الدرس 36

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

لا زال الكلام في الجمع بين صحيح «لا تعاد» وبين موثق أبي بصير فهو قوله : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»، وقد ذكرت عدة وجوه للجمع بينهما الوجه الأول ما ذكره الشيخ الأعظم قدس سره وتبعه كثير من الفقهاء بأن صحيح «لا تعاد» حاكم على موثق أبي بصير فقد ذكرنا أمس أن السيد الإمام قدس سره أشكل على الحكومة بأنها غير عرفية لأن لسان «لا تعاد» ولسان عليه الإعادة متنافران فلا يصلح أحدهما أن يكون حاكما على الآخر ويلاحظ على ما أفاد قد سره مضافا إلى أن هذا إشكال ذكره سيد المستمسك قدس سره في الجزء الأول من المستمسك في بحث الصلاة في اللباس النجس تعرض وأجاب عنه صاحب المستمسك نفسه في الجزء السابع في بحث الخلل المهم أن هذا الإشكال مدفوع نقضا وحلا أما نقضا فلان لازم ذلك عدم حكومة «لا تعاد» على سائر الأدلة التي عبرت عن الشرطية أو الجزئية بالحكم كما في قوله في موثق أبن بكير فالصلاة في وبره وشعره وروثه ولبنه وكل شي منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة فأنه يأتي فيه نفس الإشكال وهو أن الجمع بين لسان الصلاة في شعره فاسد وبين لسان «لا تعاد الصلاة» تنافر ولا يكون أحدهما حاكم على الآخر وكذلك مثلا فيما ورد أن القهقهة تنقض الصلاة ويقال أيضاً لا حكومة لحديث «لا تعاد» على مثل هذا الدليل لو قهقه ساهيا أو جاهلا بالحكم عن قصور لمن لأن بين لسان تنقض الصلاة ولسان لا تنقض السنة الفريضة تنافر وهكذا ولا يضن به قدس سره أن يلتزم بعدم الحكومة بهذه الموارد المتعددة وأما الحل فقد ذكرنا في بحث التعارض أن الحكومة على أقسام ثلاثة:

القسم الأول الحكومة التفسيرية: وهي ما تضمنت أداة من أدوات التفسير كما في هذه الرواية حيث قال له السائل أليس لا يعيد الصلاة فقيه قال: ذلك لمن شك بين الثلاث والأربع فإن قوله: «ذلك لمن شك» تفسير إلى الرواية المعروفة «لا يعيد الصلاة فقيه» فهي حاكمة عليها حكومة تفسيرية

القسم الثاني الحكومة التنزيلية: وهي أن يكون الدليل الحاكم متصرفا في الدليل المحكوم موضوعا أو محمولا أو كما عبر السيد الإمام قدس سره علة أو معلولا فإن بين قوله لا صلاة إلا بطهور وقوله الطواف بالبيت صلاة حكومة تنزيلية حيث إن الدليل الثاني نزل الطواف منزلة الصلاة فكان متصرفا في موضوع الدليل المحكوم

القسم الثالث الحكومة المضمونية: وقوام هذا القسم من الحكومة بأن يكون ظاهر السياق الدليل الثاني المفروغية عن وجود الأول بحيث لولا المفروغية عن وجود دليل سابق لما صح هذا الدليل فمتى كان ظاهر سياق دليل المفروغية عن وجود دليل سابق كان الثاني ناظرا للأول والملاك في الحكومة هو النظر فمثلا بالنسبة إلى دليل ما جعل عليكم في الدين من حرج أو دليل لا ضرر ولا ضرار ظاهر سياقهما أن هناك أحكاما فرغ عن ثبوتها أريد تضييق دائرتها بفرض عدم الحرج أو عدم الضرر فحكومتها على الأدلة الأولية حكومة مضمونية، وهذا الميزان الذي ذكرنا ينطبق على النسبة بين صحيح «لا تعاد» وبين أدلة الأجزاء والشرائط والموانع ومنها موثق أبي بصير الدال على مانعية الزيادة حيث إن مرجع قوله: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» إلى الإرشاد إلى مانعية الزيادة فإذا عرض على العرف صحيح «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة» إلى قوله: «لا تنقض السنة الفريضة» كان ظاهر في وجود سنن وفرائض ووجود صلاة مؤلفة من حدود معينة وهذا الحديث ناظر لتلك الحدود ومبين أن من اخل بحد من تلك الحدود فإن كان ما اخل به سنة لم يكن إخلاله ناقضا للفريضة، فحيث إن ظاهر سياق «لا تعاد» المفروغية عن ثبوت الحدود كان بهذا الظهور حاكما على موثق أبي بصير الدال على حد من الحدود ألا وهو مانعية الزيادة، فليس المناط في القسم الثالث من الحكومة أن يكون بين اللسانين تسالم أو تناسب، وإنما المناط هو أن يكون ظاهر الثاني المفروغية عن الأول، وبعبارة أدق أن نقول: صحيح أنه يعتبر في المبرز للحكومة المسالمة ولكن يكفي في المسالمة بين اللسانين ظهور سياق الثاني في المفروغية عن الأول، والنتيجة أن لا تصادم بين الدليلين. فما ذكر من الإشكال محل نظر وتأمل.

