الإمامة أصل الدين

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ

انطلاقاً من الآية المباركة نتحدث في عدة مطالب:

المطلب الأول: في تعريف الإمامة

الإمامة امتداد للنبوة فالإمام يقوم بوظائف النبي وبنفس الأدوار التي كان يقوم بها النبي لولا أنه لا يوحي إليه فالفراق بين النبي والإمام: أن الإمام لا يوحي إليه ولكن الوظائف التي كانت على عاتق النبي هي بنفسها تقع على عاتق الإمام وبعبارة أخرى عندنا عناوين ثلاثة: 1/ نبي. 2/ رسول. 3/ إمام.

النبي: هو من يوحى إليه كل من أتصل بالله تبارك وتعالى عن طريق الوحي فهو نبي كما في قولة تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء.

الرسول: هو من نزلت عليه شريعة كل من نزلت عليه شريعة فهو رسول قد يكون النبي مأمور بالتبليغ ولكن لم تنزل عليه شريعة قال تعالى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً، قال تعالى: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا، شعيب كان نبياً يوحي إليه مأمور بأن يبلغ أمور ونواهي عن الله تبارك وتعالى لكن لم تكون لدى شعيب أو لدى صالح شريعة متكاملة ودستور متكامل كما أعطي لغيره كموسى، وعيسى، وإبراهيم وغيرهم من الرسل، الرسول من أعطي شريعة متكاملة يبلغها لأمته، يبلغها لمجتمعه لا أنه يوحي إليه فقط.

الإمام: فالإمام يزداد وظيفة ومنصباً على النبي والرسول بأن الإمامة من له «الولاية»، من له ولاية الحكم، من حكمه ينفذوا على الأنفس والأعراض والأموال، الولاية بمعنى نفوذ الحكم: هي عبارة عن منصب الإمامة، بعض الأنبياء لم يكونوا رسل، بعض الأنبياء أصبحوا رسل، بعض الرسل لم يكونوا أئمة، بعض الرسل أصبحوا أئمة، أولوا لعزم: كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى كانوا أنبياء ورسل وأئمة أيضاً، بمعنى أن الله جعل حكمهم نافذ له ولاية الحكم أن يحكم بين العباد أن يحكم في أمته فإذا حكمه بحكم نفد حكمه سواء كان هذا الحكم متعلق بالأنفس كما لو أمر بجهاد مثلاً أو بقتال، أو كان هذا الحكم متعلق بالأعراض كما لو طلق امرأة من زوجها حكمه نافذ، أو كان هذا الحكم متعلق بالأموال كما لو أمر بدفع ضريبة مالية معينة أو أخد من مال زيد إلى عمر، له الولاية على الأنفس والأعراض والأموال ولاية نفوذ الحكم في الأنفس والأعراض والأموال هذه الولاية تسمى «بالإمامة».

وهذه الإمامة كما يظهر من القرآن الكريم عندما يقول: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ «يعني أن حكمه نافذ» ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ هو أولى بي من نفسي فإذا حكم على نفسي بحكم نفذه حكمه ولم يكن مجال لأن أختار، أو لأن أرد أو لأن أقبل قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ، قال تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًاهذا معنى ولاية الحكم حكمه نافذ سواء كان على النفس على العرض على المال لا مجال لرده ولا مجال لاختياره، من كان حكمه نافذ فهو الإمام.

وكما ذكرنا بأن بعض الأنبياء وبعض الرسل قد يحصل على منصب الإمامة وقد لا يحصل عليها، وبعضهم قد يحصل على منصب الإمامة في أخر حياته كما حدث للنبي إبراهيم «عليه وعلى نبيا وآله أفضل الصلاة والسلام» النبي إبراهيم كان نبياً ورسولاً وما ولد له إسماعيل إلا في أخر عمره ولده له بإسماعيل أمتحنه الله في ولده إسماعيل أمره بذبح ولده فلما استجاب للأمر ونجح في الامتحان أتاه الله موهبة «الإمامة» ومنصب الإمامة قال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ «يعني نجح في الامتحان» قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ.

لذلك ورد عن الإمام الصادق : «أن الله أتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً، وأن الله أتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولاً، وأن الله أتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً، وأن الله أتخذه خليلاً قبل أن يتخذه أماماً فلما أبتلاه بولده فقام بما أبتلاه به﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا.

