عاشوراء مهد الحرية

شبكة المنير

﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً

من القيم الجمالية التي تجسدت في مدرسة كربلاء قيمة الحرية، القيمة التي تحدث عنها الحسين عندما قال: ”إن لم يكن لكم دين فكونوا أحراراً في دنياكم“، وعندما وقف على الحر بن يزيد الرياحي قال: ”صدقت أمك حين سمتك حرا، أنت حراً في الدنيا وسعيد في الآخرة“.

نحن نتحدث عن قيمة الحرية في عدة محاور:

  • المحور الأول: في تحديد مفهوم الحرية.
  • المحور الثاني: في التوفيق في قيمة الحرية.
  • المحور الثالث: الالتزام بالقانون وفي مظهر الحرية المبدأيه يوم كربلاء.

المحور الأول: في تحديد مفهوم الحرية.

ما هو مفهوم الحرية؟! الحرية عن الاختيار القدرة على الفعل وعدم الفعل المعبر عنها في كلمات علمائنا إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل، حتى نستوضح مفهوم الحرية بشكل دقيق نتعرض إلى فكرتين:

الفكرة الأولى:

هناك اختلاف بين نظرية المتكلمين ونظرية العرفاء.

نظرية المتكلمين:

علماء الكلام يقسمون الموجودات إلى قسمين

القسم الأول: كائنات جامدة كالحجر والصخرة.

القسم الثاني: كائنات حية كالإنسان والحيوان، الكائنات الحية أيضاً تنقسم إلى أقسام ثلاثة: نبات، حيوان، إنسان، لأن الحياة تنقسم إلى ثلاث درجات: حياة النمو وهي حياة النبات، حياة الإحساس وهي حياة الحيوان، وحياة الإدراك وهي حياة الإنسان، المائز بين الإنسان وغيره من الموجودات هو الإدراك، الإنسان موجود مدرك، المائز بين الإنسان وغيره هو القدرة على الإدراك لذلك يعبرون عن الإنسان بأنه حيوان ناطق، يعني حيوان مدرك، هذه نظرية علماء الكلام.

نظرية العرفاء:

علماء العرفان يقولون ليس عندنا قسمان كائنات جامدة وكائنات حية هذا التقسيم غير صحيح، جميع الموجودات حية وجميع المخلوقات تعيش الحياة ليس هناك مخلوقات تسمى جماد ومخلوقات تسمى كائنات حية كل المخلوقات حية، لماذا؟

علماء العرفان يقولون هذا الوجود أثراً للخالق تبارك وتعالى، الخالق الذي هو مصدر الوجود وجوداً حي وليس وجوداً جامداً وليس وجوداً ميتاً، وجود الخالق وجوداً كله حياة بل هو عين الحياة، بما أن وجود الخالق هو عين الحياة إذن أثره أيضاً هو الحياة، الحي لا يخلق إلا الحياة والحي لا يصدر عنه إلا الحياة إذن الوجود كله حياة الوجود يساوي الحياة، حتى الصخرة الصماء فيها حياة وحتى الحجر فيه حياة كل موجوداً يعيش الحياة هذا مأخوذ من القرآن الكريم فالقرآن الكريم يقول: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ لكل موجود تسبيح حتى الحجر والتسبيح لغة واللغة فرع الحياة، لولا لم يكن حياً لما كانت له لغة التسبيح قال تعالى: ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ يعني جعل لكل شيء نطقاً فالحجر ينطق بتسبيح الله، إذن الحجر يعيش درجة من الحياة قال تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.

هذه النظرية التي يذكرها علماء العرفان أن جميع ما في الكون عنده حياة، كل ما في الكون يعيش حركة الحياة هذه ليس خاصة بعلماء العرفان حتى يقول شخص أنها نظرية غريبة، الآن إذا رجعنا إلى الفيزياء الحديث ورجعنا إلى نظرية النسبية ماذا تقرر هذه النظرية؟

لا يوجد شيء أسمه جماد، جميع الموجودات ترجع للطاقة، هذه طاقات ليس هناك شيء اسمه مادة جامدة جميع الموجدات وجميع المخلوقات ترجع إلى مخلوق أول وهو الطاقة، غاية ما في الأمر الطاقة قد تكون مجردة وقد تكون مكثفة فتتحول إلى كتلة وإلا جميع المخلوقات والموجودات ترجع إلى الطاقة والطاقة وجوداً حي متحركاً وليس وجوداً جامداً ولعل هذا ما يشير إليه قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ. كيف؟