الوجه الثاني: دعوى أن موثق أبي بصير اخص مطلقا من صحيح «لا تعاد» فيتقدم عليه تقدم الخاص على العام، وبيان ذلك بوجهين:

الوجه الأول: أن يقال أن مفاد صحيح «لا تعاد» في قوله: «والسنة لا تنقض الفريضة» أن نقيصة السنة لا توجب انتقاض الفريضة، والسنة على قسمين: إذ تارة تكون السنة أمرا وجوديا كاعتبار الاطمئنان كاعتبار التشهد كاعتبار القراءة، وتارة تكون السنة أمرا عدميا كاعتبار عدم القهقهة كاعتبار عدم الكلام الآدمي وهكذا... ومفاد موثق أبي بصير الذي يقول: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»، أن من اخل بالسنة العدمية وهي عدم الزيادة، أعاد صلاته، فلا محال يكون مفاد موثق أبي بصير اخص مطلقا من صحيح «لا تعاد» لأنه وارد في خصوص الإخلال بالسنة العدمية في مسالة الزيادة.

ولكن يلاحظ على ذلك: أننا لو سلمنا أن مفاد صحيح «لا تعاد» أن نقيصة السنة لا توجب انتقاض الفريضة لو سلمنا أن مفاده كذلك، فمع ذلك لا تكون النسبة بينهما عموما وخصوصا مطلقا، والسر في ذلك أن حديث «لا تعاد» لا يشمل الأركان لأنه يقول أن نقيصة ما ليس بركن لا يوجب انتقاض الفريضة بينما موثق أبي بصير عام في الأركان وغيرها، وهو يقرر أن نقيصة شرط العدمي في الأركان وعدمها موجب للإعادة، فبلحاظ ذلك تكون النسبة بينهما عموما من وجه.

الوجه الثالث: ما في كلمات السيد الأستاذ دام ظله من أن مانعية الزيادة من السنن لا من الفرائض ولو كانت في الأركان فمؤدى كلامه أنه ظاهر قوله ظاهر الصدر في صحيح «لا تعاد الصلاة إلا من خمس»، هو النظر لمطلق الخلل فكأنه قال: لا تعاد الصلاة من خلل إلا إذا كان الخلل في الخمسة زيادة أو نقيصة، ولكن حيث أن التعليل ذكر في الذيل وهو قوله: لا تنقض السنة الفريضة فعلمنا بمقتضى التعليل أن إطلاق الصدر ليس مرادا وإنما المراد هو أن كل خلل بالسنة فهو غير ضائر، وكل خلل بالفريضة فهو ضائر، وبما أن مانعية الزيادة من السنن لا من الفرائض لأن مانعية الزيادة ثبتت بالرواية لا بالكتاب، فبما أن مانعية الزيادة ثبتت بالرواية لا بالكتاب إذن فمانعية الزيادة من السنن، وقد أفاد التعليل أن الإخلال بالسنة غير ضائر فلا محال أن الإخلال بمانعية الزيادة غير ضائر ولو كانت الزيادة في الأركان، فبهذا اللحاظ تكون صحيح «لا تعاد» اعم لأن حديث «لا تعاد» يقول كل إخلال بالسنة غير ضائر ومن السنن مانعية الزيادة سواء كانت في الأركان أو غيرها، وموثق أبي بصير يقول: الإخلال بمانعية الزيادة مضر فيكون مفاده اخص مطلقا، فيقدم من باب الاخصية.

ويلاحظ على ذلك: أولا بأن التعليل المذكور في الذيل، وإن كان هو المناط عموما وخصوصا إلا أن ظاهر التعليل هو أن موضوعه الخلل، وان كل خلل بالسنة غير ضائر وكل خلل بالفريضة ضائر وحيث إن عنوان الخلل لم يتصد الشارع لبيانه فالمرجع هو ما كان خللا بالسنة عرفا أو ما كان خللا بالفريضة عرفا وزيادة الفريضة بالنظر العرفي خلل بالفريضة عرفا وليس خلل بالسنة فإذا قال الشارع الفريضة هي الركوع، فنقص الركوع أو زيادته خلل بالفريضة بحسب النظر العرفي، وإن كان دقة هو خلل بالسنة لأن مانعية الزيادة مما ثبت بالسنة لا بالكتاب فما دام الضابط المذكور بالتعليل هو أن المدار على صدق الخلل عرفا سواء كان الخلل بالسنة فلا يضر أو خللا بالفريضة فيضر، ويصدق الخلل عرفا بالفريضة بزيادتها كان داخلا في المستثنى لا بالمستثنى منه فالمستثنى منه لا يشمل زيادة الفريضة وبالتالي فتكون النسبة بين مفاد المستثنى منه وبين موثق أبي بصير عموما من وجه.

