الدرس 49

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا فيما سبق أن تنقيح النتيجة في صورة الاضطرار المستوعب كما إذا كان مريضا لا يقدر على القيام في الصلاة تمام الوقت يعتمد على جهات:

الجهة الأولى: هل أن لدليل القضاء إطلاقا يشمل من صلى صلاة اضطرارية أم لا؟

وذكرنا فيما سبق المحتملات التي ذكرها السيد الصدر «قدس سره» في دليل القضاء، وحينئذ لابد من قراءة الروايات المتعرضة للأمر بالقضاء لمعرفة هل أن لها إطلاقا يشمل ما إذا صلى المكلف صلاة اضطرارية داخل الوقت فمن هذه الروايات:

الرواية الأولى: صحيحة زرارة ح1 ب2 من أبواب قضاء الصلوات عن أبي جعفر أنه قال: أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة، صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها، ولكن الواضح من هذه الرواية أنها ليست في سياق بيان وجوب القضاء كي يتمسك بإطلاقها إنما هي في مقام البيان في جهة أخرى وهي أن وجوب القضاء لا يختص بساعة معينة فوجوب القضاء فرغ عنه وليس الكلام فيه وإنما الكلام هل أن صلاة القضاء تختص بصلاة معينة أم لا؟ فأجاب الإمام: بأنها لا تختص بساعة متى ذكرتها أديتها.

الرواية الثانية: صحيحة زرارة ح1 ب6 من أبواب قضاء الصلوات قلت له: رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر، قال: يقضي ما فاته كما فاته، إن كانت صلاة السفر أداها في الحضر مثلها وإن كانت صلاة الحضر فليقضي في السفر صلاة الحضر كما فاتته، وهذه الرواية أيضا ليست في مقام بيان وجوب القضاء وإنما هي في مقام اعتبار المطابقة بين القضاء والمقضي يقضي ما فاته كما فاته قصرا فقصرا ولو كان في الحضر تماما فتماما كما كان في السفر.

الرواية الثالثة: صحيحة زرارة ح3 ب2 من أبواب قضاء الصلوات عن أبي جعفر أنه سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها، قال : يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار فإذا دخل وقت الصلاة ولم يتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت فهذه أحق بوقته يعني الفائتة مقدمة إلا أن يخاف الفوت، فليصلها فإذا قضاها فليصل ما فاته مما قد مضى ولا يتطوع بركعة حتى يقض الفريضة كلها.

فهذه الرواية قد يدعى أن مقتضى الجمع بين صدرها وذيلها حيث ذكرت في صدره عنوان الفوت وذكرت في ذيلها عنوان الفريضة فمقتضى الجمع أن يقال: إن موضوع وجوب القضاء فوت الفريضة، فما ذكره السيد الصدر «قدس سره» من أن الوارد في روايات القضاء هو عنوان فوت الفريضة ولابد م بحث هذا العنوان لم يرد هذا العنوان كما هو لا توجد إلا هذه الرواية ولم تعبر بفوت الفريضة ولكن مقتضى الجمع بين بعض العبارات والبعض الآخر أن موضوع وجوب القضاء فوت الفريضة.

وهنا يقع البحث: هل يصدق على من صلى صلاة اضطرارية بتيمم أو جلوس ولا يقدر على القيام أو ترك السورة لأنه بين العامة ولا يستطيع أن يصلي الصلاة الاختيارية في تمام الوقت وهكذا.. هل يصدق عليه أنه فاتته الفريضة فيكون الأمر بالقضاء شاملا لمثله أم لا؟ فلابد من تنقيح عنوان الفريضة في هذه الرواية، فقد يقال: إن ظاهر الفريضة في هذه الرواية أن المراد بها الفريضة الأولية وان لم تكن فريضة بالفعل في حقه أثناء الوقت بدليل وبقرينة أن الإمام طبقها على من نسي أو نام ومن الواضح أن من نسي أن يصلي طول الوقت أو نام فليس في حقه فريضة بالفعل ومع أنه ليس مأمورا بفريضة أثناء الوقت مع ذلك الإمام قال: فليقض الفريضة ولا يتطوع بركعة حتى يؤدي الفريضة، فهذا شاهد على أن المراد بالفريضة الفريضة الأولية وإذا كان المراد بالفريضة الفريضة الأولية شملت من صلى صلاة اضطرارية فإنه وإن أدى الفريضة الفعلية في حقه وهي الفريضة الاضطرارية لكنه فاتته الفريضة الأولية.

ولكن غاية ما يستفاد من هذه الرواية بمقتضى التطبيقات الموجودة فيها أن المراد بالفريضة ما أمر به لولا طرو المانع كما لو طرا النوم أو النسيان وأما ما أمر به لأجل الاضطرار فحينئذ لا يشمله هذه العنوان فظاهر الرواية بمقتضى سياق التطبيق فيها أن المراد بالفريضة ما كان مأمورا بها بالفعل لولا وأما ما أمر بخلافها فلا شمله عنوان الفريضة.

