تفسير سورة الفاتحة 9

تحرير المحاضرات

أعوذ بالله من الشّيطان الغويّ الرّجيم

﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [1] 

صدق الله العليّ العظيم

وصل بنا الحديث حول سورة الفاتحة إلى الوجوه التي لبيان وجه اختصاص المالكيّة بيوم الدّين مع أنّه تبارك وتعالى مالكٌ لكلّ شيءٍ، فلماذا خصّ المالكيّة في الآية المباركة بيوم الدّين؟

ذكرنا فيما مضى بعضَ الوجوه ووصل الكلام إلى الوجه الأخير، وهذا الوجه يتوقف بيانه على ذِكْر مقدّمتين:

المقدّمة الأولى:

أنّ هناك بحثًا في علم الكلام، وهذا البحث هو: ما هي الحكمة وما هي الغاية في العقاب الأخروي؟

العقاب الدّنيوي - يعني: إذا عاقب الإنسانُ ولدَه مثلاً أو عاقبت الدّولة المجرمين مثلاً - العقاب الدّنيوي له دوافعُ وله غاياتٌ:

1/إمّا أنْ يكون العقاب الدّنيوي بدافع التأديب، يعني: أنا أعاقب العاصي على عصيانه لكي يتأدّب فلا يعود للمعصية مرّة أخرى.

2/ وإمّا أنْ يكون الدّافع للعقاب الدّنيوي ردع الآخرين، مثلاً: لو قتل شخصٌ شخصًا فالقاتل يُقْتَل لا لأجل تأديبه لأنّه سيُقْتَل فلا مجال لتأديبه، ولكنّ قتله ردعٌ للآخرين عن الإقدام على جريمة القتل.

3/ وإمّا أنْ يكون الدّافع للعقاب هو التشفي، كما لو مثلاً اعتدى إنسانٌ على إنسانٍ فالإنسان الآخر عاقبه «المعتدى عليه عاقب المعتدي» تشفيًا وبدافع الانتقام والتشفي.

إذن العقاب إمّا بداعي التأديب، وإمّا بداعي الرّدع، وإمّا بداعي التشفي والانتقام، فما هو وجه عقابه تبارك وتعالى؟ الله تبارك وتعالى لماذا يعاقب العصاة في الآخرة؟ لماذا يعاقب العاصين في الآخرة؟

من أجل التأديب؟! لا معنى للتأديب في الآخرة، هم الآن صاروا في الآخرة والآخرة دار جزاءٍ وليست دار عملٍ كما ورد في الحديث: ”اليوم عملٌ ولا جزاء، وغدًا جزاءٌ ولا عمل“، دار الآخرة دار الجزاء، فلا معنى للتأديب، «أنّ الله يعاقب العاصين في الآخرة تأديبًا لهم» لا معنى للتأديب لأنّ دار العمل قد انتهت.

ولا معنى للرّدع؛ لأنّ دار العمل قد انتهت أيضًا، لا معنى لِأنْ يقال: الله يعاقب العاصين يومَ الآخرة حتى يرتدع غيرهم! يرتدع غيرهم عن ماذا؟! انتهت دار الدّنيا وانتهت دار العمل ووصل الجميعُ إلى جزائه إمّا جنة وإمّا نارًا، إذن لا يتصوّر في العقاب الأخروي أنْ يكون بدافع التأديب ولا يتصوّر في العقاب الأخروي أنْ يكون بدافع الرّدع للآخرين لأنّه لا مجال للتأديب والرّدع بعد أنْ انتهت دار العمل وهي دار الدّنيا.

كما لا يتصوّر أنْ يكون عقابه تبارك وتعالى للناس بدافع الانتقام والتشفي، الله ينتقم من الناس؟! لا حاجة له، الذي يتشفى وينتقم من الآخرين هو المحتاج، يعني: الشخص عندما يُعْتَدَى عليه يُصَاب بحالةٍ غضبيّةٍ ويصاب بحالة رد فعل، هذه الحالة الغضبيّة إذا سيطرت على مشاعره وعلى أحاسيسه يقوم بردّ الفعل فينتقم ويتشفى من الآخرين، التشفي والانتقام من مظاهر الغضب والانفعال وردّ الفعل، والله تبارك وتعالى لأجل غناه ولأجل عدم حاجته ليس مَعْرَضًا للانفعال وردّ الفعل حتى يعاقب الآخرين بدافع التشفي وبدافع الانتقام.

إذن لماذا يعاقب العاصين؟ لا للتأديب ولا للرّدع ولا لأجل التشفي والانتقام، فما هو وجه عقابه للعصاة؟ ما هو وجه عقابه للكفار يوم القيامة؟

هنا طرِحَت نظريتان:

النظرية الأولى:

ما ذكرها علماء العرفان من أنّ الحكمة والوجه في عقاب العاصين يوم القيامة هي «نظرية تجسّم الأعمال»، ما معنى «نظرية تجسّم الأعمال»؟

