تفسير سورة الفاتحة 7

تحرير المحاضرات

أعوذ بالله من الشّيطان الغويّ الرّجيم

﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ

صدق الله العليّ العظيم

عندنا هنا بحثان فقهيان:

البحث الأوّل: يتعلق بآية البسملة ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة : 1].

حيث وقع البحث في أنّ آية البسملة هل هي جزءٌ من كلّ سورةٍ من سور القرآن أو أنّ آية البسملة جزءٌ من سورة الفاتحة وأمّا غيرها من السّور القرآنيّة فهي ممّا يجب الابتداء به لا أنّها جزءٌ من السّورة؟

هنا نلاحِظ كلام السّيّد السّبزواري قدّس سرّه في كتابه الفقهي «مهذب الأحكام» في الجزء السّادس تعرّض إلى هذه المسألة وقال: البسملة جزءٌ من كلّ سورةٍ للإجماع، يعني أنّ إجماع الإماميّة - يعني: إجماع علماء الإماميّة - اتفق جميع علماء الإماميّة على أنّ البسملة جزءٌ من كلّ سورةٍ من سور القرآن، فهو يستند قدّس سرّه في الدّليل الأوّل.. هو يطرح هنا دليلين:

الدّليل الأوّل هو: الإجماع.

يقول: أجمع علماء الإماميّة على أنّ البسملة جزءٌ من كلّ سورةٍ، هذا الدّليل ناقش فيه السّيّد الأستاذ السّيّد السّيستاني دام ظله وذهب إلى أنّه لا يوجد هذا الإجماع، فإنّ هناك من علماء الإماميّة مَنْ خالف ولم يذهب إلى هذا الرّأي، وقد ذكر الرّاوندي في كتابه «آيات الأحكام» وذكر المحقق الأردبيلي أيضًا أنّ جمعًا من علماء الإماميّة لم يذهبوا إلى هذا الرّأي، يعني: لم يقولوا بأنّ البسملة جزءٌ من كلّ سورةٍ، وإنّما قالوا: يجب قراءتها، فرقٌ بين وجوب القراءة وبين كونها جزءًا، تارةً نقول بأنّ البسملة جزءٌ من السّورة، وتارة نقول: لا، يجب قراءتها قبل السّورة، ولكنها ليست جزءًا من السّورة، ما هو الفرق بينهما؟

الفرق بينهما: أنّه إذا قلنا بأنّ البسملة جزءٌ من السّورة فيجب تعيين البسملة للسّورة قبل الشّروع فيها، يعني: إذا انتهى الإنسان، إذا خلص الإنسان من سورة الفاتحة في الصّلاة وأراد أنْ يقرأ سورة بعدها، هل يجب عليه أنْ يعيّن البسملة للسّورة؟ يعني هل يجب أنْ يقول: هذه البسملة لسورة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص : 1] أو هذه البسملة لسورة ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر : 1] أو هذه البسملة لسورة ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر : 1]؟ هل يجب أنْ يعيّن البسملة لسورةٍ معيّنةٍ؟

1/ من يقول بأنّ البسملة جزءٌ من السّورة - كما هو رأي المشهور، رأي سيّدنا الخوئي، والسّيّد السّبزواري، وغيره من العلماء - من يقول بأنّ البسملة جزءٌ يقول: لابدّ من التعيين، لابدّ قبل أنْ تنطق بالبسملة، تعيّن أنّ هذه البسملة جزءٌ من سورة الكوثر، جزءٌ من سورة القدر مثلاً، لابدّ من تعيين البسملة قبل قراءتها، فلو قرأ البسملة من دون تعيين، لو أنّ الإنسان قرأ البسملة من دون تعيين يرجع ويقرؤها مرّة أخرى مع تعيينها لسورةٍ معيّنةٍ، هذا بناءً على أنّ البسملة جزءٌ من السّورة.

2/ أمّا على من لا يرى ذلك كالسّيّد السّيستاني دام ظله يقول: البسملة ليست جزءًا من السّورة، تجب قراءتها لكنها ليست جزءًا، قام الإجماع على وجوب قراءة البسملة مع كلّ سورةٍ إلا سورة براءة، قام الإجماع على وجوب قراءة البسملة مع كلّ سورةٍ من سور القرآن إلا سورة براءة، لكنّ وجوب قراءتها شيءٌ وكونها جزءًا شيءٌ آخر، يجب عليك أنْ تقرأ البسملة ولكن لا يجب عليك أنْ تعينها لسورةٍ معيّنةٍ، فلو قرأتها من دون تعيين جاز لك أنْ تدخل في أيّ سورةٍ شئت بلا حاجةٍ إلى تعيين البسملة أو تكرار البسملة.

هذا هو الفرق بين القائلين بالجزئيّة وبين القائلين بعدم الجزئيّة.

