الدرس 41

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا فيما سبق أن ترجيح صحيح لا تعاد على موثق أبي بصير بموافقته للنبوي وهو حديث الرفع يتوقف على دلالة حديث الرفع على صحة الصلاة صحة واقعية، ودلالة حديث الرفع أي رفع عن أمتي ما لا يعلمون، على صحة الصلاة صحة واقعية إذا شك في أن الزيادة مانعة من الصحة أم لا، قلنا: يتوقف ذلك على مطلبين:

المطلب الأول: أن يكون الرفع في حدث الرفع رفعا واقعيا، بمعنى أن مانعية الزيادة حال الجهل مرتفعة واقعا، فمقتضى الرفع الواقعي أن تكون الصلاة المخاطب بها المكلف حال الجهل الصلاة لا بشرط من حيث الزيادة وعدمها، وذكرنا أن الأعلام هنا على قسمين: قسم يرى أن الرفع في حديث الرفع رفع واقعي نظير ما وقعه سيد المنتقى «قدس سره» ج4 ص387، من أن الحكم المجهول ليس ثابتا واقعا في حق المكلف الجاهل فالرفع رفع واقعي، وقسم آخر من الأعلام ومنهم السيد الخوئي والسيد الصدر كما ذكر ذلك السيد الصدر في الجزء الخامس من بحوثه ص41، يذهبون إلى أن الرفع ظاهري والمقصود بالرفع الظاهري رفع إيجاب الاحتياط، أي أن المكلف إذا شك في أن الزيادة مانع من صحة الصلاة أم لا فلا يجب عليه الاحتياط وإلا المانعية لو كانت لم ترتفع واقعا.

وأما السيد الإمام «قدس سره» فقد نسبنا إليه فيما سبق يوم أمس أنه يرى أن الرفع واقعي ولكن بالمراجعة إلى كلماته يحصل اضطراب في فهم كلماته، فإذا لوحظ ما ذكره في بحث الترتب ص306 من هذا الجزء طبعة قديمة، قال: فتلخص أن الأحكام تنقسم إلى إنشائي وهو ما لم ير الحاكم صلاحا في إجرائه، أو رأى صلاحا ولكن أنشئ بصورة العموم ليلحق به بعد ذلك قيوده هذا يسمى حكم إنشائي، والى حكم فعلي قد بين وأوضح بخصوصه وقيوده وان وقت إجرائه وإنفاذه، فإذا حصل عائق عن وصول الحكم إلى المكلف أو كان المكلف قاصرا عن إزاحة علته أو عرض له  يعني المكلف  مانع كالعجز والاضطرار عن القيام بمقتضى التكليف فإن ذلك لا يوجب سقوط الحكم عن فعليته ولا يمس بكرامته ولا يسترجعه إلى الوراء فيعود إنشائيا  فإن ظاهره أن الحكم في حال الجهل حكم فعلي، بل الحكم في حال العجز حكم فعلي لا إنشائي  ثم قال: والسر في ذلك أن غاية ما يحكم به العقل أن المكلف إذا طرا عليه العذر أو دام عذره أو جهله، فليس مستحقا للعقاب، لا أن الحكم غير فعلي، فيخرج عن زمرة الطاغين وعداد المخالفين لعدم مخالفته عن عمد، وأما كونه خارجا من موضوع التكليف  يعني بحيث يكون الرفع واقعي  بحيث تختص فعلية الحكم بغير الجهال وذوي الأعذار فلا وجه له، فظاهر هذا الكلام أن الحكم في حال الجهل فعلي فلا محال يكون رفعه ظاهريا.

وإذا لاحظنا كلامه في حديث الرفع ص35 من الجزء الثالث من التهذيب الطبعة الجديدة، قال: وأما ما لا يعلمون، فالرفع فيه لأجل إطلاق الأدلة وظهورها في شمول الحكم للعالم والجاهل بلا فرق  يعني لو كنا نحن والأدلة لكان ظاهرها الشمول للعالم والجاهل  كما هو المختار في الباب  يعني أن لها إطلاقا  ولو لم نقل بالإطلاق فلا شك في قيام الإجماع على الاشتراك في التكاليف  يعني أن الخطابات الأولية مشتركة بين العالم والجاهل إذن فما معنى الرفع  فالرفع لأجل ثبوت الحكم حسب الإرادة الاستعمالية  يعني مجرد عموم لفظي  لكل عالم وجاهل، وإن كان الجاهل خارجا حسب الإرادة الجدية  يعني الخطاب لا يشمل الجاهل جدا إنما يشمله استعمالا وصورة وإن كان الجاهل خارجا حسب الإرادة الجدية وإنما المناط في حسن الاستعمال، إذن لماذا استعمل الخطاب عام يقول: المناط في حسب الاستعمال على الإرادة الاستعمالية، فظاهر هذا الكلام يرى الرفع الواقعي لأن الجاهل ليس مراد جدا من الخطابات.