شرحناها عدّة مرّات، هؤلاء يقولون: العمل هو الجزاء، وليس عندنا شيئان: عمل وجزاء، عملك جزاؤك، مثلاً: هذه الصّلاة التي أصليها لا ألقى يوم القيامة جزاءً عليها، يعني: الله تبارك وتعالى يجازيني يوم القيامة على الصّلاة، لا، صلاتي هي جزائي وليس شيئًا آخر، نفس هذه الصّلاة هي جزاؤك، هذه الصّلاة في الدّنيا متصوِّرة بصورة صلاة، صورة ركوع وسجود وقراءة وذكر وتسبيح وتهليل، نفس هذه الصّلاة تأتي في الآخرة متصوِّرة بصورة أخرى، هي في الدّنيا متصوِّرة بصورةٍ صلاتيّةٍ، وفي الآخرة تخلع هذه الصّورة وتلبس صورة جنائنيّة، تتحوّل هذه الصّورة بنفسها إلى شجرةٍ مثمرةٍ، تتحوّل هذه الصّلاة بنفسها إلى جنةٍ واسعةٍ، تتحوّل هذه الصّلاة بنفسها إلى نهرٍ فيّاضٍ، صلاتك هي جزاؤك وليس شيئًا آخر، فليس هناك عملٌ وجزاءٌ، عملك هو جزاؤك، العمل يخلع الصّورة الماديّة الدّنيويّة ويلبس الصّورة الحقيقيّة.

وبعبارة علميّة: كلّ عملٍ له صورة ملكيّة وله صورة ملكوتيّة، كلّ عمل له صورة ملكيّة وله صورة ملكوتيّة، الصّورة الملكيّة للصّلاة هي أنّها قراءة وذكر وسجود.. صورة ظاهريّة، وأمّا الصّورة الملكوتيّة للصّلاة فهي أنّها جنانٌ وأشجارٌ وأنهارٌ، هذه الصّورة الملكوتيّة للصّلاة، فعملك جزاؤك.

أيضًا أنا عندما - والعياذ بالله - أقوم بالمعصية، بعقوق الوالدين، أو بغيبة المؤمن، نفس هذا العمل هو يتحوّل في الآخرة إلى سعيرٍ، نفس هذا العمل وليس شيئًا آخر، هذا العمل الذي هو في الدّنيا متصوِّرٌ بصورة العقوق أو متصوِّرٌ بصورة الغيبة هو بنفسه يتحوّل إلى سعيرٍ وإلى نارٍ حاميةٍ مستعرة، فعملنا جزاؤنا، ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [2]  نفس ما تعلمون هو جزاؤكم، ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

بناءً على نظريّة تجسّم الأعمال - أنّ الأعمال تتجسّم يوم القيامة وتتحوّل إلى صورٍ أخرى - فالإنسان يبني جنته وهو في الدّنيا أو يبني ناره وهو في الدّنيا، إمّا أنْ يبني فلة من الجنان نتيجة عمله وإمّا أنْ يبني قعرًا من النيران نتيجة لعمله، هو يبني عمله بنفسه، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [3]  يعني: يرى نفس هذا العمل يوم القيامة، يرى نفس الخير يوم القيامة، ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [4]  يرى نفس الشّرّ، نفس عمله يراه جزاءً يوم القيامة.

لذلك بناءً على هذه النظرية يقول علماءُ العرفان: بعد خلاص، تبيّن وجه العقاب في الآخرة، الله تبارك وتعالى لا يعاقبنا في الآخرة حتى نسأل: لماذا يعاقبنا؟ عملنا هو عقابنا، عملك هو عقابك، عملك يتحوّل تحولاً أوتوماتيكيًا طبيعيًا إلى العقاب، فلا معنى للسّؤال «لِأنْ يسأل الإنسانُ»: ما هي الغاية وما هو الهدف وما هو الوجه في عقاب العصاة في الآخرة؟ ليس هناك عقابٌ للعصاة في الآخرة غير أعمالهم، أعمالهم تتحوّل إلى عقابٍ، أعمالهم تتحوّل إلى عذابٍ، هذا ما يذكره علماء العرفان، هذه النظرية الأولى.

هذه النظرية صحيحة لكنّها لا تصلح أنْ تكون هي الغاية وهي الهدف من العقاب في الآخرة، لماذا؟

لأنّ تجسّم الأعمال ليس علة تامّة للعقاب، كيف ليس علة تامّة؟ يعني المعصية، لو أنّ إنسانًا فعل معصية في الدّنيا، المعصية ليست علة تامّة للعقوبة، إذ لعله يتخلل العفوُ بين المعصية وبين العقوبة، قد يموت الإنسانُ وهو على المعصية، قد يموت الإنسانُ وهو مصرٌ على المعاصي، مع ذلك قد لا يترتب العقوبة على معصيته، مع أنّه مات مصرًا على المعاصي قد لا تترتب العقوبة على معصيته أبدًا، لماذا؟

نتيجة لحدوث فواصل، هناك حواجز وفواصل تمنعه عن لهب النيران، تمنعه عن سعير جهنم، تمنعه عن العقاب الأخروي، وهذه الفواصل فواصل حصينة وفواصل متينة وفواصل كبيرة ألا وهي عفوه تبارك وتعالى أو شفاعة محمّدٍ وآل محمّدٍ، كما ورد في الحديث عن النبي المصطفى : ”ادخرتُ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي“، ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [5]  يعني: مَنْ ارتضى اللهُ دينه، وقد ورد في الرّواية أنّ مَنْ ارتضى اللهُ دينه فهو مَنْ ارتضى اللهُ ولايتَه لمحمّدٍ وآل محمّدٍ.