إذن فلا يحرز شمول عنوان الفوت أو فوت الفريضة على من صلى صلاة اضطرارية فمن الأصل لا يجب القضاء عليه لأنه لا يشمله الأمر بالقضاء بلا حاجة إلى أن نبحث عن دليل يدل على صحة صلاته بل نقول: إن الأمر بالقضاء لا يشمله، ولكن على فرض شمول دليل القضاء له كما لو قلنا بأن المراد بالفريضة هو الفريضة الأولية فهل لدليل القضاء مقيد أم لا؟ فهذا ما نبحث عنه في الجهة الثانية، هل دليل القضاء مقيد أم ليس له مقيد؟

ذكر للتقييد وجوه:

الوجه الأول: ما ذكره المحقق النائيني «قدس سره» أن الشرط المضطر لتركه كما لو ترك السورة أو ترك الاطمئنان أو ترك ما يصح السجود عليه إما دخيل في الملاك أو غير دخيل فإن قلتم بأن الشرط المفقود دخيل في الملاك مطلقا فمقتضى دخالته في الملاك مطلقا أن لا أمر في حقه أثناء الوقت لأنه غير قادر على استيفاء هذا الملاك إذ ما دام الشرط صحة المسجد شرطا دخيلا في الملاك في تمام الحالات وهذا الشخص أثناء الوقت غير قادر على استيفاء هذا الملاك لأنه مضطر للترك إذن فليس مأمورا أصلا وهذا خلف الفرض فإن محل كلامنا فيمن صلى صلاة مأمورا بها فيبحث هل أن عليه القضاء أم لا؟

وإن قلتم بأن هذا الشرط ليس دخيلا في الملاك حال الاضطرار فإذا لم يكن دخيلا في الملاك حال الاضطرار فقد استوفى هذا المكلف بصلاته الاضطرارية الملاك المأمور به وبعد استيفائه تمام الملاك المأمور به فلا معنى للقضاء أصلا إذ وجوب القضاء منتف بانتفاء موضوعه.

ولكن يلاحظ على ما أفيد من أنه يحتمل شق ثالث وهو أن يكون الشرط دخيلا في مرتبة من الملاك وليس دخيلا في أصلا الملاك فبلحاظ أنه دخيل في مرتبة لزومية من الملاك أمر بالقضاء لتدارك تلك المرتبة اللزومية وبلحاظ أنه ليس دخيلا في أصل الملاك وكانت مصلحة الوقت يعني مصلحة الأداء مصلحة لزومية ينبغي تحصيها أمر بالصلاة الاضطرارية أثناء الوقت فالمصحح لأمره بالصلاة الاضطرارية أثناء الوقت مع أن الشرط دخيل في مرتبة من الملاك إدراك مصلحة الوقت والمصحح لأمره بالقضاء تحصيله المرتبة اللزومية من الملاك التي يكون الشرط دخيلا فيها، فالنتيجة أنه لا معنى لأن يقال: إما دخيل في الملاك فالموضوع منتفي أو ليس دخيلا في القضاء فقد انتفى موضوع وجوب القضاء.

الوجه الثاني: أن دليل الأمر الاضطرار مقتضاه جعل الاضطرار بدلا عن الاختياري إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا بوجوهكم... وإن كنتم على سفر فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا. فإن ظاهره أن التيمم بديل وان الصلاة مع التراب بدل عما سبق، ومقتضى بدليته عنه عدم فوته فهو لم يفت ما دام قد أتى ببدله فلا يشمله الأمر بالقضاء.

ويلاحظ على ذلك أن مجرد الأمر بالعمل الاضطراري لا دلالة فيه على جعل البدلية ما لم تقم هناك قرينة خاصة فلو قال الشارع: من لم يستطع أن يكمل الصوم لكونه بين العامة فليفطر معهم فهل يستفاد من هذا أنه جعل الصوم الناقص بدلا عن الصوم التام بحيث لا يصدق عليه أنه فات منه الصوم فلا يجب عليه القضاء هذا مما لا شاهد عليه إذ غاية الأمر بالاضطرار أن الشارع أراد إدراك مصلحة معينة من خلال هذا الأمر فأمر به لا أنه جعله بدل عن الصلاة الاختيارية كي يقوم مقامها في عدم صدق الفوت.

الوجه الثالث: ما ذكره سيدنا الخوئي «قدس سره» أن مقتضى الإطلاق المقامي للأمر الاضطراري هو سقوط القضاء بلحاظ أن الشارع إذا أمر المكلف بأن يصلي بتيمم فقال فلم تجدوا ماء فتيمموا أو قال: المريض يصلي جالسا أو قال: من لم يقو على القيام فليصل جالسا وأمثالها من الروايات فإنه لو كان يجب القضاء على من أتى بتلك الصلاة لنبه عليه بلحاظ أن ارتفاع العذر بعد خروج الوقت أمر متعارف شائع إذ كثيرا ما ترتفع الأعذار بعد خروج الوقت ولو بعد سنة فمقتضى كونه متعارف أن يكون موطنا للسؤال والترقب فهل إذا ارتفع عذره يقضي الصلاة أم لا بحيث يجتزئ بما صلى فسكوته عن التنبيه على وجوب القضاء مع تعارف ارتفاع العذر بعد خروج الوقت مع كونه في مقام بيان الوظيفة شاهد على عدم الأمر بالقضاء فالإطلاق المقامي للأمر الاضطراري مقيد لإطلاق أدلة القضاء إن كان لها إطلاق في نفسها.

