الدرس 47

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

الدليل الثالث على صحة الصلاة إذا اخل بجزء أو شرط عن اضطرار كما لو اضطر لزيادة سجدة أو اضطر لترك سورة نتيجة صلاته مع العامة فإن صلاته صحيحة بأدلة التقية، وأدلة التقية على طوائف ثلاث:

الطائفة الأولى: ما دل على ثبوت الحل عند عروض التقية، كما في صحيحة الفضلاء قالوا: سمعنا أبا جعفر يقول: التقية في كل شيء يضطر إليه ابن ادم فقد أحله الله، ووجه الاستدلال بهذه الطائفة يتوقف على مقدمتين:

المقدمة الأولى: وهذه المقدمة مهمة لأنها تسري في كثير من الأحاديث التي عبرت بنفس اللفظ - أفاد السيد الإمام «قدس سره» بتقريب منا: ليس المراد بالحل الحلية التكليفية، وإنما المراد من الحل في قوله: فقد أحله الله، الجامع بين الحلية التكليفية والحلية الوضعية، وبيان ذلك: أن الحضر والإيقاف جامع يجمع الحرمة التكليفية والوضعية، كما في قوله حرم الربا، فإن حرمة الربا بمعنى إيقافه، تكليفا ووضعا، كذلك عنوان الحل يراد به الجامع وهو النفوذ والمضي، فالحلال ما لم يقف فهو يكون ماضيا، وهذا المضي يجمع بين الحلية التكليفية، والحلية الوضعية، نعم، يتعين كون المراد الجدي هو الحلية التكليفية أو الوضعية بلحاظ المتعلق فإن كان المتعلق فعلا خارجيا أو كان المتعلق عينا من الأعيان، كان ذلك قرينة على كون المراد الجدي التكليف فلو قال: يحرم شرب الخمر، يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، كان ظاهرا في الحلية والحرمة التكليفيتين بلحاظ أن المتعلق من سنخ الأفعال وكذلك لو كان المتعلق من الأعيان كما في قوله: حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير، وقال: إلا ما ذكيتم، فإن ظاهره الحلية والحرمة التكليفيتان، وأما لو كان المتعلق عنوانا اعتباريا سواء كان هذا العنوان الاعتباري عبادة كالصلاة، أم كان معاملة كالبيع والنكاح وما أشبه ذلك كان ظاهر ذلك الحلية والحرمة الوضعيتان، فمثلا في قوله : إذا كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه، فإن ظاهرها هنا أن المراد بالحلية الحلية الوضعية أي صحة الصلاة، أو كما في قوله: احل الله البيع، فإن ظاهره نفوذ البيع، إذ لا يحتمل حرمة البيع تكليفا كي يتصدى الشارع لبيان حليته.

هذا بالنسبة إلى ظهور الحلية والحرمة في نفسه مع غض النظر عن القرائن، ثم أفاد «قدس سره»: بل إن هناك قرائن تؤكد أن المراد بالحلية في هذه الرواية الحلية الأعم بما يشمل الحلية الوضعية.

القرينة الأولى - هو لم يتعرض لها نحن نذكرها - وهي روايتان في باب الصلاة الأولى موثقة سماحة ح6 ب1 من أبواب القيام:

الرواية الأولى: سألته عن الرجل يكون في عينيه الماء، فينتزع الماء منها فيستلقي على ظهره الأيام الكثيرة أربعين يوما أو أكثر فيمتنع من الصلاة الأيام وهو على حاله، فإن ظاهر السؤال أنه لا يمتنع من أصل الصلاة بل يمتنع من الصلاة الاختيارية بلحاظ كونه مستلقيا، فقال: لا باس بذلك وليس شيء مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضر إليه، فإن ظاهر هذا الذيل أنه كبرى للحكم الذي ذكر في الرواية والحكم المذكور في الرواية هو صحة الصلاة فيظهر من ذلك أن صحة الصلاة مصداق لقوله: أحله الله، وإلا لم يكن وجه للتطبيق، فإذن هذه قرينة على أن هذا التعبير في الرواية وهو أحله الله شامل للحلية الوضعية.