إذن قد يرتكب الإنسانُ المعصية في الدّنيا لكنّ المعصية ليست علة تامّة لِأنْ تتحوّل إلى عقوبةٍ، قد تحول بين هذه العليّة وهذه المعلوليّة موانعُ حصينة، كمانعيّة العفو الإلهي، أو كمانعيّة الشّفاعة المحمّديّة أو العلويّة أو الفاطميّة أو الحسنيّة أو الحسينيّة إلى آخر أبواب الشّفاعة ومظاهرها صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، إذن فلا معنى لِأنْ يقول: الوجه في العقوبة في الآخرة هي تجسّم المعاصي، فإنّ المعاصي ليست علة تامّة للتجسّم، وإنّما هي مقتضيّة للتجسّم، ولكن قد تحول الموانع بينها وبين تجسّم العمل وتحوّله إلى العقاب.

ربّما يقول قائلٌ: مادام شفاعة أهل البيت مكتوبة لنا ومدخرة لنا فأيّ ذخرٍ أعظم من هذا الذخر الذي ننتظره وهو شفاعة أهل البيت عليهم السّلام؟! إذن فليرتكب الإنسانُ المعاصي وليصر عليها وليبالغ في ارتكابها تعويلاً على شفاعة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين! أو كما يقول السّيّد رضا الهندي رحمه الله:

سوّدتُ صحيفة أعمالي ووكلتُ الأمرَ إلى حيدرْ

بمعنى أنّه قد يغرق الإنسانُ في المعصية أو الرّذيلة اتكالاً على شفاعة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، السّيّد الحكيم في المستمسك، في كتابه المستمسك قدّس سرّه يتعرّض إلى هذه الناحية، يقول: صحيح من الأمور الثابتة القطعيّة شفاعة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم للعصاة في الآخرة، وشفاعة أهل البيت موضوعها مَنْ مات على الولاية، مَنْ مات على ولاية أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فهو موضوعٌ لاستحقاق الشّفاعة من قِبَلِ أهل البيت عليهم السّلام كما ورد عن النبي المصطفى : ”مَنْ مات على حبّ محمّدٍ وآل محمّدٍ مات شهيدًا، مَنْ مات على حبّ محمّدٍ وآل محمّدٍ مات مغفورًا له، مَنْ مات على حبّ محمّدٍ وآل محمّدٍ مات قانتًا..“ إلى آخر الرّواية، هذا صحيحٌ، موضوع الشّفاعة أنْ يموت على الولاية، هذا صحيحٌ، ولكن..

يقول السّيّد الحكيم: ولكنّ الإصرار على المعصية قد يحول بين الإنسان وبين الموت على الولاية، يعني: قد يكون سببًا في سوء الخاتمة، الإنسان إذا أصرّ على المعاصي وأصرّ على الرّذائل قد لا يوفق للموت على الولاية فيخسر موضوع الشّفاعة، الشّفاعة لمَنْ مات على الولاية، يعني أنْ يغمض جفنيه وقلبه مفعمٌ بولاية علي وأهل بيته، هذا موضوع استحقاق الشّفاعة، أنّه إذا جاءته سكرات الموت وإذا صار في حال الاحتضار والنزاع والتأرجح ما بين العالم الأرضي والعالم السّماوي ينتقل إلى العالم السّماوي وقلبه معطرٌ بحبّ أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولكنّ الإصرار على المعاصي والإصرار على الرّذائل قد يحجبه عن الموت على ولاية أهل البيت، بمعنى أنّ هذا الإنسان المصرّ على الرّذيلة تأتيه سكرات الموت فيحاول أنْ يتذكر أهلَ البيت أو يحاول أنْ يتذكر ولاءَ أهل البيت أو يحاول أنْ يربط قلبه أثناء سكرات الموت بحبّ أهل البيت فلا يستطيع ولا يقدر فيمنعه الإصرار على المعاصي والإصرار على الرّذائل، يمنعه عن الارتباط القلبي والولاء القلبي لأهل البيت حال عروض الموت عليه، وحينئذٍ يموت على غير الولاية، فإذا مات على غير الولاية خسر الشّفاعة المعدّة لمَنْ اُرْتُضِيَ، يعني: لمَنْ اُرْتُضِيَ دينه ولمن اُرْتُضِيَت ولايته لأهل البيت حين موته، اللهم ثبتنا على ولايتهم، وأمتنا عليها، واجعلنا معهم في الدّنيا والآخرة، يا أرحم الرّاحمين.

إذن هذه النظرية - وهي أنّ الملاك في استحقاق العقوبة في الآخرة هي نظرية تجسّم الأعمال - هذه النظرية غير تامّة.

النظريّة الأخيرة:

أنّ الملاك في ترتب العقوبة وفعليّتها في الآخرة هو ظهور صفة العدل وظهور صفة شديد العقاب له تبارك وتعالى، في هذه الدّنيا ما هو الظاهر من صفاته تبارك وتعالى؟ هل أنّ الله ظاهرٌ لنا في الدّنيا بجميع صفاته؟ لا، الله تبارك وتعالى لا ظهور له لنا في هذه الدّنيا إلا من خلال صفة الرّحمة، ظهر لنا برحمته، خلق الوجود وأفاض النعم وقدّر الأرزاق وكتب لكلّ مخلوقٍ خلقه وهدايته، فظهر لعباده بصفة الرّحمة، أمّا صفة العدل كيف نستظهرها في هذه الدّنيا؟!