الرسول له وظائف ثلاث:

*الوظيفة الأولى: تبليغ الأحكام الشرعية، ولذلك نحن نقول النبي حجه في قوله، حجة في فعله، حجة في سكوته وإمضاءه النبي حجة، الرسول حجة في تمام شؤونه هذا التفصيل المذكور في كلمات بعض تفاصيل الباحثين، بعضهم حتى من الشيعةأن النبي أو الإمام حجة في مجال التشريع أو حجة في تبليغ الأحكام لا، هو «حجة مطلقاً» مقتضى عصمة أن يكون حجة مطلقاً في تمام أوضاعه حجة، قوله حجة، فعله حجة، سكوته حجة، إمضاءه حجة أي تصرفاُ، أي فعلاً، أي سكوتاً، أي شأناً يصدر منه فهو حجة فيه بمقتضى عصمة تمامه المطلقة هو «حجة مطلقاً» في كل ما يصدر منه، إذن المنصب الأول الوظيفة الأولى للرسول «الحجية المطلقة».

*الوظيفة الثانية: القضاء: القضاء بين الناس كما ورد عن النبي محمد : «أنما أقضي بينكم بالبيانات والإيمان فمن أقطعت له قطعة من أخيه فقد أقطعت له قطعة من النار» القضاء قضاءه حجة نافذ.

*الوظيفة الثالثة: الولاية، حكمه نافد سواء تعلق بالأنفس أو بالأعراض أو بالأموال.

هذه الوظائف الثلاث التي كانت للنبي تنتقل إلى الإمام من بعدة فالإمامة امتداد للنبوة في وظائفها الثلاث الحجية والقضاء ونفوذ الحكم المعبر عنه «بالولاية» هذه الأدوار الثلاثة تنتقل للإمام من بعدة فالإمامة امتداد للنبوة لذلك قال : ألست أولى بكم من أنفسكم؟، قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فهذا علياً مولاه «يعني ما ثبت لي من الولاية، ما ثبت لي من النفوذ ما ثبت لي من الحجية يثبت لهذا الشخص اللّهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدرِ الحق معه حيث دار».

المطلب الثاني:

نحن نقول بأن الإمامة جعلاً من قبل الله تبارك وتعالى، الإمامة ليست انتخاب، ولا ترشيح ولا شورى ولا بيعة ولا أي طريق من هذه الطرق، الإمامة بجعلاً من الله، بتنصيص من الله تبارك وتعالى، نحن لماذا نقول بهذا القول؟

الوجه الأول:

لأنه التشريع لم يكتمل تبلغيه في عصر النبي محمد أنتم تعرفون أن عمر الرسالة هو ثلاثة وعشرون سنة هل يعقل تبليغ الإسلام كله في ثلاث وعشرون سنة؟! لا يعقل، الإسلام خاتم الأديان قال تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ، بأن الإسلام خاتم الأديان إذن هو الدين المستوعب لكل شؤون الحياة، لكل قضايا الحياة، لكل تفاصيل الحياة، بما أن الدين مستوعب لكل قضايا الحياة ولكل تفاصيل الحياة لا يمكن تبليغ أحكامه في ثلاثة وعشرون سنة، ديناً يستوعب الحياة كلها لا يمكن تبليغه في ثلاثة وعشرون سنة خصوصاً أن النبي في ثلاثة وعشرون سنة كان مشغول بالغزوات، وكان مشغول بالحروب، وكان مشغول بكثير من الظروف المانعة والعائقة، إذن لا يمكنه أن يبلغ التشريع، لا يمكنه أن يبلغ الدين كاملاً في ثلاثة وعشرون سنة، لذلك قبض النبي والتشريع لم يكتمل تبليغه هذه مسألة عقلية أساسية لا مجال لإنكارها، قبض النبي والتشريع لم يكتمل تبلغيه لا أنها لم يكتمل «لم يكتمل تبلغيه».

ولذلك الناس تمزج، أناس تأتي وتستدل لك بهذه الآية: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْالنبي قال والقرآن قال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناًقال القرآن، يا أخي الآية قالت: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْولم تقل: ﴿أكملت لكم تبليغ دينكم «فرق بين أكمل الدين وأكمل تبليغ الدين» الدين أتكمل في عصره الدين أكتمل في زمانه أما تبليغه فلم يكتمل، لا يعقل تبليغ الدين بتمامه في ثلاثة وعشرون سنة، نعم التشريع نزل عليه متكامل وأكتمل على يديه ولكنه لم يسعه تبليغه كله، لم يسعه تبليغه بتمامه لأنه عمر الدعوة لا يحتمل ذلك: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ لكن ما أكملت تبليغه.

