الدرس 48

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ويلاحظ على ما أفيد أولا بان لفظ الحل عند إطلاقه ينصرف للحلية التكليفية كما في قوله: حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن توقف في الشبهات نجا من المحرمات، وقوله: كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال وأمثال هذه الروايات التي تنصرف للحلية التكليفية مع عدم تعلقها بفعل خارجي أو عين خارجية أو أمر اعتباري.

وأما الروايتان اللتان ذكرناهما كشاهدة على إرادة الحلية الوضعية فأول الكلام أن ظاهرهما الحلية الوضعية فقد يقال بان الرواية الأولى التي تعرضت لحكم من نزع الماء من عينه فمن المحتمل أنها ناظرة للحكم التكليفي حيث إنه يحرم ترك الصلاة الاختيارية بالعنوان الأولي فحرمة ترك الصلاة الاختيارية قد ارتفعت في فرض الاضطرار فتطبيق قوله وما من شيء حرمه الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه، على مورد السؤال لعل المنظور فيه هو جهة التكليف وهو رفع حرمة ترك الصلاة الاختيارية، كما أن الرواية الثانية وهو قوله عن المريض تمسك له المرأة شيئا فيسجد عليه لعله ناظر إلى الحكم التكليفي وهو انه هل يجوز تكليفا أن تمسك له المرأة وهو في الصلاة حيث لازم ذلك أن تكون المرأة إلى جانبه هل يحرم أن تمسك المرأة شيئا فيسجد عليه؟ فقال: هذا مما يحرم إلا في حال الاضطرار فما دام يحتمل نظر الروايتين إلى الحلية التكليفية فلا يتم الاستشهاد بهما لإرادة الحلية الوضعية وعلى فرض ظهورهما في الحلية الوضعية فذلك بالقرينة ومحل الكلام فيما إذا لم يكن هناك قرينة توجب انصراف اللفظ إلى الحلية الوضعية.

وأما بالنسبة إلى موثقة سماعة فحيث إنه فصل بين الجملتين بقوله وقال، فمن المحتمل أنهما من الجمع بين المروي وإن كانت الرواية واحدة ولا نافي لهذا الاحتمال فان هذا لا يناف أمانة الراوي أو ضبط الراوي إذا كان قد نقل هذين المرويين في رواية واحدة إذ ما دام احتمال الانفصال بينهما احتمالا عرفيا فلا يكون روايتهما معا موجبا للوقوع في الخطأ كي يكون النقل منافيا للأمانة.

وثانيا: إذا راجعنا الروايات الواردة في الصلاة تقية فهنا عدة ملاحظات:

الملاحظة الأولى: من المحتمل صدور نفس هذه الروايات تقية إذ يستبعد المرتكز المتشرعي أن تكون الصلاة خلفهم كالصلاة خلف رسول الله في الصف الأول فمن المحتمل أن تكون نفس هذه الروايات قد صدرت على سبيل التقية وحينئذ لا يكون الاستدلال بها استدلالا تاما بلحاظ أن أصالة الجهة إنما تجري في مورد لا تكون منشأ عقلائي لاحتمال الخلاف والسنة هذه الروايات مما يستبعدها المرتكز المتشرعي فهذا منشأ عقلائي لاحتمال الخلاف.

الملاحظة الثانية: بأنه على فرض أن هذه الروايات صدرت على سبيل بيان حكم واقعي فالتمسك بها لإثبات صحة الصلاة إنما هو بالإطلاق المقامي حيث قال: صلوا معهم، ولم يقل: أعيدوا فمقتضى الإطلاق المقامي هو صحة الصلاة معهم إلا أن الإطلاق المقامي إنما هو مفيد فيما كان متعارفا في أزمنة الأئمة مما يبتلى به من المخالفات من الصلاة الاختيارية مثلا كان الشيعة مبتلين في زمان الأئمة بالصلاة معهم متكتفين أو كانوا في زمان الأئمة بالصلاة معهم بقول آمين فهنا يكون مفاد هذه الروايات تصحيح الصلاة وأما لو كان ما يبتلي به الشيعة الآن عند صلاتهم مع العامة مما لم يبتل به الشيعة الإمامية في زمن النص فلا يستفاد من الإطلاق المقامي تصحيح الصلاة من جهته فلو فرضنا انه في زمان النص ما كان الشيعة يبتلون بما لا يصح السجود عليه لان السجود المتعارف في زمان النص حتى في مساجد العامة على ما يصح السجود عليه إما الحصر أو الأرض والبواري وأمثال ذلك فلو استلزمت الصلاة مع العامة في زماننا السجود على ما لا يصح السجود عليه فلا يمكن تصحيح الصلاة بأدلة التقية لان الصحة استفيدت من الإطلاق المقامي لان الإطلاق المقامي مورده المخالفات المبتلى بها في زمان المعصومين وهذا ليس من سنخ المخالفات المبتلى بها في زمان المعصومين ولذلك ذهب جملة من فقهائنا إلى انه إذا كان قد ابتلى بالسجود على ما لا يصح السجود عليه فلا يمكن تصحيح صلاته بل لا بد من الإعادة.

