم ما يبذلون لك من طلاقة الوجهة وحلاوة اللسان».

لذلك قال الإمام علي : «إني لا يزيدني إجتماع الناس حولي ألفة ولا تفرقهم عني وحشة».

السؤال الثاني: الإنسان لديه إنتماءات إجتماعية، كإنتماءه لقبيلته القبيلة المعروفة بالفكر والكرم، أنا انسان قومي عربي أنتمي للعرب من المغرب إلى البحرين، ما هو حد الولاء لهذه الإنتماءات؟ إذا نقرأ الشعر العربي نجد أن الولاء للقبيلة والقومية بلغ حد القداسة، مثلا الأخطل يخاطب جرير يقول له:

أولئك  أباءي  فجاني iiبمثلهم   إذا جمعتنا ياجرير المجمامعُ

ويقول شاعر آخر:

فغض الطرف إنك من نمير   فلا   كعب  بلغت  ولا  كلابا

وأيضا نجد في الشعر العربي خصوصا الشعر المعاصر الولاء للقومية وصل إلى حد القداسة كما يقول الشاعر:

تلك   الحروف   مناجم   من   iiعسجدا
حييت  يا  وطن العروبة لك في iiالورى

 
و   مساجدٌ  خضراء  ممرعة  iiخصيبة
أغلى رسالة هي في جبين البعث هالة

ومنهم من يندب القومية العربية بقوله:

أمتي هل لك بين الأممي

أتلقاكِ     وقلبي    iiمثقلٌ

أمتي  كم صنم مجدته iiلم



 
منبر   للسيف  أو  iiللقلمِ

ببقايا     كبرياء     الألمِ

يكن  يحمل  طهر iiالصنمِ

ما هو حد الولاء للقبيلة أو القومية؟

برز قبل خمسون سنة وأكثر الفكر الذي يقدس القومية، الفارسي يقدس قوميته فيقول منا العلم ومنا الفكر فكيف لا نقدس قوميتنا ن الإنجليزي يقدس قوميته يقول منا مشاهير العالم كأديسون ونابليون، العربي أيضاً يقدس قوميته العرب والروبة لغة القرآن والسماء، هذا الفكر القومي تقديس القومية هل هو مبدأ صحيح أم هو ظاهرة مرضية، القوميون العربي الذي برزوا قبل خمسين سنة قول أن القومية مبدأ مقدس لابد للعربي من ولاء قوميته ولاءً إلى حد القداسة بحيث يقدم هذا الولاء على كل ولاء آخر، ولاءك لقوميتك مقدم على ولاءك لدينك ومقدم على أي شيئاً آخر الولاء وليس هو مختص بالقومين العرب وحدهم حتى القومين الفرس وغيرهم، لماذا مبدأ القومية العربية مبدأ مقدس؟

أولاً: قالوا لأن اللغة العربية لغة السماء حيث إن القرآن نزل من السماء بهذه اللغة قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ «193» عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ «194» بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ.

ثانياً: أرض العروبة هي أرض الحضارات كالكنعانية والأشورية والبابلية وأول حرف كتب في التاريخ البشري كتب من أرض العروبة مهد الأنبياء والأولياء.

ثالثاً: لأن العرق العربي عرق طيب مطبوع على الكرم والنخوة والغيرة للشرف وا لعرض فهو يتميز على الأعراق الآخرى ومن اجل ذلك فمبدء القومية العربية مقدس، نحن كمسلمين ما هو رأينا في ذلك؟ ليس شيئاً من ذلك من حق الإنسان أن يعتز بقبيلته إذا كانت قبيلة عظيمة وأن يفتخر بقوميته إذا كانت قومية عظيمة لكن ليس من حقه إن يصل الولاء إلى حق التقديس هناك فرق بين الفخر والتقديس لماذا؟

أولاً: ما يذكر علماء النفس الإجتماعي يقولون الولاء للقومية إذا وصل إلى حد القداسة أصبح ظاهرة مرضية لا إلى مثالية، لأنه يقود إلى روح المسايرة والإقصاء، ما معنى روح المسايرة وروح الإقصاء، مثال ذلك إذا بلغ ولائي إلى بلدي أو مدينتي حد القداسة فسوف تسيطر عليّ روح المسايرة وروح الإقصاء، روح المسايرة تعني أنني أساير بلدي في أعرافها وتقاليدها ومفاهيمها سواءً صحت أو أخطأت لأني واليتها إلى حد القداسة أي سيطرة العقل الجمعي كما يعبر عنها علماء النفس فأنقاد إلى مسايرة جميع العادات وقبولها بلا فحص وبدون نقد.