يعني هذه الآية إذا قارنها بآية أخرى مثلاً: ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء ما معنى كان عرشه على الماء؟ يعني أول مخلوق مادي خلقة الله هو «الماء» قال تعالى: ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء يعني أول موجود في عالم المادة هو الماء ومن الماء انبثق كل شيء وبما أن الماء ليس موجوداً جامداً بل موجود يعيش حركة الحياة فكل ما انبثق عنه يعيش حركة الحياة إذن كل ما في الكون يعيش حركة الحياة، إذا كان الأمر كذلك كل الكائنات كائنات حيه والحياة تعني الإدراك إذن كل الكائنات تملك إدراك وتملك نصيب من الإدراك وتملك مستوى من الإدراك، النبات يملك مستوى من الإدراك والحيوان يملك مستوى من الإدراك، إذن ما هو المائز بين الإنسان وغيره؟

المائز بين الإنسان وغيره بنظرية العرفاء:

الفكرة الأولى:

القدرة على التغير، الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يمتلك القدرة على التغير يستطيع أن يغير وضعه، وغيرة لا يستطيع تغير وضعة، الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يمتلك القدرة على التحول التغير والقدرة على التحول والتغير هي الحرية، فإذن المائز بين الإنسان وغيرة هو الحرية، الحرية من صميم وجود الإنسان لأن الحرية هي القدرة على التغير والتحول بدون عائق ولا مانع، هذه الفكرة الأولى.

الفكرة الثانية:

كلكم سمعتم هذه المقالة للفيلسوف الفرنسي بيكارد «أنا أفكر إذن أنا موجود» هذه الفكرة صحيحة أم لا؟ مفكر آخر يناقش وهوبيران يناقش بيكارد، يقول له لا ليس صحيح أن تقول: «أنا أفكر إذن أنا موجود» قل: «أنا أريد إذن أنا موجود» يرجع البحث أول شاهد على الوجود هل هو الفكر أو الإرادة؟! بيكارد: يقول هو الفكر مثلاً: هذا الطفل أول ما يتصور يرى فكرة عنده ويرى أفكار تمر على ذهنه، هذه الأفكار التي تمر على ذهن الطفل علامة على وجودة إذن تأتي المقالة «أنا أفكر إذن أنا موجود»، بيران يقول لا «أنا أريد إذن أنا موجود» هذه النظرية أصح، لماذا أصح؟

الصور والأفكار التي تمر على الإنسان على قسمين:

  1. فكر انفعالي.
  2. فكر فعلي.

هناك فكر انفعالي وفكر فعلي، كيف؟

مثلاً: أنا أمس الحرارة، بمجرد أن ألمس الحرارة أرفع يدي منها، هذه فكرة انفعاليه يعني صورة الحرارة ارتسمت في فكري فابتعدت عن الحرارة، أنا أجد أمامي طعام لذيذ اقبل عليه لأن صورة الطعام اللذيذ جاءت إلى رأسي فأقبلت عليه هذه فكرة انفعاليه، هذه الأفكار وهذه الصور الافعاليه مشتركة بين الإنسان وبين الحيوان، حتى الحيوان يمتلك أفكار انفعاليه الحيوان يهرب من الحيوان الأقوى منه والحيوان يأتي ويقبض على فريسته هذه الصور الإنفعاليه مشتركة بين الإنسان وبين الحيوان، إذن ما هو المائز للإنسان؟ الأفكار الفعلية، ما معنى الأفكار الفعلية؟

يعني الأفكار التي يصنعها الإنسان بإرادة، أنا تمر عليَّ أفكار كثيرة بعضها أنتخبه وبعضها ألغيه وبعضها أراه صحيحاً وبعضها أره خطأ وبعضها استنبط منه وبعضها لا استنبط منه، إذن أفكاري بيدي، أفكاري ليست مفروضة عليّ، أفكاري بيدي يعني إرادتي تتدخل حتى في أفكاري، فأيهما الأسبق الإرادة أم الفكر؟

الأسبق الإرادة: لأن إرادتي تتحكم في أفكاري وتتحكم في الصور التي تمر على ذهني وحتى عواطفي، عواطفي بإرادتي أحب من أشاء وأبغض من أشاء، عواطفي بيدي وأفكاري بيدي، إرادتي تتحكم في أفكاري وتتحكم في عواطفي، ورد عن الإمام أمير المؤمنين يقول: ”لو ضربت خيشوم المؤمن بالسيف على أن يبغضني ما أبغض، ولو ضربت خيشوم المنافق بالسيف على أن يحبني ما أحب“ لا نستطيع أن نغير العواطف بالقوة ولا نستطيع تغير الأفكار بالقوة، الفكر والعواطف بإرادة الإنسان.

