يا لثارات الحسين (ع)

شبكة المنير

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

الكلمة تطلق في القرآن الكريم على معنيين:

المعنى الأول: القول الصادق كما في قوله تعالى: ﴿حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ يشير إلى قوله في آية أخرى مخاطب إبليس﴿لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ.

المعنى الثاني: أن المراد بالكلمة الوجود الذي يعد مظهر لله تعالى مثلاً: وجود النبي يعد مظهر لله فوجود النبي كلمة وجود الإمام يعد مظهر لله فوجود الإمام كلمة ولذلك قال القرآن الكريم: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ فاعتبر القرآن النبي عيسى كلمة لأنه وجوده مظهر لله عز وجل﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، كما تطلق على القول الصادق تطلق على الوجود الذي يعد مظهر لوجود الله عز وجل وقد قال تعالى: ﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي والمقصود بهذه الكلمات هنا الوجودات التي تعد مظهر لله وكذلك في قوله تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ فإن الرواية ذكرت أن الكلمات التي تلقاها آدم فتاب عليه ربه هي الأنوار التي رائها محيطة بالعرش فسأل عنها فقيل هي أنوار محمد وآل محمد قال تعالى: ﴿خَلَقَكُمْ اللّهُ اَنْواراً فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقِينَ.

وإما في الآية التي قرانها﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا، ما هو المراد بالكلمة في الآية المباركة؟! هل هي قسم من المعنى الأول أي القول الصادق أو هي قسم من المعنى الثاني وهو الوجود الذي يعد مظهر لله؟!

أن الكلمة هنا في قوله: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا يراد به المعنى الثاني أي المراد بالكلمة هنا الوجود المظهر لله تعالى والقرينة على ذلك في نفس الآية وهي قوله: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا فإن العدل وجود خارجي وليس العدل كلام أو خطاب وإنما العدل حركة خارجية فلأجل قوله ﴿وَعَدْلا كان هذا التعبير قرينة على أن المراد بالكلمة في الآية الوجود الخارجي لا الكلام الوجود الذي يعد مظهر لوجود الله ومن هنا نتساءل: ما هو هذا الوجود الذي يعد مظهر لوجود الله عز وجل في الآية المباركة؟!

جاءت الرواية عن الباقر ”وأخبرت أن المراد بالوجود المراد بالكلمة في الآية المباركة ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا قال: بظهور قائم آل بيت محمد“ أي أن هناك وجود نوراني بدأ بالنبي وينتهي ذلك الوجود النوراني ويتم بالإمام الحجة فالإمام الحجة تمام لكلمة الوجود تمام لكلمة ﴿رَبِّكَ وإنما كان المهدي تمام لكلمة «الله» لأنه بوجود المهدي يتحقق التمام في مرحلة التطبيق، فالتمامية قد تكون على مستوى التشريع وقد تكون على مستوى التطبيق إما تمامية كلمة «الله» على مستوى التشريع فقد تحققت منذ عصر النبي قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا وإما تحقق التماميه على مستوى التطبيق إلى الآن لم تتم كلمة الله على مستوى التطبيق أي لم تتحقق كلمة الله على الأرض ﴿صِدْقًا وَعَدْلا إلى يومنا هذا، فما هو ذلك اليوم الذي تتم فيه كلمة الله على الأرض من الناحية التطبيقية ﴿صِدْقًا وَعَدْلا؟!

أن ذلك لا ينطبق إلا على يوم ظهور المهدي «عجل الله تعالى فرجه الشريف» الذي قال فيه رسول الله : ”لو لا لم يبقى من الدنيا إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملئ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا“ ولذلك ورد في دعاء ليلة النصف من شعبان «اللهم أني أسالك بليلتك ومولدها وحجتك وموعودها التي قرنت إلى فضلها فضلك: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا»، وأنت أيضاً تقرأ في الدعاء الواردة بعد زيارة آل ياسين: ”اللهم صلي وسلم على وليك وخليفتك وحجتك وكلمتك التامة في أرضك“.

إذا فالمراد بقوله: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاظهور المهدي الذي يحقق تمامية الإسلام من الناحية التطبيقية صدقا وعدلا على الأرض قال تعالى: ﴿لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، إذاً هناك وجود بدئه النبي وأتمه المهدي وهذا الوجود الذي يعبر عنه الإمام علي كما في رواية الطبراني وأبن حماد: ”سأل علي رسول الله : منا أم المهدي أم من غيرنا، قال: منا بنا يختم الله الدين كما بنا فتح“ وقال علي لكميل أبن زياد يا كميل: ”ما من علم إلا وأنا أفتحه وما من سر إلا ويختمه قائم آل بيت محمد“.