وهناك فرقٌ فقهيٌ آخر: وهو في صلاة الآيات مثلاً، صلاة الآيات ركعتان بعشر ركوعات، كلّ ركعةٍ فيها خمسة ركوعات، يقولون: يجوز لك أنْ تفرّق سورة على الرّكوعات، كيف؟

قبل الرّكوع الأوّل تقرأ الفاتحة، بعد أنْ تقرأ الفاتحة تبدأ تقسّط سورة، تأخذ لك سورة وتقسّطها على الرّكوعات الباقية بحيث كلّ ركوع يكون منه آية من سورة، فمثلاً: بعد أنْ تقرأ سورة الفاتحة تأخذ مثلاً ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون : 1]، ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ آية، ﴿لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [الكافرون : 2] آية، ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ آية، وهكذا، كلّ آية تجعلها إلى ركوع، هل يمكن أنْ تجعل البسملة وحدها إلى ركوع بأنْ تقرأ الفاتحة، بعدما تنتهي من الفاتحة تقول: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وتركع من دون أنْ تقرأ آية أخرى؟ هذا على نفس الخلاف:

1/ إذا قلنا بأنّ البسملة جزءٌ من السّورة يجوز لك أنْ تقرأ البسملة وتكتفي بها وتركع من دون حاجة أنْ تقرأ آية معها، لأنّها هي بنفسها آية من السّورة.

2/ أمّا إذا قلنا بأنّه لا - كما هو رأي السّيّد السّيستاني - مجرّد أمرٍ واجبٍ ليس إلا، فلا يجوز لك أنْ تقتصر عليها، إذا أردت أنْ تقرأ آية من سورةٍ معيّنةٍ تقرأ البسملة وتقرأ معها آية أخرى من سورةٍ معيّنةٍ، ولا يجوز لك الاكتفاء بالبسملة من دون ضمّ آيةٍ أخرى إليها.

إذن الخلاف بين فقهاء الإماميّة: المشهور منهم ذهب إلى أنّ البسملة جزءٌ من كلّ سورةٍ، ولذلك يجب تعيينها قبل الشّروع في السّورة، ولذلك يجوز الاكتفاء بها في صلاة الآيات، وهناك مجموعة من الفقهاء المعاصرين منهم - منهم السّيّد السّيستاني دام ظله - يقول: لا، البسملة ليست جزءًا، لكنها واجبٌ، فلذلك لا يجب تعيينها للسّورة ولا يجوز الاكتفاء بها في صلاة الآيات، هذا هو الدّليل الأوّل الذي أقام عليه السّيّد السّبزواري قدّس سرّه على أنّ البسملة جزءٌ من كلّ سورةٍ.

الدّليل الثاني: بعض الرّوايات.

مثلاً: صحيحة ابن عمّار قال: قلتُ لأبي عبد الله «الصّادق عليه السّلام»: إذا قمتُ للصّلاة أقرأ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في فاتحة الكتاب «يسأل الإمام: أقرأ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في فاتحة الكتاب»؟ قال: نعم، قلتُ: فإذا قرأتُ فاتحة القرآن أقرأ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مع السّورة؟ قال: نعم.

السّيّد السّبزواري استفاد منها يعني أنّ الإمام أمضى كلامَ السّائل، السّائل قال له: إذا فرغتُ من الفاتحة أقرأ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مع السّورة؟ الإمام قال: نعم، يعني: اقرأها، فالإمام أمضى ما سأله السّائل، والسّائل لم يكن يسأل عن الجواز، يعني: هل يجوز لي أنْ اقرأ البسملة؟! الجواز معلومٌ، معلومٌ بالضّرورة بين المسلمين يجوز قراءة البسملة لأنّها ذكرٌ قرآنيٌ فيجوز قراءتها، فالسّؤال ليس عن الجواز، وليس السّؤال عن الاستحباب لأنّ معاوية بن عمّار من أجلاء الأصحاب ويعرف أنّ الذكر القرآني مستحبٌ، لا معنى لِأنْ يسأل عنه، إذن ما يسأل عنه هو الوجوب: هل يجب أنْ أقرأ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مع السّورة أم لا يجب؟ الإمام قال: نعم، يجب عليك أنْ تقرأ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مع السّورة.

هذا هو استدلال السّيّدين السّيّد السّبزواري والسّيّد الخوئي قدّس سرّهما، السّيّد السّبزواري في المهذب، والسّيّد الخوئي في كتابه «البيان في تفسير القرآن»، السّيّد السّيستاني يناقِش هذا الاستدلال، يقول:

أوّلاً: هذه الرّواية معارَضة بروايةٍ أخرى، وهي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السّلام سأله عمّن يقرأ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حين يريد أنْ يقرأ الفاتحة، قال: ”نعم، إنْ شاء سرًا وإنْ شاء جهرًا“، فقال: أيقرؤها مع السّورة الأخرى «يعني: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هل يقرؤها مع السّورة الأخرى»؟ قال: لا.

الإمام يقول: لا، إذن الرّوايتان متعارضتان، تلك الرّواية تقول: نعم، يقرؤها مع السّورة الأخرى، هذه الرّواية الثانية تقول: لا، لا يقرؤها مع السّورة الأخرى، فإذا كان السّؤال عن الوجوب، تلك تقريرٌ للوجوب، هذه تقريرٌ لعدم الوجوب، وإذا تعارضت الرّوايتان من حيث المدلول لم يصح الاستناد إلى أيٍ منهما، تعارضتا فتساقطتا فيُرْجَع إلى الأصول العامّة.