إذن الإرادة هي أول شاهد على الوجود، الإرادة سابقة على الفكر وسابقة على العاطفة ومتحكمة فيهما فالإرادة أول شاهد على الوجود إذن «أنا أريد إذن أنا موجود» رجعنا للحرية، بما أن الحرية متقومة بالإرادة والإرادة هي أول شاهد على الوجود إذن الحرية أول شاهد على الوجود، أنا حر في أن أفكر كما أشاء وأنا حر في أن أستنبط ما أشاء وأنا حر في أن أتصور وأحب وأبغض وأفرح وأحزن كما أشاء، الحرية أول شاهد على الوجود الإنسان والحرية من صميم الوجود الإنسان، إذن وصلنا إلى مفهوم الحرية، الحرية: هي القدرة على التحكم في الأفكار وف بالعواطف وفي الميول، والقدرة على تغير الداخل والقدرة على تغير الخارج هي المسماة بمبدأ الحرية.

المحور الثاني: في التوفيق في قيمة الحرية.

التوفيق بين مبدأ الحرية وبين القانون، الحرية تنقسم إلى:

  1. حرية فردية.
  2. حرية اجتماعية.

نحن لن نتكلم في الحرية السياسة ولن نتكلم في الحرية الفكرية، الآن نتحدث عن الحرية الفردية والحرية الاجتماعية.

الحرية الفردية:

يعني حرية السلوك، هل أنا حر في سلوكي حرية مطلقة أم لا؟! تجد بعض الشباب يقول أنا حر، أنا إنسان لبرالي يعني ماذا لبرالي؟ يعني أنا حر وبكيفي أفعل ما أشاء، أنا حر أن أستمع الأغنية أو ما أستمع لماذا تفرض علي الأسرة أو الإسلام أن ألتزم بهذا الأمر، أنا حر أنا أؤمن بالبراليه والحرية أنا حر أن أتحدث مع الفتاة الأجنبية عبر النت أنا حر، الفتاة تقول أنا حرة في أن أتحجب أو لا وأتحجب بأي شكل أولا أنا حرة، مثلاً: الآن أنت ترى ظاهر غريبة في مجتمعنا وليست موجودة في مجتمعات أخرى انظر إلى العباءة هذه أخذت ألوان وأشكال، عباءات مزركشة وعباءات ملونة ونرى عباءة أكثر زينة وأكثر إغراء من الملابس الداخلية وترى عباءات ضيقة وعباءات مفتوحة وعباءات شفافة وكل هذا باسم الحرية، يا حجاب يا لا؟ فإذا تريدين أن تتحجبي تحجبي بعباءة محتشمة ساترة غير شفافة غير ضيقة وإلا ليس بالضروري الحجاب، هذا زينة وليس حجاب.

إذن باسم الحرية، أنا حرة في أن أتحجب أو لا بأي شكل كان حجابي، لا احد يفرض عليَّ كلامه، أنا حر أن أقيم علاقات غير مشروعة مع أي إنسانة لا أحد يفرض عليّ كلامه وهكذا، باسم الحرية مثلاً: شبابنا عندما يذهب إلى الغرب للدراسة أو للسفر ويرجع، يسأل ماذا وجدت في الغرب؟، يقول وجدت شيءً شهياً لذيذاً ألا وهو طعم الحرية، أنني حر في أن أمارس أي شيء، أن أمارس أي سلوك أريد من دون يفرض علي أحد قيداً أو حداً أو عائقاً أو مانعاً، طعم الحرية طعم جميل وطعم شهي، متوفر في الغرب وليس متوفر في مجتمعاتنا الإسلامية المحافظة، لماذا لا نعطى الحرية المطلقة؟ لماذا؟ لماذا الإسلام يفرض قانون رقابي أسمه قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لماذا هذا القانون يتنافى مع قيمة الحرية؟! أنا حر في أن أعصي أو أن أطيع القرآن الكريم يقول: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً والقرآن يقول: ﴿لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ.

فلماذا يفرض الإسلام مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتنافى مع قيمة الحرية وجمال الحرية؟!