فبما أن هناك وجود نوراني واحد لأهل البيت وتمامه على يد المهدي فسنتحدث هذه الليلة عن الخصائص المشتركة والسمات المشتركة بين مصاديق هذا الوجود وبالذات بين الثورتين الثورة الحسينية والثورة المهدوية:

الخصائص المشتركة بين الثورة الحسينية والثورة المهدوية في عناصر ثلاثة:

  1. الحقيقة.
  2. الهدف.
  3. القاعدة.

1 - أما الحقيقة: لبيان معرفة حقيقة الثورة الحسينية والثورة المهدوية نذكر أمور ثلاثة:

الأمر الأول: أن تحليل أي ظاهرة سواء كانت ظاهرة طبيعية أو ظاهرة اجتماعية لا يتم إلا بإرجاع الظاهرة إلى عللها وأسبابها غاية الأمر إذا كانت الظاهرة طبيعية فتحليلها بإرجاعها إلى عللها الفاعلية وإذا كانت الظاهرة اجتماعية فتحلليها بإرجاعها إلى عللها الغائية ما معنى ذلك؟!

مثلاً: نحن نلاحظ هذه السنين ظاهرة الأعاصير والفيضانات التي تجتاح المدن الساحلية وتؤدي بحياة مواطنيها هذه الظاهرة الطبيعية إذا أردنا أن نحللها لابد أن نرجعها إلى أسبابها أي عللها الفاعلية فنقول: من مصادر هذه الأعاصير والفيضانات وازدياد نسبة مياه البحار والمحيطات ظاهرة الاحتباس الحراري وهذه ظاهرة خطيرة ستؤدي إلى تفاق فساد البيئة على الأرض إلى مدى سنين طويلة قادمة وأحيانا تكون أمامنا ظاهرة اجتماعية وليست ظاهرة طبيعية مثلاً: ظاهرة الزحف المليوني نحو كربلاء نحو قبر الحسين في أيام عاشوراء هذه الظاهرة الاجتماعية تحليلها يرجع إلى فهم أهدافها ومقاصدها هذا ما يعبر عنها «بالعلل الغائية» لا يمكن فهم أي ظاهرة اجتماعية إلا بتحليل أهدافها ومقاصدها فما هي أهداف هذه الظاهرة؟!

أهداف هذه الظاهرة الواضحة لكل متأمل منصف أحياء أمر آل محمد ”يا فضيل أتجلسون وتتحدثون قلت: بلى سيدي قال: أني أحب تلك المجالس فأحيوا فيها أمرنا من جلس مجلس أحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت فيه القلوب“، إذا تحليل أي ظاهرة بإرجاعها إلى أسبابها هذا الأمر الأول.

الأمر الثاني: من الظواهر الاجتماعية التي تحتاج إلى التحليل الثورة أي ثورة تعتبر ظاهرة اجتماعية الثورة تنقسم إلى قسمين: ثورة انفعالية، وثورة فعلية.

الثورة الانفعالية:هي الثورة التي تحدث نتيجة الضغوط المتراكمة فلذلك يتولد انفجار في الوضع الاجتماعي قد يؤدي إلى ثورة انفعالية مثلا المنطق الديالكتي الماركسي يركز على الثورة الانفعالية يقول: إذا أحدتم الصراع بين الطبقات الاجتماعية الطبقة الرأسمالية والطبقة العاملة الكادحة فنتيجة هذا الصراع انفجار الوضع الاجتماعي وحصول ثورة انفعالية قد تؤدي إلى تأميم الثروات والملكية المشتركة إذاً المنطق الماركسي يركز على الثورة الانفعالية بينما المنطق الإسلامي يركز على الثورة الفعلية الثورة التي لا تنشئ عن العاطفة ولا تنشئ عن العقل الجمعي وإنما الثورة التي تنشئ عن الوعي والتخطيط الهادف المدروس تلك الثورة هي الثورة الفعلية وهي التي تستحق أن تحلل فينظر إلى أهدافها ومقاصدها.