السّيّد السّبزواري قال: لا، هذه الرّواية الثانية - صحيحة الحلبي - صحيحٌ هي صحيحة والإمام قال فيها: لا، يعني: ليس ضروريًا أنْ يقرأ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مع السّورة، ولكنّها محمولة على التقيّة، لِمَ؟

لأنّ علماء العامّة - يعني: علماء أهل السّنة - في زمان النص اتفقوا على أنّه لا تجب البسملة، علماء العامّة قالوا: البسملة غير واجبة، ولأجل أنّ جمهور علماء السّنة في زمن الأئمة كانوا يرون أنْ البسملة لا تجب قراءتها فالإمام تمشيًا مع رأي الجمهور في ذلك الوقت صدرت منه هذه الرّواية، فهذه الرّواية صادرة على سبيل التقيّة ولا يمكن أنْ يُعْتمد عليها.

هذا الرّأي الذي أفاده السّيّد السّبزواري قدّس سرّه نحن إذا نرجع إلى كتب أهل السّنة نجد لا، أنّ أهل السّنة أيضًا مختلفون، حتى أهل السّنة مختلفون، لم يتفقوا على أنّ البسملة ممّا لا يجب قراءتها أو ممّا ليست جزءًا، لاحظوا ما ذكره السّيّد الخوئي في كتابه «البيان في تفسير القرآن، صفحة 467» نقل، قال: ذهب ابن عبّاس وابن المبارك وأهل مكّة كابن كثير وأهل الكوفة كعاصم والكسائي وغيرهما ما سوى حمزة وذهب إليه أصحاب الشافعي وجزم به قرّاء مكّة والكوفة وحُكِيَ عن ابن عمر وابن الزبير وأبي هريرة وعطاء وطاووس وسعيد بن جبير ومكحول والزهري وأحمد بن حنبل في بعض الرّوايات عنه وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد القاسم بن سلام ونقله البيهقي عن الثوري ومحمد بن كعب واختاره الرّازي في تفسيره ونسبه إلى قرّاء مكّة والكوفة وأكثر فقهاء الحجاز واختاره أيضًا جلال الدّين السّيوطي مدعيًا التواتر عليه، كلهم اتفقوا على أنّ البسملة جزءٌ من كلّ سورةٍ، هؤلاء كلهم علماء العامّة، كلّ هؤلاء من علماء العامّة وهذا ينقل عنهم أنّهم اتفقوا على أنّ البسملة جزءٌ من كلّ سورةٍ، ذكره الآلوسي والشّوكاني وابن كثير وابن الخازن والسّيوطي في كتابه الإتقان، كلهم ذكروا ذلك في تفسيراتهم أنّ كثيرًا من علماء السّنة ذهبوا إلى نفس هذا الرّأي الذي ذهب إليه كثيرٌ من علماء الشّيعة وهو أنّ البسملة جزءٌ من كلّ سورةٍ، فكيف نحمل الرّواية على التقيّة مع وجود الكثير من علماء العامّة ومن المعاصرين للإمام عليه السّلام كانوا ممّن يقولون بجزئيّة البسملة من كلّ سورةٍ؟! إذن فحمل الرّواية على التقيّة غير تام، ولذلك نقول بأنّ الرّوايتين متعارضتان.

ثانيًا: لعلّ هذه الرّواية عندما تقول: فإذا قرأتُ فاتحة القرآن أقرأ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مع السّورة؟ لعلّ السّؤال عن الجواز وليس السّؤال عن الوجوب، هو يسأل: هل يجوز لي ذلك أم لا؟ لِمَ؟

لأنّه لمّا عرف معاوية بن عمّار أنّ بعض علماء السّنة ممّن لا يرى ذلك كمالك، مالك كان ينهى عن قراءة البسملة مع السّورة، المعروف من مذهب مالك هو النهي عن قراءة البسملة مع كلّ سورةٍ، ومالك كان مثلاً معاصرًا للإمام عليه السّلام؛ لأنّه كان في المدينة وكان معاصرًا للإمام عليه السّلام، فلعلّ معاوية بن عمّار سمع فتوى مالك فسأل الإمامَ عليه السّلام، يعني أنّ ما أفتى به مالك من النهي عن قراءة البسملة مع كلّ سورةٍ صحيحٌ أم ليس بصحيح؟ هل أقرأ البسملة مع سورة؟ يعني يعرّض بفتوى مالك، يشير إلى فتوى مالك، أنّ مالك ينهى عن ذلك، نحن هل هذه الفتوى عندنا صحيحة أم لا؟ الإمام يقول له: لا، لا عبرة بفتوى مالك، اقرأها مع السّورة، فالسّؤال كان عن الجواز ولم يكن السّؤال عن الوجوب، هذه هي المناقشة الثانية للاستدلال بالرّواية.