نحن نرى أنّ الله تبارك وتعالى أعطى فلانًا علمًا ولم يعطِ فلانًا، أعطى فلانًا أموالاً ولم يعطِ فلانًا، أعطى فلانًا عقلاً ولم يعطِ فلانًا، أعطى فلانًا صحّة ولم يعطِ فلانًا، أعطى فلانًا أمنًا ولم يعطِ فلانًا، أعطى الكافر المصرّ على الكفر أموالاً وقصورًا وقوّة وهيمنة وأعطى المؤمن المصرّ على الإيمان والمثابر على الإيمان لم يعطه غنى ولا قوّة ولا أمنًا ولا استقرارًا، إذن أين صفة العدل؟!

هذه الدّار الدّنيا ليست إلا مظهرًا لصفة الرّحمة، وأمّا ظهوره تبارك وتعالى بسائر صفاته بحيث يتجلى للعبد بسائر صفاته تبارك وتعالى فهو في يوم الآخرة، يوم الآخرة يوم ظهوره بسائر صفاته، يوم الآخرة هو يوم المعرفة الحقيقيّة لله عزّ وجلّ، العبد في الدّنيا لا يعرف ربّه إلا من خلال بعض الوجوه فقط، لا يعرف ربّه معرفة تامّة، وإنّما يعرف ربّه من خلال صفة الرّحمة، المعرفة التامّة تتوقف على الظهور التامّ، تتوقف على ظهوره تعالى بسائر صفاته، وعلى تجليه بسائر صفاته، وتجليه وظهوره بسائر صفاته إنّما يكون في الآخرة، يوم القيامة يوم ظهور العدل، فإذا جاء المطيع وتلبّس بثوابه، وأتى العاصي وتلبّس بعقابه، وأعطى كلّ شخصٍ على مقدار ما ارتبط به ولم يظلم أحدًا أبدً، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [6]  حينئذٍ يتمّ ظهور عدله فتتم ظهور سائر صفاته، فتتم المعرفة الحقيقيّة للعبد تجاه ربّه عزّ وجلّ، إذن السّرّ والسّبب في فعليّة العقاب في الآخرة: لماذا يعاقب العصاة والكفار؟

لأنّ عقابهم مظهرٌ لعدله تبارك وتعالى، وظهور عدله ظهورٌ له بتمام صفاته، وظهوره بتمام صفاته يعني حصول العبد ووصوله إلى المعرفة الحقيقيّة لله عزّ وجلّ، ولذلك عقابه رحمة، كيف يكون عقابه رحمة؟

عقابه للكافر يعني وصول الكافر إلى معرفته، الكافر عندما يعاقَب يصل إلى ربّه من خلال ظهور صفة العدل، الكافر عندما يعاقَب عقاب الكافر يعني تعرّفه على ربّه عزّ وجلّ من خلال صفة العدل، فإذا تعرّف على ربّه من خلال صفة العدل كانت معرفته بربّه رحمة به، عقابه رحمة تبارك وتعالى لأنّ عقابه عدلٌ، وعدله ظهورٌ، وظهوره معرفة به، فعقابه معرفة به تبارك وتعالى، وحينئذٍ يكون عقابه عين الرّحمة بعباده عزّ وجلّ، هذه المقدّمة الأولى.

المقدّمة الثانية:

بعد أنْ عرفنا أنّ يوم الدّين لماذا سمّي يوم الدّين؟ الدّين هو الجزاء، لأنّه يوم الجزاء، ﴿الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [7]  اليوم يوم الجزاء، يوم الدّين يوم الجزاء، بما أنّ يوم الدّين يومَ الجزاء هو يوم ظهوره تبارك وتعالى بسائر صفاته إذن هو يوم ظهور مالكيّته عزّ وجلّ؛ لأنّ مالكيّته إنّما تتمّ إذا تجلى بسائر صفاته، إذا تجلى بصفة العلم والقدرة والحكمة والسّمع والبصر والعدل والرّحمة وشدّة العقاب وقابليّة التوبة.. إذا تجلى للعبد يومَ القيامة بسائر صفاته وظهر له بتمام مجاليه تبارك وتعالى إذا ظهر ظهرت مالكيّته، إذن قوله تعالى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إنّما خصّ المالكيّة بيوم الدّين لأنّ يوم الدّين هو يوم ظهور مالكيّته، وإنّما كان يوم الدّين يوم ظهور مالكيّته لأنّه يوم ظهوره بسائر صفاته لهذا العبد الذي لم يتعرّف عليه معرفة تامّة في هذه الدّنيا.