إذن النبي قضى والتشريع لم يكتمل تبلغيه وهذه حاجة أحس بها المسلمون أنت إذا تقرأ التاريخ أختلف الصحابة في حد شارب الخمر وأختلف الصحابة في قطع يد السارق وأختلف الصحابة في حد الرجم، لماذا اختلفوا؟! لأن الدين لم يكتمل تبلغيه لو أن الدين أكتمل تبلغيه لم أختلف الصحابة في كثير من القضايا والأحكام.

إذن بالنتيجة: الدين لم يكتمل تبلغيه فاحتاج إلى أن توكل هذه المهمة أكمل تبليغ الدين إلى شخص عالماً بالدين بتفاصيلها من قبل النبي ، إذن هناك حاجة إلى جعل إمام ما دام الدين لم يكتمل تبلغيه فالعقل يقول لا بد من تنصيص النبي على إمام لابد من جعل النبي لإمام يقوم ويتكفل بإكمال تبليغ الدين بتمام تفاصيله إلى الأمة من بعد النبي ، وهذا ما حدث «علمني رسول الله ألف باب من العلم في كل باب يفتح ليّ ألف باب».

إنما المصطفى مدينة علم   وهو  الباب من أتاه iiأتاها

قال رسول الله : «أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأتها من بابها»، «أعلمكم علي وأقضاكم علي» لا يوجد أحد من المسلمين ينكر هذا، جميع المسلمين يعترف بأن علي أعلم الصحابة وأعرفهم بالدين هذا لا ينكره مسلم ولا يشك فيه مسلم لأنه تتلمذ على يد النبي منذٌ صغر سنه «وكنت أتبعه أتباع الفصيل لأثر أمه، ولا وجد ليّ كذبة في قول ولا خطلة في فعل».

وهذا ما ورد عن الإمام الصادق : عندما قال وأن عندنا الجامعة، قيل وما الجامعة؟ قال: كتاب بإملاء رسول الله وخط علي بن أبي طالب فيه جميع ما يحتاجه الناس من حلال وحرام حتى أرش الخدش إلى يوم القيامة» تشريع متكامل عندنا ونحن مأمورون وتبلغيه، وإنما هي أصول علم نتوارثها من كابراً عن كابر عن محمد رسول الله .

الوجه الثاني:

مرجعة فهم القرآن الكريم وتفسير القرآن الكريم لا يمكن لمسم أن ينكر أن في القرآن آيات متشابهات هذا لا أحد يمكن أن ينكره قال تعالى: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا

تأويله: يعني أرجع متشبهات إلى محكمات هذه عملية التأويل وتفسير المتشابهات لا بد من وجود مرجعاً فيها لا يمكن للنبي أن يمهل الأمة منذُ أن يضع مرجعاً في تفسير هذه المتشابهات هذا غير معقول، وإلا يبقي القرآن كتاباً ناقصاً جزء من آياته لا يمكن لأمة أن تعمل بها لأنها آيات متشابهات جزء من القرآن لا يمكن لأمة تطبيقه لأنها آيات متشابهات مع أن القرآن يقول: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُإذن لابد من نصب مرجعاً لتأويل القرآن وتفسيره.

أمثله:

المثال الأولى: قوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ، هل هذه آية واقعية؟ أسئل أي مسلم قول له هو يقول ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ، كثير من الأشياء غير موجودة في القرآن، كثيرا من الأحكام الشريعة غير موجودة في القرآن، ما معنى هذا الكلام؟! أما أن يكون هذا الكلام صادق ولا نرى كثير من الأحكام الشريعة في القرآن أو يكون هذا الكلام كاذب والقرآن منزه عن الكذب قال تعالى: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ إذن ما معنى ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ كيف؟! ما معنى قوله: ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ كثير من الأحكام لا توجد في الكتاب، إذن ما هو الحل؟! إذن معناه أن هناك شخصاً هو القادر على استخراج هذه الأحكام من الكتاب هو القادر على اقتناص هذه الأحكام من الكتاب وإلا نحن لا نستطيع الوصول إلى تمام الأحكام من قبل الكتاب قال تعالى: ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ.

المثال الثاني: ولذلك من جملة القضايا التي سمعتموها ووردت في قضايا أمير المؤمنين أنه أوتي بامرأة ولدت لستة أشهر إلى الخليفة الثاني فكادا أن يحكم عليها بحد الرجم فجاء أمير المؤمنين فقال: ولدها شرعياً ولا شيء فيها، كيف! وقد ولدت لستة أشهر؟! قال: لأن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ، وقال في آية أخرى: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرافمقتضى الجمع بين الآيتين أن تكون مدة الحمل ستة أشهر وهذا أقتنصه من الكتاب.