وثانيا: لو أصر شخصا بأن المناط على صدق الخلل شرعا وان مانعية الزيادة من السنن فالإخلال بالزيادة في الفرائض وغيرها إخلال بالسنة دقة.

وعلى أية حال إذا قلنا بأن حديث «لا تعاد» كما ذكرناه سابقا لا يشمل موارد العمد بينما موثق أبي بصير «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» يشمل الزيادة السهوية والزيادة العمدية فبهذا اللحاظ تكون النسبة بينهما عموما من وجه، وهو ما أجاب به السيد الأستاذ دام ظله.

هذا هو الوجه الثالث.

الوجه الرابع: أن يدعى أن الموثق مجمل والمجمل لا يعارض المبين، وبيان ذلك أن يقال: إن قوله: «من زاد في صلاته» لم يذكر فيه المتعلق، حيث لم يبين من زاد في صلاته ركعة، زاد في صلاته فعل، زاد في صلاته جزء، فحذف متعلق الزيادة فقال: «من زاد في صلاته»، وبما أن المتعلق مجهول فالقدر المتيقن منه من زاد ركعة في الصلاة، إذن فحيث لا يحرز شمول الموثق لزادة تشهد أو سجدة إذن فلا يكون معارضا لإطلاق لا تنقض السنة الفريضة، ودعوى أن حذف المتعلق يدل على العموم كما في مختصر التفتازاني مدفوعة بأن مرجع هذه القاعدة وهي أن حذف المتعلق يدل على العموم إلى التمسك بالإطلاق أي إطلاق المتعلق والتمسك بالإطلاق فرع إحراز المراد الاستعمالي من المطلب؛ لأن الإطلاق عبارة عن اكتشاف إطلاق الإرادة الجدية بعد المفروغية عن تحديد ما هو المراد الاستعمالي فإذا كان المراد الاستعمالي مجهولا ومجملا فالإطلاق منتف بانتفاء موضوعه فهذا نظير أن يقول عليك بجارك ولا يدري عليك بجارك يعني عليك بإكرامه أو عليك بضربه حيث لم يبين ما هو متعلق عليك، فحينئذ لا وجه للتمسك بالإطلاق لأن الإطلاق للمراد الجدي فرع إحراز ما هو المراد الاستعمالي والمفروض أن أصل المراد الاستعمالي هو مبهم وكذلك الأمر في المقام، فمع إجمال موثق أبي بصير فلا معارض لصحيح «لا تعاد».

ويلاحظ على ذلك أولا: أنه لا حاجة في قوله: زاد في صلاته، إلى ذكر المتعلق فإن المتعلق هو نفس كلمة في صلاته، ولهذا نظير أن يقال فلان زاد في الدوام فهل يحتاج إلى متعلق أو فلان زاد في الأكل أو الثرثرة فهل يحتاج إلى متعلق فالمقصود في سائر الأمثلة هو شيء واحد وهو زاد في الحد فزاد في الكلام زاد في الطعام يعني زاد في الحد فقوله: من زاد في صلاته من زاد في طوافه فلا يحتاج إلى ذكر المتعلق فإن هذا هو متعلقه فكأنه قال من تجاوز الحد المأمور به في صلاته فعليه الإعادة، فليس المورد من موارد عدم ذكر المتعلق كي يكون المقام مجملا.

وثانيا على فرض أن هناك متعلقا محذوفا وإنما ذكرنا فيما سبق أن هذه القاعدة أن حذف المتعلق يدل على العموم صحيحة خلافا لما ذهب إليه السيد الصدر قدس سره في بحثه حول حديث الرفع، وذكرنا أن هذا من باب اكتشاف الإطلاق لا بمقدمات الحكمة كي يقال إن هذا فرع إحراز المراد الاستعمالي بل من باب اكتشاف الإطلاق بالقرينة السياقية فإن حذف المطلق سياق من السياقات فهذه قرينة سياقية على عموم المتعلق. وقد فصلنا الكلام في هذه القرينة فيما سبق فليراجع.

فتلخص بذلك أن موثق أبي بصير ليس مجملا من هذه الجهة كي لا يصلح لمعارضة صحيحة «لا تعاد» ويأتي الكلام في بقية الكلام.

والحمد لله رب العالمين