الدرس 107

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

المورد الثالث: الخلاف في أنّ هل هناك فرق بين الرياء والضمائم المحرمة أم لا؟ حيث ذهب صاحب العروة إلى أنّ الرياء مبطل على كل حال بخلاف الضمائم المحرمة الأخرى، بينما ذهب سيّدنا «قده» إلى عكس ذلك، وأنّ الرياء التبعي ليس مبطلاً بل ليس رياء، بخلاف الضمائم المحرمة كقصد الهتك مثلاً، أو قصد نقض التقية بعمله، فإنّه موجب للبطلان وإن قصدا تبعيا.

والصحيح ما أفاده صاحب العروة «قده» وذلك: لمجموع أمور:

الأوّل: إن محل بحثنا ليس في مانعية قصد الضميمة المحرمة من قصد التقرّب، وقد سبق أنّ الضميمة المحرمة إذا كانت تابعة فلا منافاة بينهما وبين قصد التقرّب، وإنّما البحث في أنّ الضميمة المحرمة إذا كانت عنوانا للعمل، فهل يكون العمل مقرّبا مع كونه معنونا بعنوان محرم أم لا؟ فإن البحث في هذه النقطة.

الأمر الثاني: إنّ العناوين إمّا قصدية محضة كالعجب مثلا، وهذا خارج عن محل بحثنا، أو انطباقية محضة قُصدت أو لم تُقصد كعنوان الهتك، وهذا أيضا خارج عن محل كلامنا، وإما العناوين القصدية القابلة لأن تنطبق على العمل، مثل عنوان «الرياء» مثل عنوان «نقض التقية» وهكذا من العناوين، فهذا هو محل البحث، في العنوان القصدي الذي قد ينطبق على العمل، فلو انطبق عليه فهل يكون مانعا من المقربية أم لا؟

الأمر الثالث: إنّ التبعية - حيث إن سيدنا «قده» جعل الكلام في التبعية يعني ما إذا كانت الضميمة المحرمة تابعة - إمّا بمعنى المقارنة، فيُقال قصد القربة وقصد العجب تبعا، بمعنى أنّ العجب كان أمرا مقارنا لقصد التقرب ولم يكن ذا داعوية ولا محركية نحو العمل، فإذا كان المراد بالتبعية المقارنة فلا أثر لها، لا في الرياء ولا في غيره من الضمائم؛ لأنّه إذا كانت الضميمة محرمة مجرد مقارن من دون أي محركية لها نحو العمل ولو على سبيل التفكيك، فحينئذ لا أثر لهذه الضميمة المحرمة لأن العمل لا يتعنون بها؛ إذا إنما يتعنون العمل بها فرع داعويتها للعمل، فإذا لم يكن لها داعوية فلا يتعنون العمل بها، وإذا لم يتعنون العمل بها فهي خارجة عن محل الكلام موضوعا، من دون فرق في ذلك بين الرياء وبين غيره من الضمائم.

وأمّا إذا كانت التبعية بمعنى العامل المساعد، أي أنّ لها جزء من المحركية، فالمكلف يقول: لو لم تكن عندي هذه الضميمة المحرمة لكنت متحركا، ولكن مع وجودها فإنني اتحرك عن مجموعهما، ولو كانت نسبتها من المحركية نسبة ضيئلة، ففي هذا الفرض يتعنون العمل بهذه الضميمة المحرمة رياء أو غيره من الضمائم المحرمة، كقصد الهتك مثلا أو قصد نقض التقية مثلا، وامثال ذلك من الضمائم المحرمة.

وإنما يُتصور الفرق بين الرياء وبين غيره من الضمائم المحرمة: أنّه مبطلية العمل في الضمائم المحرمة كما لو قصد بمسح رجليه في الوضوء أمام العامّة قصد التقرّب ونقض التقية، بحيث يكون نقض التقية ذا اثر في المحركية، فهو عندما مسح قدميه قصد بمسح القدمين التقرب ونقض التقية.

هنا في مثل هذه الصورة لا موجب للبطلان إلّا باب اجتماع الأمر والنهي، أي يبتني البطلان على اجتماع الامر والنهي، فإن قلنا بامتناع اجتماع الامر والنهي إذا كان التركيب بين العنوانين اتحاديا كما هو مسلك سيّدنا «قده»، أي بين عنوان الوضوء وعنوان نقض التقية، تركيب اتحادي والمعنون واحد، فبناء على ذلك يكون هذا المسح باطلا.