وقال في ص37 أيضاً من بحثه حول حديث الرفع: ولا شك انه لا تلحظ النسبة بين هذه العناوين  يعني عنوان الجهل والاضطرار والإكراه العناوين الموجودة في حديث الرفع  وما تضمنته الأدلة الواقعية لحكومته  يعني حديث الرفع  عليها  على الأدلة الواقعية  كحكومة أدلة نفي الضرر والعسر والحرج عليها.

ومن الواضح أن حكومة دليل لا ضرر ودليل لا حرج على الأدلة الأولية حكومة واقعية لأن لازمها ارتفاع الحكم واقعا في حال الضرر والحرج.

ولكن يظهر منه في بحث الإجزاء بيان ثالث لا رفع واقعي ولا رفع ظاهري حيث قال: حيث ذكر في بحث الإجزاء مطلبين: المطلب الأول: أن أصالة الطهارة حاكمة على أدلة الشروط فإذا قال المشرع مثلا: صل بثوب طاهر، فظاهره انه يشترط في صحة الصلاة ساتر العورة، فإذا شك المكلف أن ساتر عورته طاهر أم لا يجري أصالة الطهارة،  طبعا هذه مقالة صحاب الكافية أيضاً  قال: وأصالة الطهارة حاكمة على قوله: صل بثوب طاهر.

طيب ما هذه الحكومة؟ حكومة ظاهرية يعني ما دام الشاك فإذا انكشف الخلاف أعاد صلاته أو حكومة واقعية بمعنى أن مفاد أصالة الطهارة أن الساتر طاهر واقعا فتكون صلاته صحيحة ما يريد أن يقول الآن اذكر ما قال فأفاد في ص494 في مقام نقاشه للمحقق النائيني  والحاصل أن القائل بالإجزاء هو يرى الإجزاء يعني من استخدم أصالة الطهارة عن الشك في طهارة ساتر العورة ثم انكشف له بعد ذلك أن الثوب نجس فصلاته صحيحة، والحاصل أن القائل بالإجزاء لا يدعي أن أصالة الطهارة حاكمة على أدلة النجاسات وأنها  يعني ساتر العورة  طاهرة لا يقول بأن الثوب طاهر بل يقول إنها محفوظة في واقعيتها يعني الثوب نجس واقعا وان ملاقيها نجس لو افترضنا أن هذا الثوب الذي صلى فيه لاقاه فراشه الفراش يتنجس النجاسة تؤثر أثرها إذن ما معنى الحكومة لكن يدعي حكومتها على الدليل الذي دل على طهارة ثوب المصلي حيث قال صل بثوب طاهر يحكم فقط على الدليل هذا وانه لا بد أن يكون طاهرا وخلاصة حكومتها أن ما هو النجس واقعا يجوز ترتيب آثار الطهارة عليه في ظرف الشك ومن تلك الآثار إتيان الصلاة المشروطة بالطهارة يأتي بها ولازمه لازم ذلك تحقق مصداق المأمور به فإذا صلى في هذا الثوب المشكوك الطهارة اعتمادا على أصالة الطهارة فقد تحقق مصداق الصلاة المأمور بها بثوب طاهر تحققت ولازمه تحقق مصداق المأمور به لأجل حكومتها يعني أصالة الطهارة على أدلة الشرائط والموانع فراجع وجدانك ترك الحق ظاهرا.