طبعًا هذا بالنسبة لنا نحن العاديّين، وأمّا بالنسبة لمَنْ انكشف لهم عالم الملكوت وهم في دار الدّنيا فتعرّفوا على صفاته تبارك وتعالى معرفة حقيقيّة لا يقولون هكذا، دعني أوضّح لك، هذه أيضًا نقطة دقيقة، مسألة السّبق الزمني، كيف يعني مسألة السّبق الزمني؟

يعني الآن أنت في هذا الزمن، الآن أنت في أيّ ساعة؟ الآن أنت في الثانية والنصف، هل أنت في الثانية والنصف تستطيع أنْ تكتشف الحدث السّاعة الخامسة؟ لا تستطيع، لأنّ السّاعة «الزمن» يحدّك، الزمن من الحدود، مادمتُ أنا في السّاعة الثانية والنصف فكوني في هذا الزمن يحدّني، الزمن يحجبك، الزمن يحدّك، كونك في الزمن يحدّك ويمنعك عن أنْ تكتشف ما في الزمن الآخر، مع أنّ المسيرة البشريّة واضحة ومعروفة ومكتوبة في علم الله، المسيرة البشريّة ما يحدث بعد مئة سنة، ما سيحدث بعد ألف سنة، ما سيحدث بعد مليار سنة كله مكتوبٌ ومعلومٌ، لكنْ أنا لا يمكن لي أنْ أكتشف ذلك المعلوم بعد خمس دقائق فضلاً عن بعد ساعة فضلاً عن مليون سنة، بعد خمس دقائق لا يمكن لي أنْ أكتشفه، لِمَ؟ لأنّ الزمن يحجبني عن اكتشاف ما بعد خمس دقائق.

فلو تجرّد الإنسانُ من الزمن، تحرّر من الزمن، يعني: انفصل عن هذا الجسد المادّي، الموت يحرّرك من الزمان كما يحرّرك من المكان، الزمن والمكان قيودٌ وحجبٌ تمنعك عن الرّؤية، الزمن والمكان حجبٌ وقيودٌ تمنعك عن اكتشاف ما وراء المكان وما وراء الزمان، أنا الآن في الأرض لا أستطيع اكتشاف ما على المرّيخ، المكان يمنعني، وأنا الآن في السّاعة الثانية والنصف لا أستطيع اكتشاف ما في السّاعة الخامسة، الزمن يمنعني، الزمان والمكان حجابان يمنعان عن اكتشاف عمّا وراء الزمن وما وراء المكان، فإذا مات الإنسانُ الموت انطلاقٌ، الموت تحرّرٌ، إذا تحرّرت النفسُ من قيود الزمان والمكان هيمنت على الزمان والمكان، أصبحت النفس تكتشف ما في المستقبل، وتكتشف ما يرى، وتكتشف ما لا يرى، أصبحت النفس نفسًا تكتشف ما وراء الحدود الزمنيّة والمكانيّة، ولذلك قال تعالى: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [8]  أنت قبل لحظة كنتَ في ظلام، أنت ترى أنّك في الدّنيا وفي النعيم وفي الرّفاهية، لكنّك لا، كنتَ في ظلام، كان بصرك محدودًا جدًا، الآن بمجرّد أنْ انطلقت روحك إلى العالم الآخر كُشِفَ عنك الغطاء، يعني: رُفِعَت الحجبُ، رُفِعَت القيودُ الزمنيّة والمكانيّة، ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ترى ما وراء الزمان وما وراء المكان لأنّك تحررت من قيودهما، هذا الإنسان العادي.

أمّا عليٌ عليه السّلام فهو يقول: أنا في الزمان وأنا في المكان وأنا في هذا الجسد المادّي الذي قاتلتُ به المشركين والذي أخمدتُ به حروبَ الكافرين ولكن لا الزمان ولا المكان ولا الجسد ولا القيود الماديّة تحجبني عن اكتشاف ما وراء الزمان وما وراء المكان وما وراء هذه القيود، ”لو كُشِفَ لي الغطاء ما ازددتُ يقينًا“ كشف الغطاء هو التحرّر، يعني أنْ تحرّر من الزمان والمكان، ”لو كُشِفَ لي الغطاء“ يعني: لو تحرّرتُ من هذه القيود لا يزيد عندي شيءٌ لأنّني اكتشفتُ ما وراء القيود وأنا مثقلٌ بها، ”لو كُشِفَ لي الغطاء ما ازددتُ يقينًا“، ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ - اكتشاف ما وراء الحدود - مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [9]  إبراهيم اكتشف ما وراء الحدود وأصبح من الموقنين، وعليٌ هو إبراهيم فاكتشف ما وراء الحدود وهو من الموقنين ومن أعلى الموقنين وأسمى الموقنين.

إذن هذا هو وجه تخصيص المالكيّة بيوم الدّين، هذا تمام الكلام في هذه الآية، يأتي الكلام في آية ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.

نقرأ بعضَ مسائل الصّوم إنْ شاء الله:

1] مصرف كفارة الإطعام: الفقراء، إمّا بإشباعهم، يعني: يدعوهم على طعام يشبعهم، أو بالتسليم إليهم، يسلم لهم الطعام، كلّ فقير يسلم له مدًا، يعني: كيلو إلا ربع من الطعام، ويجزي من الطعام التمر، الحنطة، الرّز، الماش، أيّ شيءٍ يسمّى طعامًا يصير يعطيهم، لا يعطيهم مثلاً شوكولاته أو بيبسي أو.. لا، ما يصير، يعطيهم طعام، طعام يعني: رز، حنطة...