الأمر الثالث: ثورة الحسين أبن علي ثورة فعلية وليست ثورة انفعالية لم تكن ثورة الحسين حركة عاطفية ولم تكن ثورة الحسين انسجام لعقل جمعي صاخب وعارم وإنما كانت ثورة الحسين مخطط هادف فاعل واعي مدروس ولذلك مظهران:

المظهر الأول: أن الحسين أبن علي لم يفرض على أصحابه الثورة وإنما جعلها خياريه بأيديهم لاحظوا الفرق الواضح بين طارق أبن زياد الأموي وبين الإمام الحسين طارق عندما قادة جيشه إلى الأندلس اتلف السفن واتلف الطعام وقال: لجيشه البحر من ورائكم والعدوا أمامكم فلا مجال لكم إلا القتال.

إذاً فرضت عليهم الثورة أصبحت ثورتهم ثورة انفعاليه ناشئة عن الاضطرار وعدم وجود المأمن والطعام أما الحسين فلم يقل لأصحابه هكذا وإنما قال: ”أني لا أعلم أصحاباً أبر وأوفي وخيراً من أصحابي وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً وليأخذا كل رجل منكم يد رجل من أهل بيتي وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم فأن القوم لا يريدوا غيري ولو حصلوا عليّ لهوا عن غيري“ الحسين أراد من أصحابه أن تكون ثورتهم ثورة اختيارية ثورة نابعة عن قناعتهم وعن وعيهم بأهداف وعن معرفتهم بالإستراتجية العلوية التي سنها أهل البيت «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين».

المظهر الثاني: أن المنطلق لثورة الحسين لم يكن رفض البيعة ليزيد أبن معاوية صحيح أن الحسين رفض البيعة وقال: يا أمير أن أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ويزيد رجل فاسق شارب للخمر قاتل للنفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله ولكن هذا ليس منطلق الثورة وليس منطلق الثورة رسائل أهل الكوفة التي أكدت على ”أنه أخضر الجناب وأينعت الثمار وإنما تقبل على جند لك مجندة“ لو كان المنطلق في ثورة الحسين رفض البيعة ليزيد أو استجابة لرسائل أهل الكوفة لكانت ثورة الحسين انفعالية وستجابه لعامل خارجي لكان الأمر ليس كذلك أن المنطلق لثورة الحسين «علية السلام» حركة الإصلاح فسواء عرضت عليه البيعة ليزيد أم لم تعرض عليه فإنه سينطلق في حركته على كل حال وسواء كتب إليها أهل الكوفة أم لم يكتبوا فأنه سينطلق في حركته على كل حال لأنه ثورته ثورة فعليه واعية كما كتب لأخيه محمد أبن الحنفية «ما خرجت أشراً ولا بطراً وإنما ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».

فثورة الحسين ثورة روحية وليست ثورة عسكرية لو كانت ثورة الحسين عسكرية لكان الحسن منهزم لكن ثورته كانت ثورة روحية أرد بثورة إيقاظ إرادة الأمة وتحريك عزيمتها وبعثها من سباتها فكان للحسين ذلك وتحققت له أهدافه فكان هو المنتصر لقد أجج الحسين الشرارة وانطلقت الثورات من بعدة تنادي باسمه ثورة التوابين وثورة المختار وثورة زيد أبن علي وثورة العلويين وثورة الحسين أبن علي صاحب معركة فخ.

إذاً ثورة الحسين ثورة روحية أتت ثمارها وأكلها في وقت قريب وكذلك ثورة المهدي المنتظر حقيقة ثورته هي حقيقة ثورة جده ثورة روحية لاحظوا ما ورد عن النبي قال: ”لو لم يبقى من الدنيا إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأ الأرض قسطا وعدلاً“ ولم يقل يملأ الأرض قتلى أو يملأ الأرض بالسلاح أو يملأ الأرض بالجنود وإنما قال ”قسطا وعدلاً“ أي أن ثورته ثورة روحية وليست ثورة عسكرية فالحسين والمهدي في حقيقة ثورة واحدة وهي الثورة الروحية هذا هو العنصر الأول.

العنصر الثاني: الهدف أن هدف الثورتين واحد ما هو هدف الثورتين؟! هدف الثورتين هدف جميع الرسالات والنبوات السماوية فالقرآن الكريم يقول: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ هذا هو الهدف القيام بالقسط علماء النحو يقولون: «الباء هنا باء السببية وليست باء التعدية» ومعنى ذلك: أن المطلوب قيام المجتمع وقيام المجتمع يعني قيام الحضارة لكن ليس المطلوب قيام حضارة بدون أسس «لا» المطلوب بالرسالات والنبوات قيام الناس يعني «قيام الحضارة» لكن قيام الحضارة مبنيين على أساسين وعاملين:

1. عامل اقتصادي عبرت عنه آية أخرى بقوله تبارك وتعالى: ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً ما معنى ﴿جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً بمعنى أن الثورة قيام لكم يعني زاد لحضارتكم زاد لقيام دولتكم الحضارة عامل الثورة المادية عامل أساس في قيام الحضارة.