وأمّا إذا قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي لكفاية تعدد العنوان في الجواز، كما ذكره صاحب الكفاية، او قلنا ملاك الجواز ان تكون النسبة بين العنوانين عموما من وجه كما هو المختار، في أنّه متى كانت النسبة بين العنوانين عموما من وجه جاز اجتماع الامر وا لنهي، كما هي النسبة بين نقض التقية والوضوء فإن النسبة بينهما عموم من وجه، فيجوز اجتماع الامر والنهي، أو قلنا بأنّ المورد أصلا هو من موارد التركيب الانضمامي لا الاتحادي، كما ذهب إليه سيدنا «قده» في هتك المعصوم ، حيث قال: إذا تقدم المصلي على قبر المعصوم فالتركيب بين عنون الهتك وعنوان الصلاة تركيب انضمامي وليس تركيبا اتحاديا؛ لأنّ الهتك منطبق على الوقوف الذي هو من مقولة الأين، وليس منطبقا على نفس افعال الصلاة ألّا وهي الركوع والسجود التي من مقولة الفعل، فما هو منطبق عنوان الصلاة واقعا غير ما هو منطبق عنوان الهتك؛ لذلك التركيب بينهما انضمامي وليس اتحاديا، ولأجل كون التركيب انضماميا فيجوز اجتماع الامر والنهي، فمتى قلنا بجواز اجتماع الامر والنهي إما لمنع الكبرى أو لمنع الصغرى فالضميمة المحرمة لا تُبطل العمل، لكن لو كانت الضميمة رياء قلنا بالمبطلية وإن جاز اجتماع الأمر والنهي، والسرّ في القول بالمبطلية وإن جاز اجتماع الامر والنهي اطلاقات مبطلية الرياء.

فإنّ قوله في صحيحة زرارة «من عمل عملا يبتغي به وجه الله والدار الآخر وادخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا» شامل لقوله «وادخل فيه» لما إذا قصد الرياء وإن كان التركيب بينهما تركيبا انضماميا لصدق الظرفية عرفا في مثل هذا المورد، كما هو مقتضى اطلاق صحيحة الحلبي، «أنا خير شريك فمن عمل لي ولغيري كان عمله كمن عمل لغيري» فالصحيح ما ذهب إليه صاحب العروة «قده» من الفرق بين الرياء والضميمة المحرمة، وأنّ الرياء مبطل على أية حال متى انطبق على العمل وإن كان قصده تبعيا، لأن مبطليته تبتني على الاطلاقات لا على مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي وامتناعه بخلاف الضمائم المحرمة الأخرى فإن مبطليتها تبتني على تلك المسألة فتدور مدار القول بالجواز أو الامتناع، هذا هو المورد الثالث من الخلاف بين الأعلام في هذا البحث.

المورد الرابع: ذكر سيّدنا «قده» في الجزء الرابع عشر من الموسوعة صفحة 27: أنّ جزء الصلاة إذا كان من سنخ الاذكار كالقرآن مثلاً، فإذا اتى بفاتحة الكتاب مثلاً رياء فتارة يقصد بالفاتحة الريائية الجزئية من الصلاة فهنا تبطل الصلاة لصدق الزيادة العمدية، حيث إنّ المناط في الزيادة العمدية بنظره لقصد الجزئية فإذا اتى بعمل بقصد الجزئية وكان عملا فاسدا لأنّه اتى به رياء صدق عليه أنه زيادة فيكون مبطلا للصلاة او لم يتدارك.

وأمّا إذا لم يأتي به بقصد القربية، قرأ الفاتحة رياء ولم يقصد بها الجزئية من الصلاة، فهنا إن تدارك فاتى بفاتحة قربية بقصد الجزئية صحت صلاته وإلّا لم تصح لأجل النقيصة؛ إلّا أن المحقق النائيني «قده» في تعليقته الأنيقة على العروة ذكر بأنه متى ما اتى بالذكر بقصد الرياء وإن لم يقصد به الجزئية كان مبطلاً لأجل مبطلية الكلام العمدي. وهذا البحث تعرّض له السيّد الخوئي في الجزء 15 - وهنا اشار في الجزء الرابع ص27 - بشكل مفصّل.

وهنا روايات صحيحة اُعتمد عليها - تعرض إليها في صفحة 437 لبيان مبطلية الكلام العمدي، منها صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله «في الرجل يصيبه الرعاف؟ قال: إن لم يقدر على ماء حتّى ينصرف لوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته».

وصحيحة محمد بن مسلم قال: «إن تكلم فليُعد صلاته» هذا من ناحية الروايات، وفي صفحة 447 أفاد: هل أنّ موضوع المبطلية الكلام خرج عنه الذكر تخصيصا أو أنّ موضوع المبطلية كلام الآدمي؟ الذكر خارج تخصصا. هل أنّ المستفاد من الروايات التي قرأناها أنّ موضوع المبطلية مطلق الكلام؟ قال: «وإن تكلم فليُعد» لم يقل كلام ادمي او غير آدمي، خرج منه الذكر تخصيصا، فعلى هذا المبنى أي مبنى التخصيص نقول: القدر المتيقن من المخصص الذي خرج عن إطلاق دليل المبطلية ما إذا كان الذكر مباحا، وأمّا إذا كان الذكر محرما لكونه رياء فيبقى تحت اطلاق دليل المبطلية وهو قوله «إن تكلم فليُعد» لأن مقدار المخصص هو هذا، أنّه يجوز له الذكر من تسبيح وتحميد وتمجيد ودعاء إذا كان راجحا مباحا.