ثانياً: إن الولاء لحد القداسة يقود إلى روح الإقصاء وهي النظرة إلى الأعراق الآخرى والقوميات نظرة إحتقار ونظرة دونية لأنها ليست بمستوى عنصري وقوميتي، فهذه الروح روح المسايرة والإقصاء تتنافى تماماً مع روح القرآن الكريم ومع روح الشريعة الإسلامية، روح الشريعة الإسلامية هي روح الحوار والإنفتاح قال تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا.

ما معنى التعارف؟ هو الحوار والإنفتاح، فالقرآن يدعوا إلى الحوار الحضاري لا إلى الإنغلاق الحضاري، إذا تقديس القومية يؤدي إلى الإنغلاق بينما الإنفتاح على الحضارات الآخرى يؤدي إلى الحوار وصقل التجارب وإلى تكميل المعرفة، النبي محمد يقول: «كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجميا إلا بالتقوى إن الله خلق الجنة لمن أطاعه ولكن كان عبدا حبشيا وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيدا قرشيا».

النبي آخا بين سلمان وأبي ذر وقد كان سلمان فارسياً وأبو ذر عربيا، إذاً هذا الطرح القومي يتنفى مع روح القرآن والسنة.

ثالثاً: اننا انشغلنا بقوميتنا عن المسار الحضاري، فالغرب تقدم وسيطر على الفضاء ومجال التكنولجيا ونحن ما زلنا مشغولين بالثناء على قوميتنا وتقديسها، القوميات الآخرى تقدمت وتعملقت في المجال العلمي والفكري حتى بلغي بلغ تقجيس قوميتنا عائقاً أمام تقدمنا.

ألهت بني تغلب عن كل مكرمة   قصيدة  قالها  عمر  بن  iiكلثومِ

ولو كنا منصفين وموضوعين لما وصل ولاءنا لقومياتنا إلى حد التقديس، من أكابر علمائنا ليسوا بعرب كالبخاري والنسائي والترمذي وابن ماجه والإمام ابو حنيفه هؤلاء لم يكونوا من العرب وكالصدوق والطوسي والخوئي والخميني لم يكونوا من العرب فلماذا إشتغلت القوميات الآخرى بالفكر والعلم ونحن اشتغلنا بالثناء على قومياتنا والتقوقع في هذا الآفق العنصري.

رابعاً: مسألة القرآن نزل باللغة العربي هي ليس مدحاً لماذا؟ إذا راجعنا القرآن نرى أن هناك ضرورة لنزولة باللغة العربية ذكر في القرآن قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴿193 عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ﴿194 بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ، وقال تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ، لأن اللغة العربية أوضح لآنه لو نزل بلغة آخرى لقالوا آياته غامضة وغير مفصلة ويرد عليهم قال تعالى: ﴿أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ، فليست عظمة القرآن بلغته إنما هو هدى وشفاء فعظمته في معانيه ومضامينه قال تعالى: ﴿َلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ﴿198 فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ، فهناك بعض العرب تصبح عندهم عنصرية لو أن النبي كان أعجمي لم يؤمنوا به، فنزول القرآن بلغة عربية اقتضته الضرورة لا أكثر وهو موضع إعتزاز للعربي لكنه لا يصل إلى حد القداسة التي تلغي الولاءات الأخرى فلا يكن ولاء على حساب ولاء آخر، ولاءك للقبيلة ليس على حساب ولاءك للوطن وولاءك للوطن ليس على حساب ولاءك للمجتمع الإنساني وولاءك للمجتمع الإنساني ليس على حساب ولاءك للدين قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ، لا يقدم على ولاء الدين أي ولاء آخر، لا ولاء للقبيلة ولا أي ولاء آخر، فالمقدم ولاء السماء.