2. عامل العدل: وهو عامل قانوني ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ يعني لكي تكون الحضارة قائمة على عامل قانوني وهو عامل القسط أي القانون العادل القائم على توزيع الثورة توزيع عادل.

إذاً هدف الرسالات هو قيام حضارة على عامل اقتصادي وهو الثورة وعامل قانوني وهو القانون القاسط أي القانون العادل هذا الهدف هو الذي أكد عليه الحسين : ”أني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما إلا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بالحق الحابس نفسه على ذات الله“ وهذا الهدف هو هدف المهدي المنتظر «عجل الله تعالى فرجه الشريف» لقد ورد في الرواية: ”أنه إذا خرج رفع الراية مكتوب عليها يا لثارات الحسين“ ليس المقصود بثارات الحسين ثارات شخصية أو ثارات انتقامية أو ثارات دموية ليس الحسين ثائر شخصي وليس الحسين ثائر قبلي وليس الحسين ثائر طائفي كما يحاول بعض النواصب أن يقوقع حركة الحسين في الطائفة الإمامية ليس الأمر كذلك ثائر الحسين كما نطقت النصوص الشريفة ثائر الحسين هو ثائر الله ولذلك نقرأ في زيارة وراث «السلام عليك يا ثأر الله وأبن ثأره» ليس الحسين شخص ولا قبيلة ولا طائفة ولا عرق الحسين حركة، حركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذه الحركة القرآنية قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِهذه الحركة القرآنية ثأرها بأن تحقق أهدافها وأن تفعل مبادئها وليس ثأرها ثأر شخصي أو قبلي أو طائفي هذا هو المقصود «يا لثارات الحسين» أي يا لأهداف الحسين يا لمبادئ الحسين التي نادي الحسين وضحى وبدل النفس والنفيس من أجلها.

العنصر الثالث: وهووحدة الثورتين في القاعدة كل ثورة وكل حركة تحتاج إلى نخبة النخبة هي قطب الحركة النخبة هي عماد الحركة لذلك تحدث القرآن عن الأنبياء فأشار إلى انه مع كل نبي نخبة لاحظوا قوله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ «لا يوجد نبي إلا ويقاتل معه» رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وقال تبارك وتعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ.

وتحدث القرآن عن النخبة التي إحاطة بالنبي كعلي والمقداد وعمار وأبي ذر فقال عنهم: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ إذاً لكل حركة نخبة هي قطبها وهي زادها لذلك إذا قرائنا ثورة الحسين وثورة المهدي وجدنا أن لكلاً من الحركتين نخبة مجانسة لنخبة الحركة الأخرى، إما النخبة في حركة الحسين فهم الذي قال عنهم الحسين : ”أني لا أعلم أصحاب أبر وأوفي من أصحابي“، وأما النخبة الذين مع المهدي المنتظر «عجل الله تعالى فرجه الشريف» فهذه الرواية المعتبرة عن الباقر والرواية نفسها موجودة في صحيح مسلم لكن بلفظ أخر قال رسول الله يوما لأصحابه «اللهم لقني أخواني فقال له أصحابه: ألسنا أخوانك يا رسول الله قال: لا أنتم أصحابي وأما أخواني فهم قوما يأتوني أخر الزمان أمنوا بي ولم يروني وسيعرفني الله بهم وبأسمائهم وآبائهم بل أن يخرجهم من أصلاب أبائهم وأرحام أمهاتهم أن أحدهم لأشد على دينه «يعني يحافظ على دينه يحافظ على مبادئه» بقية من خرط القتاد في الليلة الظلماء وكالقابض على جمر الغضا وأنهم لهم المنصورون وسينجيهم الله من كل فتنة غابرة مظلمة».