ومن ذلك يظهر ضعف ما ذكره بعض الأعاظم من أن فما قال النائيني؟ النائيني ذكر إشكال وأجاب عنه فاختاروا إما الحكومة الواقعية أو حكومة ظاهرية بعد لا يوجد شق ثالث. فإن قلتم بأن الحكومة واقعية فمقتضاه أن الثوب طاهر فلا يتنجس ملاقيه وإن قلتم إن الحكومة ظاهرية فمقتضاها أن هذه الحكومة ما دام الجهل موجودا فإذا ارتفع الجهل وتبين انه نجس فلا مجال للحكم بالصحة هذا كلام النائيني، ويقول هذا كلام ضعيف، لماذا ضعيف؟ يقول: حيث تبين أن الخلط بين المقامين أوقع المستشكل فيما أوقعه النائيني خلط بين حكومة أصالة الطهارة على أدلة النجاسات نحن لم نقل إن أصالة الطهارة البارحة قلنا: إن أصالة الطهارة تحكم على أدلة النجاسات، وبين حكومة أصالة الطهارة على هذا الدليل فقط وهو صل بثوب طاهر وهذا الذي ادعيناه فقد عرفت أن الحكومة بين القاعدة يعني أصالة الطهارة ودليل شرطية الطهارة في لباس المصلي لا بينها يعني بالقاعدة وبين أدلة النجاسات نحن لم نقل بأن أصالة الطهارة حاكمة على أدلة النجاسات، إذ الحكومة عليها يعني حكومة أصالة الطهارة على أدلة النجاسات باطلة بضرورة الفقه فلا ينبغي للفقيه أن يتفوه بها أو يحتملها ولكن أين هذا من الحكومة على أدلة الشروط؟ يعني صال تبعيض في الحكومة، وحينئذ تصير النتيجة: توسع الأمر من الشارع في كيفية أداء العبادة فببركة أصالة الطهارة قد حصل توسع من الشارع ولا يأبى هذه الحكومة شيء لا ضرورة الفقه ولا حكم العرف.

ثم قال في ص193: فاغتنم فاني به زعيم والله به عليم هذا المطلب الأول.

المطلب الثاني الذي يخص كلامنا وهو التمسك بحديث الرفع فما الذي يفيد حديث الرفع مثلا شك في انه هل يشترط في صحة الصلاة عدم الزيادة وعدم تكرار الركوع أم لا يشترك فتمسك بحديث الرفع ورفع الشرطية ببركة حديث الرفع وصلى مع التكرار ثم انكشف له أن الزيادة يشترط عدمها في الصلاة تكون صلاته صحيحة واقعا طبق ما قاله في أصالة الطهارة على حديث الرفع انظروا إلى العبارة: وأما البراءة الشرعية فإن الظاهر من قوله رفع عن أمتي تسعة، هو رفع الحكم في الشبهات الحكمية حقيقة واختصاصه بالعالمين لكن لما كان ذلك مستلزما للتصويب الباطل حمل لا محالة على رفعه ظاهرا بعد ثبوته واقعا فيقول الرفع ظاهريا في حديث الرفع، ووجه الرفع هو الامتنان على الأمة وتوسيع الأمر عليهم بأن صار الرفع في مرحلة الظاهر فحينئذ إذا شك في جزئية شيء كما لو شك في جزئية السورة أو شرطيته أو مانعيته فمقتضى حديث الرفع مرفوعية المشكوك ظاهرا نلتزم بالرفع الظاهري لكن مع جواز  وليس ارتفع ظاهرا وخلصنا  ترتيب آثار الرفع عليه ومن الآثار إتيان العبادة على مقتضى الرفع يعني كان الشرطية غير معتبرة فات بالعبادة من دون مراعاة لهذا الشرط فيكون رخصة في إتيان المشكوك مع الإجزاء الباقية، وان شأت قلت إن الأمر  يعني ببركة حدث الرفع  قد تعلق بعنوان الصلاة الصادق على فاقد الجزء وواجده، يعني أن الصلاة المأمور بها واقعا صادقة على هذه الصلاة التي لم يراع فيها الشرط اعتمادا على حديث الرفع، بمعنى أن العنوان الذي تعلق به الأمر يجوز إتيانه بلا هذا الشرط أو بلا هذا الجزء ويكون العبد ذا حجة في امتثاله ولا معنى حينئذ للإعادة مع أن الرفع ظاهري لكن لا معنى للإعادة ولا معنى حينئذ للإعادة والقضاء لأن عنوان الصلاة قد انطبق عليه صلى وترك القيد نشا من إذن الشارع، الشارع يقول له لا تراع القيد اعتماد على حديث الرفع، وترك القيد نشا من إذنه وإشارته إلى كيفية امتثال أمر الصلاة في ظرف الشك فإذا ورد قوله سبحانه: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل، هذا الدليل الأول: وفرضنا أن السنة دلت على اعتبار أجزاء وشرائط منها مثلا من زاد في صلاته فعليه الإعادة ثم حكم الشارع امتنانا على المكلف برفع ما لا يعلمون من الأجزاء والشرائط يفهم العرف أن كيفية إطاعة الأمر الأول في حالة الشك هو إتيان الصلاة من دون ذلك الشرط فإذا امتثله كذلك فقد امتثل قوله سبحانه: أقم الصلاة، بحكومة أدلة الرفع ومقتضاه الإجزاء، فهو السيد الإمام «قدس سره» يجمع بين كون الرفع ظاهريا وبين القول بالإجزاء.