هنا نذكر عدة وجوه لدفع هذه الشبهة عن الذهن: الحرية لا تعني أن تحرر من قيد وتتلبس بقيد آخر، تتحرر من عبودية وترزح تحت عبودية آخري، أنا أتحرر من الدين لكن أرزح تحت عبودية الشهوة وتحت عبودية النفس الأمارة بالسوء أنا من أجل أن أنتقل من قيود الدين أزعم أنني تحرت وأنا لم أتحرر، أنا تخلصت من القيود الدينية وأصبحت عبداً لماذا؟ لشهوتي ولغرائزي ولنفسي الأمارة بالسوء قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ أنا أذكر لك عدة وجوه لبيان اندفاع هذه الشبهة:

الوجه الأول الحرية الغربية:

نحن نتشدق بالحرية الغربية، أول من سن مبدأ الحرية المطلقة في الغرب هو المذهب الوجودي الذي يقوده سارتر هذا المذهب يؤمن بالحرية المطلقة، الحرية التي لا تعرف قيماً ولا مبادئ ولا ثوابت ولا حدود، أنت حراً حرية مطلقة هذا هو المذهب الوجودي، ماذا نتج عن هذا المذهب في الغرب؟

بياجيه هذا مفكر آخر، ذهب إلى مذهب آخر وهو مذهب البنيوي أو الإتجاهي البنيوي، بياجه في نقده للمذهب الوجودي قال الحرية المطلقة ترتب عليها أثران سلبيان وخيمان ما زال الغرب يئن منهما:

الأثر الأول العبثية:

هناك ظاهرة في الغرب تسمى العبثية هناك إنسان ليس لهم من عمل إلا حرق السيارات وسرقة البنوك يعني يقضون للبنية التحتية للحياة، أول ليس بداعي شيء، يقولون نحن أحرار وكل شيء نفعل، ظاهرة العبثية ترتبت على مبدأ الحرية المطلقة بما أني حراً حرية مطلقة إذن أنا حراً في إلغاء الأهداف، يقول أنا حر حرية مطلقة فأنا حر في إلغاء الأهداف، لا هدف لي ولا غاية لي ولا ثوابت عندي ولا مبادئ عندي مادمت حراً حرية مطلقة فأنا من خلال حريتي ألغيت أهدافي وألغيت مبادئ واعتبرت نفسي متجرداً عن كل الموروثات وعن كل الثوابت السابقة، هذه تسمى ظاهرة العبثية، وظاهرة العبثية إذا انتشرت شلت حركة الحياة وشلت حركة الحضارة بدافع الحرية المطلقة، هذا هو الأثر الأول.

الأثر الثاني الرغبة في فقدان الحياة:

هل ترى شخص يرغب في أن يغادر الحياة؟، هذا موجود في الغرب نتيجة الحرية المطلقة، أنت إذا تقارن بين نسبة الانتحار في الشرق والغرب، كم النسبة؟ معدلات الانتحار في الشرق إذا قارناها بمعدلات الانتحار في الغرب لا تصل إلى 2%، لماذا؟ كل ذلك نتيجة الحرية المطلقة، من آمن بالحرية المطلقة آمن أن من حقه أن يلغي حتى الحياة، أليس أنا حر؟ إذن أنا حر حتى في إلغاء الحياة، بما أنني حر حرية مطلقة فأنا حراً حتى في إلغاء الحياة، حتى في قتل الطاقة المتحركة على الأرض وهي طاقتي التي وهبني الله إياها أنا حراً في إلغاء الحياة لذلك كثر في الغرب الرغبة في فقدان الحياة والرغبة في إلغاء الحياة بدافع الحرية المطلقة، إذن الحرية الوجودية السارترية اللبرالية المطلقة التي يتشدق بها بعض شبابنا تبعاً للغرب تترتب عليها أثار وخيمة منها ظاهرة العبثية ومنها ظاهرة الرغبة في فقدان الحياة.

لأجل ذالك نحن ماذا نقول؟، أنت لا تستطيع فلسفياً تأسس مفهوم الحرية حتى يكون عندك فلسفة للكون والحياة، أنت ماذا تعتقد نفسك؟ يعني هل ملكت الكون أنت؟ لا مازال الإنسان مخلوق صغيراً في كوكباً صغير، مثلاً: نفرض أن هذه نملة تصعد على الجبل، هذه النملة لما صعدت على الجبل حصلت على ماذا؟ حصلت على حبة قمح، ماذا تعتقد نفسها النملة؟ سيطرت على الجبل لأنها حصلت على حبة قمح تجرها، هذا الإنسان المسكين هكذا، لأنه صعد سطح القمر شعر بأنه سيطر على الوجود كله وما هو إلا نملة في جبل، مخلوق صغير يعيش على كوكب صغير نسبة هذا الكوكب للكون واحد بالمليار، إذن لا يمكنك أن تأسس مفهوماً اسمه مفهوم الحرية حتى تأسس أولاً فلسفة عن الكون وفلسفة عن الحياة وعلى أساس هذا المفهوم تأسس لك مفهوم الحرية وهذا ما بني عليه الإسلام، الإسلام لما يأتي وقال أنت حر، لا أولاً أسس فلسفة للكون والحياة وعلى أساس هذه الفلسفة أبتكر وطرح مفهوم الحرية.