المحور الثاني:

ذكر الطبري في تاريخه لما نزل قوله تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ، جمع الرسول بني عبد المطلب قال: يا بني عبد المطلب إني لا أعلم شاب من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به جئتكم بخير الدنيا والآخرة والله دعاني أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على أمري على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم فأحجم القوم إلا علي بن أبي طالب قال أنا يارسول الله، قال: إشهدوا إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب أمرك أن تسمع لإبنك وتطيع. لماذا أمر الله رسوله بأن ينذر عشيرته الأقربين؟ إذا كان الإنتماء للقبيلة ليس أمراً مقدسا فلماذا امر الله نبيه أن ينذر عشريته الأقربين إنما أمر الله نبيه لسببين:

السبب الأول: صلة الرحم فهي من الواجبات القرآن الكريم يقول قال تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، قال تعالى ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ، ويقول النبي : صل الرحم ولو بشربة ماء إن للرحم لسان طلقاً لذقاً يوم القيامة يقول يارب صل من وصلني واقطع من قطعني إن صلة الرحم تعمر الديار تنسئ الآجال تكثر الأموال تزكي الأعمال " فهي شيء عظيم ومن أبرز مصادق صلة الرحم أن تأمر رحمك بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، لذلك الرسول الأعظم إنطلاقاً من صلة الرحم دعى قومه وأمرهم بالدخول في الإسلام.

السبب الثاني: الإسلام حركة والحركة تحتاج إلى قاعدة شعبية والقاعدة الشعبية إذا كانت من الأرحام كانت أقوى وأكثر رسوخاً وإذا استندت إلى الأرحام وعشيرة واحده كانت أكثر دعماً وتأثيراً في مسيرة الحركة ونجاحها لأن الأرحام متجانسون والمتجانسون يكون عملهم أكثر نتاجاً وعطاءً من المختلفين لذلك أراد الرسول المصطفى أن يؤسس قاعدته الشعبية من أرحامه وقبيلته حتى يكون أقوى دعماً لحركته، هذه الرواية التي ذكرت تدل على خلافة أمير المؤمنين ”.. أخي ووصيي وخليفتي...“، الطبري ومع الآسف في تاريخه ذكر الرواية كاملة ولكن عندما كتب التفسير ووصل إلى هذه الآية ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ فقال: قام رسول وقال أيكم يؤازرني على أمري على أن يكون أخي وكذا وكذا وحذف كلمة وصيي وخليفتي، فقال علي قال أنا يارسول الله، قال: إشهدوا إن هذا أخي وو كذا وكذا.

محمد حسين هيكل: في الطبعة الأولى من كتابه حياة محمد روا الرواية كاملة ولكنه في الطبعة الثانية روي الرواية كما رواها الطبري في تفسيره فأين الأمانة والفكر والموضوعية ويأتي كاتبٌ آخر فيقول هذه الرواية ضعيفة السند لماذا؟ لأن من رواتها ابو مريم الكوفي وهذا لم يوثقه أحمد، نراجع الذهبي في كتابه ميزان الإعتدال وابن عدي في كتابه لسان الميزان يقولان: أبو مريم الكوفي ثقة عينٌ ممدوح وإنما رفضه من رفضه لكونه يتشيع، أين الأمانة العلمية والفكرية في نقد الروايات وقبولها.

المحور الثالث: إذا حصل صراع بين المبدأ والإنتماء الإجتماعي فأيهما يقدم؟ إذا الإنسان دخل في صراع بين مبادئه وبين قبيلته أيهما يقدم؟ إذا كان الإنسان قوي الإرادة صلباً وإذا كان إنساناً رسالياً فإنه سيقدم مبادئه حتى على قبيلته لأن المهم عنده هو المبدء، النبي إبراهيم صارع قبيلته قال تعالى: ﴿إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ، إصرار على مبدأه والنبي محمد قاوم قبيلته قبيلة قريش في سبيل الإصرار على مبادئه ورسالته، لما إنتشرت دعوة النبي اشتمعت قبائل قريش وكتبوا صحيفة " لابد لنا من مقاطعة بني هاشم ومحاصرتهم في شعب مكة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً لا تزاوج بيننا وبينهم لا ندخل عليهم لا في الافراح ولا في الأتراح لا يخرجون من شعب مكة إلا في موسمين العمرة أو الحج لا يدخل إليهم طعام ولا يخرج منهم طعام فوقعوا على الصحيفة وأتوا بها إلى أبي طالب «رض» وكان إلى جانبه رسول الله فقرأوا الصحيفة عليهم فإلتفت أبو طالب للنبي قال ما تقول يابن أخي، قال يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهر الله أو أهلك دونه.