المناقشة الثالثة: سلّمنا أنّ الرّواية - هذه الصّحيحة ألا وهي صحيحة معاوية بن عمّار - تدلّ على الوجوب، آمنا بالله، نحن أيضًا نقول بالوجوب، لكنّ الوجوب شيءٌ والجزئيّة شيءٌ آخر، هذه الرّواية صحيحة معاوية بن عمّار: فإذا قرأتُ فاتحة الكتاب أقرأ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مع السّورة؟ لم يقل: هل ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جزءٌ من السّورة؟ لم يسأل عن الجزئيّة، سأله عن الوجوب، الإمام أمضى الوجوب، قال: نعم واجب، وجوب قراءة البسملة مع كلّ سورةٍ هذا نسلم به ولكنّ جزئيتها من السّورة هذا هو محلّ الكلام ومحلّ الخلاف والبحث، إذن هذه هي المسألة الفقهيّة الأولى التي أردنا التعرّض لها، وهي ممّا يرتبط بآية البسملة.

المسألة الفقهيّة الثانية:

وصلنا إلى قوله تعالى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وهناك قراءتان: «مَالِك» و«مَلِك»، «مَالِك يوم الدّين» و«مَلِك يوم الدّين»، هناك قراءتان، الآن نحن نبحث بحثًا فقهيًا: هل يجوز القراءة بكلا القراءتين «يعني: يجوز للمصلي أنْ يقرأ في صلاته مَالِك ويجوز له أنْ يقرأ مَلِك»؟

سيّدنا الخوئي قدّس سرّه تعرّض لهذه المسألة وقال: نعم يجوز قراءة «مَالِك»، يجوز قراءة «مَلِك»، السّيّد السّيستاني أيضًا في المنهج، والشّيخ التبريزي أيضًا، ذهبوا إلى هذا الرّأي: يجوز قراءة كلا اللفظين: «مَالِك» و«مَلِك»، السّيّد السّبزواري هنا في المهذب نقل، قال بأنّ «مَالِك» قراءة البعض و«مَلِك» قراءة بعضٍ آخر، قال: «مَالِك» قراءة عاصم والكسائي من القرّاء السّبعة، و«مَلِك» قراءة بقيّة القرّاء السّبعة، فإذن القرّاء السّبعة اختلفوا بين قراءة «مَالِك» وقراء «مَلِك»، ولكنّ صاحب العروة نقل رواية عن الإمام زين العابدين سلام الله عليه أنّه قرأ «مَالِك» ولم يقرأ «مَلِك»، والسّيّد السّبزواري أيضًا نقل هذه الرّواية في «المهذب، صفحة 369 من الجزء السّادس»: كان علي بن الحسين عليه السّلام إذا قرأ ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يكرّرها حتى يكاد أنْ يموت، إلى آخر الرّواية.

المسألة في أنّه هذا أيضًا بحث فقهيٌ، المشهور بين فقهائنا أنّه يجوز قراءة «مَالِك» وقراءة «مَلِك»، والسّيّد الإمام الخميني قدّس سرّه استشكل في ذلك وقال: الظاهر جواز قراءة «مَالِك»، وأمّا قراءة «مَلِك» فمحلّ تأمّلٍ، يعني: مقتضى الاحتياط ألا يقرأ الإنسان ب «مَلِك»، بل يقتصر على قراءة «مَالِك»، ما هو الدّليل على جواز كلا القراءتين؟

الدّليل على جواز كلا القراءتين:

السّيّد الخوئي في كتابه «البيان في تفسير القرآن» قال بأنّه هناك دليلان يمكن الاستناد إليهما:

الدّليل الأوّل: أنْ يدّعى تواتر القراءات، يعني أنّ هذه القراءات السّبعة الذي قرأ «مَالِك» والذي قرأ «مَلِك» هذه القراءات متواترة عن النبي ، يعني: بما أنّ القرآن متواترٌ فالقراءات متواترة، القرآن طبعًا متواترٌ، هذا القرآن الذب بين أيدينا بين الدّفتين متواترٌ منذ عصر النبي محمّدٍ إلى عصرنا هذا، بما أنّ القرآن متواترٌ إذن فقراءاته متواترة، فقراءة «مَلِك» متواترة وقراءة «مَالِك» متواترة، إذن يجوز القراءة بكلتا القراءتين، لكنّه بنفسه قدّس سرّه ناقش في هذا الدّليل وقال: لا دليل على تواتر القراءات، لِمَ؟

لأنّ هذه القراءات نُقِلَت بأخبار الآحاد، يعني: عاصم والكسائي عندما يقرأ «مَالِك» ينقل قراءته بخبر آحاد عن فلان عن فلان عن مثلاً أحد الصّحابة أو أحد القريبين من النبي ، فنفس القرّاء نقلوا قراءاتهم بأخبار الآحاد، فكيف تعدّ متواترة والحال بأنّ القرّاء أنفسهم إنّما نقلوا بأخبار الآحاد؟! هذا أوّلاً.

ثانيًا: الخلاف بين القرّاء، القرّاء أيضًا اختلفوا، تنازعوا، والدّولة تدخلت في ذلك الوقت بين القرّاء، اختلاف القرّاء واحتجاج كلّ قارئ على صحّة قراءته بالأدلة والبراهين مقابِل القارئ الآخر هذا بنفسه دليلٌ على أنّ القراءات غير متواترة، لو كانت القراءات متواترة عن النبي لما احتجّ كلّ واحدٍ على الآخر بصحّة قراءته دون القراءة الأخرى، لما حصل الخلاف والنزاع واضطر كلّ واحدٍ إلى أنْ يلغي قراءة الآخر بأدلته وبراهينه، لو كان الجميع متواترًا عن النبي ، إذن نفس الخلاف بين القرّاء واحتجاج كلّ واحدٍ على صحّة قراءته ببعض البراهين على الآخر هذا دليلٌ ومنبّهٌ على عدم تواتر هذه القراءات عن النبي المصطفى .