وحينئذ فالملاحظة الواردة على كلامه «قدس سره» أن هذه الشرطية التي لم يراعها المكلف اعتمادا على حديث الرفع إما ثابتة واقعا في حقه أو مرتفعة، فإن كانت مرتفعة واقعا كما يقول به سيد المنتقى «قدس سره» فمن الواضح أن الحكومة حينئذ واقعية والرفع حينئذ واقعي، وإن كانت ثابتة واقعا فثبوتها لغوا في حقه إذ لا اثر لهذا الثبوت ما دام لو انكشف له الخلاف وانه صلى من دون مراعاة الشرط فصلاته صحيحة هو يقول بالإجزاء فصلاته صحيحة فما هو الأثر لثبوت الشرطية في حقه واقعا، فإن قلت لعل الأثر حسن الاحتياط وانه في حال الشك إذا شك في أن الصلاة مشروطة بالاطمئنان أم لا أو مشروطة بعدم الزيادة أم لا فاثر ثبوت الشرطية واقعا حسن الاحتياط بأن يصلي مراعيا للشرط احتياطا فإن قلت ذلك قلنا كما ذكرنا في بحث حديث الرفع بأن حسن الاحتياط عقلي ويكفي فيه الملاك الاقتضائي بلا حاجة لأن تكون الشرطية ثابتة واقعا، فحتى لو فرضنا أن الشرطة مرتفعة واقعا حال الجهل إلا أن ملاك الشرطة اقتضاء ثابت فثبوت هذا الملاك الاقتضائي كاف في حسن الاحتياط عقلا فلا يتوقف حسن الاحتياط عقلا على ثبوت الشرطية الواقعية، فلأجل ذلك لو التزمنا بأن الشرطة الواقعية ثابتة ومع ذلك التزمنا بصحة العمل لو اخل بهذه الشرطية جهلا فلازم ذلك أن يكون ثبوت الشرطية في حقه لغوا بلا اثر.

فلا محال إما أن يختار أن الرفع ظاهري كما قال به المشهور ومقتضاه عدم الإجزاء، أو يقول بأن الرفع واقعي كما يقول السيد المنتقى «قدس سره» ومقتاه الإجزاء وترتب سائر آثار الحكومة إذ لا معنى لأن نتحكم فنقول بأن أصالة الطهارة حاكمة بلحاظ دليل دون دليل آخر فإن مقتضى عمومها حكومتها على سائر الأدلة الأولية وكما قيل في ذلك في حديث الرفع أيضاً.

وأما ما قاله الشيخ علي حفظه الله من أن الذي ألزم بالقول بثبوت الشرطية واقعا وإن كان لا يترتب عليها اثر هو الفرار من محذور التصويب فقد أجيب عن محذور التصويب في كلماتهم ومنهم كلامه في بحث القطع من أن العلم يؤخذ شرطا في المجعول لا في الجعل، فيمكن الجمع بين الرفع الواقعي بمعنى رفع الفعلية والفرار من محذور التصويب بأن يكون العلم شرطا في المجعول وليس شرطا في الجعل.

يكفي في حسن الاحتياط احتمال الملاك الاقتضائي لأن جمعا منهم قالوا بأن ظاهر الامتنان في قوله ما جعل عليكم في الدين من حرج، في قوله: لا ضرر، في قوله رفع عن أمتي، ظاهره أن الملاك موجود وإنما رفع الشارع الإلزام امتنانا إذن ما دام الملاك موجود فهذا كاف في حسن الاحتياط، يقولون ظاهر هذه الألسنة لورودها في مقام الامتنان أن الملاك موجود وإنما رفع الشارع الإلزام فإذا كان ظاهر هذه الألسنة أن الملاك موجود إذن في النتيجة هذا كاف في حسن الاحتياط ولو لم يقم دليل على وجود الملاك فلأقل من احتماله.

والحمد لله رب العالمين