المثال الثالث: عندما أوتي بامرأتين تتنازعان في ولداً كل واحده تقول بأن الولد ليّ قال: خذوا من حليب من كلن منهما بنحو متساوي وضعوهما في ظرفين متساوين وضعوهما على الميزان فمن كانت ذات الحليب الأثقل فهي أم الولد دون الأخرى، قالوا: من أين أتيت بهذا؟! قال: لا هذا من الكتاب قال تعالى: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ. اقتناص هذه المعلومات من القرآن يحتاج إلى شخص عالماً بالقرآن عارفً بتأويله، مطلعاً على تفسيره الواقعي وإلا لا يمكن لأي شخص أن يقوم بهذه المهمة، أو يقوم بهذا الدور.

المثال الرابع: قوله تبارك وتعالى: ﴿‏وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَااليد تحديد اليد من الكتف من المرفق من الزند من أطراف الأصابع، تمام الأصابع أربعة أصابع، تحديد اليد كل هذه الأمور من المتشبهات التي يحتاج تأويلها إلى من يعلم التأويل ومن يعلم التأويل؟! هنا قال في الآية المباركة: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، من هم الراسخون في العلم؟! فسرتها آية أخرى وضربوا القرآن بعضه ببعض قوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ «77» فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ «78» لَّا يَمَسُّهُ «يعني لا يناله المس بمعنى النيل بمعنى المعرفة» إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «يعني الراسخون في العلم هم المطهرون»، ومن هم المطهرون؟! تفسرها آية ثالثة: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًافعلمنا أن الراسخين في العلم هم المطهرون والمطهرين هم أهل البيت «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين»، ولذلك دخل قتادة على الإمام الباقر قال: يا قتادة بلغني أنك تفسر كتاب الله قال: نعم قال: أن كنت تفسره من برأيك فقد هلكت وأهلكت، لأنه النبي يقول: «من فسره القرآن برئيه فليتبوأ مقعده من النار»، وأن كنت تفسره من قبل الرجال فقد هلكت وأهلكت، أنما يعرف القرآن من خوطبه به من الذي خوطبه به؟! وما هو إلا عند الخاصة من ذرية نبينا محمد ، «وما ورثك الله من كتابه حرفاً»، قال تعالى: ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِولذلك ورد في الرواية المعتبرة أن من عنده علم الكتاب علي بن أبي طالب.

الوجه الثالث:

تعرفون أن المجتمع الإسلامي بعد وفاة النبي محمد كان مجتمع مطرباً وهذا أيضاً لا يمكن إنكاره كل المؤرخين يقولون بذلك مجتمع مطرب داخلياً وخارجياً يعني لعامل داخلي ولعامل خارجي:

العامل الخارجي: واضح المجتمع الإسلامي كان محاط بدولة الروم ودولة الفرس وكان معرض للغزو، وكان معرض للتدمير في كل وقت.

العامل الداخلي: هو القرآن الذي ذكره وليس نحن ذكرناه بعضهم يصور أن النبي أوجد مجتمع كله مؤمن كله متدين، كله يقاتل في سبيل الله، وجاءتنا نظرية الصحابة، نظرية الصحابة تقول: كل من عاشه مع النبي ورآه وسمعه فهو صحابياً جليلاً عظيماً...، هذا الكلام مخالف لتاريخ ولمنطق القرآن تماماً القرآن يقول: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ، لو كان المجتمع مجتمع إيماني لمَ كان في معرض الانقلاب هذا أمر واضح نحن ليس مغفلين لو كان المجتمع كله مؤمن صالحاً لو كان كل صحابة الرسول مؤمنين صالحين لمَ كان في معرض الانقلاب وفي معرض الارتداد بمجرد موت النبي قال تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ.