وما ذكره عرفي متين.

الوجه الرابع: وهو وجه خاص ببعض الصور وهو ما إذا اضطر لترك جزء غير ركني في الصلاة فإذا اضطر لترك جزء غير ركني في الصلاة كانت صلاته صحيحة لرواية خاصة ألا وهي صحيح ابن سنان وقد استدل بها السيد الأستاذ دام ظله على الصحة ب3 من أبواب القراءة ح1 عن أبي عبد الله : أن الله فرض من الصلاة الركوع والسجود ألا ترى لو أن رجلا دخل الإسلام وهو لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزءه أن يسبح ويكبر ويصلي، فإن ظاهر الرواية أن أجزاء الصلاة على قسمين: ما فرضه الله وما لم يفرضه فما فرضه الله هو الركوع والسجود وبالتالي فمن لم يأت بالركوع والسجود فإن صلاته فاسدة وأما إذا أخل بغير الركوع والسجود لعدم قدرته عليه كما لو دخل الإسلام وهو لا يحسن أن يقرا القران بحيث يحتاج إلى وقت لتعلم القراءة والوقت لا يسع لتعلم القراءة اجزءه أن يسبح ويكبر ويصلي، ومدلولها الالتزامي الواضح صحة صلاته، فيمكن تعميم مفاد الرواية عرفا لمن صلى جالسا وهو مريض أو لمن صلى مع العامة فترك السورة أو ما يصح السجود عليه مع كون الاضطرار مستوعبا بأن لم يقدر على صلاة غيرها أثناء الوقت.

ولا يبعد ما أفيد من أن العرف لا يرى خصوصية للعجز عن القراءة هذا كله بلحاظ مقتضى الأصل اللفظي في الاضطرار المستوعب، وأما مقتضى الأصل العملي فلو فرضنا أنه لا دليل لفظي على سقوط القضاء عمن صلى صلاة اضطرارية، ولا دليل على العدم ووصلت النوبة إلى الأصل العملي فحيث إن القضاء بأمر جديد فالشك حينئذ شك في حدوث تكليف له للقضاء ومقتضى استصحاب عدم الفوت حيث إن موضوع القضاء هو الفوت وهو يشك فيه فمقتضى استصحاب عدم الفوت عدم وجوب القضاء لانتفاء موضوعه.

هذا كله في الصورة الأولى الاضطرار المستوعب.

الصورة الثانية: الاضطرار غير المستوعب مع عدم الالتفات لذلك كما لو افترضنا أنه كان عاجزا في أول الوقت عن الصلاة مع الطهور المائي أو عاجزا في أول الوقت عن الصلاة مع السورة ولا يدري هل يرتفع عذره أم لا فاستصحب بقاء العذر وصلى الصلاة الاضطرارية ثم انكشف ارتفاع العذر.

فهنا جهات للبحث هل أن الأمر الاضطراري مطلق يشمل الاضطرار غير المستوعب، والجهة الثانية هل أن الاستصحاب الاستقبالي وهو استصحاب العذر إلى آخر الوقت يجري في حقه هذه الجهة الثانية جدا مهمة لأن فيها فروع ابتلائية كثيرة، والجهة الثالثة هو أنه هل أن الأمر الاختياري الذي انكشف أنه قادر على امتثاله له إطلاق بحيث يشمل من صلى صلاة اضطرارية معتقدا بقاء العذر إلى آخر الوقت فهنا ثلاث جهات للبحث:

الجهة الأولى: هل للأمر الاضطراري إطلاق أم لا؟ الظاهر خلافا للسيد الإمام «قدس سره» انصراف الأوامر الاضطرارية عن العذر الوقتي وانصرافها للاضطرار المستوعب بمقتضى مناسبة الحكم للموضوع فإذا قال : المريض يصلي جالسا فإن المنصرف منه أنه إنما أمره بالصلاة جالسا لأنه لا يقدر على الصلاة قائما فلو انكشف أنه قادر على الصلاة قائما لم يشمله مثل هذا الأمر أو قوله: إن قمتم إلى الصلاة فلم تجدوا ماء فتيمموا فإنه وإن كان مقتضى الحرفية اللغوية أن المدار على وقت القيام للصلاة فإن كان واجدا للماء صلى بالماء وان لم يجد الماء تيمم لكن المنصرف العرفي من الآية أنه إنما أمر بالتيمم لعدم قدرته على الصلاة مع الطهارة المائية فلا يشمل من كان قادرا على الصلاة مع الطهارة المائية في جزء من الوقت فالإنصاف انصراف الأوامر الاضطرارية للاضطرار المستوعب كما هو مسلك سيدنا «قدس سره» وبالتالي فلا يمكن أن نتكئ على إطلاق الأوامر الاضطرارية لإثبات صحة عمله.

يأتي الكلام في الاستصحاب الاستقبالي غدا إن شاء الله

والحمد لله رب العالمين