والرواية الأخرى: موثقة أبي بصير ح7 من نفس الباب قال: سالت أبا عبد الله عن المريض هل تمسك له المرأة شيئاً فيسجد عليه فقال: لا، إلا أن يكون مضطرا ليس عنده غيرها، وليس شيء مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه، بتقريب أن ظاهر السؤال والجواب أنهما ناظران للصحة، وقد جعل الإمام الصحة مصداقا للكبرى وهو قوله: إلا وقد أحله، وهذا يعني أن الحلية تشمل الحلية الوضعية.

ومن القرائن التي ساقها هو قال: والصحيح بل أوضح منها موثقة سماحة عن أبي عبد الله قال إذا حلف الرجل تقية لم يضره إذا هو اكره أو اضطر إليه وليس شيء مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه فإن ظاهر ما ذكر في الصدر النظر للحكم الوضعي وهو أن قسمه نافذ أم ليس بنافذ، ثم جعل هذا الحكم الوضعي وهو النفوذ مصداقا للحلية، قال: وليس شيئا مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه، فإن قلت: أن هاتين العبارتين لم تردا في سياق واحد لأن الرواية قالت: قال أبو عبد الله وقال ليس شيء مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه، قلت: واحتمال كونه يعني هذه عبارة في مكان وهذه عبارة في مكان - واحتمال كونه حكما مستقلا ذكره الإمام في وقت آخر وقد جمع سماعة بينهما بعيد مخالف للأمانة في الحديث بعد احتمال وقوع الاشتباه معه في الدلالة يعني بما أن عرضهما في سياق واحد موهن عرفا لأن يكونا مرويا واحدا فالجمع بينهما في سياق مع كونهما في سياقين هذا خلاف الأمانة.

هذه المقدمة الأولى من كلامه.

المقدمة الثانية: إن الرواية شاملة لكل خلل زيادة أو نقيصة ركنا أو غير ركن بشرط انحفاظ عنوان الصلاة على الباقي بمعنى أن المعنى الخلل الواقع لم يخرج العمل عن كونه صلاة كما لو فرضنا أنه ترك الركوع والسجود اضطرارا واقتصر على القراءة فانه لا يصدق على ذلك عنوان الصلاة فتبطل وإن كان الترك اضطراريا لا لأجل عدم شمول الرواية بل لأجل عدم صدق عنوان الصلاة وقد ورد في الصحيحة الصلاة ثلاثة أثلاث الطهور والركوع والسجود، وأما إذا لم يكن الخلل رافعا لعنوان الصلاة كما لو ترك سورة أو زاد سجدة أو ترك ركوعا واحدا مثلا أو زاد ركوعا واحدا فانه مشمول للرواية، وقد يتوهم عدم عموم الرواية للنقيصة كما لو ترك سورة لأنها - يعني منشأ التوهم - لم تكن محرما ولا محكوما بحكم وضعي كي تحلل عند الإضرار - نفس الإشكال الذي ذكره في حديث الرفع - حيث إن الترك ليس موردا لا لحكم تكليفي ولا وضعي إذ لا اثر له فلا يصح له أن يكون موضوعا للرفع حال الاضطرار فلا شمول في الرواية للترك هذا التوهم فاسد. وذلك لأن من الواضح أن العقل والعرف تبعا لاعتبار الشارع يحكمان ببطلان الصلاة بالترك وانه لا يجوز الترك المبطل فكأنه يقول: إن الترك له حكم تكليفي ووضعي فهو حرام؛ لأنه إبطال للصلاة ومفسد وضعاً؛ لأنه يؤدي إلى بطلان الصلاة فحكم الشارع بأن الترك اضطرارا مباح لا مانع منه وقد أحله الله، فيفهم منه عدم بطلان الصلاة من ناحية النقيصة وقياس المورد - كأنما هذا دفع دخل - فإن قلت انتم ذكرتم أن حديث الرفع لا يشمل الترك لأن الترك لا اثر له تكليفا ووضعا فكيف ادعيتم في المقام أن له أثراً تكليفياً ووضعياً قال: وقياس المورد بحديث رفع الاضطرار مع الفارق كما يظهر بالتأمل، وربما يكون مقصوده «قدس سره» أنه حيث إن التعبير الوارد في حديث الرفع هو الرفع فلابد أن يكون للمرفوع في رتبة سابقة أثراً شرعياً كي يصح رفعه والترك ليس له اثر شرعي وأما في المقام فإن التعبير الوارد هو الحل حيث قال: وقد أحله الله، فلا يتوقف على أن يكون مورده هو ذا اثر شرعي في رتبة سابقة، بل يكفي في شمول قوله: فقد أحله الله له، أن المورد قابل لأن يترتب عليه الحلية الشرعية والترك حيث يحكم العقل والعرف بأنه لا يجوز وانه مفسد وذلك لأن مقتضى جزئية السورة أن تركها لا يجوز عقلا وانه لو حصل لكان مفسدا فحيث كان الترك موردا للحرمة التكليفية والوضعية العقليتين صار قابلا لأن يكون موضوعا للحلية الشرعية وهي حكم الشارع بالصحة، فما قال العقل عنه أنه يحرم تكليفا ووضعا أن حصل اضطرارا كان غير ضائر بالصحة شرعا.