المناقشة الأولى: قلنا: إن نفس هذه الروايات صدرت تقية فإذا كان الاحتمال عقلائيا لم تجر أصالة الجهة.

المناقشة الثانية: على فرض جريان أصالة الجهة فيها وأنها صدرت لبيان الحكم الواقعي كيف يستفاد منها صحة الصلاة؟ إنما يستفد منها صحة الصلاة بالإطلاق المقامي حيث إن الإمام لم يقل واعد فيستفاد من ذلك صحة الصلاة معهم فنقول: إن الإطلاق المقامي إنما يعالج المحاذير المبتلى بها في زمان صدور النص لا المحاذير التي تكون محل ابتلاء.

فيما يترقب خطاب مخالف يستفاد من السكوت عنه عدمه، فيما يترقب خطاب مخالف في زمن النص هو المخالفات المبتلى بها أما هذا الفرض ما كان مبتلى به في زمن النص وهو السجود على ما لا يصح السجود عليه كيف يستفاد من الإطلاق المقامي لغوي إلغائه وتصحيح الصلاة من جهته.

المناقشة الثالثة: على فرض تمامية الاستدلال بهذه الروايات على صحة الصلاة فدعوى أنها ظاهرة في الاقتداء بهم بحيث تكون الصلاة صلاة ائتمام لا صلاة متابعة مما لا قرينة عليها في الروايات أصلا حيث قال: من صلى معهم ومعهم اعم وقال صلوا معهم في مساجدهم وقال صلى حسن وحسين خلف مروان ونحن نصلي معهم فلا يوجد في ما ورد من روايات صحيحة في هذا الباب لفظ يدل على أن الصلاة صلاة ائتمام كما لو قال: صل بصلاتهم أو قال: لا باس أن تقدوا بهم واقتدوا بهم في مساجدهم وأمثال ذلك من الألفاظ المفيدة للاقتداء.

هذا تمام الكلام في ما استدل به على تصحيح الصلاة في حال الاضطرار لترك جزء أو شرط.

ثم يقع الكلام منا في الصور الأربع التي عرضناها في أول البحث وبيان أحكامها:

الصورة الأولى: ما إذا كان الاضطرار مستوعبا كالمريض الذي يكون مرضها مستوعبا للوقت، فإذا صلى المريض صلاة اضطرارية ثم برء من مرضه بعد خروج الوقت فما هو مقتضى الأصل اللفظي وما هو مقتضى الأصل العملي؟

فهنا مقامان للبحث:

المقام الأول: في بيان مقتضى الأصل اللفظي وقد بحث الأعلام هنا في دليل وجوب القضاء هل أن دليل وجوب القضاء يشمل من صلى صلاة اضطرارية اضطرار مستوعب أم لا يشمل؟ فهنا جهتان للبحث:

الجهة الأولى: هل أن لأدلة القضاء إطلاقا يشمل موارد الاضطرار المستوعب أم لا يشمل؟

الجهة الثانية: على فرض أن لأدلة القضاء إطلاقا فهل لها مقيد يخرج من صلى صلاة اضطرارية أم لا؟

ففي الجهة الأولى: هنا محتملان في مفاد أدلة القضاء:

المحتمل الأول: ما ذكره سيد المستمسك «قدس سره» في ج1 ص67 من أن ورود أمر بقضاء الصلاة وقضاء الصوم قرينة على أن الأمر الأول كان على نحو تعدد المطلوب بمعنى أن الخطاب الذي توجه للمكلف عند دخول الوقت كان خطابا على نحو تعدد المطلوب، المطلوب الأول أوقع الصلاة الاختيارية والمطلوب الثاني أوقع الصلاة في الوقت، فإذا لم يتمكن المكلف من امتثال المطلوب الأول لكونه مضطرا فصلى صلاة اضطرارية فامتثل المطلوب الثاني وهو أوقع الصلاة في الوقت فإذا برئ من مرضه بعد خروج الوقت شمله المطلوب الأول وهو قوله أوقع الصلاة الاختيارية فيجب عليه القضاء.

لكن ما أفاده محل تأمل واضح إذ مجرد وجود أمر بالقضاء لا يعني أن الأمر الأول كان على نحو تعدد المطلوب فلعله أمر جديد والأمر الأول باق على ظاهره من كونه على نحو وحدة المطلوب. فإذا نأتي إلى الاحتمال الثاني.