هؤلاء النخبة الذين تحدث عنهم الإمام الصادق في رواية أخرى: «أن أهل زمان غيبته أفضل أهل كل زمان فإن الله أعطاهم من العقول والإفهام والمعرفة ما صارت الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة أنهم في زمانهم كالمجادين بين يدي رسول الله بالسيف وأنهم المخلصون حقا وشيعتنا صدقا والدعاة إلى دين الله سراً وجهراً» هؤلاء هم النخبة التي يتحدث عنهم الأئمة الطاهرون «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين» وهناك آية واضحة الدلالة: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً وفي الرواية عن الصادق : ”أم من قضى نحبه فهم أصحاب بدر وأصحاب الحسين يوم كربلاء وأما من ينتظر فهم أصحاب قائم آل بيت محمد“.

أن هذا التعبير إذا توقفنا عنده ﴿فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ يقولوا علماء اللغة قضاء النحب يعني استيفاء الوطر والطاقة لكل إنسان طاقة تعيش خمسين سنة سبعين سنة هي طاقة لكل إنسان نحب والنحب هو الطاقة فكل إنسان سوف يقضي نحبه يعني «سيستوفي طاقته» ولكن سيستوفيها في ماذا؟! هناك من يستوفي طاقته في لملذات هناك من يستوفي طاقته في الدنيا مشغول بأسهمه مشغول بشركاته مشغول بجيبه مشغول ببطنه من الصباح إلى أخر الليل لا يفكر في نافلة ولا يفكر في قرأت دعاء ولا يفكر في قرأت قرآن ولا يفكر في صلاة ليل هذا المسكين سيقي نحبه في الدنيا وإذا وضع في قبره رأى صحيفته سوداء ليس فيها نبضة نور وحين إذاً يكون أشد الناس أسف وندم لأنه لم يتزود لقبره، وقف الإمام أمير المؤمنين على أهل السوق في البصرة فبكى ثم قال: "إذا كنتم بالنهار تحلفون وبالليل تنامون وما بين ذلك أنتم غافلون «لا فيه قرآن لا فيه نافلة لا في دعاء غفلة» فمتى تهيئون الزاد وتستعدون للمعاد.

أن هناك من تسيطر عليهم الغفلة فيقضون نحبهم ووطرهم وهم في الغفلة المادية وهناك من يقضي نحبه ووطره في العلم والمعرفة وهناك من يقضي نحبه ووطره في الصدق يكون إنسان صادق قولاً وعملاً الإنسان الذي قضى نحبه في الصدق قولا وعملا هو مصداق للآية المباركة: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ «يعني قضى نحبه في الصدق» وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ «أن تتم حياته وهو إنسان صادق قولا» وَمَا بَدَّلُوا «يعني ما غيروا منهجهم ثابتين على مبادئهم وقيمهم» وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً.

إذا أردنا يا أخوان أن نكون من المؤمنين الصادقين أن نكون من المؤمنين الذين ﴿صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ أن نكون من المؤمنين المنتظرين لظهور المهدي والممتثلين لأمر رسول الله : ”أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج“ فإن الانتظار يعني أعداد الأرض بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علينا أن نفعل حركة الأصلح أي حركة إصلاحية في المجتمع من خلال الجمعيات الخيرية من خلال الصناديق الخيرية من خلال المشاريع الثقافية من خلال أي لجنة تقوم بدعم المآتم أو المساجد أو النشاطات الدينية والثقافية والخيرية فإن كل ذلك حركة إصلاحية وحركة أمر بمعروف ونهي عن منكر وكل ذلك مصادق جلي واضح لانتظار الإمام «عجل الله تعالى فرجه الشريف» ليس الانتظار بالكلام وليس الانتظار بأن نجلس في المآتم وليس الانتظار أن نقول شيء ونحن مشغولون بدنيانا الانتظار بأن ندعم هذه المشاريع الخيرية والثقافية والدينية في كل مكان فإن هذا مصداق واضح لأعداد الأرض والنفوس لخروج المهدي المنتظر «عجل الله تعالى فرجه الشريف».

أن من جملة مصاديق الانتظار هو المساهمة في أحياء ليلة عاشوراء وليلة عاشوراء ليست ليلة عزاء فقط بل هي ليلة عبادة أيضاً فعليكم أحياء الليلة بالعزاء وبالعبادة أيضاً كما أحيائها أصحاب الحسين بالدعاء والصلاة طلب الحسين أصحابه هذه الليلة فقال: أصحابي هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وليأخذ كل رجل منكم يد رجلا من أهل بيتي وتفرقوا في سوداكم ومدائنكم فإن القوم لا يريدون غيري ولو حصلوا عليّ للهوا عن غيري فقام إليه أصحابه....

والحمد لله رب العالمين