وأمّا إذا قلنا كما ذهب إليه سيدنا «قده» أنّ قوله «وإن تكلم فليُعد» منصرف إلى الكلام الذي ليس من سنخ الصلاة، أي وإن تكلم بكلام ليس من سنخ الصلاة فليعد، فبناء على هذا يكون الذكر خارجا تخصصا وموضوعا، فلو اتى بذكر محرم لم يكن مبطلا؛ لأنه من الأساس ليس مشمولا لأدلة المبطلية وإن كان محرما في نفسه.

ولا يُبعد كما ذكره سيّدنا «قده» من انصراف هذه الروايات لما ليس من سنخ الصلاة إمّا بمقتضى مناسبة الحكم للموضوع، فإنّ مقتضى المناسبة انصراف الكلام لما ليس من الصلاة، ولما لا يكون من سنُخ الصلاة، أو لما ذكره أحد الطلبة من احتفاف هذه الأدلة من حين صدورها بالمرتكز المتشرعي الذي يرى أنّ الذكر من شأن الصلاة وليس خارجا عنها، فاحتفاف الأدلة بهذا المرتكز يُوجب من الأول انصرافها عن الذكر الصلاتي، فالنتيجة: أنّ الصحيحة في هذا المورد هو ما ذكره سيّدنا «قده».

المورد الرابع والأخير من موارد الخلاف في هذه المسألة: إذا قصد الرياء بالمستحب، كالقنوت، كما لو اتى بالقنوت رياء، فهل يكون ذلك مبطلا للصلاة أم لا؟ حيث ذهب صاحب العروة إلى البطلان، قال: وهذا أيضا باطل على الاقوى.

لكن سيّدنا «قده» في صفحة 30 من جزء 14 قال: فيه نظر بل منع، لما ذكرناه في الاصول من أنّ الجزء المستحب غير معقول، سواء أُريد به جزء الماهية أم جزء الفرد، وما يترآى من ذلك كالقنوت يُراد به أنّه عمل مستقل ظرفه الواجب، فهو مزية خارجية تستوجب كون الفرد المشتمل عليها افضل الافراد، والتعبير عنه ب «الجزء المستحب» مبني على ضرب من التوسع، فكأن ظاهر كلامه، أنّه لو قلنا بالجزء المستحب لكان مبطلاً. فكأن المبطلية تبتني على ذلك البحث وهذا بحثناه في اول مباحث اول مباحث الخلل في تصوير الجزء المستحب وعدمه، فكأنّ المسالة تبتني على ما ذُكر هناك من أنّه إن قلنا بالجزء المستحب فالرياء به مبطل للصلاة كالجزء الواجب، وإن لم نقل بالجزء المستحب كما هو مسلكه فالبطلان منتف بانتفاء موضوعه.

ولكن الصحيح ليس كذلك فإن الاتيان بالمستحب رياء فيه تفصيل ولا فرق في هذا التفصيل بين القول بالجزء المستحب أو غيره، وبيان ذلك: بأنه إن قصد الرياء بالصلاة المشتملة على القنوت، فمتعلّق الرياء الصلاة المتضمنة للقنوت، كان العمل باطلاً، لانطباق عنوان الرياء على الصلاة، سواء كان القنوت جزءا مستحبا او كان القنوت مستحبا في الواجب، وإن قصد الرياء ذات القنوت مع غمض النظر عن الصلاة، قال انا اردت القنوت فقط، فإن بطلانه بالرياء لا يوجب بطلان الصلاة، قلتم بانه جزء أو أنه عمل مستحب؛ بلحاظ أنّ الرياء إنّما يُبطله ولا يسري بطلانه إلى الاجزاء الأخرى ما دام المأمور به الوجوبي غير متقوم به؛ لكونه وإن كان جزءا إلا أنّه جزء مستحب، فما دام المركب المامور به بالامر الوجوبي غير متقوم به إذاً فبطلانه بالرياء لا يسري لبطلان المركب الواجب، فلا يبتني أو فلا تبتني النتيجة على البحث في امكان الجزء المستحب وعدمه كي تكون هذه المسألة من ثمرات الجزء المستحب، فافهم واغتنم وتأمل!

والحمد لله رب العالمين