المحتمل الثاني: أن الأمر بالقضاء أمرا جديد فإذا كان الأمر بالقضاء أمرا جديدا فلابد من تنقيح موضوعه فما هو موضوع القضاء لنفهم انه هل ينطبق على من صلى صلاة اضطرارية أم لا؟

فقد أفاد السيد الشهيد «قدس الله نفسه» في أصوله بان عنوان الوارد هو فوت الفريضة وفوت الفريضة محتمل لأربعة معان:

المعنى الأول: أن يراد بفوت الفريضة فوت الفريضة الفعلية كما لو نام ففاتت عليه الفريضة الفعلية أما من صلى صلاة اضطرارية فقد أتى بما هي فريضة فعلية في حقه فموضوع القضاء منتف في حقه هذا هو المعنى الأول.

المعنى الثاني: فوت الفريضة الأولية أي الفريضة المأمور بها لولا المانع فبناء على ذلك يكون من صلى صلاة اضطرارية قد فاتت منه الفريضة الأولية لان المأمور به لولا المانع هو الصلاة الاختيارية فمقتضى ذلك يجب عليه القضاء.

المعنى الثالث: فوت الملاك فالمراد بفوت الفريضة فوت ملاكها بحيث لم يمكنه استيفاءه وبناء على ذلك فحيث يحتمل انه استوفى الملاك بصلاته الاضطرارية فلم يحرز عنوان فوت الفريضة وبالتالي يجري استصحاب عدم الفوت فينتفي وجوب القضاء.

المحتمل الرابع: أن يكون الموضع مركبا أي يكون موضوع القضاء مركبا فيكون مركبا من عدم استيفاء الملاك وانقضاء الوقت فمن لم يستوفي الملاك وانقضى الوقت وجب عليه القضاء فإذا كان موضوع وجوب القضاء مركبا من هذين الجزأين فيمكن تنقيح موضوعه فنقول: الجزء الثاني وهو انقضاء الوقت محرز بالوجدان والجزء الأول وهو عدم استيفاء الملاك محرز بالاستصحاب لأنه قبل دخول الوقت أو أول دخول الوقت لم يكن مستوفيا للملاك فيستصحب عدم استيفائه للملاك فيتنقح بذلك موضوع وجوب القضاء.

إذن فعلى بعض المعاني لفوت الفريضة يجب عليه القضاء وعلى بعضها لا يجب.

وهنا في كلامه «قدس سره» ملاحظات:

الملاحظة الأولى: هي انه أفاد انه بناء على الاحتمال الثاني وهو أن موضوع وجوب القضاء فوت الفريضة الأولية فموضوع القضاء متحقق لأنه فاتت منه الفريضة الأولية لكن هذا غير واضح لم؟ لأنه لا يصدق فوت الفريضة عرفا إلا بفوت ملاكها وإلا لو لم يفت ملاكها فلم تفت الفريضة، إذن فحيث إن فوت الفريضة عرفا بفوت ملاكها فلابد أن نبحث هل أن صلاة الاضطرارية وفت بملاك الصلاة الأولية أم لا؟ فان وفت بملاكها فلم تفت منه الفريضة الأولية وإلا فقد فاتت منه الفريضة الأولية فمع احتمال وفاء الصلاة الاضطرارية بملاك الصلاة المأمور بها بالأمر الأولي إذن الفوت لم يحرز ومع عدم إحرازه فلا يشمله وجوب القضاء.

الملاحظة الثانية: أفاد «قدس سره» انه بناء على أن موضوع وجوب القضاء مركب من عدم استيفاء الملاك وانقضاء الوقت انه يمكن تنقيح هذا الموضوع بجريان استصحاب عدم استيفاء الملاك ولكن هذا الاستصحاب من القسم الثالث من أقسام الكلي والسر في ذلك: أن ملاك الصلاة المأمور بها مردد بين مرتبتين بين مرتبة استوفيت بالصلاة الاضطرارية وبين مرتبة لم تستوف قطعا فاستصحاب عدم استيفاء الملاك نقول: من قبيل الاستصحاب المردد بين مقطوع الارتفاع ومشكوك الحدوث فإنه إن كان ملاك الصلاة الأولية بمرتبة الثمانين مثلا فقد استوفي قطعا وكونه بملاك التسعين أول الأمر مشكوك الحدوث فاستصحاب عدم استيفاء الملاك مع تردده بين ملاك استوفي قطعا وملاك يشك في اتصاف الصلاة به من الأول من قبيل استصحاب الكلي من القسم الثالث وبالتالي فالجاري هنا استصحاب عدم ملاك زائد فان القدر المتيقن من ملاك الفريضة ما استوفاه ويشك هل أن للصلاة المأمور بها ملاكا أزيد من ذلك فيجري استصحاب عدمه لا أن الجاري استصحاب عدم استيفاء الملاك.

وأما ما هو موضع وجوب القضاء الذي قال عنه السيد الصدر «قدس سره» فيأتي الكلام عنه.

والحمد لله رب العالمين