ما هي فلسفة الإسلام للكون والحياة؟

الوجه الأول:

فلسفة الإسلام للكون والحياة أنك خليفة ولست أصلاً، في هذا الكون وفي هذا الوجود أنت لست أصيل أنت نائب وأنت خليفة وأنت وكيل، الأصيل في هذا الكون هو الله تبارك وتعالى، وأنت مجرد خليفة ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وقال تعالى: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةًوقال تعالى ﴿ُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا، أنت مجرد خليفة، بما أنك خليفة إذن ليست لك الحرية المطلقة، حريتك في إطار القانون الذي شرعة الأصيل في هذا الكون ألا وهو الله تبارك وتعالى وليست لك الحرية المطلقة، هذا هو الوجه الأول.

الوجه الثاني:

الإنسانية تتقوم بعنصرين: 1 الحرية 2 المسؤولية، لا يعني أنك حر أي ليس مسؤول، لا انظر كل الفلسفات غربية وشرقية وضعية ودينية جميع الفلسفات تؤمن أن الإنسان متقوم بعنصرين حرية يعني قدرة على التغير وإحساس بالمسؤولية من فقد أحد العنصرين فليس بإنسان، الإنسان لو تشبث بالحرية وتخلى عن المسؤولية كان كسائر الحيوانات، ما هو الفرق بين الحيوان والإنسان؟! إذا لم يملك الإحساس بالمسؤولية، إذن هناك عنصران عنصر الحرية وهو القدرة على التغير وعنصر الإحساس بالمسؤولية والإسلام عندما شرع التعاليم أراد التوفيق بين هذين العنصرين، أراد المحافظة على صورة الإنسانية التي لا تتحفظ إلا ببركة هذين العنصرين، ورد عن النبي محمد «صل الله عليه وآله» قال: ”كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته“ إن لربك عليك حق ولأهلك عليك حق ولجسمك عليك حق فأعطي كل ذي حق حقه قال تعالى: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ هذا كله يتكلم عن المسؤولية، يا أخي الشاب كما أنت حر أنت مسؤول ومقتضى المسؤولية أن هناك حدوداً تتحفظ فيها على إنسانيتك وليس مقتضى المسؤولية أن تتشدق بالحرية المطلقة.

الوجه الثالث:

أنت حر لأنك إنسان، فهل أنت حر في أن تمسخ الإنسانية؟ لو أحد قال أنا حر أن أخرج نفسي عن كوني إنسان، أنا أريد أن أتحول حيوان، يعني هل هو حر، هل الحرية المطلقة تعني الحرية لمسخ الإنسانية؟

قطعاً لا، الحرية متى تكون صفة جميلة؟ إذا كانت مظهراً للإنسانية فإذا أصبحت الحرية عاملاً لمسخ الإنسانية تحولت من صفة جميلة إلى صفة قبيحة، مثلاً: نفرض هذا إنسان مصر على شرب المخدرات، لا يوتعي طوال الوقت يقول دعوني بعيد عن الهموم، طوال اليوم يعيش مع المخدرات، لو قال لك أنا حر بما أنني حر حرية مطلقة فأنا حر في أن أشرب المخدر ولا أفيق أبداً، هل هناك عاقل يقبل هذه الحرية المطلقة؟، لو أن إنساناً أصبح إنساناً جنسياً إنسان لا يفكر إلا في الجنس من امرأة إلى أخرى ومن فاحشة إلى أخرى ومن شهوة إلى أخرى لا يفكر إلا في الجنس هذا الإنسان لو تشدق بالحرية قال بما أنني أنا حر حرية مطلقة فأنا لا أفكر إلا في إشباع غريزتي الجنسية، وأين فرق بينه وبين الحيوان؟

إذن الإسلام يقول الحرية جميلة لكن إذا كانت مظهراً للإنسانية وأما إذا أصبحت الحرية مسخاً للإنسانية وهدماً للإنسانية انسلخت عنها صفت الحسن وأصبحت صفة قبيحة.