ولذلك صرّح أبو شامة في كتابه «المرشد الوجيز» وصرّح ابن الجزري كما ذكر في كتاب «النشر في القراءات العشر، الجزء الأوّل صفحة 9» صرّحوا بعدم تواتر القراءات، وكذلك السّيوطي في كتابه «الإتقان، الجزء الأوّل، صفحة 129» صرّحوا أيضًا بعدم تواتر القراءات عن النبي المصطفى .

فلا ملازمة بين تواتر القرآن وتواتر القراءات، أصل القرآن، أصل المادّة القرآنيّة متواترة عن النبي، أمّا كيفية قراءة هذه المادّة «مَالِك» أو «مَلِك» لم تتواتر عن النبي، أصل المادّة «ميم، لام، كاف» أصل المادّة متواترة عن النبي، أمّا كيفيّة قراءة هذه المادّة ب «مَالِك» أو ب «مَلِك» هذا ليس أمرًا متواترًا عن النبي ولا ملازمة بين الأمرين، إذن هذا الدّليل - وهو دعوى تواتر القراءات - غير تام.

الدّليل الثاني الذي استدلّ به سيّدنا الخوئي قدّس سرّه وارتضاه «ارتضى هو هذا الدّليل» قال: لقد ثبت قطعيًا تقرير المعصومين عليهم السّلام «يعني: عن الأئمة المعصومين» تقرير المعصومين عليهم السّلام شيعتهم على القراءة بأيّ واحدةٍ من القراءات المعروفة في زمانهم ولم يرد عنهم أنّهم ردعوا عن بعضها، يعني: الأئمة كانت هناك قراءات معروفة في زمانهم، كانوا في زمانهم يقرؤون «مَالِك» وكانوا يقرؤون «مَلِك»، كانت القراءتين متعارفتين في زمان الأئمة، والأئمة ما ردعوا عنها، ما قالوا لشيعتهم: لا تقرؤوا «مَالِك»، سكتوا، سكوت الأئمة عن الرّدع مع أنّ هذه القراءات كانت متعارفة في أزمنتهم إمضاءٌ لهذه القراءات وتقريرٌ لها، فيجوز القراءة بها في الصّلاة، بل ليس فقط لم يردعوا، بل ورد عنهم الإمضاء كما في هذه الرّواية عن الإمام الصّادق عليه السّلام: ”اقرؤوا كما يقرأ الناس“، يعني: مثلما تروا الناس يقرؤون القرآن أنتم اقرؤوا مثلهم، ”اقرؤوا كما يقرأ الناس“، اقرؤوا كما عُلِمْتُم «يعني: من قِبَلِ الناس».

إذن فحينئذٍ يقول السّيّد الخوئي: نحن لا ندور مدار قراءات سبعة أو قراءات عشرة، نحن نقول: كلّ قراءةٍ كانت متعارفة في زمن أهل البيت عليهم السّلام ولم يردع الأئمة عنها فيجوز القراءة بها في الصّلاة، لذلك يجوز القراءة «مَالِك» ويجوز القراءة ب «مَلِك» بينما لا يجوز القراءة ب «مَلَك»، أبو حنيفة قرأ «مَلَك»، «مَلَك يوم الدّين»، يقول: هذه لا يجوز القراءة بها لأنّها لم تكن متعارفة في أزمنة الأئمة عليهم السّلام.

هذا هو استدلال سيّدنا قدّس سرّه على جواز القراءة ب «مَالِك» وب «مَلِك»، ولكن يمكن التأمّل في ذلك:

أوّلاً: بأنّه ما أمضاه الأئمة عليهم السّلام - يعني: لم يردعوا عنه - هو القراءة المشهورة بين المسلمين، القراءة المشهورة هي التي تعلق بها الإمضاء وعدم الرّدع، وكذلك قوله.. الرّواية وإنْ كانت ضعيفة السّند، لكن بناءً على تماميّتها: ”اقرؤوا كما يقرأ الناس“ يعني: اقرؤوا ما يقرؤه أغلب الناس لا ما يقرؤه بعض الناس، ”اقرؤوا كما يقرأ الناس“ إنّما تصدق وتنصرف لما يقرؤه الأغلب المشهور بين الناس، هذا هو الأمر الأوّل: أنّ محط الإمضاء هو القراءة المشهورة، القراءة الغالبة، لا كلّ قراءة كانت موجودة في أزمنة الأئمة عليهم السّلام، هذا أوّلاً.

وثانيًا: هناك نكتة يذكرها السّيّد الصّدر في كتابه الاستقراء، دليل حساب الاحتمالات، الأسس المنطقيّة للاستقراء، في دليل حساب الاحتمالات يُفَرَّقُ بين الأمور الموروثة وبين الأمور المتغيّرة، الأمور تنقسم إلى:

1/ أمورٍ موروثةٍ.