فتلخص من كلامه «قدس سره» صحة الاستدلال بنظره على شمول: ما من شيء مما حرمه الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه، بمحل كلامنا وإثبات صحة الصلاة.

الطائفة الثانية: ما دل على الصحة مطلقا وان لم يكن هناك اضطرار، كما في موثقة مسعد بن صدقة وفيها: فكل شيء يعمل المؤمن بينهم - يعني بين العامة - لمكان التقية مما لا يؤدي إلى الفساد في الدين - بشرط أن لا تكون التقية سببا لفساد الدين - فانه جائز، وظاهر الجواز شموله للجواز التكليفي والوضعي فكل شيء بحسبه، فمثلا شرب النبيذ في حال التقية جائز تكليفا والوقوف مع العامة في عرفة جائز وضعا وصحيحة أبي الصباح الكناني وفيها: ما صنعتم من شيء أو حلفتم عليه من يمين في تقية فانتم منه في سعة فإن ظاهرها أن كل ما يحصل للمؤمن في حال التقية فهو في سعة منه والسعة تعم التكليف والوضع.

الطائفة الثالثة: ما ورد في الصلاة بالخصوص بعنوان الحد والترهيب، قال: بل في كثير من الأخبار الحث على الصلاة معهم والاقتداء بهم في صلاتهم والاعتداد بها كصحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله أنه قال: من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول الله ص في الصف الأولى. وصحيحة ابن سنان وفيها: وصلوا معهم في مساجدهم. وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه قال: صلى حسن وحسين عليهما السلام خلف مروان ورواية إسحاق بن عمار وفيها: فادخل معهم في الركعة واعتد بها فإنها من أفضل ركعاتك إلى غير ذلك مما هو ظاهر في الصحة مع أن الصلاة معهم كانت في العصر الأول إلى زمان الغيبة مبتلى بها بالنسبة إلى الأئمة وأصحابهم ولم يمكنهم التخلف عن جماعاتهم ومع ذلك كانوا يعتدون بها، كما أنهم - يعني يريد أن يقول: مضافا إلى الروايات كان في السيرة اعتداد بالصلاة معهم - كما أنهم كانوا يحجون معهم طوال وأكثر من مائتين سنة وكان أمر الحج في الوقوفين بيد الأمراء فهم يعينون الهلال ويعينون الموقف، ولم يرد أنهم أو أصحابهم تخلفوا عنهم في ذلك أو ذهبوا سرا إلى الموقفين كما يفعله جهال الشيعة فلا شبهة في صحة كل ما يؤتى به تقية يعني الحج صحيح والصلاة والصوم كذلك صحيح لو افطر قبل الغروب الواقعي تقية فإن صومه صحيح فلا شبه في صحة كل ما يؤتى به تقية ومن أراد الوقوف على أكثر من ذلك فليراجع رسالتنا في التقية.

ويأتي الكلام في المناقشة غدا إن شاء الله.

والحمد لله رب العالمين