2] ولا يجزي في الكفارة إشباع شخص واحدٍ، يعطي شخصًا واحدًا عشرة أمداد، لا، ما يصير، يعطي ستين نفسًا، لكلّ نفسٍ مدٌ، ما يصير يعطي واحد عن عشرة، لا، حتى لو واحد يأكل أكل عشرة، لا، يكون ستين نفسًا.

3] إذا كان للفقير عيالٌ فقراء يُعْطى بعددهم، يعني: هو يُحْسَبُ ويُحْسَبُ عددُ عياله، إذا كان وليًا عليهم أو وكيلاً عنهم في القبض، فإذا قبض شيئًا من ذلك كان ملكًا لهم.

هذه المسألة واقعًا مسألة الناس تبتلي بها كثيرًا:

1» إذا كان هناك أطفال قصّر، ليسوا بالغين، أبوهم ليس موجودًا، أمّهم موجودة، الناس يظنون أنّ الأمّ هي الوليّ، إذا أبوهم ليس موجودًا فالأم هو الوليّ! لا، إذا لم يكن الأب موجودًا الوليّ عليهم الحاكم الشّرعي، الحاكم الشّرعي هو الذي ينصب وليًا عليهم، وبالتالي إذا لم تكن الأمّ وليًا على هؤلاء الأطفال الصّغار فكيف تتصرّف في هذه الأموال؟ مثلاً إذا أعْطِيَت الأمّ أموالاً لهؤلاء الأطفال مثلاً، هذه الأموال لابدّ أنْ تتمّ، يعني: لابدّ لكي تدخل في ملك الأطفال لابدّ أنْ يقبضها الوليّ عن الأطفال، الوليّ إذا قبض الأموال قبض الوليّ قبضٌ للمولى عليه، إذا قبض الوليّ قبض المولى عليه، فقبض الأمّ لا يعدّ قبضًا، لابدّ أنْ يكون عندها ولاية على القبض كي يكون قبضها قبضًا للأطفال فتدخل هذه الأموال في ملكهم.

2» وإذا قبضها الولي، إذا الولي قبض الأموال وصارت ملكًا للأطفال لا يجوز التصرّف فيها إلا في صالحهم، لا يجوز أنْ تُصْرَف هذه الأموال إلا في صالح الأطفال، ولا يجوز أنْ تصرف على أمورٍ أخرى.

يعني مثلاً هذه المسألة الابتلائيّة: إذا امرأة ولدت، إذا وضعت المرأة يجيبوا هدايا، الناس يجيبوا هداية للمولود، تارة يجيبوا هدايا للأمّ، هي الأمّ تعرف هذه هدية لها، مثلاً هي ولدت ولدًا وجيء لها مثلاً بتركية مثلاً، أو جيء لها بقلادة ذهب مثلاً، هذه ما هي ربطها بالولد؟! هذا معلومٌ أنّ الهدية للأمّ وليست الهدية للولد، وتارة لا، يجيبوا هدية للولد، يجيبوا ثوب له مثلاً، وتارة لا، يجيبوا شيء غير معلوم، مثلاً قامت المرأة وحطت مكانها مئتين ريال، هذه المئتين ريال لمن: للولد أم لأمّه؟ الأم تقول: يلا ما يخالف! وتأخذ المئتين ريال! هذا مال الغير، لابدّ من الفحص، لابدّ من السّؤال أنّ هذا هدية للأمّ.. لابدّ أنْ تسأل المهدي، إلا أنْ معروف عند الناس، إذا معروف عند الناس إذا يخلوا فلوس يعني للولد، خلاص إذا هذا معروف ما يحتاج تسأل، إذا ما معروف فعليها أنْ تسأل: هذا لمن: للولد أو لأمّه؟ إذا لأمّه ما يخالف، دعها تبلعها ما يخالف، أمّا إذا كان للولد يقبضه الوليّ، أبوه هو الذي يقبض هذه الأموال وليس الأم، قبض الوليّ هو قبض المولى عليه.

إلا أنْ يوكّل الأب، الأب يوكّل الأم، يقول: أنتِ اقبضي هذه الأموال عني، فتكون الأمّ وكيلة عن الولي فتقبض هذه الأموال عن وليّه، فإذا قبضت الأموال دخلت في مِلك الطفل، إذا دخلت في مِلك الطفل لا يجوز التصرّف فيها إلا في صالحه، تُصْرَفُ في شراء ملابسه، في شراء مثلاً طعامه، في نفقته، لا يجوز أنْ يتصرّف الأب والأمّ في هذه الأموال على منافعهما الشّخصيّة.