2/ وأمورٍ متغيّرةٍ.

العادات أمورٌ متغيّرة، قد تختلف الأجيال، جيلنا له عادات معيّنة، وجيل ما قبل مئة سنة له عادات أخرى، وجيل ما قبل مئتي سنة له عاداتٌ أخرى، العادات والأعراف ليست من الموروث، العادات والأعراف ممّا تتغيّر بتغيّر الأجيال لأنّها خاضعة لأساليب التطوّر الحضاري، عوامل التطوّر الحضاري تفرض تغيّر العادات والأعراف بين كلّ جيلٍ وآخر، ولذلك ورد عن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه: ”لا تقصروا أولادكم على آدابكم“ «آدابكم» ليس المقصود الآداب الإسلاميّة، المقصود بالآداب: العادات والأعراف، ”لا تقصروا أولادكم على آدابكم - يعني: على عاداتكم وأعرافكم - فإنّهم خلقوا لزمان غير زمانكم“، الأعراف تتغيّر، العادات تتغيّر من زمنٍ إلى آخر.

وهناك أمورٌ موروثة، الأمور الموروثة هي المواقف الشّرعيّة، هي المواقف القانونيّة، يعني: عندنا قانونٌ من زمن النبي إلى زمننا هذا، موقف المسلمين من هذا القانون هذا ليس أمرًا يتغيّر، هذا غالبًا يكون موروثًا، يعني: كلّ جيلٍ يتلقى الموقفَ من الجيل الذي قبله، مثل القرآن الكريم الآن، نحن القرآن الكريم كيف ورثناه؟ ورثناه كلّ جيل يتلقى هذا القرآن من الجيل الذي قبله، فالمواقف الشّرعيّة والمواقف القانونيّة من الأمور الموروثة، يعني: من الأمور التي يتلقى كلّ جيلٍ إياها عن الجيل السّابق، فاحتمال أنّها تغيّرت - يعني: احتمال أنّ الموقف الشّرعي في زماننا نحن غير الموقف الشّرعي فيما قبل مئة سنة، غير الموقف ما قبل مئتي سنة - هذا احتمال جدًا ضئيلٌ لا يعتني به العقلاء، عادة المواقف الشّرعيّة تكون أمورًا موروثة يتلقاها كلّ جيلٍ من الجيل الذي قبله، هذا هو الأمر الثاني الذي أردنا بيناه.

الأمر الثالث: هذه قراءة القرآن من الأمور الموروثة؛ لأنّها داخلة ضمن المواقف الشّرعيّة، هذا قرآنٌ كان موجودًا في زمن النبي، وكان موجودًا في زمن أهل البيت، وكان يُقْرَأ بقراءةٍ معيّنةٍ لا ندري تلك القراءة التي كانت مشهورة، لازم تصير القراءة مشهورة كما ذكرنا في الأمر الأوّل، تلك القراءة المشهورة في زمان أهل البيت هل هي قراءة «مَالِك» أو قراءة «مَلِك»؟ نحن لا ندري ”اقرؤوا كما يقرأ الناسُ“ يعني: ما يقرؤه مشهور الناس، ما أمضاه الأئمة ما يقرؤه المشهور، نحن لا ندري المشهور ما هو، ما هو المشهور في زمان أهل البيت: قراءة «مَالِك» أو قراءة «مَلِك»، من أين نعرف؟

لا طريق لنا إلا ملاحظة الجيل الذي نحن فيه، إذا رأينا أنّ الجيل الذي نعيش فيه - يعني: المسلمون المتديّنون المتشرّعون في زماننا - يقرؤون بقراءةٍ معيّنةٍ، المسلمون المتشرّعون، المشهور بين المسلمين المتشرّعين في زماننا هو قراءة «مَالِك» وليس قراءة «مَلِك»، بما أنّ المشهور في زماننا هو هذا فهذا كاشفٌ عن كون المشهور بين الأجيال السّابقة هو هذا أيضًا؛ لأنّ هذه الأمور من الأمور الموروثة التي يتلقاها الجيلُ اللاحق عن الجيل السّابق، بما أنّ المشهور في زماننا هو قراءة «مَالِك» فهذا منبّهٌ وقرينة ومشيرٌ على أنّ المشهور في الأجيال اللاحقة هو أيضًا قراءة «مَالِك»، ولأجل ذلك نقول: القدر المتيقن ممّا يجوز القراءة به هو قراءة «مَالِك»، وأمّا قراءة «مَلِك» كما أفاد السّيّد الإمام قدّس سرّه محلّ تأمّلٍ باعتبار أنّها لا نحرز أنّها قراءة مشهورة في أزمنة الأئمة عليهم السّلام حتى يشملها الإمضاء وتشملها النصوص الواردة عن أهل البيت عليهم السّلام، هذا بحث فقهيٌ ذكرنا ما يقتضيه كلّ نظرٍ من أنظار الفقهاء في هذا البحث.