الحرية الاجتماعية:

هناك بعض شبابنا يقول أنا حر في استخدام الفيس بوك، يستخدم برنامج الفيس بوك في وضع صور الآخرين يأخذ صور للناس ويضعها في البرنامج ويعرضها ويبدأ الاستهزاء بالناس وأشكالهم وربما تعرض صور خاصة وربما تعرض صور فتيات لأجل التعليق على بعضهن واختيار بعضهن، كل هذا باسم الحرية الاجتماعية، نحن أحرار في علاقتنا مع الآخرين، الحرية الاجتماعية حرية العلاقة مع الآخر، نحن أحرار في علاقتنا مع الآخرين ومقتضى حريتنا الاجتماعية أن نستخدم صور الآخرين في الفيس بوك ونعلق عليها ونستهزئ بها ونتهكم عليها ونختار بعضاً ونلغي بعضاً نحن أحرار.

مثلاً: إنسان يقول أنا حر في أن أدخن حتى لو أضررت بالآخرين، هناك شخص يدخل مسجد نقول له لا تدخن نحن نتأذى يقول الدخان شيء جمل، فهل هذه حرية؟ هذه حرية اجتماعية هل هي حرية مقبولة أم لا؟ الإسلام وضع حدوداً للحرية الاجتماعية، هل من الحرية الاجتماعية أن أكلم الفتاة عن طريق النت وليس بيني وبينها عقداً شرعي؟، هل من الحرية الاجتماعية أن أتمرد على الأعراف الاجتماعية بحجة الحرية؟ لا، الإسلام وضع حدوداً للحرية الاجتماعية لماذا؟ هناك وجهين:

الوجه الأول:

الإنسان المنحرف مريض، الآن هذا الإنسان الذي يصر على شرب المخدرات أليس مريض؟ طبعاً مريض، الإنسان الذي يصر على إشباع غريزته الجنسية بأي طريق كان مثل الحيوان أليس مريض؟ مريض، بما أن الإنسان المنحرف مريض فهل المريض حراً في نشر مرضه؟ لو وجدنا شخصاً مصاباً بالإيدز وقال أنا حر في أن أعيش مع الناس بطريقة، أنقل مرض الإيدز للآخرين، هل يقبل قانون ذالك؟

يقولون لا، مادام مريضاً فلمريض ليس حراً في نقل مرضه إلى الآخرين، لو أن إنسان تمرد على قوانين المرور يعبر الإشارات الحمراء ويسحق السيارات الأخرى ومثلما ترى أنت ظاهرة شبابية عند بعض شبابنا الذين هداهم الله بهذه الدرجات النارية يخبطون الشرق بالغرب باسم الحرية، هل الإنسان حر حرية اجتماعية مطلقة حتى لو أذى الآخرين بدراجته النارية؟ هل الإنسان حر حرية اجتماعية مطلقة حتى لو أستخدم صور الآخرين وصور الفتيات الأخريات؟ هل الإنسان حر حرية مطلقة أن يقيم حفلة راقصة بين بيوت محافظة حتى لو تأذى جيرانه بهذه الحفلة الماجنة الراقصة؟

الإسلام يقول المنحرف مريض والمريض لا يمكن أن نعطي له فرصة لنشر مرضه لذلك وضع الإسلام قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وقال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ إذن كما قال القرآن: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً وأعطى للإنسان حرية كذلك القرآن قال: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ لماذا؟!

لأن قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قانون وقائي يطوق المرض في موضعه كي لا ينتشر إلى الآخرين، الهدف من قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تطويق المرض، لو وجودنا مصاباً بالإيدز فالقانون يفترض علينا تطويقه حتى لا ينتقل مرضه للآخرين أيضاً قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تطويقاً لمرض الانحراف كي لا ينتشر ولا يتعدى إلى الآخرين هذا هو الهدف من قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الوجه الثاني:

المجتمع عقد، إذا تقرأ ما يقوله علماء الاجتماع علماء الاجتماع يقولون بين أبناء المجتمع عقد وميثاق أن لا أعتدي على حريتك ولا تعتدي على حريتي، لا يوجد شيء اسمه حرية مطلقة تأخذ صور الآخرين وتعبث بها وتؤذي جيرانك بحفلة راقصة لا نملك شيء اسمه حرية مطلقة، حريتك في إطار المحافظة على حرية الآخرين جبريل مارسل فيلسوف غربي يقول: «لا أكون حراً إلا بحرية الآخرين» هناك ميثاق اجتماعي، حرية كل فرداً في إطار الحرية الاجتماعية وفي إطار الحريات الآخرة وليس أمراً سائباً، إذن ليس عندنا حرية مطلقة لا على مستوى الحرية الفردية ولا على مستوى الحرية الاجتماعية.