4] الفقير من هو؟ الفقير من لا يملك قوت سنته لا قوّة ولا فعلاً، كم مثلاً قوت السّنة؟ الإنسان يقدّر، كم يحتاج في سنةٍ إلى أكلٍ وشربٍ ولباسٍ ودفع العوائق، لأنّه الإنسان معرّضٌ أثناء السّنة لمرضٍ، معرّضٌ أثناءَ السّنة لحوادث والعياذ بالله، كم يحتاج إلى نفقة السّنة؟ مثلاً قول - مثلاً من باب المثال - يحتاج إلى نفقةٍ في السّنة: عشرة آلاف ريال، لو أزيد؟! أزيد بعد! خمسين ألف؟! يختلف الناس، بعضهم يحتاج إلى خمسين، بعضهم يحتاج عشرة آلاف، على أيّة حال، يحدّد مؤونة سنته بحسب شأنه، هو شأنه ماذا؟ هو شأنه بمقدار ما يصرف؟ يحدّد مؤونة سنته بمقدار شأنه، هذا بأيّ مقدار؟ هذا يصرف عشرة آلاف في السّنة، لا يملك هو عشرة آلاف الآن، لا يملك عشرة آلاف، الآن يعدّ فقيرًا، ولا يملك عملاً، لا يملك القوت لا فعلاً ولا قوّة، يعني: ليس عنده عملٌ إمّا لكونه كبيرًا في السّن أو لكونه مريضًا أو لكونه عاجزًا عن العمل، هذا لا يملك عملاً، لا يملك قوتًا ولا يملك عملاً، هذا يعدّ فقيرًا، فيجوز إعطاؤه من الكفارات، ويجوز إعطاؤه من زكاة الفطرة، ويُتَصَدَّقُ عليه، إلى غير ذلك.

5] زوجة الفقير فقيرة؟! يقول: لا، زوجة الفقير إذا كان زوجها باذلاً لنفقتها، يعني: يوفر لها النفقة، زوجها.. هو فقيرٌ زوجها لكن يوفر لها النفقة، شهريًا يوفر لها النفقة، إذا كان زوجها باذلاً لنفقتها على النحو المتعارف فليست بفقيرةٍ، زوجة الفقير ليست فقيرة، فلا تُعْطى من الكفارة.

6] إلا إذا كانت محتاجة إلى نفقةٍ لا تلزم الزوجَ، مثلاً: كان عليه دينٌ، طبعًا زوجها ليس مكلفًا بديونها أيضًا، زوجها لا ينفق عليها لأداء ديونها، زوجها يوفر لها المأكل والملبس والمسكن، أمّا ديونها ليس واجبًا على الزوج أنْ يؤدّي دينَ زوجته، إذن لو كانت محتاجة إلى أداء ديونها ولا يجب على الزوج أداء ديونها يجوز إعطاؤها من الصّدقات والكفارات لأجل قضاء ديونها.

7] يجب القضاء دون الكفارة في مواردَ:

الأوّل: نوم الجنب.

إذا نام حتى أصبح.. هذه ذكرنا المسألة فيما سبق، إذا نام الجنب النومة الثانية، يعني: عرف أنّه جنبٌ ونام ورد وعى ورد نام، إذا نام النومة الثانية فيجب عليه القضاء، وإنْ كان نام ناويًا للغسل، ونام وهو معتاد الانتباه، يجب عليه القضاء، الكفارة لا، القضاء فقط.

ثانيًا: إذا أبطل صومه بالإخلال بالنيّة وإنْ لم يستعمل المفطر، قلنا هذا فيما سبق، قال: أنا تعبان! ما رأيك أنْ أفطر! نوى أنْ يفطر، هو لم يفطر، قال: هيا دعني أفطر! بمجرّد أنْ يفطر بطل صومه وعليه القضاء، هذا إذا ما استخدم المفطر، وأمّا إذا ارتكب المفطر يصير عليه كفارة إذا كان متعمّدًا، يعني: غير مريض.

الثالث: إذا نسي غسلَ الجنابة يومًا أو أكثر، إذا نسي غسلَ الجنابة يومًا أو يومين من شهر رمضان فيقضي صوم ما نسي غسل الجنابة فيه.

الرّابع: من استعمل المفطر بعد طلوع الفجر بدون مراعاة ولا حجّة.

هذه المسألة يجب أمْ تلتفوا إليها، الآن أنت إذا تراجع التقويم، مثلاً إذا تراجع التقويم أذان الفجر، طلوع الفجر افترض أربع وسبعة وعشرين دقيقة مثلاً، إنسان ينتظر إلى أنْ يؤذن المؤذن، هذا المؤذن يظنّ الفجر مثل الغروب، مثلما نحن في الغروب نتأخر في الفجر أيضًا يتأخر! هناك أناس هكذا اعتقادهم: مثلما نحن في المغرب نتأخر عن سقوط القرص سبع دقائق أو عشر دقائق في الفجر أيضًا هكذا وفي الظهر أيضًا هكذا! لا، ما صارت هذه، هي عناد يعني؟! لا، في الغروب نعم على مبنى بعض الفقهاء من أنّ الغروب بمغيب الحمرة المشرقيّة لا بسقوط القرص، مغيب الغربة المشرقيّة يحتاج إلى سبع دقائق أو عشر دقائق بعد سقوط القرص، هذا معقولٌ، أمّا في الظهر الوقت هو الوقت ما يتغيّر، أو في الفجر الوقت هو الوقت ما يتغيّر، فإذا كان في التقويم أنّ طلوع الفجر الصّادق مثلاً أربع وسبعة وعشرين ما يصير أنت تنتظر المؤذن إلى أنْ يؤذن، يؤذن بعد خمس، بعد سبع دقائق، لا، ما يصير، الأوّل كانوا الناس يقولون: أمسكوا يا عباد الله، الآن أنا لا أسمعها، ما أسمعها أنا، ولا يوم سمعتُ: أمسكوا يا عباد الله.