ندخل الآن في بحث الصّوم:

1- وصلنا إلى هذه المسألة: كفارة الصّوم تجب بتعمّد شيءٍ من المفطرات، إذا كان الصّوم ممّا تجب فيه الكفارة مثل صوم شهر رمضان، مثل صوم القضاء بعد الزّوال، قضاء شهر رمضان بعد الزّوال يصير كشهر رمضان، مثل الصّوم المنذور المعيّن، تعمّد شيءٍ من المفطرات - يعني مَنْ أكَلَ أو شَرِبَ متعمّدًا - في نهار رمضان أو في قضاء رمضان بعد الزّوال أو في الصّوم المنذور المعيّن كما لو نذر صوم يوم معيّن كيوم الغدير أو يوم الجمعة وتناول فيه شيئًا من المفطر عمدًا فإنّ عليه الكفارة، طبعًا هنا السّيّد السّيستاني يختلف عن السّيّد الخوئي، السّيّد الخوئي يقول: تعمّد شيْءٍ من المفطرات، يعني: أيّ مفطرٍ تتعمده عليك فيه الكفارة، السّيّد السّيستاني يقول: لا، فقط أربعة: أكل، شرب، الجماع، والاستمناء، الأكل والشّرب واحد، الجماع اثنين، الاستمناء ثلاثة، البقاء على الجنابة من الليل إلى طلوع الفجر، هذه الأربعة إذا تعمّدها يكون عليه الكفارة، وأمّا ما سواها فلا دليل على ثبوت الكفارة عليه، مثلاً: لو أدخل الغبارَ الغليظ إلى جوفه عمدًا لا تثبت عليه الكفارة، أو تعمدّ القيء، تقيّأ عمدًا، صومه باطلٌ أمّا ثبوت الكفارة عليه غير معلوم، ثبوت الكفارة فقط في أربعةٍ من المفطرات، السّيّد الخوئي يقول: لا، جميع المفطرات إذا أفطر متعمّدًا عليه الكفارة.

2- والظاهر اختصاص وجوب الكفارة بمن كان عالمًا بأنّ ما يرتكبه مفطرٌ، إذا يدري أنّ الجماع مفطرٌ أو الاستمناء مفطرٌ ويرتكبه تثبت عليه الكفارة، وأمّا إذا كان جاهلاً به، يدري أنّه مثلاً الاستمناء مثلاً، يدري بأنّه هنا صوم، اليوم يوم صوم، اليوم يوم رمضان، لكن ما يدري أنّ الجماع مفطرٌ، أو ما يدري أنّ الاستمناء مفطرٌ، هذا لا تجب عليه الكفارة وإنْ كان صومه باطلاً، حتى إذا كان مقصّرًا، جاهلٌ مقصّرٌ، يعني: ما تعلم تقصيرًا منه، إذا ما يدري أنّ هذا الأمر مفطرٌ لا تثبت عليه الكفارة.

السّيّد الخوئي يقول: نعم إذا كان عالمًا بحرمة ما يرتكبه وجبت الكفارة، مثلاً: الاستمناء، بعضهم ما يدري الاستمناء «العادة السّرّيّة مثلاً» ما يدري العادة السّرّيّة مفطرٌ لكنْ يدري أنّها حرامٌ، يدري أنّ العادة السّرّيّة حرامٌ لكن ما يدري أنّها مفطرٌ فيرتكبها، يقوم بها، إذا ارتكب العادة السّرّيّة وهو يعلم بأنّها حرامٌ ولكن لا يدري أنّها مفطرٌ السّيّد الخوئي يقول: تجب الكفارة عليه، مادام يدري أنّها حرامٌ تجب الكفارة عليه.

السّيّد السّيستاني يقول: لا، لا تجب الكفارة، لابدّ أنْ يعلم أنّها مفطرٌ، إذا لم يعلم بأنّها مفطرٌ حتى لو كان يعلم بحرمتها لا تجب عليه الكفارة.

3- كفارة إفطار يوم من شهر رمضان مخيّرة بين عتق رقبة وبين صوم شهرين متتابعين وبين إطعام ستين مسكينًا، لكلّ مسكين مدٌ، يعني: كيلو إلا ربع تقريبًا، ثلاثة أرباع الكيلو تقريبًا، وأمّا كفارة قضاء شهر رمضان لو أفطر متعمّدًا بعد الزّوال في قضاء شهر رمضان فكفارته إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدٌ، يعني: كيلو إلا ربع من الطعام، فإنْ لم يتمكن من إطعام عشرة مساكين يصوم ثلاثة أيام، وكفارة إفطار الصّوم المنذور هي كفارة اليمين، لو إنسان حلف يمينًا وخالف يمينه، قال: واللهِ أنا ما أفعل كذا، واللهِ ما أزور فلان، واللهِ مثلاً ما أقعد في مجلس فلان.. ثم خالف يمينه، كفارة مخالفة اليمين هي مخالفة الإفطار في الصّوم النذري، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدٌ من الطعام أو كسوة عشرة مساكين، عشرة ثياب، ليست عشرة وزرة! ربّما واحدٌ يعطيهم وزرة! يقسّم عليهم وزرة! لا، كسوتهم يعني ثياب، يعني عشرة ثياب يعطيها لعشرة مساكين، فإنْ عجز صام ثلاثة أيام، إذا ما يقدر لا يطعم عشرة ولا يكسو عشرة يصوم ثلاثة أيام.