وأنتم بنو هاشم في إختيار من أمركم هل ستقفون معي أم لا، فأصر بنو هاشم لعى الوقوف مع النبي. وحصروا في شعب بني طالب ثلاث سنوات نفذ الطعام والشراب بدأو يقتاتون ورق الشجر ويربطون على بطونهم حجر المجاعة وما حملهم على ذلك البعد الرحمي او النسبي إنما حملهم على ذلك المبدأ لذلك اختلف موقف أبو لهب عن موقف أبي طالب أبو لهب عم النبي وأبو طالب عم النبي، أبو لهب قدم قبيلته على مبدئه ”تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ“.

وأبو طالب قدم مبدئه على قبيلته وخسر الوجاهة فهو كان شيخ قريش لكنه أصر على نصرة النبي لما دخل في الصراع بين القبيلة والمبدأ قدم المبدأ على القبيلة، ابو طالب لم يكن ينام، ينام بنو هاشم وأبو طالب شيخ كبير جالس ينتظر متى يضجع النبي على فراشه فإذا اضجع النبي على فراشة أقبل إليه قم يابن أخي وأذهب إلى فراشي ولينم على فراشك ولدي علي، وكان علياً ينام على فراش رسول الله حتى إذا اندس احدٌ من قريش لقتل النبي يكون عليٌ فداءً للنبي المصطفى هكذا كان أبو طالب هكذا برهن لنا أبو طالب أن نقدم المبادئ على الإنتماءات.

وبعد ثلاث سنوات منا المحاصرة جاء النبي إلى أبو طالب وقال يا عم أبلغني الله أن الأرضة وصلت إلى الصحيفة فأكلتها ولم يبقى منها سوى إسم الله تعالى فخرج أبو طالب وجمع قريش وقال يابني عبد المطلب لقد بلغني إبن أخي وهو لا يكذبني قط أن الأرضه أكلت صحيفتكم ولم يبقى منها سوا اسم الله فإنظروا فإن كان إبن أخي صادقاً إرفعوا ظلمكم عنا وإنك كان إبن أخي كاذباً سلمناه إليكم لتقتلوه فذهبت قريش وجاءت بالصحيفة من على الكعبة وفتحتها فإذا الأرضة أكلتها ولم يبقى منها سوى إسم الله تبارك وتعالى، أبو طالب مؤمن قريش ورمز التضحيات والجهاد أول فدائي في الإسلام بين يدي النبي فهو الذي سن سنة الجهاد والتضحية وهو الذي خاطب النبي المصطفى وقال له:

والله  لن  يصلوا  إليك  iiبجمعهم

ودعوتني  وعلمت  أنك iiناصحي

فصدع بأمرك ما عليك غضاضة

ولقد   علمت   بأن  دين  iiمحمداً

 







 
حتى   أوسد   في  التراب  iiدفينا

ولقد   صدقت   وكنت   ثم  iiأمينا

وبشر   بذاك   وقر  منك  iiعيونا

من   خير   أديان   البرية   iiدينا

 

كما روى ذلك ابن السبط الجوزي في تذكرة الخواص وابن ابي حديد المعتزلي في شرح النهج والبيهقي في دلائله عن العباس بن عبدالمطلب ما مات أبو طالب حتى قال: لاإله إلا الله محمداً رسول الله، يقول المجاهد الاول ابو طالب:

كذبتم  وبيت  الله  نخلي  iiمحمداً

وننصره   حتى   نصرع   حوله

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

تطوف  به الهلاك من آل هاشم






 
ولما   نصارع   دونه  iiونناضلِ

ونذهل   عن  أبنائنا  iiوالحلالئلِ

ثمال   اليتاما  عصمة  للأراملِ

فهم  عنده  في  نعمة  iiوفواضلِ

وقف أبو طالب هذا الموقف المبدأي ولذلك سار أبنائه على هذا الطريق وهذا النهج لفداء المبدء بجميع الولاءات والإنتماءات أبو طالب هكذا كان يقول وابنه كان يقول: ”والله لا اعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد“

ألا وأن الدعي بن الدعي ركز بين اثنتين بين السلة وبين الذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون فبأبى أن يعيش إلا عزيزاً أو تجلى الكفاح وهو صريعُ، جاء إلة قبر رسول الله قال: يا جد يا رسول الله أنا الحسين فرخك وابن فرختك إن القوم يريدون قتلي وهومت عيانه فرأى جده رسول الله قال ياجد خذني معك قال إن لك لدرجة في الجنة لاتنالها إلا بالشهادة......