إذن هناك ضعف داخلي، ضعف إيماني وقوله تبارك وتعالى: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ، إذن هناك فئة منافقة تحيك المؤامرات من داخل المجتمع الإسلامي القرآن الكريم يقول: ﴿إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ «9» فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «10» وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ، إذن القرآن نفسه ينطق بأن هناك إطرابا وضعفاً إيماني داخل المجتمع الإسلامي نفسه، فإذا كان المجتمع الإسلامي معرض لضعف الخارجي ومعرض لضعف الداخلي مجتمع مطرب إذن لا يمكن للنبي وهو السياسي المحنك الحكيم أن يترك هذا المجتمع على علاته وعلى اختلافه وعلى ضعفه من دون أن ينصب له قائد موثوقا به من قبله هذا غير ممكن، إما أن هذا القائد بانتخاب أو بالبيعة أو بالشورى فكل ذلك يتنافي مع قوله تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ما كان خيراً لهم يختاروه الله ويعينه الله وينص عليه لله وليس بيدهم قال تعالى: ﴿أَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ أما أمر الله فليس بيدهم لا تنافي بين هاتين الآيتين آية تقول: ﴿أَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْهذه أية، وآية تقول: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ أمرهم: يعني أدارة أموالهم، غدارة شؤونهم الاجتماعية، إدارة أسرهم هذه بيدهم ﴿أَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ لأن هذا من «أمورهم الدنيوية» فهو بيدهم.

أما الإمامة فليست من الأمور الدنيوية المادية كي تكون موضع للشورى وموضع للانتخاب والترشيح بين المسلمين الإمامة من «الأمور الدينية» وبما أنها من الأمور الدينية إذن مرجعها ليّ مصدر الدين نفسه ومنبع الدين نفسه قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ، قال تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ.

الوجه الرابع:

الوجه النقلي القرآن الكريم بنفسه قد دل على أن الإمامة جعل إلهي قال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَأو قوله تبارك وتعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ، جعل من قبل الله تبارك وتعالى، هذا في «زمن الحضور» يعني في زمن حضور المعصوم الإمامة الولاية نفوذ الحكم بعجل من قبل الله تبارى وتعالى، إمام في «زمن الغبية» فهل الولاية بمعني الولاية ونفوذ الحكم جعل أو انتخاب؟! هذا موضوع خلاف بينا فقهائنا:

الإمام الخميني «قدس سره»: كان يرى أن الإمامة والولاية في عصر الغيبة في عصر غيبة الإمام الولاية: بمعنى نفوذ الحكم للفقيه الجامع للشرائط وهذا هو معنى القول بولاية الفقيه يعني ولاية الحكم ونفوذ الحكم في عصر الغيبة للفقهية الجامع للشرائط كما أن الإمام المعصوم امتداد للنبي الفقيه امتداد للأئمة المعصومين فالولاية تنتقل إليه للفقيه الجامع للشرائط وبالتالي تكون الولاية عني نفوذ الحكم في عصر الغيبة جعلية أيضاً وليست انتخابية، يعني ليس الأمر بالانتخاب وليس الأمر بالشورى وإنما هم بالجعل غاية ما في الأمر أنه جعلاً عام وليس جعل خاص يعني بالنسبة للأئمة المعصومين كان جعل خاص بالنسبة للفقهاء جعل عام باعتبار ما ورد في الحديث الشريف «فإما القضايا الواقعة فرجعوا فيها إلى رواتي حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله».

رأي سيدينا الخوئي «قدس سره» وتلامذته: بأنه لا الولاية في عصر غيبة الإمام الولاية بمعني: نفوذ الحكم تتبع ما عليه المجتمع العقلائي في كل زمان بحسبه بمعنى أن الدستور والقانون يجب أن يكون قانون إسلامي القانون والدستور قانون إسلامي مستفاد من الكتاب والسنة، إما شخصية الحاكم الحكم لا بد أن يكون بالقانون المستفاد من الكتاب والسنة إما شخصية الحاكم فلا يلزم أن يكون هو فقيه ولا موجب لئن يكونه هو فقيه الجامع للشرائط «فهناكفرق بين الحكم والحاكم» الحكم: دستور الحكم قانون الحكم هو القانون المستفاد من الكتاب والسنة أن أمكن تطبيقه، وإما شخصية الحاكم فلا يلزم أم يكون هو الفقيه الجامع للشرائط بل بأن يكون الحاكم منتخب بالطريقة العقلائية يعني بالطريقة التي يسير عليه العقلاء، إذا المجتمع العقلائي في كل بلد أنتخب رئيس له عن رضا وقناعة وكان مسلماً عادلا فهذا كافي وأن لم يكن فقيهاً جامعاٌُ للشرائط هذا اختلاف في النظرية بين الفقهاء في من له الولاية الحكم في عصر غيبة المعصومين «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين»، وإما في «عصر الحضور» فهو كما قلنا بالتعين والجعل.