4- تتكرّر الكفارة بتكرّر الموجِب في يومين لا يوم واحد، يعني: اليوم أكل ويوم ثاني أيضًا أكل تصير عليه كفارتين، أمّا لو أكل في اليوم عشر مرّات عليه كفارة واحدة، لا تتكرّر الكفارة بتكرّر المفطر إلا في يومين لا في يوم واحد، السّيّد الخوئي يقول: إلا في الجماع والاستمناء فإنّها تتكرّر بتكرّرها، لو جامع مرتين في يوم واحد تتكرّر الكفارة، لو جامع عشرًا تتكرّر عشرًا مثلاً، أو الاستمناء - والعياذ بالله - مثلاً يقوم به لعدّة مرّات تتكرّر الكفارة بتكرّره، أمّا السّيّد السّيستاني يقول: لا، الجماع لا يوجد فرقٌ لا في الجماع ولا في غيره، لا تتكرّر الكفارة بتكرّر المفطر إلا في يومين، حتى لو كان المفطر جماعًا، حتى لو كان المفطر استمناءً، لا فرق بين الجماع والاستمناء وغيرهما من المفطرات.

5- وإذا عجز، ما يقدر يكفر بأيّ شيءٍ: لا يستطيع صوم شهرين، لا يستطيع إطعام ستين مسكينًا، لا توجد رقبة حتى يعتقها، ماذا يفعل؟ فالأحوط أنْ يتصدّق بما يطيق، بما يستطيع أنْ يتصدّق به يتصدّق، ويضمّ إليه الاستغفار، يستغفر الله تعالى، وإذا تمكّن فيما بعد، صار غنيًا وقدر أنْ يطعم ستين مسكينًا، هل يجب عليه أنْ يطعم ستين مسكينًا مع أنّه تصدّق في وقته؟ هل يجب عليه؟

السّيّد الخوئي يقول: الأحوط وجوبًا أنْ يكفر إذا تمكّن، السّيّد السّيستاني يقول: لا، ما يحتاج، إذا تصدّق بما يطيق وضمّ إليه الاستغفار فلا حاجة إلى أنْ يكفر بعد ذلك وإنْ تمكنّ من التكفير.

6- يجب في الإفطار على الحرام كفارة الجمع والعياذ بالله، لو أفطر بالزنا، أو أفطر بالاستمناء، الاستمناء حرامٌ، العادة السّرّيّة حرامٌ، لو أفطر بالعادة السّرّيّة السّيّد الخوئي يقول: عليه ثلاث كفارات، يجمع بين الخصال الثلاث، يعني: يعتق رقبة، وأيضًا يطعم ستين مسكينًا، وأيضًا يصوم شهرين متتابعين، يعني: يجمع بين الخصال الثلاث، يجمع في الإفطار على الحرام كفارة الجمع بين الخصال الثلاث، السّيّد السّيستاني يقول: لا، لا فرق بين الإفطار على الحرام والإفطار على الحلال، إذا أفطر عليه كفارة واحدة، وإنْ كان الإفطار على محرّم.

7- إذا أكره زوجته على الجماع في شهر رمضان فالأحوط وجوبًا أنّ عليه كفارتين: كفارة عنه وكفارة عن زوجته، وتعزيرين: خمسين صوتًا، خمسة وعشرين عنه، وخمسة وعشرين عن زوجته، فيتحمّل عنها الكفارة والتعزير، ولا فرق بين الزوجة الدّائمة والزوجة المنقطعة، مثلاً: كان عنده زوجة متعة وأكرهها على الجماع.

8- لكن لو بالعكس، هي أكرهته، إذا هي قدرت عليه وأكرهت على الجماع هل تتحمّل عنه؟ لا، لا تتحمّل، هي يعني يُرْأف بها، رفقًا بالقوارير، إذا هي أكرهتَ الزوجَ على الجماع الزوج ما عليه شيءٌ لأنّه مكرهٌ مسكينٌ، فهو ليس عليه شيءٌ لا كفارة ولا تعزير، ولكنها هي تدفع كفارة وتُعَزَّرُ بخمسة وعشرين فقط، هذا نظر السّيّد الخوئي، السّيّد السّيستاني يقول: لا، التعزير صحيحٌ إذا أكره زوجته يدفع كفارتين، ولكن التعزير ليس من اللازم خمسين، شيءٌ يقرّره الحاكم الشّرعي، الحاكم الشّرعي هو الذي يقرّر العددَ كم، يجلده خمسين، يجلده عشرين، يجلده سبعين.. على كيفه، الحاكم الشّرعي هو الذي يقرّر، لو قرّر أنْ يجلده مئة ما يخالف، لو قرّر أنْ يجلده عشرة ما يخالف، الأمر راجعٌ للحاكم الشّرعي هو يقرّر عدد التعزير بما يريد.

اللهم صلِّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ، اللهم بالزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسّرّ المستودع فيها، اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وكفر عنا سيّئاتنا، وتوفنا مع الأبرار..