فإذن بالنتيجة: الإنسان يحتاط، يعني: قبل التقويم، مثلاً: التقويم أربع وسبعة وعشرين مثلاً، هو أربع وخمسة وعشرين يحتاط، أربع وخمسة وعشرين بعد خلاص لا يأكل ولا يشرب، يراعي هذه الأمور، فلو أنّ إنسانًا مثلاً راح فحص، قال: ما أدري الفجر طلع أم لم يطلع، سأل مثلاً زوجته: كم السّاعة؟ قالت له: واللهِ السّاعة.. وهي عيونها مغمضة مثلاً! قالت له: والله السّاعة أربع وربع! قال: وين باقي عشر دقائق على الأذان! باقي واجد على الأذان! خلاص ما يخالف، فهو فحص لا أنّه لم يفحص، فحص، سأل زوجته مثلاً، شرب الماء، تبيّن أنّه شرب بعد طلوع الفجر، هذا يجب عليه القضاء، لا يجب عليه الكفارة لأنّه فحص، أمّا لو لم يفحص، قال: يلا الليل موجود ما يحتاج أفحص! شرب وفيما بعد تبيّن أنّه بعد طلوع الفجر، أو قامت الحجّة على الطلوع، كانت هناك حجّة، أذن المؤذن، ولكن قال: أظنّ هذا المؤذن مشتبهًا، وشرب بعد الأذان، قامت الحجّة على الطلوع، إذا قامت حجّة على طلوع الفجر وتبيّن أنّ الفجر قد طلع يجب عليه القضاء والكفارة.

الخامس: الإفطار قبل دخول الليل لظلمةٍ ظنّ منها دخلوه ولم يكن في السّماء غيمٌ.

السّماء ما فيها غيم، لكنْ صارت ظلمة نتيجة الأدخنة، الأبخرة، صارت ظلمة في السّماء وإلا السّماء لا يوجد فيها غيمٌ، وظنّ لأجل الظلمة أنّ الليل قد دخل، فأفطر، لمّا أفطر تبيّن أنّ الإفطار كان قبل دخول الليل، هنا يجب عليه القضاء، والأحوط أنْ يكفر أيضًا.

أمّا إذا كان في السّماء غيمٌ، الغيم هو الذي حجب رؤية الشّمس، نتيجة للغيم الكثيف اعتقد أنّ الليل قد دخل فأكل أو شرب ثم تبيّن أنّ الليل لم يدخل، هذا ليس عليه شيءٌ، الغيم له خصوصيّة، إذا غلب الغيم على السّماء فظنّ أنّ الليل قد دخل فأكل ثم تبيّن أنّ الليل لم يدخل ليس عليه شيءٌ: لا القضاء ولا الكفارة.

إذا شكّ في دخول الليل، لا يدري دخل أم لا، لا يجوز له الإفطار، وإذا أفطر أثم، وكان عليه القضاء والكفارة، إلا أنْ يتبين أنّه كان بعد دخول الليل إفطاره وليس قبل الدّخول فليس عليه شيءٌ.

وإذا قامت حجّة على دخول الليل فأفطر ثم تبيّن أنّ هذا مشتبهٌ الذي أذن، سمع أذانًا واعتقد أنّ الليل قد دخل وأفطر ثم تبيّن أنّه ما دخل الليل وأنّ المؤذن كان مشتبهًا، يجب عليه القضاء دون الكفارة.

وإذا شكّ في طلوع الفجر «هل أنّ الفجر طلع أم لا» يجوز له استعمال المفطر، ولكن إذا تبيّن الخطأ بعد استعماله للمفطر فقد تقدّم حكمه، مع المراعاة حكمٌ، بدون المراعاة حكمٌ، إذا قامت حجّة على الطلوع له حكمٌ، إذا ما قامت حجّة على الطلوع له حكمٌ آخر، يأتي الكلام في البقيّة إنْ شاء الله.

اللهم بالزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسّرّ المستودع فيها، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، واستر عيوبنا، وكفر عنا سيّئاتنا، وتوفنا مع الأبرار، اللهم اشفِ المرضى، مرضى المؤمنين والمؤمنات، وفكّ الأسرى، واقضِ حوائجَ المؤمنين والمؤمنات، اللهم انصر الإسلامَ والمسلمين، واخذل الكفارَ والمنافقين، أهلك مَنْ يريد السّوء بشريعة سيّد المرسلين، أيّد علماءنا العاملين في مشارق الأرض وفي مغاربها، واحفظ مراجعنا الأعلام خصوصًا مراجعنا في النجف الأشرف، اللهم احفظهم وانصرهم واحرسهم بعينك التي لا تنام، وارحم أمواتنا وأموات المؤمنين والمؤمنات، وإلى أرواح الجميع بلغ ثوابَ الفاتحة تسبقها الصّلوات.

اللهم صلِّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ

[1] الفاتحة: 1 - 7.
[2] الطور: 16.
[3] الزلزلة: 7.
[4] الزلزلة: 8.
[5] الأنبياء: 28.
[6] فصلت: 46.
[7] الجاثية: 28.
[8] ق: 22.
[9] الأنعام: 75.