المحور الثالث: الالتزام بالقانون وفي مظهر الحرية المبدأيه يوم كربلاء.

الحرية المبدئية في مدرسة كربلاء ما الذي نتعلمه من مدرسة كربلاء؟ نتعلم قيمة جميلة ألا وهي الحرية المبدئية، ما هي الحرية المبدئية؟ الحرية المبدئية لها ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى:

نقذ الذات، الحر هو الذي يستطيع أن ينقذ ذاته الذي لا يستطيع أن ينقذ ذاته ليس بالحر، الذي لا يستطيع القول أنا أخطأت هذا ليس بالحر لأن أنانيته مسيطرة عليه، الإنسان الذي يقول أنا أخطأت وأنا أعتذر وأنا ارتكبت خطأ، أنا مثلاً: ارتكبت جريمة هذا إنسان حر لأنه إستطاع أن يتحرر من أنانيته وأستطاع أن يتحرر من شهواته، هذا هو الحر الحقيقي، الحرية الحقيقية تبدأ بنقذ الذات، الإنسان الذي يقف ليقرأ ذاته، هل نحن قرأنا دواتنا؟ كل شخص فينا فليسأل نفسه هل أنا قرأت نفسي في يوم من الأيام؟ نحن نحتاج بأن نقرأ نفوسنا، أقرأ نفسي هل أنا نفسي خجولة أو نفسي جريئة؟ هل أنا نفسي تسترسل مع الشهوات أو أنا نفسي تقف أمام الشهوات؟، هل أنا أعيش فهماً أم أنا أعيش غباءً؟، الشخص يوجب علية أن يقرأ شخصيته، قراءه الشخصية ونقذها وتشخيص عيوبها وتحديد أخطائها أوضح صور الحرية، الحر من تحرر حتى من نفسه ونقذها ووقف أمامها، هذا هو الحر.

لذلك النبي محمد يؤكد على هذه الحرية يقول: ”حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا“ نقذ الذات.

المرتبة الثانية:

الإخلاص، هل أنت تستطيع أن تخلص لله أسبوع؟ شخص في يوم يستطيع أن يقول سوف أخلص لله، سأنام أثنا عشرة ساعة وأثنا عشرة ساعة سأكل وأصلي يعني يوم أستطيع على ذالك ولكن أسبوع لا استطيع أن أخلص لله، هل يستطيع الإنسان أن يدرب نفسه على الإخلاص لله أسبوعاً؟ بمعنى أن لا يفكر في هذا الأسبوع بمعصية وأن لا يفكر في شر وأن لا يفكر في رذيلة وأن لا يفكر في ظلم أحد لمدة أسبوع كاختبار، إذا استطاع فهو حر حرية حقيقية لأنه تحرك من نوازع الشر لمدة أسبوع، هذه مرتبة عالية من الحرية وهذه المرتبه هي التي تحدث عنها الرسول عندما قال: من أخلص لله أربعين يوم جرت ينابيع الحكمة على لسانه"التدريب على الحرية الحقيقية.

المرتبة الثالثة:

الوقف مع المبادئ وعدم الخضوع لا لسلطة الإغراء ولا لسلطة الإرهاب، كيف؟! مثلاً: البعض منا عندما يملك منصب يصبح رئيس شركة مثلاً، بعدما أصبح عنده المنصب يظن أنه قد وصل العرش ولا يفكر في أحد ولا يبالي بأحد ولا يخدم إخوانه ولا يساعد أحد بل يتنكر لمجتمعه ويتنكر لأهله، لماذا؟ حفظاً على منصبة، هذا الإنسان ليس حراً هذا إنسان عبداً لأنه خضع لسلطة الإغراء وتشبث بالإغراء وتشبث بالمنصب وضحى ببعض مبادئه في سبيل منصبه.

في زمان هارون الرشيد: زمان الإمام الكاظم شخص من الشيعة تولى وزارة من وزارت هارون الرشيد ووصل خبره للإمام الكاظم قالوا: يا أبا الحسن فلان من شيعتك أصبح وزير، قال: كيف صنيعه لإخوانه؟، قالوا: لا يوجد شيء، قال: أفٍ لهم يدخلون في ما لا ينبغي لهم ولا يقضون حوائج إخوانهم، كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان، لكن هذا لا يعيش حرية مبدئية فلا يساعد أحد.

ومثلاً: نرى إنسان له أصدقاء غربيين يخجل بالقول لهم أنا مسلم كأن الإسلام شيء مخجل فلا يقول أنا مسلم يخجل، لماذا؟ يقول الإسلام شيء مخجل، لا الإسلام مبادئ وقيم إنسانية عالية، أو إنسان له أصدقاء من مذاهب أخرى يخجل بأن يقول أنا شيعي ويخاف أن يقول أنا شيعي، لماذا تخاف؟ ليس هناك ضرورة للخوف بل قل بكل جرأة وبكل فخر وبكل اعتزاز أنا شيعي وأفتخر بأني شيعي أنا مسلم وأفتخر بأنني مسلم أنا أنتمي لدين كله قيم سامية وأنتمي لمذهب رواده حسن وحسين، لماذا الخجل؟، يعني شخص يقول لك أنا أنتمي إلى مذهب رائده الإمام أبو حنيفة ما يخجل، وأنت تخجل من أن تنتمي لمذهب رائده الحسين سبط رسول الله!، هذا خضوع لسلطة الخوف والخضوع لسلطة الخوف يتنافى مع الحرية المبدئية، الحرية المبدئية أن تقف مع مبادئك من دون خضوع لا لسلطة الإغراء ولا لسلطة الخوف وهذه القيمة العظيمة نتعلمها من كربلاء.

هناك نموذجان في كربلاء:

النموذج الأول: نموذج للعبودية.

النموذج الثاني: نموذج للحرية.

مثال العبودية:

في كربلاء عمر بن سعد، عمر إبن سعد ليس غريب عن البيت العلوي، لا عمر بن سعد بن خالة علي الأكبر، عمر بن سعد دخل البيت العلوي وعاشر البيت العلوي وعرف قيمة هذا البيت وعرف عظمة هذا البيت لكن عمر بن سعد ضحى بمبادئه في سبيل سلطة الإغراء، خسر الحرية المبدئية «فو الله ما أدري وأني لحائر أفكر في أمري على خطرين أأترك ملك الري والري منيتي أم أرجع مأثوماً بقتل حسين، حسين بن عمي بيني وبينه قرابة، حسين بن عمي والحوادث جمه ولكن ملك الري قرة عيني».

ضحى بالمبادئ مثله مثل الشمر بن ذو الجوشن الذي وقف على بن زياد وقال: «أملأ ركابي فضة بل ذهب قتلت خير الخلق أماً وأبا» هذا مثال العبودية.

مثال الحرية المبدئية:

يوم كربلاء الحر بن يزيد الرياعي جعجع بالحسين تقول الراويات، يعني حاصر بالحسين حتى أدخلة كربلاء هذا يعتبر ذنب لكن هذا كله ذهب وتبخر لما بلغ الحر مرتبة الحرية المبدئية، لما احتدم القتال يوم عاشوراء وقامت الحرب التفت الحر ابن يزيد الرياعي إلى عمر إبن سعد، قال: يا ابن سعد أمصراً على قتال هؤلاء؟، الحر يملك عقل ويفكر في معسكرين، معسكر ثلاثين ألف يملكون الأموال والسلاح والثروات وإغراءات، ومعسكر ثلاثة وسبعين شخص لا أمول ولا إغراءات ولا ماء ولا سلاح معسكر يقاتل ببطولة وببسالة، يقاتل بالمبادئ ولا يقاتل بالسلاح، قارن بين هذين المعسكرين، يا ابن سعد أمصر أنت على قتال هؤلاء، قال: نعم قتال أهونه أن تتساقط الرؤوس وتتطاير الأيدي، وإذا بهذا الرجل يزج بفرسه نحو خيام الحسين وقد أرتعش بدنه ألتفت إليه أحد أصحابة، قال: يا حر لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك، لماذا خائف؟ عندما الإنسان يدور بين المعصية وبين الطاعة أي شخص فينا تعرض عليه معصية يعيش نفس اللحظة التي عاشها الحر، أي شخص منا يتعرض لإغراء وإلى شهوة يعيش نفس اللحظة التي عاشها الحر بين الشهوة وبين العقل، وبين الجنة وبين النار وبين الرذيلة وبين الفضيلة، لحظة عصيبة صراع مرير عاشه الحر ابن يزيد الرياحي، قال: أنا لست خائف ولاست جبان بل أخير نفسي بين الجنة والنار.

أنا أعيش لحظة التوبة ولحظة الإنابة، لحظة التوبة لحظة لذيذة شهية، لذة التوبة أعظم من لذة المعصية، لذة الإنابة أعظم من لذة الرذيلة.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين